وزيرة التضامن تتابع العمليات الميدانية للحصر الوطني الشامل للحضانات على مستوى الجمهورية    نقيب الأطباء: نرحب بجميع المرشحين ونؤكد على أهمية المشاركة بالانتخابات    لجنة الحريات بنقابة الصحفيين تعلن تضامنها مع الزملاء بصحيفة "فيتو" بشأن بيان وزارة النقل    195 عضوًا بمجلس الشيوخ يمثلون 12 حزبًا.. و3 مستقلين يخوضون الإعادة على 5 مقاعد في مواجهة 7 حزبيين    جامعة المنوفية الأهلية تتألق بأنشطة صيفية متنوعة لتعزيز مهارات طلابها    رسالة مهمة من الإسكان للمتقدمين على شقق سكن لكل المصريين 7 (صور)    "ابني" للتطوير العقاري تطلق مشروع "كنان" أول مجتمع سكني ترفيهي متكامل بملاعب جولف عصرية بمدينة سوهاج الجديدة    تخفيضات تصل إلى 50%.. موعد انطلاق معارض أهلًا مدارس 2025- 2026    حكومة الأردن: مصر الشقيقة الكبرى.. والرئيس السيسى والملك عبد الله ضمانة أمن الإقليم    الأونروا: سوء التغذية بين أطفال غزة يتضاعف 3 مرات خلال 6 أشهر    أبرزها غزل المحلة والأهلي، طرح تذاكر مباريات الجولة الرابعة بالدوري الممتاز    الاتحاد السكندري ل في الجول: تأجيل مكافأة الفوز على الإسماعيلي لما بعد مباراة البنك الأهلي    رغم قرار رحيله.. دوناروما يتدرب مع سان جيرمان    تقرير: رابيو يعرض نفسه على يوفنتوس    الأعلى للإعلام يمنع مصطفى يونس من الظهور الإعلامي ل 3 أشهر بعد شكوى الأهلي    محمد الشناوي غاضب بسبب التصرف الأخير.. مهيب يكشف تفاصيل حديثه مع حارس الأهلي في عزاء والده    مصرع وإصابة 8 أشخاص في انقلاب ميكروباص على طريق الإسكندرية الصحراوي    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    بعد ربع قرن، انتشال 3 قطع أثرية جديدة من أعماق البحر المتوسط بأبو قير    القصة الكاملة لتحويل بدرية طلبة للتحقيق: بدأت بتجاوزات وانتهت بمجلس التأديب    لو كنت من مواليد برج العقرب استعد لأهم أيام حظك.. تستمر 3 أسابيع    أحمد سعد يتألق في مهرجان الشواطئ بالمغرب.. والجمهور يحتفل بعيد ميلاده (صور)    أحدث ظهور لنادية الجندي بإطلالة صيفية جريئة على البحر (صور)    الصحة: نقل 3 مصابين من حادث طريق مطروح إلى مستشفيات جامعة الإسكندرية والعلمين النموذجي    خالد الجندى ب"لعلهم يفقهون": الإسلام لا يقتصر على الأركان الخمسة فقط    الجيش الروسي يحرر بلدة ألكسندر شولتينو في جمهورية دونيتسك الشعبية    الحكم بإعدام المتهمين بقتل تاجر مواشى لسرقته بالبحيرة    جنايات بنها تنظر أولى جلسات محاكمة المتهم بخطف طفلة والتعدى عليها بشبين القناطر    فتح: مخططات نتنياهو للاجتياح الشامل لغزة تهدد بارتكاب مجازر كارثية    الرئيس اللبنانى: ملتزمون بتطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية يتفقد "المشروع الصيفى للقرآن الكريم" بأسوان    أسعار الفراخ اليوم الخميس 21-8- 2025 بأسواق مطروح.. الشامورت ب 120 جنيها    وكيل صحة الإسماعيلية تفاجئ وحدة طب أسرة الشهيد خيرى وتحيل المقصرين للتحقيق    الجامعة المصرية الصينية تنظم أول مؤتمر دولي متخصص في طب الخيول بمصر    وزير الثقافة يعلن محاور وأهداف المؤتمر الوطني «الإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي»    رئيس مركز القدس للدراسات: الحديث عن احتلال غزة جزء من مشروع "إسرائيل الكبرى"    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في نهاية تعاملات الخميس    البورصة المصرية تخسر 4.6 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    مستخدمًا سلاح أبيض.. زوج ينهي حياة زوجته ويصيب ابنتهما في الدقهلية    جامعة أسيوط تعلن مواعيد الكشف الطبي للطلاب الجدد    كيفية صلاة التوبة وأفضل الأدعية بعدها    تقرير: تطور مفاجئ في مفاوضات تجديد عقد فينيسيوس جونيور مع ريال مدريد    بينها إسقاط الجنسية المصرية عن مواطنين.. رئيس الوزراء يصدر 4 قرارات جديدة اليوم    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس يومي السبت والأحد.. هل تعود الموجة الحارة؟    