لا تنكر العين وسط التحركات السياسية الجارية توطئة لمرحلة مهمة من تاريخ مصر، تترقب انتخابات برلمانية حامية الوطيس، تجري في ظله انتخابات رئاسية بالغة الأهمية أيضا لم يحسم الجدل حتي تاريخه داخل أروقة الحزب الوطني أو لو شئنا الدقة في كرنفال الشارع السياسي حول مصير مشروع التوريث داخل النظام أو انتقال السلطة. هناك تراتيب تؤخر وتقدم أطرافا سياسية فاعلة علي نحو مغاير لما جري في الانتخابات الماضية عام 2005، وكلام عن صفقات يثبتها البعض وينفيها آخرون بين الحزب الوطني الحاكم وبعض الأحزاب السياسية انتقاصا من تواجد قوي لحركة الاخوان المسلمين. مصر متزاحمة بحركات سياسية وأيديولوجية متنوعة تعلن عن وجودها وتتداخل في صميم محاولات الإصلاح السياسي واستشراف مستقبل جديد للحياة السياسية المصرية، وبعد أن فتحت حركة كفاية صالونات الحراك السياسي وجلبت المزادات السياسية التي تنادي تسويق الأفكار لأعلي سعر بدأتها في وسط القاهرة بميدان التحرير واستقرت علي سلالم نقابة الصحفيين بشارع عبد الخالق ثروت، وسط شعب صامت يرقب عن كثب ما يجري حوله. وقد كانت كفاية صرخة أطلقها مواطنون مصريون، مع اختلاف اتجاهاتهم السياسية والفكرية والمهنية، يحذرون من وجود مخاطر وتحديات هائلة تحيط بالأمة، متمثلة في الاحتلال الأمريكي للعراق، والعدوان الصهيوني المستمر علي الشعب الفلسطيني، ومشاريع إعادة رسم خريطة وطننا العربي، آخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير، مما يهدد قوميتنا ويستهدف هويتنا، ويستتبع حشد كل الجهود لمواجهة شاملة علي كل المستويات السياسية والثقافية والحضارية. ذلك هو السبيل الوحيد لبناء وطن حر يؤمن بالديمقراطية والتقدم ويحقق الرفاهية المنشودة لشعبنا العربي بمصر الحبيبة. لكن الأضواء المصرية المعتادة في الاختلاف والتخوين لاحقت كفاية منذ فترة وأقعدتها عن دورها الذي أشعل همة الشارع، ولم تكد تفتر «كفاية» حتي ظهر في الأفق «الجمعية الوطنية للتغيير»، وقد كان فارسها الأول هو الدكتور محمد البرادعي أو بمناسبة ظهوره علي الساحة المصرية مرشحا محتملا للرئاسة أو داعما ثقيلا لمشروعات الإصلاح والتغيير، لكني لا أُبخس قدر ودور الدكتور حسن نافعة كشخصية مصرية رصينة في إحداث تحولات دقيقة في فهم وفكر النخبة المصرية وآخرين معه داخل منظومة الجمعية الوطنية للتغيير، وبين كفاية وجمعية البرادعي للتغيير، كانت هناك مرحلة انتقالية تمثلت في جبهة الدكتور عزيز صدقي أُطلق عليها آنذاك «التجمع الوطني للتحول الديمقراطي» بهدف الدعوة إلي الإصلاح وإعداد دستور جديد للبلاد ووضع برنامج لتشغيل الطاقات المعطلة في الاقتصاد المصري ومواجهة الفساد. المتغير الجديد برأيي يتمثل في التغيير الذي حدث داخل حزب الوفد الجديد وتولي الدكتور السيد البدوي رئاسته بعملية ديمقراطية بالغة الدلالة تناغمت معها مشاعر الرأي العام في مصر، رغبة في ممارسة شعبية طموح نحو التغيير، وبدا أن الوفد يريد أن يخرج من جلباب الاحزاب السياسية الذي ترهل منذ فترة وتبدو القواسم المشتركة في مبادئ تلك التجمعات وتحركات الوفد الجديدة، فكلها تقريبا ترمي إلي تحقيق الإصلاح السياسي والدستوري في مصر، وكلها أيضا تنادي بضرورة إلغاء قانون الطوارئ، وتداول السلطة تداولا سلميا وطبيعيا ينهي احتكار الحزب الوطني الحاكم للسلطة، وكلها أيضا طالب بعدم التوريث واتفقوا علي أن الاستبداد الشامل، هو السبب الرئيسي في عدم قدرة مصر علي مواجهة هذه المخاطر، مما يستلزم إصلاحاً شاملاً، سياسياً ودستورياً، يضعه أبناؤها قبل أن يزايد البعض به عليهم تحت أي مسمي. مما يكشف عن ملاحظات ضرورية: أولاً: أن استسلام الأحزاب السياسية لاستبداد الحزب الوطني الحاكم هو الذي أدي إلي ابتعاد كل هذه الطاقات ضمن تشكيلاتها، وعدم ثقة هذه التجمعات في قدرة الأحزاب القائمة علي التعبير عن مطالب الأمة في هذا الظرف، ومن ثم أضحت تلك الأحزاب خارج حسابات الدوائر الشعبية، ثم جاءت صحوة الوفد لتعيد الحسابات من جديد. ثانياً: أن تنامي حركات التغيير وتجمعاتها يعلن عن بدء مرحلة جديدة تسعي فيها هذه القوي السياسية إلي إقناع الشعب بالتحرك ومساندتها وجمع توكيلات التفويض وهي في هذا الشبه قريبة من حركة التوكيلات الشعبية التي سبقت ثورة 19، ويكشف عن تراجع نفوذ الحزب الوطني وبدء تفكك مؤسساته في نسيج المجتمع. ثالثاً: غياب التيار الإسلامي عن واجهة المشهد باستثناء جماعة الإخوان المسلمين التي تعزز من مواقعها في الشارع المصري وحتي داخل هذه الحركات الجديدة، ولكن هناك قوي وتيارات إسلامية أخري كانت حاضرة لفترات طويلة لم تدل بدلوها بعد فيما يجري من غليان داخل المجتمع المصري. رابعاً: وهو الأهم رغم توحد كل هذه الحركات والتجمعات في المطالب والرؤي فإنها فشلت في تحقيق قدر من التنسيق والعمل الجماعي الموحد الذي يستطيع مواجهة دوائر السلطة والحزب الوطني، مما يمكن أن يفيد الحزب الحاكم من حالة الانقسام الحادة بين هذه الحركات وتلك التجمعات الجديدة. فهل ستؤدي هذه التحركات المتنوعة إلي فتح شهية رجل الشارع وتشجيعه علي الانضمام لحركة الشارع في مواجهة تحركات السلطة والحزب الوطني من تمرير مشروعاته التي يرمي من ورائها للسيطرة علي مقاليد الحياة السياسية علي الأقل في مرحلة انتقالية خطيرة بين التمديد للرئيس مبارك باعتباره رمز النظام وغيابه، فلمن ستكون الغلبة؟