المهاجرون فى مرمى أهداف أنظمة ذكاء اصطناعى عنصرية!    «الشروق» فى جولة ميدانية ب«مونوريل شرق النيل» قبل أقل من شهرين على الافتتاح    الزراعة: ضبط شونة ضخمة لتخزين وبيع القطن بدون ترخيص في الشرقية    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    ويتكوف - ترامب.. صداقة جيو استراتيجية!    "أوتشا": التمويل غير كافٍ لتغطية الأزمات الناتجة عن المناخ والصراعات    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    بعشرة لاعبين.. منتخب مصر مواليد 2009 يهزم الأردن وديا    «بينما نتنفس».. يُعرض الليلة ضمن عروض الجالا بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    المتحف الكبير وأعداء الزحام    أغرب عادات الأبراج اليومية.. روتين كل برج    تصريح صادم من المطرب مسلم عن خلافاته مع شقيقته    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تستعرض جهود مصر في تعزيز الأمن الصحي العالمي    إيطاليا تتراجع عن زيارة وزير الدفاع إلى أمريكا خشية تورطها في شراء أسلحة لصالح أوكرانيا    «حققت مليارات الدولارات».. وول ستريت جورنال: حرب غزة صفقة ضخمة للشركات الأمريكية    الاتحاد من أجل المتوسط وميديك يدعوان إلى إجراءات فورية بشأن المناخ والبيئة    تموين الإسكندرية يضبط منشأة غير مرخصة لتعبئة ملح الطعام ويصادر أكثر من 10 أطنان    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    خالد الجندي: العلاقة في الإسلام تنافسية لا تفضيلية ولا إيثار في العبادات(فيديو)    الأرصاد تحذر: موجة طقس سيئ تضرب معظم محافظات مصر وارتفاع فرص الأمطار الرعدية    حسب الله: تحفظ الرئيس على نصوص قانون الإجراءات الجنائية دليل على تفعيل الصلاحيات الدستورية وتعاون السلطات    وزير الصحة يشهد جلسة بعنوان «تمكين الأفراد: أجندة التنمية البشرية»    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    دوري المحترفين.. أسوان يفوز على الإنتاج الحربي.. والقناة يتعادل مع بلدية المحلة    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    محمد صبحي يشكر الرئيس السيسي: «قدمت لوطني الانتماء فمنحني الاحتواء»    رئيس جامعة بنها يتفقد أعمال صب الدور الأرضى بمبنى المدرجات الجديد    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    رئيس مجلس الشيوخ: قانون الاجراءات الجناىية خطوة تشريعية تاريخية    المؤتمر: المشاركة الواسعة في المرحلة الأولى تؤكد وعي المصريين وإيمانهم بالديمقراطية    وزير الأوقاف: بنك المعرفة المصري أداة لتمكين الأئمة ودعم البحث العلمي الدعوي    المجلس الوطني الفلسطيني: قوات الجيش الإسرائيلي لا تزال موجودة على 54% من مساحة قطاع غزة    الزمالك يكشف حقيقة صدور حكم في قضية زيزو ويؤكد صحة موقفه    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    نيابة الحامول تأمر بانتداب الطب الشرعي لتشريح جثمان عروسة كفرالشيخ    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    متحدث الأوقاف: مبادرة «صحح مفاهيمك» دعوة لإحياء المودة والرحمة    سعاد بيومي أمينًا عامًا لجامعة المنوفية    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    إعلام فلسطيني: غارات وقصف مدفعي إسرائيلي على غزة وخان يونس    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الدستور الأصلي يوم 17 - 07 - 2014

ينزلق الطريق الزراعى السريع عند البرج -الذى طار عنه الحمام منذ أبصرت عيونى خلف النظارة- إلى شارع أسفلتى يتقاطع مع اتجاهىّ الطريق، مؤديًا إلى مدينتى الصغيرة، لم أعد أعرفها إلا عندما يحتضنها الليل فى فراشه وصمته.
الكازينو السياحى الجديد يرسل بعضًا من أضوائه الصناعية إلى الطريق المحاصر بالأبنية الصغيرة، وخط السكة الحديد الذى ينتهى بمحطة القطار الفقيرة.
تقف السيارة عند محطة البنزين «مغلقة فى هذا الليل الشتوى» أهبط منها، حاملاً حقيبتى السوداء الصغيرة «تلازمنى حتى أفتقدها عند انعتاقى من عبوديتها اليومية»، أرفع على كتفى -وقد ظهر كشك محطة السكة الحديد يقف فيه العامل الليلى واضعًا كوبًا من الشاى على حافة الشباك- حقيبة سفر تغوص فيها ثيابى الملوّثة بالقاهرة، أصعد تلاًّ ترابيًّا، متعبًا مخنوقًا بساعة كاملة من التفرّع لأفكارى تحت سقف السيارة «البيجو» الُمحكم، أتجاوز شريط السكة الحديد.. قضبانًا، حديدًا ممدودة تائهة فى ظلمة متماسكة، أستبين لون إشارات القطار البعيدة للاتجاهين المتعاكسين، فى نظرة مختطفة كأنى أؤدّى واجبى نحو الموت.