في جولة مفاجئة.. عميد طب قصر العيني يطمئن على المرضى ويوجه بدعم الفرق الطبية    دار الإفتاء: سب الصحابة حرام ومن كبائر الذنوب وأفحش المحرمات    رفضه لجائزة ملتقى الرواية 2003 أظهر انقسامًا حادًا بين المثقفين والكتَّاب |السنوات الأولى فى حياة الأورفيلى المحتج    بداية عهد جديد للتنقل الذكي والمستدام چي پي أوتو تطلق رسميًا علامة "ديبال" في مصر    مديريات التعليم تنظم ندوات توعية لأولياء الأمور والطلاب حول البكالوريا    مدبولي: نتطلع لجذب صناعات السيارات وتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر    الداخلية: تحرير 126 مخالفة للمحال المخالفة لقرار الغلق لترشيد استهلاك الكهرباء    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    "عيب عليك ده الزمالك جزء من تاريخ بلدك".. أيمن يونس يوجه تصريحات نارية    برلماني يطالب بتطبيق الحد الأدنى للأجور على معلمي الحصة فوق 45 عامًا    أسعار البيض اليوم الخميس بالأسواق (موقع رسمي)    نتنياهو يرفض مقترح الهدنة ويصر على احتلال غزة بالكامل    أخبار مصر: اعترافات مثيرة ل"ابنة مبارك المزعومة"، معاقبة بدرية طلبة، ضبط بلوجر شهيرة بحوزتها مخدرات ودولارات، إعدام سفاح الإسماعيلية    توسيع الترسانة النووية.. رهان جديد ل زعيم كوريا الشمالية ردًا على مناورات واشنطن وسيول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة مثل الحياة.. تمشي علي قدمين .. الحلقة العاشرة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 26 - 03 - 2010

أتعامل فقط مع الشخصيات الحساسة التي نسميها شظية.. و المتبلدون يخرجون فورًا من حياتي لكي تفهم شخصاً افهم أمه، فهي حبله السري.. ثم حاول أن تفهم طفولته.. إنها البروفة الأولي لشخصيته.. وكذلك "المرأة" التي علقت بذراعه في ليلة الفرح.. والأخري السرية التي حاول، طوال حياته، أن يجدها ولم يفلح.. بخصوص الأسرار، مهما تنقب في يس لن تخرج منه بسر.. إنه بئر مختومة.. هو قد يوحي لك بالصداقة، لكنك لن تكون صديقه إلا بالإيحاء.. أما طفولته، فقد كانت ملعباً للعزلة وصفير الكتب.. أمه تذكرني بأمي.. مع اعتقادي أنه لا أحد يشبه أمي.. لكنني أراها في كل اللاجئات إلي المستقبل من أجل البقاء.
كنت صغيراً، لما وعيت عليها حزينة. لا تلبس غير اللون الأسود.. أنا وأمي وجلبابها الأسود كنا معاً بشكل دائم.. في النهار أصحبها مع أذان الفجر إلي القري المجاورة، نشتري القصب أو الفاكهة أو الخضار، حسب الموسم، لنبيعه في قريتنا.. وعند النوم أدس نفسي في حضنها كجرو مذعور، خوفاً من حواديتها المفزعة. من أي خشخشة في سقف البوص.. لا أدري .. لماذا أكتب ذلك الآن، وهنا.
علي كل عرفت أمي عندما كبرت.. إن أحداً غيرها لا يمتلك هذا المزاج المخيف للحداد والتذكر دون هوادة.. كان عمرها حوالي 20 سنة وكنت في السنة الأولي حين توفي أبي عام 1970م ولحق به شقيقها الوحيد بعد فترة قصيرة فحملت بمفردها وبلا مورد، عبء البقاء علي قيد الحياة بأربعة أطفال. وكان لديها، فوق ذلك، رصيد من أحزان قديمة تخص طفولتها، لهذا كانت "تعدد" بصوت عال.. أراها تميل بجسمها إلي اليمين وإلي اليسار مستغرقة في البكاء فيتسع الصدع في طفولتي ويضغط.
