مجلس جامعة كولومبيا يصوت على قرار للتحقيق مع الإدارة بعد استدعاء الشرطة لطلبة متضامنين مع غزة    قوات الاحتلال تطلق النار على سيارة خلال اقتحام مدينة طولكرم    الجيش الأمريكي: الحوثيون ألقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر الأحمر وأصابوا إحداهما    أحمد فهمي يحتفي بصعود الأهلي لنهائي إفريقيا    الأرصاد تحذر المصريين من طقس اليوم: الأمطار الرعدية والسيول تضرب هذه المناطق    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    كولر: مازيمبي لم يشكل أي خطورة علينا.. وسنحتفل اليوم بالتأهل    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    واشنطن تعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 6 مليارات دولار    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يعزز رقمه الإفريقي.. ويعادل رقمًا قياسيًّا لريال مدريد    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    بشرى في العرض الخاص لفيلم "أنف وثلاث عيون" بمهرجان مالمو للسينما العربية    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نبيل فاروق يكتب قصة واقعية خيالية من وحي أي انتخابات تصل نتيجتها إلي:99%
نشر في الدستور الأصلي يوم 11 - 06 - 2010

رأي علامات الفزع على وجه الوالي فمال نحوه مكملاً في صوت خافت: «إظاهر حد ابن حرام قاله إننا قال إيه بنزوّر الانتخابات...» أجاب الوالي غاضبا: كنا بنظبط أمورنا وتعدي قعدت تقوللي إصلاح ومنظرة وشيخ الولاية معانا وهي عكت علي دماغنا كلنا
د. نبيل فاروق

«الانتخابات جاية يا مولانا....»
نطق الوزير العبارة في تردًَّد حذر مضطرب، وهو ينحني انحناءته التقليدية، التي تجعله أشبه بالزاوية القائمة، أمام الوالي، الذي ألقي حبة عنب في فمه في تراخ متكاسل، وهو يسأله ساخراً:
«ومالك متاخد ليه يا وزير، ماهي كل مرة بتيجي...- عملت إيه يعني ؟!...»
تردًَّد الوزير قليلاً، قبل أن يقول في حذر أكثر:
«المرة دي مش زي كل مرة يا مولانا...»
رمقه الوالي بنظرة مستهجنة، وهو يلتقط حبة عنب أخري، قائلاً:
«اشمعني... ما كل مرة بأرشح نفسي، وبنسيب تلاتة أربعة يعملوها، وتطلع النتيجة تسعين تسعة وتسعين في المية، ونلفقلهم بعدها تهم، ونبعتهم معتقل المغول وخلاص، إيه اللي يستجد المرة دي يعني ؟!...»
بلغ تردًَّد الوزير وارتباكه حداً، جعل الوالي يصرخ فيه، وهو يلقي حبة العنب الثانية في حلقه:
« ما تنطق...»
حسم الوزير أمره، وقال في سرعة وخوف:
«السلطان جاي...»
سمع الوالي العبارة، فتوقفت حبة العنب في حلقه، واحتقن وجهه المكتظ، وراح يسعل في شدة، فأسرع الوزير يضربه علي ظهره، وهو يهتف بالحراس:
« مية بسرعة... عايزين سيدنا وتاج رأسنا يروح فيها يا بقر...»
غمغم أحد الحراس بعبارة غير مسموعة، وهو يسرع مع الباقين إحضار الماء الذي سقاه الوزير للوالي، وهو يواصل التربيت علي ظهره، مهمهماً:
« صحة وعافية...»
نظر إليه الوالي في ارتياع، وسأله في صوت أشبه بالبكاء:
«بتقول مين جاي ؟!...»
أجابه الوزير في خفوت، وكأنه يخشي أن يفزعه:
«السلطان جنابك....»
بدت علامات الذعر علي وجه الوالي لحظات، وفرًَّت الدماء من وجهه المكتظ، وهو يقول في ذعر:
«وجاي يعمل إيه ؟!....»
انحني الوزير أمامه مرة أخري دون داع، وهو يجيب في احترام:
«جاي يشرف علي الانتخابات بنفسه يا مولاي...»
رأي علامات الفزع علي وجه الوالي، فمال نحوه، مكملاً في صوت خافت:
«إظاهر حد ابن حرام، قالله إننا قال إيه، بنزوّر الانتخابات...»
