نشر موقع عروبة 22 مقالًا للكاتبة المغربية بشرى زكاج، تناولت فيه أزمة التضخيم الإعلامى والتحيز التكنولوجى الذى يمارس ضد المهاجرين، إذ تزايد تهميش المهاجرين وانتهاك حقوقهم وخصوصيتهم عبر أنظمة مراقبة شاملة ومتحيزة، إضافة إلى الترويج الإعلامى لقضية الهجرة بأنها ظاهرة بشرية مدمرة.. نعرض من المقال ما يلى: لم يكن المنظور السائد سابقًا تجاه موضوع الهجرة كما اليوم، يصور كغزو وأزمات ومشكلات يحدثها المهاجرون على حدود العبور أو دول الاستقبال، وهو ما جعل سياسات الهجرة وضبط الحدود تحظى بأولوية واهتمام المسئولين والسياسيين والفاعلين الحزبيين. لقد كان الموضوع فى السابق يأخذ منحى مختلفًا تمامًا، من منطلق ما يُعرف ب«الزمن العميق للهجرة». لكن الذى حصل فى العقود الأخيرة أن وسائل الإعلام والمؤسسات السياسية ضخمت مخاطر الظاهرة فيما سمى ب«أزمة الهجرة والمهاجرين»، وتم استخدام استعارات مقلقة ومحرضة من قبيل: فيضانات، أمواج، تسونامى، طوفان، مد.. لتصوير واقع كارثى سائل يوحى بأن الهجرة ظاهرة بشرية مدمرة لا يمكن التنبؤ بتفاعلاتها أو احتوائها. تحليليًا، تمت استعارة مفهوم «الزمن العميق للهجرة» من الجيولوجيا -الذى يشار فيه إلى الفترات الطويلة جدًا التى يتشكل فيها كوكب الأرض عبر ملايين السنين- لفهم وتفسير تحركات البشر على سطح الأرض، باعتبار كل ذلك جزءًا من التدفقات المجالية لأجساد بشرية خضعت تاريخيًا لمجموعة من المحددات والشروط والدوافع البراغماتية (التنقل، التبادل، الغزو، التهجير، الاستعمار، والاقتصاد العالمى). من ذلك، وخلافًا للمنظور السياسى للهجرة كأزمة ومخاطر، تحولت الظاهرة فى المحافل الأكاديمية واللقاءات العلمية الدولية نحو إطار جديد يحيل إلى عصر الأنثروبوسين، الذى يحدد أزمة الهجرة، ككارثة طبيعية من صنع الإنسان نتيجة الاستعمال الجائر وغير العادل لموارد هذا الكوكب، حيث يتحمل الفقراء العبء الأكبر من آثارها. وفى ظل انتقال معظم المجتمعات الحالية خاصة فى الشمال -المجتمعات الجاذبة للهجرة- نحو المجتمع الشبكى والحوسبة السحابية وهيمنة البيانات، تحول موضوع الهجرة نحو مسارات أكثر تعقيدًا وتحيزًا وتضييقًا لمفاهيم الحقوق والحريات والديمقراطية وقيم التعايش والتسامح وقبول الاختلاف. تتحكم فى هذه المجتمعات قيم الرجل الأبيض كمالك ومهندس ومدير للشركات المالية الكبرى، والمنصات الرقمية، ويقع كل ذلك حاليًا تحت قبضة قوى اليمين المتطرف، من أجل التحكم فى السياسات والرأى العام ونشر الأخبار الكاذبة والمفبركة والتلاعب بالانتخابات ومجرى الأحداث. تمنح الأولوية للدافع التكنولوجى نحو التطوير وزيادة قدرة الآلة على التعلم والابتكار واتخاذ القرار، على حساب احتياجات وظروف الفئات الهشة والمهمشين والهاربين من النيران ومن الفقر والاضطرابات، إذ تحولت مكاتب الهجرة وفرق مراقبة الحدود منذ مدة إلى ساحات ومختبرات لتجريب التقنيات الرقمية فى ملف إدارة الهجرة والمهاجرين، من خلال