وقتها كنت علي استعداد لفعل أي شيء مقابل أن تفك حالة الحداد الدائمة عن نفسها وعن البيت. أتذكر المأتم المتنقل الذي كانت تحمله بداخلها.. لم تكن تجد صعوبة في نصبه علي أي ميت.. نعرفه أو لا نعرفه.. صديق أو حتي من العائلة.. لقد أكرهتني، عن غير قصد أو وعي منها، علي الحزن.
الآن وأنا أفكر فيها، ألتمس لها العذر. لقد احتملت فوق طاقتها.. غير أن أكثر شيء لا أستطيع أن أسامح فيه، هو أنني شخص سرقت منه طفولته.. وهذا الطبع الذي ورثته عنها.. القلق ؟ ولكن أسامح من ؟!.
ما علاقة ذلك بيس.. أمه أقل مرارة من أمي، وزوجتي لا تشبه زوجته.. يبقي أننا تزوجنا وهذا هو الشبه الأكيد الذي يجمع بيننا.
قل لي يا أستاذ سيد: هل صحيح أن المرأة هي النصف الأكثر حلاوة؟
- أكثر حلاوة من إيه.
من الرجل، علي الأقل
- المرأة، ممكن تقول، هي الوجه المضيء للحياة الإنسانية.
إذن أنت مع نجيب محفوظ: "كلما رأيت امرأة ، رأيت الحياة تسير علي قدمين"
- هذه هي المرأة.
هل هي غريزة سليمة أن نسخر من مؤسسة الزواج.. كأنه ليس من الطبيعي ألا يجتمع الرجل والأنثي في إطار شرعي.. هذه الطريقة الوحيدة التي ننقذ بها أنفسنا.. بيولوجياً، علي الأقل.. ثم، من جهة أخري، ألا تحمل هذه السخرية أكثر من بذرة من بذور الحقيقة؟
- أنت تتكلم عن هذه السخرية وكأنها حقيقة.. لا، ليست حقيقة.. المؤسسة الزوجية هي شرط اكتمال الإنسان.. أن يعيش ويتزوج وينجب أطفالاً.. إنما ليس هناك مجال للسخرية، إلا علي سبيل التفكه. من هذا القبيل: حين يسأل زوج، مثلاً، هل تريد أن تتزوج ثانية، فيقول: هذه جريمة لا ترتكب إلا مرة واحدة.. هذه كلها دعابات، إنما لا أعتقد أن هناك سخرية جادة من مؤسسة الزواج .. لا اعتقد ذلك.
مساوئ الحياة، بدون هذا الارتباط بين الرجل وامرأته، هل هي أكثر بكثير من مزايا التمتع بالحرية التي نعتقد، كأزواج، أننا نفتقدها بعد أن ندخل القفص؟
- لا أوافقك علي هذه الصيغة.. الحرية مسألة نسبية.. الزواج يحقق الاستقرار النفسي.. ولا تنس عندما يكون هناك أطفال ترتقي الحياة وتكون هناك متعة من نوع جديد تتجاوز الزوج والزوجة. ينشأ حب جديد بالأبناء.. وهناك تربيتهم.. هذه كلها تحديات يواجهها الزوج والزوجة معاً.. وبالمواجهة المشتركة هذه يتأكد الحب أو يخلق إن لم يكن هناك.. أعتقد أن مشكلات عدم الزواج أكثر.. تكفي الوحدة .. وعدم التحقق.. أنا رأيت مرارة بعض الأصدقاء الذين لم ينجبوا.. فكرة أن هناك أولاداً وأحفاداً تعطيك القدرة علي التواصل.. هم يفتقدون هذا التواصل.. حسرتهم مربكة.. لا، الحياة الزوجية المكتملة الشروط والأركان.. الود والصداقة والتفاهم وإنجاب الأطفال.. هذا أجمل.