هتف الوالي مستنكراً:
«بنزوّرها ؟!... إحنا ؟!....»
تمتم ذلك الحارس بعبارة خافتة أخري غير مفهومة، فصاح به الوالي في غضب:
«بتقول إيه يا حيوان...»
اجابه الحارس في سرعة وذعر:
«بادعي لجنابك يا مولانا...»
صاح فيه بعصبية:
«إبقي ادعي بصوت عالي يا جاموسة...»
ثم التفت إلي الوزير، مردفاً في هلع:
«طب ونعمل إيه ؟!...»
وبدا فجأة وكأنه قد تذكر شيئاً ما، فهتف في حدة:
«وبعدين ده يبقي تدخًَّل في شئون الولاية الداخلية، وده أمر ما نسمحش بيه...»
مال عليه الوزير مرة أخري، هامساً:
«ماهو طول عمره بيتدخًَّل ونسمح يا مولاي...»
أجابه الوالي في فزع، وبصوت هامس مماثل:
«ماهو المرة دي ما ينفعش يا وزير...ده احنا دافنينه سوا... هو مين غير إللي بنعمله، حانجح برضه ؟!...»
تردًَّد الوزير كثيراً، وبدا ترددًَّه واضحاً في صوته، وهو يقول:
«والله يا مولاي... يعني.... الحقيقة...»
قاطعه الوالي في غضب:
«طب لما انت فاهم كده ما تشوف لنا حل... مش أنت إللي ورطتنا في المصيبة دي...»
اتسعت عينا الوزير، وهتف في فزع:
«أنا يا مولاي ؟!...»
أجابه الوالي، وغضبه يتزايد:
«أيوه أنت.... زمان كنا ممشينها تصويت... عايزين الوالي ولا مش عايزين، وكنا بنظبط أمورنا وتعدي، قعدت تقوللي إصلاح، ومنظرة، ونسكت بتوع الرفض، والقانون بتاعنا، وشيخ الولاية معانا، وهي عكًَّت علي دماغنا كلنا... شوف لنا بقي حل...»
بدا الوزير حائراً مضطرباً، وهو يحاول إيجاد حل لهذه المصيبة، وامتقع وجهه أمام الوالي، الذي يرمقه بنظرات غاضبة، فقال وكأنه يحدًَّث نفسه، أو يختبر رد الفعل:
«ماهو السلطان حييجي ومعاه رجالته، وبتوع الدرك بتوعنا مالهومش عليهم كلمة، والوزرا كلهم في الأجازة، و....»
قاطعه الوالي في حدة:
«أجازة...أجازة إيه ؟!...فين وزير الكرسي ؟!...»
انحني الوزير كعادته، وهو يجيب:
«فضلة خيرك يا مولانا، بيملا حمام السباحة في قصره الجديد...»
هتف الوالي مستنكراً:
«هو جاب قصر تاني ؟!... ما عنده سبعة...»
قال الوزير، دون أن يعتدل:
«ده فضلة خيرك قصر صغير كده، عشان أحفاده يلعبوا فيه... حاجة ماتكملش خمسين ستين فدان...»
سأله الوالي في غضب:
«طب ووزير الدنانير ؟!...»
أجاب الوزير في سرعة:
«فضلة خيرك يا مولانا، بيشطب القرية السياحية الجديدة بتاعته، في الساحل الجنوبي...»
بدا الوالي أكثر غضباً، وهو يقول:
«هو الجدع ده ما بيشبعش قري سياحية ؟!... ده كل سنة اسمع إنه بيشطب قرية جديدة !..»
كاد رأس الوزير يرتطم بالأرض، من فرط الانحناء، وهو يقول:
«فضلة خيرك بقي يا مولاي....»
رمقه الوالي بنظرة غضب، وسأله في حدة:
«وأنت بقي عملت إيه، من فضلة خيري دي ؟!...»
زاد الوزير من انحنائه، وهو يجيب:
«أبداً يا مولاي... ده أنا عالحديدة...»
أطلق الوالي ضحكة عصبية ساخرة، قبل أن يقول:
«قصدك علي حديد الولاية كله... أنت نسيت ولاّ عايزني أفكرك...ده أنت حتي بتبيع حديد للواد ليشع، في الولاية اللي لطشها دي، وأرخص من هنا كمان...»