تجريب واختبار فعالية تقنيات المراقبة والتسجيل المطورة حديثا، وآليات تصنيف المهاجرين وبناء النماذج، ووضع كل ذلك بين يدى شركات خاصة تعمل وفق حسابات وأيديولوجية مالكيها ومسئوليها، وليس وفق متطلبات وقوانين وأنظمة المؤسسات والقانون الدولى. ويُعاد ترميز وبرمجة التحيزات وأشكال العنصرية الحاصلة فى الواقع والمجتمع فى أنظمة الذكاء الاصطناعى وتعلم الآلة، ما يؤدى إلى استهداف غير مبرر أو غير متناسب لمجموعات معينة (على أساس العرق، أو الجنس، أو اللون، أو اللغة...)، مع احتمال ارتكاب أخطاء بنسبة 20% بحسب محللين. أحدث وأخطر هذه الأنظمة هو القياسات الحيوية (Biometrics) المدمجة فى أنظمة الذكاء الاصطناعى، حيث يتم دمج بيانات كاميرات المراقبة مع كاميرات المسيرات، ومؤشرات كتلة الجسم، وبطاقات الهوية، وأجهزة المسح الشامل، وتقنيات التعرف إلى الوجه، والرادارات والسونار والصور الفضائية، وسجلات جوازات السفر، وبيانات مشغلى الشبكات المحمولة (CDR)، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعى، لبناء نظام متكامل من مجتمع المراقبة الشاملة. وعلى الرغم من أن هذه التقنيات ليست جديدة، فإن تسارع استخدامها ضمن اندماج تكنولوجى واسع، زاد من المخاطر المرتبطة بكل مكون من مكونات المنظومة الحيوية الرقمية. وقد أوضحت ماريانا ماديانو، من خلال مفهومها عن «الاستعمار التقنى» أن هناك تداعيات متعددة تتعلق بالتحيزات والأخطاء البيومترية، وضعف حماية البيانات، وتشاركها بين الدول والشركات التجارية لأغراض المراقبة والربح، إلى جانب تجريب تقنيات غير مختبرة على فئات هشة مثل المهاجرين، مع استمرار ارتفاع مخاطر استخدام هذه البيانات ضدهم، بحيث تظل هذه البيانات مبعثرة فى الكثير من الأجهزة وعقول الذكاء الاصطناعى، ما يجعلها عرضة للاختراق والتلاعب وارتكاب الأخطاء غير المبررة، إذ قد تستخدم ضد الأفراد لحظة انتقالهم من مناطق نفوذ إلى مناطق أخرى، وبالتالى تسمح لأنظمة الذكاء الاصطناعى بتصفيتهم كأهداف، كما هو الشأن مع جيش الاحتلال الإسرائيلى تجاه سكان غزة المدنيين. كما قد تستخدم ضدهم فى طلبات اللجوء أو تعديل وضعية الإقامة أو حتى التقدم إلى شغل أو وظيفة كما هو الأمر مع طالبى اللجوء فى ألمانيا، أو حتى احتجازهم وإجبارهم على الترحيل القسرى كما هو الشأن فى أمريكا أو احتجازهم فى مربعات سكنية محددة ووضعهم تحت كاميرا المراقبة طوال الوقت فى بعض الدول الإسكندنافية. لمواجهة وضع بهذا التردى فى قيم حقوق الإنسان وحماية الخصوصية، ترتفع أصوات ولو من بعيد متمسكة بجملة من المبادئ والممارسات الداعية إلى ضمان الإنصاف والمساواة والشفافية فى جميع مراحل دورة حياة البيانات: من جمعها إلى معالجتها واستخدامها فى أنظمة الذكاء الاصطناعى، أى الدعوة إلى عدالة البيانات، وتحقيقها يقتضى أولًا وأخيرًا مساءلة: من يجمع البيانات؟ وكيف تصنف؟ ولأى غرض تستعمل؟ ومن المتضرر أو المستفيد من استخدامها؟ النص الأصلى: