نزع ملكية بعض الأراضي لإنشاء مرحلة جديدة من الخط الرابع لمترو الأنفاق    وزير المالية: تحفيز سوق المال وتحسين رد ضريبة القيمة المضافة للممولين    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يبحثان تعزيز التعاون بين الوزارتين واستثمار بنك المعرفة المصري لدعم الأئمة والدعاة    بنمو 96%.. 17 مليار جنيه صافي أرباح "المصرية للاتصالات" خلال 9 أشهر    قوارب تهريب المخدرات تثير أزمة بين واشنطن ولندن.. ووزير خارجية أمريكا يعلق    روبيو: واشنطن لا تتطلع لإدارة قطاع غزة    الاستعانة ب 12 سيارة من الشركة القابضة بالإسماعيلية ومدن القناة لسرعة شفط مياه الأمطار ببورسعيد    نائب رئيس الوزراء وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    البرتقال بكام فى أسواق الخضار والفاكهة اليوم الخميس 13 -11-2025 فى المنوفية    المجلس التصديرى للملابس يوقع مذكرة تعاون مع "الجمعية التشيكية"    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025.. أمام الجنيه    وزيرة التنمية المحلية تتابع جهود تنمية الموارد الذاتية للمحافظات    اعتماد نادي اليونسكو للتنمية المستدامة بجامعة القاهرة ضمن الشبكة العالمية    الرئيس يوافق على إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد    جوتيريش يدعو للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة    موعد مباراة فرنسا وأوكرانيا في تصفيات كأس العالم والقناة الناقلة    دوري المحترفين، 5 مباريات اليوم في الجولة ال 12    كريستيانو رونالدو يعلق على صافرات الاستهجان المرتقبة ضده من جماهير أيرلندا    علاء نبيل: نعمل على تسهيل احتراف الهواة    التعليم تعلن شروط التقدم والفئات المسموح لها أداء امتحانات الطلاب المصريين بالخارج    الأرصاد تحذر.. أمطار غزيرة ورعدية على هذه المحافظات    رابط التسجيل للتقدم لامتحانات الطلبة المصريين فى الخارج 2026    تشييع جثمان زوجته أُنهي حياتها خنقا علي يد زوجها بالمنوفية    توقف حركة الملاحة والصيد بميناء البرلس لسوء الأحوال الجوية    استئناف حركة الطيران فى مطار الكويت الدولى بعد تحسن الأحوال الجوية    خبراء: المتحف المصرى الكبير يحقق أرباحًا اقتصادية وسياسية    اللجنة المصرية اليابانية تبحث خارطة طريق جديدة للترويج للفرص الاستثمارية المصرية في اليابان    طريقة عمل البطاطا بالكاسترد بمذاق لا يقاوم    وزارة الصحة: تطوير التدريب الطبي المستمر ورفع كفاءة مقدمي الخدمة الصحية    من عثرات الملاخ وتمرد عادل إمام إلى عالمية حسين فهمي، قصة مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    الجيش الروسي يسيطر على ثلاث بلدات في زابوريجيا وأوكرانيا تخوض معارك طاحنة لصد الهجوم    رئيس الوزراء يقرر تجديد ندب القاضى حازم عبدالشافى للعمل رئيسًا لمكتب شئون أمن الدولة لمدة عام    استمرار امتحانات منتصف الفصل الدراسي الأول بهندسة جنوب الوادي الأهلية    إنهاء أطول إغلاق حكومى بتاريخ أمريكا بتوقيع ترامب على قانون تمويل الحكومة    أديل تخوض أولى تجاربها التمثيلية في "Cry to Heaven" للمخرج الشهير توم فورد    الصحة: خلو مصر من التراخوما إنجاز عالمي جديد.. ورؤية الدولة هي الاستثمار في الإنسان    صدام وشيك بين الأهلي واتحاد الكرة بسبب عقوبات مباراة السوبر    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    استخراج الشهادات بالمحافظات.. تسهيلات «التجنيد والتعبئة» تربط أصحاب الهمم بالوطن    «سحابة صيف».. مدحت شلبي يعلق على تصرف زيزو مع هشام نصر    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    أمطار تضرب بقوة هذه الأماكن.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    إعلام: زيلينسكي وأجهزة مكافحة الفساد الأوكرانية على شفا الحرب    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا 22 عملية أمنية ضد "داعش" طوال الشهر الماضي    غضب واسع بعد إعلان فرقة إسرائيلية إقامة حفلات لأم كلثوم.. والأسرة تتحرك قانونيا    الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة اقتحامات وعمليات نسف في الضفة الغربية وقطاع غزة    أبو ريدة: سنخوض مباريات قوية في مارس استعدادا لكأس العالم    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تزال أُمِّى تذكر حبيبتى القديمة
نشر في التحرير يوم 17 - 07 - 2014

ينزلق الطريق الزراعى السريع عند البرج -الذى طار عنه الحمام منذ أبصرت عيونى خلف النظارة- إلى شارع أسفلتى يتقاطع مع اتجاهىّ الطريق، مؤديًا إلى مدينتى الصغيرة، لم أعد أعرفها إلا عندما يحتضنها الليل فى فراشه وصمته.
الكازينو السياحى الجديد يرسل بعضًا من أضوائه الصناعية إلى الطريق المحاصر بالأبنية الصغيرة، وخط السكة الحديد الذى ينتهى بمحطة القطار الفقيرة.