في هذه المرة كانت انحناءة الوزير كبيرة، حتي أن رأسه ارتطم بالأرض فعلياً، وهو يقول:
«فضلة خيرك والله يا مولانا...»
زفر الوالي في حنق، ولوًَّح بيده قائلاً:
«ما علينا... نبقي نتحاسب بعدين... المهم دلوقتي شوف لنا حل، في المصيبة التقيلة دي... نعمل إيه لما ييجي السلطان ورجالته ؟!... حنعديها إزاي ؟!...»
حاول
ثم إنه من المستحيل أن تدار انتخابات حقيقية، وتحت إشراف سلطاني، إلا لو كان الغرض منها هو عزل الوالي الحالي، الذي ظل في الولاية، منذ كان هو طفلاً صغيراً، وحتي صار وزيراً....
كيف يمكن تجاوز الكارثة إذن ؟!...
كيف ؟!...
«وجدتها...»
هتف الوزير بالكلمة في حماس شديد، تهلًَّل معه وجهه كله، فانعقد حاجبا الوالي، وهو يقول:
«طب قول يا سي أرشميدس...»
أجابه الوزير في حماس:
«جنابك السلطان عمره ما جه هنا، مش كده ؟!...»
اعتدل الوالي يسمعه، ويجاريه قائلاً في اهتمام:
«كده...»
أكمل الوزير بنفس الحماس:
«وما يعرفش شكل الولاية إيه ؟!...»
هزًَّ الوالي رأسه، وقال في اهتمام:
«وحيعرفه منين ؟!...ده حتي التصوير لسه ما اخترعوهوش...»
ضرب الوزير كفه براحته الأخري، هاتفاً بكل الحماس:
«يبقي خلاص... تاهت ولقيناها...»
بدأ صوت الوالي يحمل بعض عصبيته، وهو يقول:
«هي إيه دي يا أبو العريف ؟!...»
أجابه الوزير، وابتسامته العريضة تشف عن سعادته بما توصًَّل إليه:
«الانتخابات حتتعمل في ميعادها، وكل حاجة تمشي قانوني، وبمنتهي النزاهة والشفافية والحيادية...»
اتسعت عينا الوالي في ذعر، ووثب من مقعد السلطة، يمسك برقبة الوزير صارخاً في ثورة:
«نعم يا روح أمك... كل اللعبة دي عشان تطيرني....»
اختنق صوت الوزير، وهو يحاول تخليص رقبته من قبضة الوالي، صارخاً:
«اصبر بس واسمعني للآخر يا مولاي...»
صرخ فيه الوالي:
«طب انطق... اتكلم....»
بدأ الوزير حشرجات الموت، وهو يقول، في صوت محتقن كوجهه:
«أنطق إزاي بس، وإيد جنابك العظيمة عاصرة رقبتي كده....»
انتبه الوالي إلي إنه مازال يخنقه، فأفلت رقبته، قائلاً في غضب:
«أدينا سبناها... أتنيل انطق بقي...»
سعل الوزير عدة مرات، ليتخلص من أثر قبضة الوالي، ثم قال في صوت متحشرج مرهق:
«مادام السلطان ما يعرفش الولاية... نبني ولاية ثانية....»
هتف به الوالي، مندهشاً ومستنكراً:
«نعم ؟!... انت حتستعبط ؟!...»
أشار الوزير بيده ؛ محاولاً تهدئته، وهو يقول:
«إحنا نطلع بره الصحرا، وع
تابعه الوالي، وهو يهز رأسه، قائلا:
«لحد كده معقول... وفي أيدينا...»
أكمل الوزير، وقد بدأ يرتاح لمباركة الوالي:
«وكل إللي في البلد العيرة دي، يبقوا من رجالتنا، لابسين زي المواطنين العاديين، ويقفوا طوابير علي مقا
حدًَّق فيه السلطان مبهوراً، قبل أن يهتف:
«يا بن الجنية !...ده فكرة ما تخطرش علي بال الشياطين نفسهم...»
انحني الوزير بابتسامة عريضة، وزاوية قائمة، وهو يقول:
«فضلة خيرك يا مولاي...»
