لا أذكر صاحب مقولة "لكل داء دواء إلا الحماقة أعيت من يداويها" ، ولكني أراها معبرة أفضل تعبير عن وضع مصر والعالم العربي . فالحماقات العربية تغذي بعضها : لولا حماقات الأنظمة والحكام ما كانت حماقات جماعات التطرف والإرهاب ، ولولا حماقات الأخيرة ما كان تطرف الأنظمة في حماقاتها ضد التيار الإسلامي الوسطي من خلال إستقوائها بالغرب وتخويفه منها. ولأن الحمقى العرب متوفرون بكثرة ، لا يوجد أمام صهاينة أميركا وإسرائيل أسهل من وضع الخطط والأجندات وانتظار أو استدراج حماقة من حاكم أو جماعة ، واستخدامها كذريعة لإطلاق الأجندة أو المخطط الموضوع . ولا تتردد هذه القوى ، وهي تستدرج حماقات العرب، في التضحية بالبشر الأبرياء عربا وأمريكيين (مثل الشباب الأمريكي الذي يقاد إلى حتفه في العراق خدمة لإسرائيل) في سبيل تدشين أجندات لا تخدم إلا مخططات الصهاينة في المنطقة . أكبر حماقة عربية هي الإصرار على خلق فرعون في كل منصب وتأليه زعيم وحاكم فرد في كل مؤسسة ، والتفنن في اختلاق الذرائع لتبرير التأبيد . مثال ذلك ما أقدم عليه مؤتمر الصحفيين العرب الذي انعقد منذ شهور في القاهرة "لاختيار السيد إبراهيم نافع رئيسا للاتحاد في دورة جديدة ، لأنه كان مدافعا شرسا عن المهنة." وهذا كلام لا معنى له سوى أنه لا يوجد في أوساط الصحفيين العرب من يستطيع أن يدافع بشراسة عن المهنة ، وأنه لا يكفي أن يكون السيد نافع عميدا للمؤبدين على المستوى المحلي، وإنما عليه أن يؤبد أيضا على المستوى الإقليمي . هذا النزوع للفرعنة هو أهم أسباب إحتقار العالم لمصر والعرب . فكيف تُحترم أمة تعطي إنطباعا بأن استمرارها مرهون بقلة من الأفراد ، وأن شعوبها ليست أكثر من قطيع من البشر لا يوجد فيه من يستطيع أن يتحمل المسئولية في أي موقع لأن الزعيم "الملهم ..الحكيم .. إلخ" هو فقط القادر على ذلك. والطريف أن هناك من يتحدث عن استحقاق مصر لمقعد دائم في مجلس الأمن ! كيف وعلى أي أساس؟ إذا كان صفر المونديال وصفر الجامعات لا يكفي للتدليل على عمق الحضيض الذي وصلت إليه مكانة مصر إقليميا ودوليا في ظل حكم مبارك ، فهل تحتمل أعصابنا صفرا آخر في موضوع مجلس الأمن الذي تتنافس عليه مجموعة من الدول الأجدر بالتقدير من مصر في ظل حكم نظام الرئيس مبارك ؟ إن البعض يتعامل بهدوء مع قضية توريث مصر بالرغم مما يؤكده الإعداد الممنهج لجمال مبارك من أجل تمكينه من السيطرة الكاملة على صنع القرار (الإقتصادي أولا ثم السياسي) . المخطط يسير بهدوء لوضع كل خيوط الحكم في يده ، ومن ثمّ فرضه في النهاية كأمر واقع . وهو فضلا عن تربيطاته الداخلية ، سيتم ترويجه من جانب رؤساء التحرير الجدد (الذين يقال أن جمال مبارك هو الذي أنعم عليهم بعروشهم المربحة على رأس مؤسساتنا الصحفية) ك "صاحب العلاقات الوثيقة مع أصحاب الحكم والنفوذ في واشنطن وعواصم الغرب الأخرى ، والذي تشرب خبرة ثلاثين عاما في الحكم من أبيه. فمن في مصر غيره أحق بالحكم؟". وبالتالي فإن الذريعة لاستكمال عملية التوريث ستكون: "حاجة مصر إلى الزعيم الملهم جمال مبارك لكي يقودها بحكمته وعبقريته وبصيرته النافذة إلى بر الأمان في الزوابع والأنواء التي تعصف بمنطقتنا".