هل يشكك أحد في أن مفجر ثورة الفكر الجديد يمكن أن يحصد في 88 دائرة ما يزيد علي 26 مليون صوت النظام الحالي يمر بمرحلة شيخوخة ستتولد عنها مرحلة جديدة علي اعتبار منظومة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية النظام يعين النواب الذين يريدهم هو هو دون مشاركة ولا حضور للجماهير أصلاً.. ويختار من المعارضة أشخاصًا بعينهم يحددهم هو غصبا عن أحزابهم بل وعن خصومهم من مرشحي «الوطني» نفسه أحمد عز في دائرة واحدة.. فهل يشكك أحد في أن مفجر ثورة الفكر الجديد يمكن أن يحصد في 88 دائرة ما يزيد علي 26 مليون صوتمثل كثيرين لا أحب البكاء علي اللبن المسكوب، لكنني أموت غيظاً حين أري اللبن يسكب أمام أعيننا جميعاً ثم نقف ولا نحرك ساكنًا أو نقف لنتباكي دون أن نقدر علي إنقاذه في الوقت المناسب. يعلم الكثيرون بأننا نعيش في مصر لحظة تاريخية فارقة سيتشكل علي أساس منها شكل وواقع مستقبل هذا البلد لسنوات طويلة، بل ربما لعقود قادمة، ويدرك الجميع أن النظام الحالي يمر بمرحلة شيخوخة ستتولد عنها لا محالة مرحلة جديدة، ليس فقط باعتبار حالة الأشخاص ولكن باعتبار منظومة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي دبت الشيخوخة في كل جنباتها.. وفي الوقت الذي حاولت فيه قوي سياسية واجتماعية وحركات شبابية أن تدفع بالتطور باتجاه إصلاح سياسي واجتماعي إذا بكهنة المعبد يدفعون بكل قواهم لانتهاء هذه الموجة الطويلة من الحراك دون أن يترتب عليها أي محددات أو قيود علي المستقبل الذي يسعون لتشكيله علي النحو الذين يخدم مصالحهم، ومن ثم تركونا نؤذن في مالطة ونقول ما نقول ونكتب ما نكتب بينما هم يحققون علي أرض الواقع محددات هذا المستقبل، وبدأوا عقب انتخابات شعب 2005 مباشرةً يعدون عدتهم لئلا تتكرر هذه التجربة التي أزعجتهم رغم محدوديتها فقرروا تأجيل انتخابات محليات 2006 بالمخالفة للدستور والقانون لحين ترتيب أوراقهم وكانت هذه معركة رئيسية، إذ إن المحليات وإصلاحها هي معركة رجل الشارع الذي تهمه الخدمات والمرافق المحلية أكثر مما تشغله التشريعات والقوانين.. تركناهم ينجحون في مخططهم (بإبعادنا عن رجل الشارع) وكانت معركة مهمة لم نقدرها حقها. في 2007 جاءوا بالتعديلات الدستورية التي كرست تزوير الانتخابات بإبعاد الإشراف القضائي عنها وبالتالي حسمت مصير كل انتخابات قادمة كما حسمت معركة الرئاسة القادمة من خلال تفصيلات الصفحات الأربع التي سودت نص المادة 76 من الدستور ومرة ثانية لم نقدر للمعركة قدرها ( أقول هذا رغم الجهد الجهيد الذي بذلته المعارضة كلها ضد التعديلات الدستورية وقتها). بدأت ثمار تمرير التعديلات الدستورية تؤتي أكلها، فجاءت انتخابات شوري 2007 ليحصد الحزب الوطني المقاعد كاملة بالقمع والتزوير، ثم جاءت محليات 2008 ليحصد الحزب الوطني 52 ألف مقعد كذلك بالقمع والتزوير واستمرت المهزلة طوال 2008-2009 -2010 فتجرأت الحكومة علي إتمام الانتخابات في الدوائر، التي تهربت منها منذ 2005 وفي الدوائر التي خلت بالوفاة أو بسقوط العضوية عن نوابها فحصد الحزب الوطني تلك المقاعد كاملة دون انتخابات، وهي نفس الرسالة التي ظهرت بجلاء في انتخابات شوري 2010: النظام يعين النواب الذين يريدهم هو، ويعطيهم كم الأصوات الذي يريده هو ( دون رأي ولا مشاركة ولا حضور للجماهير أصلاً) بل يختار هو من المعارضة أشخاصًا بعينهم يحددهم هو (غصباً عن أحزابهم وغصباً عن خصومهم من مرشحي الوطني!!!) ويعطيهم من الأصوات ما لا يحلمون به، بل ما لا يحتاجون إليه في رسالة جلية واضحة يقول فيها النظام: 1- انتهي زمن الانتخابات ولم تعد هناك حاجة للناخبين أصلاً. 