عاد حاجبا الوالي ينعقدان، وهو يقول:
«بس فيه حاجة فاتتك يا برم...»
اعتدل الوزير في حركة حادة كالمصعوق، وهو يتساءل في ذعر:
«إيه يا مولاي ؟!..»
أجابه الوالي في صرامة:
«الانتخابات النزيهة دي، مش حيبقي فيها منافسين ؟!... أو حتي منافس واحد قوي يعني.... حاجة كده تخزي العين....»
أشار الوزير بكفيه، قائلاً، مع ابتسامة:
«برضه من رجالتنا يا جنابك...»
ثم التفت إلي ذلك الحارس، الذي يغمغم باستمرار، وقال في صرامة:
«تعالي ياله...»
أسرع إليه الحارس مهرولاً، فسأله في امتعاض:
«اسمك إيه ؟!...»
بلع الحارس المسكين ريقه في صعوبة، وهو يجيب:
«فقران سعادتك...»
زمجر الوالي، قائلاً في حدة:
«يا بني بيسألك عن اسمك، مش عن حالتك...»
حاول الحارس أن يبلع ريقه مرة أخري، ولكنه لم يجد ريقاً ليبلعه، وهو يجيب في صوت مبحوح:
«اسمي فقران سعادتك...»
أشاح الوالي برأسه، وهو يقول في اشمئزاز:
«جتك نيلة، عليك وعلي اسمك...»
قال الوزير مهدئاً:
«ما هو من الشعب يا مولاي...»
تمتم الوالي بنفس الاشمئزاز:
«عشان كده...»
التفت الوزير إلي الحارس، يسأله ثانية:
«اسمك بالكامل إيه ؟!...»
أجاب الحارس، وهو يكاد يفقد الوعي، من شدة الخوف:
«فقران عدمان فطسان سعادتك...»
ثم انخفض صوته، وهو يستطرد في ضراعة:
«هو أنا عملت حاجة سعادتك ؟!..»
أجابه الوزير في صرامة:
«أنت ترشح نفسك قدام الوالي...»
امتقع وجه الحارس المسكين، وكاد يسقط فاقد الوعي، وهو يهتف بعينين بلغتا أقصي اتساعهما من شدة الرعب:
«أنا سعادتك ؟!... طب والله العظيم ماحصل... والخاتمة الشريفة، والمسيح الحي، والإنجيل، والتوراة، ماحصلش، ولا أستجري يحصل... أنا أحط مقامي بمقام جزمة مولانا ؟!..أنا ؟!...»
زمجر الوالي، وهو يصرخ فيه في غضب:
«افهم يا حمار... إنت مش ترشح نفسك بجد...ده كله كده وكده... حركات وتمثيل يعني
يابجم....»
ظلًَّ وجه الحارس علي امتقاعه، وهو ينقل بصره بينهما في حيرة مذعورة، قبل أن يحك رأسه متمتماً، في صوت أشبه بالحشرجة:
«مش فاهم جنابك...»
أجابه الوزير في صرامة، وهو يبعد أنفه عنه في اشمئزاز:
«أفهمك يا حمار..إف.... إنت ما بتستحماش يا زفت إنت ؟!...»
قال الحارس في خنوع ذليل:
«المياه غليت قوي سعادتك...»
قال الوزير في حدة:
«طب غور... أخليهم يصرفولك كوز وصفيحة ميه، طس نفسك بيها وانضف، عشان شكلك يمشي مع الدور...»
مال نحوه الوالي، مشجعاً:
«ونصرف لك مليون دينار، زي ما الفرمان العالي بيقول...»
اتسعت عينا الحارس ذهولاً، وغمغم في انبهار غير مصدِّق:
«وده يطلع عطية كام شهر كده جنابك...»
قال الوزير في تعالٍ:
«تقدر تقول كده مرتب عيلتك وإللي جابوك، إنت والحتة بتاعتكم كلها، من يوم ما اتولدتم، لغاية مصاريف الدفنة والصوان تقريباً...»
هجم الحارس علي يد الوزير، يريد تقبيلها، فدفعه الوزير بعيداً عنه، وهو يشير إلي الوالي، قائلاً في حدة:
«بوس إيد ولي النعم يا حمار...»
