الحزب المحسوب علي الإسلاميين انتصر في جميع معاركه ضد حماة العلمانية الأتراك يستعدون لمزيد من الحقوق إسرائيل: لا مبرر للخوف من إسلامية أردوجان نتيجة الاستفتاء زادت من قوة حزب العدالة في مواجهة العلمانيين لم يكن فوز حزب العدالة والتنمية في الاستفتاء علي تعديل الدستور هو النصر الأول الذي يحققه الحزب المحسوب علي التيار الإسلامي في مواجهة من يصفون أنفسهم بحماة العلمانية الأتاتوركية. فحزب العدالة الذي يحكم تركيا منذ نحو ثماني سنوات استطاع أن يبدد المخاوف التي كان يسوقها معارضو الحكم الإسلامي من أن حكم حزب ينتمي للتيار الإسلامي سيعود بتركيا إلي عصر العثمانيين، وكان انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي هو الفزاعة التي يستخدمها الجيش التركي لترهيب الناس من فكرة وصول الإسلاميين إلي الحكم. وعلي العكس من ذلك، فيمكن القول إن تلك الفزاعة هي أحد الأسباب الرئيسية في نجاح حكومة أردوجان في تمرير التعديلات الدستورية الأخيرة التي اقترحتها حكومته، حيث حظيت تلك التعديلات التي تحد من سلطات الجيش وتسمح بمحاكمة العسكر الانقلابيين بتأييد الاتحاد الأوروبي. كما أقر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بما سماها حيوية الديمقراطية التي أظهرها الإقبال علي الاستفتاء الذي شهدته تركيا أمس الأول علي أول تعديلات دستورية فيها منذ ثلاثين عاماً، وفي بروكسل رحب الاتحاد الأوروبي بنتائج الاستفتاء واعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح، وأوضح مفوض شئون توسيع الاتحاد ستيفان فولي في بيان أن نجاح الاستفتاء يظهر استمرار التزام المواطنين الأتراك بالإصلاحات في ضوء تعزيز حقوقهم وحرياتهم. كما حظي فوز حزب العدالة بإعجاب إسرائيل، فقالت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية تعليقاً علي نتائج الاستفتاء إن فوز أردوجان هو الرابع له في مواجهة الجيش التركي، وفي حال فوزه في انتخابات 2011، فسيكون ذلك الرجل هو أكثر رئيس وزراء استطاع البقاء في منصبه بعد كمال الدين أتاتورك. وأضافت الصحيفة الإسرائيلية إن حزب العدالة والتنمية استطاع الجمع بين الديمقراطية والتدين في آن واحد، وبالتالي فإن المخاوف من أن يتحول النظام التركي إلي نظام إسلامي متشدد علي غرار إيران هي مخاوف غير مبررة. ويستحق ذلك الاستفتاء لقب التاريخي عن جدارة، لأنه يمثل نقطة فارقة في المعركة التي يخوضها الجيش التركي المدافع عن العلمانية ضد كل ما هو إسلامي في تركيا، لأنه سيرفع الحصانة عن العسكريين منفذي انقلاب 1980، كما أنه يتضمن إعادة النظر في 26 مادة في الدستور الذي كتبه الانقلابيون في 1982. ويعود الصراع في تركيا بين الإسلاميين والعلمانيين إلي أيام كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة عام 1923 من القرن الماضي، عندها أسقط من الدستور التركي البند الذي ينص علي أن الإسلام دين الدولة، مما أدي إلي تراجع الوجود الإسلامي في السياسة التركية منذ تلك الفترة ولم يرجع بصورة قوية إلا مع فوز حزب الرفاة بقيادة نجم الدين أربكان في انتخابات عام 1995، غير أن أربكان لم يستمر طويلاً في الحكم، حيث سرعان ما أطاحت به المؤسسة العسكرية. وفي عام 1998 تعرض رجب طيب أردوجان الذي كان وقتها أحد أهم ناشطي حزب أربكان لإجراءات قضائية من قبل محكمة أمن الدولة انتهت بسجنه ومنعه من مزاولة العمل العام لمدة خمس سنوات. وفي عام 1999 حظرت المحكمة الدستورية حزب الرفاة بدعوي