تقف السيارة عند محطة البنزين «مغلقة فى هذا الليل الشتوى» أهبط منها، حاملاً حقيبتى السوداء الصغيرة «تلازمنى حتى أفتقدها عند انعتاقى من عبوديتها اليومية»، أرفع على كتفى -وقد ظهر كشك محطة السكة الحديد يقف فيه العامل الليلى واضعًا كوبًا من الشاى على حافة الشباك- حقيبة سفر تغوص فيها ثيابى الملوّثة بالقاهرة، أصعد تلاًّ ترابيًّا، متعبًا مخنوقًا بساعة كاملة من التفرّع لأفكارى تحت سقف السيارة «البيجو» الُمحكم، أتجاوز شريط السكة الحديد.. قضبانًا، حديدًا ممدودة تائهة فى ظلمة متماسكة، أستبين لون إشارات القطار البعيدة للاتجاهين المتعاكسين، فى نظرة مختطفة كأنى أؤدّى واجبى نحو الموت.
أهبط تلاًّ ترابيًّا آخر، أجدنى على حافة حقل صغير يؤدِّى إلى شارعنا الأسفلتى الطويل، الحقل آخر ما تركته المبانى المتكاثرة شهادة على آثار الخضرة التى كانت هنا.. ثم سافرت إلى العراق وإلى الرحيل، عند المدق المصلوب فى الحقل يقف صبيّان يحملان كتبًا، عائدين من حصة درس متأخر، يصرخ الصبى فى هذا الليل المتآكل، تظهر صرخته مكبرة تلم هواء الحقل إلى زميله فى الناحية الأخرى، يجاوبه بالصراخ، أمر على مسافة صراخهما إلى شارعى، البيوت مغلقة، المحلات تفتح نصف أبوابها وأضوائها، يرعى أصحابها بضاعتهم وأحداث المسلسل التليفزيونى أيًّا ما كان فشله. أصل إلى منزلنا، تفرش مدخله الأضواء «يصر والدى الغائب على إضاءتها للعابرين فى الشارع، أدفع البوابة الخضراء، أصعد السلالم القليلة، أضغط على الجرس، يتأخَّر شادى كعادته فى فتح الباب، ينفتح، تحضننى عيون أخى المبتسمة، كيف حالك يا شادى؟ قبلة فى الهواء أو على خدّه «لا نهتم بإتمامها»، أدخل إلى الصالة، تصافحنى الوجوه الدافئة التى أحبّها وتحبنى، ترسمنى عيونهم فارسًا على حصان، بسيف وبسمة، بغزوة ونصرة، تلوننى قلوبهم مبتهجًا ومنطلقًا.. وجه أمى «يا وجه أمى» يبشّرنى بالجنة، ألثم كفها، رائقة هادئة تتلقانى، وفى عيونها ألف حكاية وتسعة أعشار أحاديثها المخزونة لى تتهيّأ للانفراج، أضع ذراعى على كتف أُختى القادمة من الإسكندرية، أسألها عن الحال، أبحث عن حذائى البيتى، تستنهض أُمّى شادى كى يجده مسرعًا، أخلع عنى ملابسى، كأنى أخلع عرق القاهرة، زحامها، طرقات المجلة الضيقة المقفلة، الابتسامات المدهونة، وجع قلبى، شارع قصر العينى المزدحم، غضبة صديقتى.
تسألنى أُمّى: هل تأكل أم تستحم أولاً؟ ينطلق بخار الماء الساخن فى الحمام، أخجل منه فأتعجّل سخونة الماء، تتكتّل أحداث يومى على كتفى العارى، أخرج من الحمام مثقلاً وعصبيًّا، لا أطيق الكلام الممدود، تضع أُمّى وجبتها الساخنة الطازجة الكاملة، تجلس عن يمينى تتابع طعامى، تحثّنى على إكمال وجبتى «وأكون قد أكملتها تمامًا» أطلب منها كى ثيابى، ينحنى رأسها وقد انكسر أملها.
- هل تذهب إلى القاهرة صباحًا؟
تضيف:
- انتظر معنا غدًا.. طيب اجلس حتى الغداء.
أردّ حادًّا كأنى أخشى ضعفى: لا.. عندى شغل.
تفرد بنطالى على المائدة، تمرر المكواة فوقه، تسألنى:
- هل كتبت لأبيك خطابًا؟ هل أرسلت إليه بطاقة معايدة؟ لقد اتصلت بك فى المجلة، لكن الأرقام كلها مشغولة.
كأنى أجرى من مدخل القاهرة حتى باب بيتى، فأشعر بالنعاس، تهم أُمّى بالاحتجاج ويشاركها غضب أخواتى: هل تنام الآن؟ امكث معنا قليلاً.. تصر أُختى الكبرى.. تحدَّث معنا يا أخى.. أفر من ضعفى لغضبى، يعنى ماذا أفعل؟
أتدثّر بالأغطية الثقيلة، أستيقظ من البرد، أصحو من النوم ملفوفًا بالقاهرة، بعيون البنت الجميلة، وضجيج صالة التحرير، وغضب رؤسائى، وجلسة مقهى الأصدقاء، وحزن منتصب القامة تحت عنقى، توقظنى أُمِّى وهى تقف عند باب الغرفة.. أضع كفّى تحت ماء الصنبور، تتمهَّل أُمّى حديثها لكنها تبدؤه، أمس رأيت.. أعرف أنها تقصد حبيبة قديمة.. ياه لا تزال تذكر حبيبتى القديمة.
ادع لى.
ألثم ظهر كفّها، أحمل حقائبى، وأمضى نحو البوابة الخضراء، أسير فى الشارع المؤدّى إلى المحطة، أعلم أنها خرجت إلى الشرفة وأخذت تتابع خطواتى، حقائبى.. حزنى.. وتدعو لى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.