أبعد الوالي يده في خوف واشمئزاز، هاتفاً:
«لا...غور... غور..»
أسرع الحارس يجري، قبل أن يتراجعا في قرارهما، ومال الوزير علي الوالي، قائلاً بابتسامة خبيثة:
«إيه رأي جنابك بقي ؟!...»
أومأ الوالي برأسه في رضا، وقال بابتسامة عريضة:
«شغل شياطين... لازم أديلك مكافأة علي كده يا وزير... قوللي.. هو مرتبك وصل كام بالبدلات ؟!...»
انحني الوزير تلك الانحناءة قائمة الزاوية، وهو يجيب:
«ستة مليون دينار عمي في الشهر جنابك... وشوية فكة كده... ييجي قدهم تقريباً... بس إيه رأي جنابك في النظام ؟!...»
لم يكن بحاجة فعلياً لمعرفة الجواب
وجاء موعد الانتخابات، ووصل السلطان مع موكبه ورجاله للإشراف عليها، وذهب الوزير مع الوالي لاستقبالهم، عند مدخل المدينة الوهمية، وكان استقبالاً حافلاً، تكلف ثلاثة ملايين دينار دفعة واحدة، حتي إن السلطان قال مستاءً:
«كان لازمتها إيه المصاريف دي كلها يا والي ؟!.. مش الشعب كان أولي بيها...»
أشار الوالي إلي جنوده، المتنكرين في هيئة مواطنين، وقال:
«الشعب ماهو قدامك زي الفل أهوه يا فخامتك... واكل، شارب، لابس جديد في جديد، والعطايا مغرقة الكل، ومافيش حد محتاج... طب ده فيهه ناس ماكانتش عايزة تاخد عطية الشهر ده، عشان مش عارفة تعمل بيها إيه....»
انبهر السلطان بما سمعه، وبما عليه الناس في الشوارع، من نظافة ونظام، فقال وهو يربَت علي ظهر الوالي في رضا:
«ده أحسن من السلطنة نفسها.... إيه الحلاوة دي...إحنا نستعين بيك بقي ؛ لتحسين أحوال السلطنة كلها...»
اتعظ الوالي للعبارات الجميلة، وحاول أن يخفي ابتسامته، ويتظاهر بالتواضع، وهو ينحني انحناءة تنافس انحناءة الوزير له، قائلاً:
«من بعض ما عندكم يا فخامتك...»
هزًَّ السلطان رأسه في حيرة، وقال:
«العجيبة يا أخي إن فيه ناس كتير بتشتكي إنك بتزوًَّر الانتخابات، ومابتحترمش حقوق الإنسان، وسايب الولاية فساد في فساد، وغيرها وغيرها... إنت إيه ما بتقراش جرايد المعارضة ؟!...»
هتف الوالي في حماس مستنكر:
«معارضة إيه يا فخامتك... هنا ماعندناش معارضة... ثم أنا بقرا الجرايد كلها كل يوم الصبح... أخبار السلطنة.... والولاية....والأمن العمومي... كلها فخامتك...»
«إيه ده ؟!... مابتقراش اليوم الأسود... ولا دستور يا أسياد... ولا صوت الولاية... دي كلها صحف معارضة..»
هتف الوالي:
«دي صحف صفرا وخضرا وحمرا فخامتك، وكلها كذب في كذب... طب أدي فخامتك جيت علي سهوة أهوه... ده شعب غضبان ده ؟!...»
أدار السلطان عينيه في العسكر، المتنكرين في هيئة مواطنين، وفي نظافتهم ووجوهم المنتفخة من العز، وهزًَّ رأسه، قائلاً:
«الحقيقة لأ...»
أشار الوالي إلي لافتة ضخمة، تحمل صورة فقران عدمان فطسان، مع دعايته الانتخابية، وقال:
«طب شوف فخامتك الديمقراطية...أهو ده المنافس بتاعي يافطته أكبر تلات مرات من يافطتي... ديمقراطية دي بقي ولا لأ ؟!...»
هز السلطان رأسه متعجباً، وغمغم:
«حقيقي... عداك العيب يا والي...»
ثم سأله في اهتمام:
«صرفتوله المليون دينار بتوع الدعاية...»
أجابه الوزير في سرعة:
«لآخر فلس فخامتك...»