في اقتباس مطول من شيلي، يقول ، ملخصاً حياة الرجل: "الرجال سواء، هم يستوون في شيء واحد، أنهم ليسوا ملكا ًلأنفسهم، وإنما هم ملك للآخرين.. ملك لأمهاتهم وملك لزوجاتهم وأبنائهم ، وأخيراً، ملك لكل الذين عرفوهم في حياتهم.. في السنوات الأولي من حياة الرجل تسأله أمه: إلي أين أنت ذاهب يا بني؟ ويتزوج الرجل، ولكنه يبقي أسير المرأة وإن اختلفت حياته معها، فقد تعود أن يأخذ عندما كان يعيش مع أمه، ولكنه، هنا مع امرأته، يعطي ولا يكف عن الإعطاء، ومع هذا يبقي السؤال التقليدي.. إلي أين أنت ذاهب ولماذا تأخرت.. وفي النهاية يموت الرجل، فيحملونه إلي مقره الأخير، ويبقي السؤال الحائر، لا علي لسان أمه وزوجته وأبنائه فحسب، بل في أذهان كل الذين خرجوا يشيعون جثمانه.. إلي أين هو ذاهب .. نعم ، إلي أين".. فرغت من الكلام : فاعتدل يس وبدأ يعقب:
- شيلي يبالغ، علي عادة الشعراء.. أنت في ظل أمك تتحقق بحريتك.. في ظل حبها تتحقق حريتك.. حرص الأم علي أولادها.. هذا شيء طبيعي وليس قيداً.. عندما تكون التنشئة الاجتماعية سليمة تخلق شخصا سليماً معافي.. من الطبيعي أن تسألك أمك: رايح فين وجاي منين.. حتي لا يكون هناك جموح في السلوك.. تحقيق الفرد المتوازن.. هذه هي مسئولية الأم، أولا ًوأخيراً.. أما الزوج الذي يعطي دائماً.. هو يعطي ويأخذ.. من قال إنه يعطي دون أن يأخذ ؟ في أي علاقة صحية هناك الأخذ والعطاء.. من هنا تتحقق الألفة والتواصل.. أنت تعطي لزوجتك وأبنائك بقدر ما تأخذ منهم.. تأخذ الاستقرار، الحب، الأبوة وهذه أشياء لا تقدر بثمن.
لسه فاكر.. كيف تعرفت علي زوجتك، رحمها الله ؟
- فاكر كويس.. نحن أقرباء، قرابة بعيدة،. بعدما حصلت علي الثانوية العامة، وكان والدها عايش في طنطا، جاءت للإسكندرية لتلتحق بالجامعة.. وأثناء زيارتهم لنا رأيتها للمرة الأولي.. وقد أعجبتني.. إنسانة رقيقة وجميلة ومهذبة، دخلت قلبي مباشرة.. في هذا الوقت كنت تخرجت في كلية الحقوق وعاطل عن العمل.. وكان مصيري الوحيد أن أصبح محاميا مفلساً.. في الخمسينيات كانت مهنة المحاماة بائسة.. لما اشتغلت في المركز القومي للبحوث فاتحت أبي برغبتي في الارتباط بها.. فشجعني علي ذلك، لأنه كان يحب والدها.. وتمت الخطوبة وسارت الأمور في اتجاه الزواج.
سنة كام الكلام ده
- سنة 1957 أو 58
تذكر كم تكلف الزواج ؟
- لا، كانت جوازة متواضعة جداً.. كان الاحتفال منزلياً.. لا فنادق ولا كلام من ده.. لا تنس أننا كنا فقراء.. ثم إنني تزوجت وأنا باحث مساعد.. كان راتبي 17 جنيهاً.. لما حصلت علي الماجستير زاد راتبي إلي 30 جنيهاً، وهو يعتبر مبلغاً ضخماً جداً في هذا الوقت.
حوالي 3 آلاف جنيه دلوقت
- لم يكن لدينا امكانيات لرفاهية الاحتفال
لا تذكر كم كان المهر
- لا مش فاكر
ولا إيجار الشقة
- لأ، فاكر الإيجار.. كان 8 جنيهات.. كانت في المهندسين.. ظلت 6 أشهر لا تجد من يسكنها.. لما سكنت فيها، كتب صاحب العمارة في العقد " أوضه مفروشة" ليزود الإيجار، فارتفع إلي 10 جنيهات.. مازلت أحتفظ بهذه الشقة إلي الآن.. في شارع المحروسة، متفرع من شارع أحمد عرابي.. كان تقسيم الحي منطقياً.. الشوارع واسعة، واسماؤها عربية.. دمشق، ميدان لبنان.... إلخ، عندما أخذت أبحث عن شقة كانت هناك 3 شقق تبحث عن ساكن.. تخيل.. البواب بذل مجهوداً جباراً، ظل أسبوعين يقنعني، لكي أستأجرها.