2- إن النواب القادمين لكل المجالس ( محليات - شوري - شعب ) في المرحلة القادمة هم صناعتنا ومن نتفضل عليهم، ولا فرق بين من نأتي به بالانتخاب ومن نأتي به بالتعيين، بل لا فرق بين من نأتي به تحت قائمة حزبنا ومن نأتي به تحت قائمة الأحزاب المعارضة.. الكل صناعتنا والجميع بضاعتنا. 3- إن عدد الأصوات الذي ينجح به المرشح لا علاقة له البتة بالجماهير ولا علاقة له حتي بسمعة المرشح، وإنما نحن نقصده لسببين: الأول: لنكسر به أنف المرشح حتي لا يتوهم لحظة بعد مجيئنا به أنه نجح بنفسه أو بالجماهير، والثاني: (وله علاقة مباشرة بمعركة التوريث)، إذ إنه إذا كانت الأرقام تقول إن عديدًا من مرشحي الحزب الوطني ( المغمورين والذين لا يعرفهم أحد) قد حصد كل منهم علي مستوي دائرة واحدة ما يقارب 300 ألف صوت فهل يشكك أحد في أن مفجر ثورة الفكر الجديد يمكن أن يحصد (300 ألف صوت مضروباً في عدد الدوائر ال 88، أي ما يزيد علي 26 مليون صوت، أي بنسبة مشاركة فوق ال60 % ونسبة نجاح تقترب من ال 100%!!!)؟!. إذن فقد حسمت معركة الرئاسة دون صخب ولم تعد هناك حاجة لرأي الجماهير في الوريث ولا في التوريث. الأمر جد خطير ويتعلق بمستقبل هذا الوطن بل هذه الأمة لسنين طويلة قادمة.. وقلت في مقال سابق ( بعنوان كارثة التوريث والنهج البديل أرجو العودة إليه): إن تمرير سيناريو التوريث ابتداءً ثم استتباب واستقرار الأوضاع له - بعد حدوثه- لن يتأتي إلا من خلال استمرار كل صور الفساد والاستبداد: 1- استمرار تزوير الانتخابات- رئاسية ونيابية ومحلية- وقمع الحريات العامة، واستمرار ودوام الخطايا الدستورية 76، 77، 88 علي ما هي عليه، وذلك لضمان ديكورية انتخابية دون منافسة حقيقية، ودون إشراف قضائي علي الانتخابات، وكذلك استمرار تمديد العمل بقانون الطوارئ، واستمرار إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية والاستثنائية، وذلك لمواجهة الخصوم. 2- استمرار وازدياد وتسارع الاحتكار السياسي والاقتصادي، والجمع بين السلطة والثروة، وسيطرة رأس المال علي مقاليد الحكم ومقاعد الوزارات والمجالس النيابية، واستمرار تقديم الثقة والولاء علي الكفاءة والتخصص عند اختيار جميع مواقع القيادة والمسئولية من العمد والمشايخ إلي العمداء ورؤساء الجامعات والمحافظين ومختلف الهيئات والإدارات والمؤسسات. 3- استمرار مزيد من الإضعاف والإنهاك لمختلف قوي المجتمع- الأحزاب والنقابات المهنية والحركات الطلابية والعمالية والقضاة وجميع مؤسسات المجتمع المدني- والقضاء علي أي أمل في قيامها وفاعليتها وحيويتها. باختصار شديد؛ نحن بصدد التهديد بحالة تراجع منظومي وحضاري علي كل صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي وقيمي، ستعود بالوطن والشعب إلي الوراء مسافات كبيرة، ستحتاج إلي عقود طويلة، بل ربما أجيال لتصحيحها وتداركها. حين شاركت في أسطول الحرية لغزة برزت أمامي في هذه التجربة دروس واضحة أهمها (في هذا المقام): 1- إن القضية العادلة إذا وجدت من يحسن عرضها علي الناس ويحفزهم لنصرتها فإن الكثيرين يمكن أن يتحركوا لها بل يضحوا من أجلها بالوقت والجهد والمال وربما بأرواحهم. 2- إن القضية العادلة يمكن أن يجتمع علي نصرتها الناس رغم اختلاف مشاربهم السياسية والدينية والقومية والعرقية. 3- إن الإرادة الشعبية يمكن أن تصنع الكثير وأن تفرض واقعًا جديداً مهما طال الزمن ومهما كانت الصعوبات والتحديات والتهديدات. 