أهبط تلاًّ ترابيًّا آخر، أجدنى على حافة حقل صغير يؤدِّى إلى شارعنا الأسفلتى الطويل، الحقل آخر ما تركته المبانى المتكاثرة شهادة على آثار الخضرة التى كانت هنا.. ثم سافرت إلى العراق وإلى الرحيل، عند المدق المصلوب فى الحقل يقف صبيّان يحملان كتبًا، عائدين من حصة درس متأخر، يصرخ الصبى فى هذا الليل المتآكل، تظهر صرخته مكبرة تلم هواء الحقل إلى زميله فى الناحية الأخرى، يجاوبه بالصراخ، أمر على مسافة صراخهما إلى شارعى، البيوت مغلقة، المحلات تفتح نصف أبوابها وأضوائها، يرعى أصحابها بضاعتهم وأحداث المسلسل التليفزيونى أيًّا ما كان فشله. أصل إلى منزلنا، تفرش مدخله الأضواء «يصر والدى الغائب على إضاءتها للعابرين فى الشارع، أدفع البوابة الخضراء، أصعد السلالم القليلة، أضغط على الجرس، يتأخَّر شادى كعادته فى فتح الباب، ينفتح، تحضننى عيون أخى المبتسمة، كيف حالك يا شادى؟ قبلة فى الهواء أو على خدّه «لا نهتم بإتمامها»، أدخل إلى الصالة، تصافحنى الوجوه الدافئة التى أحبّها وتحبنى، ترسمنى عيونهم فارسًا على حصان، بسيف وبسمة، بغزوة ونصرة، تلوننى قلوبهم مبتهجًا ومنطلقًا.. وجه أمى «يا وجه أمى» يبشّرنى بالجنة، ألثم كفها، رائقة هادئة تتلقانى، وفى عيونها ألف حكاية وتسعة أعشار أحاديثها المخزونة لى تتهيّأ للانفراج، أضع ذراعى على كتف أُختى القادمة من الإسكندرية، أسألها عن الحال، أبحث عن حذائى البيتى، تستنهض أُمّى شادى كى يجده مسرعًا، أخلع عنى ملابسى، كأنى أخلع عرق القاهرة، زحامها، طرقات المجلة الضيقة المقفلة، الابتسامات المدهونة، وجع قلبى، شارع قصر العينى المزدحم، غضبة صديقتى.
تسألنى أُمّى: هل تأكل أم تستحم أولاً؟ ينطلق بخار الماء الساخن فى الحمام، أخجل منه فأتعجّل سخونة الماء، تتكتّل أحداث يومى على كتفى العارى، أخرج من الحمام مثقلاً وعصبيًّا، لا أطيق الكلام الممدود، تضع أُمّى وجبتها الساخنة الطازجة الكاملة، تجلس عن يمينى تتابع طعامى، تحثّنى على إكمال وجبتى «وأكون قد أكملتها تمامًا» أطلب منها كى ثيابى، ينحنى رأسها وقد انكسر أملها.
- هل تذهب إلى القاهرة صباحًا؟
تضيف:
- انتظر معنا غدًا.. طيب اجلس حتى الغداء.
أردّ حادًّا كأنى أخشى ضعفى: لا.. عندى شغل.
تفرد بنطالى على المائدة، تمرر المكواة فوقه، تسألنى:
- هل كتبت لأبيك خطابًا؟ هل أرسلت إليه بطاقة معايدة؟ لقد اتصلت بك فى المجلة، لكن الأرقام كلها مشغولة.
كأنى أجرى من مدخل القاهرة حتى باب بيتى، فأشعر بالنعاس، تهم أُمّى بالاحتجاج ويشاركها غضب أخواتى:هل تنام الآن؟ امكث معنا قليلاً.. تصر أُختى الكبرى.. تحدَّث معنا يا أخى.. أفر من ضعفى لغضبى، يعنى ماذا أفعل؟
أتدثّر بالأغطية الثقيلة، أستيقظ من البرد، أصحو من النوم ملفوفًا بالقاهرة، بعيون البنت الجميلة، وضجيج صالة التحرير، وغضب رؤسائى، وجلسة مقهى الأصدقاء، وحزن منتصب القامة تحت عنقى، توقظنى أُمِّى وهى تقف عند باب الغرفة.. أضع كفّى تحت ماء الصنبور، تتمهَّل أُمّى حديثها لكنها تبدؤه، أمس رأيت.. أعرف أنها تقصد حبيبة قديمة.. ياه لا تزال تذكر حبيبتى القديمة.
ادع لى.
ألثم ظهر كفّها، أحمل حقائبى، وأمضى نحو البوابة الخضراء، أسير فى الشارع المؤدّى إلى المحطة، أعلم أنها خرجت إلى الشرفة وأخذت تتابع خطواتى، حقائبى.. حزنى.. وتدعو لى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.