كانت أيام
- لا تنس أن الجنيهات العشرة كانت ثلث المرتب
وهل تذكر كم تكلف زواج ابنك
- لا، ذاكرتي في التقديرات الحسابية سيئة
أحاول أن أقيس المسافة الفاصلة بين عصرين، والقوة الشرائية للجنيه زمان والجنيه العايم الآن.. علي كل أعود بك إلي المرأة.. في التعامل مع المرأة الحساسة، مثل زوجتي، أشعر أنني أتعامل مع شظية.
- الحساسية درجات.. يتوقف الأمر علي الشخصية، كل حسب طبيعته.. عن نفسي لا أتعامل إلا مع الشخصيات الحساسة التي تسميها أنت شظية.. المتبلدون يخرجون من عالمي فوراً.. لا قدرة لي علي التعامل مع الشخصيات المتبلدة .. أحب التعامل مع أصحاب الحساسية، رجلاً أو امرأة.
لكن هل يمكنك أن تتحمل شخصا ًحساسا ً، طوال الوقت؟
- ما فيش مشكلة.. الحساسية ميزة
وأحيانًا تصبح مرضاً
- أنت تنظر للحساسية علي أنها سمة سلبية.. مش صحيح
المسألة، كما قلت، درجات.. كل شيء يزيد علي حده، ينقلب إلي ضده ، فيما يقولون.
- الحساسية هي الرقة في التعامل، والفهم.. فهم العلاقات في جوهرها الحقيقي.. والقدرة علي التنازل في الوقت المناسب.. القدرة علي قبول الحلول الوسط.. قبول الاعتذار.. النقد.. إلخ.. كلها سمات إيجابية.
تتبع غريزتك أم قلبك أم عقلك في اكتشاف المرأة ؟
- أتبع قلبي
هل هناك سن مثالية تفصل بين الرجل وزوجته، هل هناك سن مثالية للزواج أصلاً؟
- لما يكون الفارق 10 سنوات، هذا مقبول.. قد تحدث المشاكل مع وجود فارق أكبر
كم كان الفارق بينك وبين زوجتك ؟
- ما فيش 3 أو 4 سنين.. لكن ذلك ليس معيارا ًفي حد ذاته.. إنما قد يسبب مشكلة لدي البعض.. لو أن هناك فارق 20 سنة مثلاً.. من الطبيعي أن تحدث مشاكل
جيلان مختلفان
- بالضبط، ورؤية للعالم مختلفة
وما السن المناسبة للزواج؟
-أعتقد أنه بين الخامسة والعشرين والثلاثين . ما يزيدش علي 30 سنة
يقال، في تعريف الزوج، إنه الرجل الذي يتوقع من زوجته أن تكون مثالية ، وأن تدرك، بعد هذا، لماذا لم يكن هو مثالياً؟!
- هل هناك مثل هذا الزوج.. لماذا يتوقع أن تكون زوجته مثالية.. بمناسبة إيه المثالية دي.. من منا مثالي.. في كل منا جوانب المثالية وجوانب النقص.. المثالية تتحقق بالقيم العليا وبالأهداف التي نريدها من الحياة.. الواقعية تتعلق بالوسائل.. في كل منا الواقعي والمثالي.. عندما نفتقد للتوازن بين الجانبين نخفق في الرؤية ونفشل في رؤية الأشياء من منظور صحيح.. إذا زادت جرعة عن أخري قد تعيش في عالم المثل والأوهام وتنبت صلتك بالواقع.. الواقع مليء بالعنف والصراعات والمنافسات غير الشريفة.. كيف يستطيع الإنسان، أياً كان، رجلاً أو امرأة، أن يصوغ معادلة متوازنة بين الواقع والمثال.. هذا هو التحدي اليومي وعلينا أن نواجهه.. ليست هذه الصيغة جاهزة، بمعني أنك تصل إليها في سن العشرين مثلا ًوترسي عليها.. لا.. إنها محك دائم.. في كل مراحل عمرك أنت توائم بين العلاقات المتبادلة أو الجدلية بين الواقع والمثال.
