يونيو 2010 قديما قيل «لكل داء دواء إلا الحماقة فقد أعيت من يداويها». ولكن للحماقة رغم استعصائها فوائد تعود علي خصوم الحمقي. فالأحمق يسبب لنفسه الضرر بأشد وأقسي مما يقدر عليه ألد خصومه الرشد. وقد تبدت لنا فوائد الحماقة جلية في مصر والمنطقة مؤخرا. في المنطقة تمخضت حماقة حكام الدولة العنصرية مع غطرسة القوة المسنودة بالإدارة الأمريكية عن تعرف العالم كله علي أن إسرائيل هي الدولة المارقة الأشد إجراما في العالم من خلال ارتكابها أنكر الجرائم ضد الإنسانية عندما أقدمت من دون أي مبرر، علي اقتراف مجزرة أسطول الحرية. وتجلت فوائد حماقة الدولة المارقة، لحساب خصومها في معسكر الحرية والعدل في العالم أجمع، حين نبهت المجزرة العالم كله إلي استعداد الدولة الإرهابية الأولي لاقتراف أبشع الجرائم ضد الإنسانية، واستعداد راعيتها الإدارة الأمريكية إلي مساندتها دون قيد وشرط في هذا السلوك الإجرامي، ما يجعل الإدارة الأمريكية شريكا أصيلا في هذه الجرائم الشنعاء. نبهت المجزرة العالم إلي جريمة إسرائيل، بالتواطؤ مع الإدارة الأمريكية وأنظمة الحكم في الدول العربية، ضد الإنسانية المتمثلة في العقاب الجماعي، المحرم دوليا، بحصار شعب فلسطين في غزة لقرابة أربع سنوات، محولة قطاع غزة إلي أكبر سجن في العالم يضم مليونا ونصف مليون فلسطيني محرومين من جميع أساسيات الحياة، «حتي الزعتر قوام المائدة الفلسطينية الفقيرة الذي تجرأت الدولة العنصرية إلي حد اعتباره مادة داعمة للإرهاب، ومنعت دخوله إلي غزة ما يشي بأن هدف الحصار هو الإذلال قبل أي شيء». وأعادت المجزرة إلي الأذهان محرقة غزة التي تتصاغر بجانبها محرقة النازية لليهود في أشد صورها مبالغة. وأصبح العالم كله مهموما بالتنديد بالدولة الباغية و الانتصار لرفع الحصار عن غزة المجاهدة الصامدة. أما في مصر، فقد أهدت حماقة قادة الحكم التسلطي ذخيرة مهمة لقوي المعارضة لحكم الفساد والاستبداد في حدثين مشهودين. الأول هو استقبال قادة الحكم التسلطي في مصر، باحتفاء رسمي غريب ومستهجن، في وزارة الخارجية وفي قصر الرئاسة، لقائد القوات اللبنانية «سمير جعجع »، وليس إلا قاتلاً مداناً وعميلاً مفضوحاً لإسرائيل. حتي ساوت بعض التعليقات الصحفية بين جعجع ورأس النظام المصري، باعتبار أن «الطيور علي أشكالها تقع». وبهذا أسفر نظام الحكم التسلطي في مصر عن خريطة تحالفاته وولاءاته في المنطقة، أي مع المخطط الصهيوني وعملائه لأبعد مدي، معفيا معارضيه من اتهامه بهذه الجريمة النكراء. ولكن السقطة الثانية لقادة الحكم التسلطي في مصر كانت أبشع، فكان اغتيال المواطن الشاب خالد سعيد في الإسكندرية علي أيدي اثنين من أحط المخلوقات (وأنا أضن عليهما بصفات الوحشية أوبتشبيههما بالكلاب المسعورة، فالوحوش والكلاب، ولو كانت مسعورة، أفضل وأرقي منهما) اللذين عذباه تعذيبا همجيا أفضي إلي تحطيم جمجمته ووفاته. ولم يكتف الحكم التسلطي بهذه الجريمة الشنعاء، فتكاتفت أركانه في محاولة تبرئة الجناة، ابتداءً من وكيل نيابة حقير خان مهمته ومهنته النبيلة، حتي حاول تزوير حكم الطب الشرعي قبل أن يصدر لكي يفرج عن المجرمين قبل أن يصدر النائب العام قراره بالتحقيق في الواقعة أمام نيابة أعلي. ثم اندفعت آلة الكذب في وزارة البطش بالمواطنين وأجهزة الحكم الأخري بتلفيق كمية هائلة من الأكاذيب تستهدف إلقاء الجرم علي المجني عليه وإبعاد الشبهة عن الجناة. كذبوا فقالوا إنه متعطل «ومنذ متي تعد البطالة جريمة، إلا لو وجهنا الاتهام للمسئولين عن الاقتصاد في مصر، وليس للمتعطلين المجني عليهم» ومشبوه «صايع»، وكذبوا فقالوا إنه متهرب من الجندية، فنشرت شهادة أدائه للخدمة العسكرية. ثم تبين أنه صاحب شركة ولها سجل ضريبي ونشرت وثائق هويته الرسمية، الصادرة عن وزارة البطش التي قتلته، والتي تؤكد علي مهنته وعلي أنه غير مطلوب للتجنيد. وهكذا تسببت حماقة الحكم التسلطي وأدواته البهيمية في تجريس النظام كله وإدانته بالبطش البوليسي بالمواطنين، ثم محاولة التعمية علي جرائمها بالكذب المفضوح، في عموم مصر والعالم أجمع. ومن ثم أعفي المعارضون من مئونة اتهام النظام، فالاعتراف سيد الأدلة. وعلي الرغم من أن العدل يتطلب أن يعاقب الجناة المباشرون بدءا من القاتلين إلي وكيل النيابة المزوّر، مرورا بكل من أصدر للقاتلين الأوامر المشينة «وأولهم أحمد عثمان ضابط مباحث سيدي جابر وصاحب السجل الأسود في تعذيب المواطنين» أو ساندهما أو كذب دفاعا عنهما من حثالة البشر ونفايات الآدمية، المنافقين والمضللين «خاصة من أهل الإعلام المزيِّف، مثل «مصر النهارده» و«المصري اليوم» فإن الشرف يتطلب أن يتحمل رأس النظام نفسه وزر الجريمة، لأنه هو من الذي يطلق نفايات الآدمية في جهاز البطش البوليسي علي المواطنين ويغدق عليهم بالموارد التي يضن بها علي التعليم والصحة أو دعم عيش الغلابة. في النهاية، تأكد، بسبب الحماقة، أن نظام حكم الفساد والاستبداد في مصر يصطف مع المجرمين في المنطقة وفي الداخل «إسرائيل و جعجع أو قاتلا خالد سعيد» ضد الأبرياء المجني عليهم «أهلنا في غزة أو خالد سعيد». وعليه وجب علي عموم الشعب أن يتعامل مع النظام علي أنه حليف وحامي المجرمين في حق المصريين والعرب جميعا. أوليست فائدة الحماقة هائلة؟