نشاطه المناهض للعلمانية، وفي عام 2001 لقي خليفته حزب الفضيلة المصير نفسه علي يد المحكمة الدستورية. ليعود حزب العدالة والتنمية، أحد حزبين خلفا حزب الفضيلة، إلي الحياة السياسية بقوة بعد فوزه بالانتخابات العامة عام 2002، ومنذ ذلك الحين دخل الحزب في صراع مرير مع منافسيه بسبب تقديم مرشحين للرئاسة، ثم بسبب اقتراح حزب العدالة والتنمية تعديل الدستور ليسمح بانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وهي المعركة التي انتهت بقرار البرلمان إجراء انتخابات مبكرة في يوليو 2007. وفشل الجيش التركي الذي يتمسك بقوة بالعلمانية في منع عبد الله جول من الفوز بمنصب رئيس البلاد، حيث شن الجيش والنخبة العلمانية حملة عامة شرسة لمنع ترشيح جول لانتخابات الرئاسة بسبب ماضيه الاسلامي ولأن زوجته ترتدي الحجاب الذي يعتبره العلمانيون رمزاً دينياً مستفزاً. وأدت هذه الأزمة إلي إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في تركيا فاز فيها حزب العدالة والتنمية بأغلبية حاسمة، ليتولي جول، وزير الخارجية السابق الذي يتمتع باحترام كبير، رئاسة تركيا بعد فوزه في الاقتراع الذي أجراه البرلمان ليصبح أول إسلامي سابق يتولي هذا المنصب الذي يحمل أهمية رمزية بالغة الأهمية. وفي نهاية عام 2008 دخل حزب العدالة والتنمية معركة جديدة ضد ممثلي العلمانية المتشددة، حيث قبلت المحكمة الدستورية التركية النظر في دعوي قضائية رفعها النائب العام ضد الحزب يتهمه فيها بمخالفات سياسية تتعارض مع النهج العلماني لتركيا، حيث طالبت الدعوي بحل الحزب ووقف سبعين من رجاله وعلي رأسهم رئيس الدولة ورئيس الوزراء من ممارسة العمل السياسي، ليفلت الحزب من خطر السقوط بحكم من المحكمة الدستورية يؤكد أن الحزب لم يخرج عن قواعد العلمانية التركية. ويمكن إرجاع تلك القوة التي يمتلكها حزب العدالة والتنمية في مواجهة من يحاولون إسقاطه إلي نجاح ذلك الحزب في العمل علي قاعدتين أساسيتين، الأولي هي القاعدة الداخلية حيث تمكن من حشدها خلفه من خلال احترام العلمانية التركية والأسس الأتاتوركية والتجاوب معها لدرجة الاندماج بها وهي الركيزة الأساسية في دفاعه عن نفسه قانونياً ودستورياً، والثانية هي السياسة التي اتبعها أردوجان تجاه الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي مما دفع أوروبا والولايات المتحدة إلي مباركة النموذج التركي، والبدء جدياً في تطبيق نموذج حزب العدالة والتنمية في المنطقة واعتباره نموذجاً فريداً وحديثاً لديه القدرة علي احتواء كل حركات الإسلام السياسي. أضف إلي كل ما سبق أن أردوجان حافظ علي العلاقات الإقليمية ومراكز الصراع في المنطقة، وأرسل عدة رسائل للمجتمع التركي والمؤسسة العسكرية التركية من جهة وللعالم والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخري. فأردوجان يعتبر أول رئيس وزراء مسلم يمثل اتجاهاً إسلامياً قد زار إسرائيل والتقي بأريئيل شارون بصحبة زوجته، كما أنه استقبل استقبال أكبر الزعماء في البيت الأبيض. إضافة إلي الدور البارز والمؤثر الذي تلعبه تركيا الآن في علاقاتها مع دول المنطقة وصراعاتها وخاصة الصراع العربي - الإسرائيلي، فقد نجحت تركيا وأردوجان في جمع سوريا وإسرائيل علي مائدة حوار مباشرة في اسطنبول لأول مرة في تاريخ الدولتين، كما استطاعت تقريب وجهات النظر بين باكستان وإسرائيل وجمعتهما وجهاً لوجه في إسطنبول أيضاً وهو ما يحسب لها ويجعلها ذات أهمية دبلوماسية عالية.