نحن الرجال نتعامل مع المرأة، غالباً أو أحياناً.. لست علي يقين، علي أنها وسادة نحتاج إليها وقت التعب.. هل الرجال أنانيون بالفطرة؟
- ستجد رجالاً أنانيين ونساء أنانيات.. المسألة لا تخص النوع.. ديكارت كان يقول: العقل أكثر الأشياء قسمة بين الناس.. ويمكن أن نقول: الأنانية أكثر الأشياء قسمة أيضاً.
يصنع الرجل نفسه أم لابد من امرأة ؟
- أن تصنع نفسك، هذه مسألة تتدخل فيها عناصر متعددة.. الأم تصنع الرجل والأخت تصنعه والصديقة.. أدوار المرأة المختلفة تشكل الرجل منذ بداياته، وهو صبي ثم شاب.. إلخ.. بعبارة أخري، وجود المرأة، أياً كان دورها، بالغ الأهمية في تنشئته الاجتماعية.. عرفت أولادا يكرهون أمهاتهم.
وكراهية الأب دارجة بين أبناء جيلي بالذات
- وكراهية الأب، بحكم القسوة البالغة التي يتعامل بها الآباء مع الأبناء.. المهم أن نموذج المرأة المصرية نموذج عالمي.. من أبسط الطبقات إلي أغني الطبقات، في الحنو علي الأبناء والحرص عليهم.. طبعاً هناك نماذج شاذة.. نحن لا نتحدث عن مجتمع فاضل.. إنما بشكل عام.. الأم المصرية لها هذا الحنان الجارف الذي لا تجده عند امرأة أخري.. والأخت لها دور، كما قلت لك.. عندما تنشأ في بيئة لك فيها أخت، تكون هناك تفاعلات مختلفة.
يقال: إن الأم والزوجة امرأة واحدة.. كل ما في الأمر أن الأولي رعته صغيراً.. والثانية تسلمته كبيراً
- لا أتفق معك.. دور الأم مختلف.. الزوجة من الممكن أن تكون صديقة، رفيقة فكر.. هناك تفاعلات بين الزوج والزوجة، بحكم تطور الحياة تكون الزوجة أكثر وعياً من أمهاتنا.. من ثم تحدث هذه النقاشات الممتعة بين الوجهتين لم تكن تدور بيننا وبين أمهاتنا.
ما زلت أقتبس من آخرين لا أعرفهم.. يقال: تحتاج الأم إلي عشرين عاماً، لكي تجعل من ابنها رجلاً يستطيع الاعتماد علي نفسه.
بينما لا يحتاج الأمر لأكثر من عشرين دقيقة، لكي تجعل منه امرأة أخري إنساناً أحمق. - هذه الصيغة الساخرة غير حقيقية ، موضوع الحماقة يحتاج إلي نظرة فلسفية.. تعرف: لبرتراند رسل مقالة شهيرة عنوانها "في مدح الكسل"
صدرت في كتاب بنفس العنوان، ترجمة د.رمسيس عوض
- تكلم فيها، أظن، عن الحماقة.. مرة كتبت مقالة سياسية عن حماقة الدول وحماقة الرؤساء.. كان المثال الحاضر أمامي جورج بوش الابن.. هو مثال للرئيس الأحمق ومرادفه العربي الرئيس صدام حسين.. المهم، الحماقة تتشكل عبر الزمن.. أما أن يكون الرجل أحمق في 20 دقيقة، فهذه مسخرة.. الحماقة جزء من الشخصية.. لا تاريخ، إذن لابد أن تقرأ تاريخ الشخص، لتعرف كيف وصل إلي هذه المرحلة من الحماقة.. جورج بوش كان أحمق طول عمره، وكان جاهلاً، بغض النظر عن موضوع إدمانه وعلاجه والمد الديني أو اعتقاده أنه يستوحي قراراته من الله.. إلخ.. صدام مختلف، لم يكن أحمق طوال عمره.. ليست لحماقته تاريخ.. كان زعيماً سياسياً في حزبه.. كان مسيطراً وتحول إلي دكتاتور.. إنما حماقته نبتت نتيجة إحساس متضخم بالذات وانقطاع عن العالم، لم يكن مثقفاً.. وكانت حاشيته جاهلة وترهبه.. حماقة صدام مسئولة عن قرارات بالغة الخطأ.. أبرزها حربه مع إيران، ثم غزوه للكويت، معاندته، فيما بعد، للأمم المتحدة.. فالحماقة يا صديقي لا تتشكل في عشرين دقيقة.