4- إن المقاومة السلمية ( مع الإصرار علي تحقيق الهدف والاستعداد لتقديم تضحيات) يمكن أن تغير المعادلة وتقلب الأوضاع رأساً علي عقب. وقد تولد في الشارع السياسي المصري في السنوات الأخيرة حراك لم يفلح بعد في أن يكون مشروعاً جماهيرياً واسعاً، وهذا هو الدور المطلوب الآن.. ففي الآونة الأخيرة اقتربت بعض القوي الوطنية من بعضها البعض وجاءت تجربة الحملة المصرية ضد التوريث ثم الجمعية الوطنية للتغيير لتدفع باتجاه بلورة مجموعة مطالب محددة، وجاء د. البرادعي ليزيد من زخم هذا الحراك ويضيف إليه - بمكانته الدولية ورمزيته الشخصية - ما زاد الحراك توهجاً، وجاءت فرص استفادت منها (نسبيًا) الحركة الوطنية (والشباب في مقدمتها) علي النحو الذي تم في أحداث 6 أبريل 2010 ومظاهرة 3 مايو 2010 والتصدي لمطالب إطلاق النار علي المتظاهرين والموقف من جريمة مقتل خالد سعيد وجاءت فرص بددتها الحركة الوطنية علي النحو الذي تم في الموقف من تمديد الطوارئ (18 مايو 2010) والموقف من مطالبة مائة نائب بمناقشة قانون مباشرة الحقوق السياسية قبل انتهاء دورة المجلس والموقف من تزوير انتخابات الشوري. فشلت المظاهرة التي اتفقت عليها القوي الوطنية كوقفة حاشدة أمام مجلس الشوري في يوم انعقاده الأول (24 يونيو 2010) والتي كان من المفترض أن تبعث للنظام برسالة لتأكيد بطلان تشكيل هذا المجلس الذي جاء بالتزوير، وأن القوي السياسية ستتعامل معه علي أساس هذا البطلان.. كان يمكن لهذه الرسالة - في حال نجاحها وقوتها - أن تشكل ضغطاً وتحذيراً للنظام من تكرار هذا التزوير في الانتخابات المقبلة. مرة ثانية أحاول ألا أتباكي علي اللبن المسكوب، فباقً وقت قصير جداً علي ماراثون انتخابات الشعب القادمة وهي المعركة الأخيرة أمام القوي الوطنية الراغبة في الضغط من أجل الإصلاح السياسي والديمقراطي، وهناك فرصة لموقف موحد للقوي الوطنية ضد تزوير الانتخابات سواء بالمقاطعة الجماعية أو المشاركة الجماعية المنسقة ضد الحزب الوطني، وكلا الموقفين يحتاج إلي بدء من الآن لتحقيق التفاف جماهيري واسع حوله لتكون له جدوي وأثر جميل، خاصة إذا انضم الإخوان المسلمون لحملة التوقيعات علي المطالب السبعة التي أعلنها البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير، ونرجو أن يحدث دخول الإخوان علي حملة التوقيعات نقلة نوعية وطفرة ليس باعتبار عدد الموقعين فحسب بل باعتبار مدي القدرة علي تحقيق وعي والتفاف جماهيري واسع حول المطالب السبعة للإصلاح.. وجميل أن بدأت بعض الفعاليات المشتركة في بعض المحافظات حول مستقبل التغيير شارك فيها رموز من الإخوان وأحزاب الجبهة الديمقراطية والغد والكرامة وبعض الشخصيات المستقلة ذات المكانة الجماهيرية، لكنني أري أن معدل هذه الفعاليات بطيء جداً ومتأخر جداً ومن ثم فإنه إذا استمر علي هذا المعدل فلن ينجح في وأد أو إحباط خطة النظام لاختطاف الانتخابات القادمة (علي الطريقة التي تمت في انتخابات الشوري الأخيرة). ما العمل وما الحل إذن؟ أؤكد أننا لسنا بصدد تسجيل موقف من فساد نظام ولكن نريد أن نتوحد وأن ننجح في منع هذا النظام من اختطاف مستقبل هذا البلد وهل يمكن أن ننجح في تحقيق هذا الهدف؟ هذا ما يجب أن نسعي له بكل طاقتنا مستحضرين صدق مقولة ( إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر). ولدي بعض المقترحات العملية في هذا الصدد لكنني سأؤجلها للجزء الثاني من هذا المقال وأطلب من كل المهمومين بمستقبل هذا الوطن أن يشاركوا بمقترحاتهم سواء بمقالات أو بالتعليق علي هذا المقال أو برسائلهم علي البريد الإلكتروني أو بمناقشات يجب أن تدور فوراً في اجتماعات الجمعية الوطنية للتغيير وداخل كل القوي السياسية والوطنية. مرة أخيرة: علينا أن نأخذ الأمر مأخذ الجد، وأدعو الجميع للمشاركة في الحوار حتي لا نبكي علي الفرص الضائعة، ولربما تكون هذه هي الفرصة الأخيرة قبل نفق مظلم طويل يتهددنا.. (اللهم قد بلغت اللهم فاشهد).