انتهي يس من كلامه، لأبدأ أنا في تأمله، يس، إنه رجل مفرط الجدية، ولا يمكنك تخمين ردود أفعاله، حيث أتوقع أن يضحك أو يبتسم حتي من سؤال ساخر، بدلا من ذلك يحول الموضوع إلي جدل عقلي.. والحق أن الرجل لم يطلع علي أي سؤال مسبقاً.. لم يكن بحاجة لذلك، فوراءه مشوار من التفكير.. لكن جديته المفرطة تفسد علي ما أخطط له.. لكن لماذا أحاول حفر مجري للإجابة.. ليقل يس ما يريد بالطبع.. لماذا أتوقع أن يلبي تكهناتي.. إن الحوار طرفا مقص إذا التقيا، كف المقص عن الحركة.. وأنا لا أطيق السكون.. تقتلني الحوارات الفاترة والأسئلة والإجابات المتوقعة.. سأتركه، سأترك جديته تتسرب إلي الإجابات.. نحتاج الآن إلي كثير من الجدية، بعد أن أفرطنا في الهزل.. وعدت إلي الحوار.. قلت أخفف جديته، أحلها ببيت شعر، فقلت ل "يس":
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها - صحيح ، لكن الحماقة لا تتشكل في 20 دقيقة
تحتاج، هي الأخري، إلي 20 عاماً.. وضحكنا أنا ويس، الذي يضحك علي مراحل.. يترك صوته الجهوري يقهقه متقطعاً، كأنه يسمعه معي.. ثم عدت أسأل: زمان كان عندنا "موضة" "عدو المرأة "، ينفخ توفيق الحكيم في الدعاية لنفسه بمثل هذه الألقاب.. في الغرب أيضاً كان هناك سومرست موم وغيرهما.. هل انتهت هذه الموضة.. لم يعد للمرأة أعداء .. وإذا وجدوا من هم - عداوة المرأة تحولت تحولا ًبالغ السلبية ثقافياً واجتماعياً.. هناك تيارات إسلامية تريد أن تعتقل المرأة.. في الكويت أخذوا قرارا ًفي مجلس النواب بتاعهم
مجلس الأمة
- منعوا الاختلاط بين الطلبة والطالبات في الجامعة.. لكن الحكومة فشلت في تحقيق القرار.. إذا أردت أن تنشئ كلية للبنات وأخري للبنين، لا بأس.. لكن السؤال.. عندما يتخرج هؤلاء أين سيعملون.. ستنشئ مؤسسة يعمل فيها الرجال وأخري للسيدات.. هذا كلام عبثي يدل علي التخلف الفكري.. هناك دعوات من هذا النوع تريد للمرأة أن تعود إلي البيت.. تسألني عن أعداء المرأة.. لقد أصبحوا الآن جماعات، أو حركة ثقافية تأخذ شكل التطرف الديني.. وهنا منبع الخطورة.. أما توفيق الحكيم فكانت واحدة من شطحات الأدباء.. لكنها تحولت إلي تيار.. خذ الفتوي الجاهلة الخاصة بإرضاع الكبير. هذا الرجل كان رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر.. من أجل أن يقطع الطريق علي الاختلاط.. يريد من المرأة التي تعمل في مكان ما أن ترضع زميلها.. هل هناك خلل عقلي أفظع من هذا.. هذه هي الترجمة الفعلية لعداوة المرأة، هؤلاء هم أعداء المرأة الجدد.
ما أوجه الشبه بين أمك وزوجتك وزجة ابنك ؟
- زوجتي تشبه أمي في طاقة الحنان التي كانت تكنها لي.. وتقديس حياة الأسرة.. زوجة ابني من جيل مختلف.. ملتصقة بالعصر ولديها قدرة علي النقاش وعلي التفاعل الاجتماعي، إلي احساسها بأهمية الأسرة.. ولديها أيضاً طاقة الحنان هذه، قد يكون بشكل مختلف، لكن الحنان موجود. لكنهن، مع ذلك، مختلفات. كل واحدة من جيل.
أردتك أن تضع يدي علي ثلاثة أنماط، أو أجيال للمرأة المصرية.
- زوجتي كانت متعلمة.. أمي لم تكن كذلك، وهذه فروق مهمة حتي في الحوار العائلي، في التخطيط للحياة.. تفرق.. إنما أمي بالذات لها مكانة خاصة.
الحلقة الحادية عشرة الثلاثاء المقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.