ابتسم السلطان في ارتياح، وربًَّت علي كرشه الضخم، قائلاً:
«عظيم.... عظيم....»
سار موكب السلطان، يضم الوالي والوزير ؛ لتفقًَّد اللجان
«ديمقراطية بقي فخامتك....»
ثم وصل الموكب إلي اللجنة، التي سيدلي فيها فقران بصوته، وكان يقف هناك بنفسه، وفقاً للتعليمات، وزملاؤه من رجال الحرس من حوله يهتفون بحياته، وهم يرتدون زي المواطنين، وزملاؤهم الذين احتفظوا بثياب الحراس
«شرفت فخامتك الولاية ونورتها...»
ربًَّت عليه السلطان في رضا، وسأله:
«كل حاجة ماشية تمام يا فقران...»
شعر الوزير بالضيق ؛ لأن فقران انحني أكثر منه، وهو يجيب:
«بعطف فخامتكم يا مولانا...»
ربًَّت عليه السلطان مرة أخري، وبدا أكثر ارتياحاً، وهو يسأله:
«صرفت المليون دينار بتوع الدعاية...»
تردًَّد فقران لحظات، ثم عاد ينحني، مجيباً:
«مضيت عليهم فخامتك...»
عقد السلطان حاجبيه، وهو يسأله في صرامة:
«مضيت عليهم وللا قبضتهم ؟!...»
تردًَّد فقران مرة أخري، ورمقه الوزير بنظرة نارية، في حين لوًَّح الوالي بسبًَّابته متوعداً، من خلف ظهر السلطان، فأسرع يجيب:
«مضيت ع المليون فخامتك، وخصموا منهم الضرايب والمستنقعات، والذي منه...»
سأله السلطان، في صرامة أكثر:
«يعني قبضت كام ؟!...»
أجابه في سرعة:
«ميه خمسة وسبعين فلس سعادتك...»
امتقع وجه الوالي، وانكمش في مكانه، في حين أسرع الوزير يقول مضطرباً:
«الباقي قرًَّّر يستثمره في مصانع الحديد والصلب بتاعتنا فخامتك...»
التفت السلطان إلي الوزير، يسأله في صرامة غاضبة:
«هو إحنا عندنا مصانع حديد وصلب ؟!...»
أجابه الوزير في سرعة:
«طبعاً فخامتك... دي شركة مساهمة كبيرة...»
سأله السلطان في اهتمام:
«ومين مساهم فيها ؟!... الشعب ؟!...»
أجاب الوزير في حماس مصطنع:
«طبعاً فخامتك... مرات الوالي، وأولاده، ومراتي وولادي، وأخواتي وعمامي وخالاتي وأولادهم طبعاً، ومرات وزير الزير، ومرات وزير ال....»
قاطعه السلطان في غضب:
«كلهم مراتات وقرايب وزرا ومسئولين...»
أجابه الوالي في سرعة مضطربة:
«ماهو كلهم من الشعب فخامتك...»
رمقه السلطان بنظرة صارمة، وهزًَّ رأسه، قائلاً:
«نبقي نشوف الموضوع ده... بعد ما تطلع نتيجة الانتخابات....هو الفرز حيبتدي إمتي ؟!...»
أجابه الوالي في توتر:
«فخامتك اللي تحدًَّد إمتي.... إحنا مالناش دعوة بالفرز خالص... رجالة فخامتك يقوموا بكل حاجة....آه....عشان ضمان النزاهة والشفافية....»
هزًَّ السلطان رأسه، وقال صارماً:
«لما نشوف....»
تلك الكلمة الأخيرة، جعلت كل سنتيمتر من جسد الوالي يرتجف، من قمة رأسه وحتي أخمص قدميه، من لحظة سمعها، وحتي عاد مع الوزير إلي قصره، في انتظار نتيجة الفرز، وعلي عكسه تماماً، بدا الوزير هادئاً، منهمكاً في تناول ثمرات الفاكهة في شراهة، حتي هتف هو به:
«يعني قاعد ولا علي بالك !!...»
ابتسم الوزير، وواصل تناول الثمرات، وهو يقول:
«الحقيقة أنا مش عارف جنابك متوتر كده ليه ؟!...أمال لو ماكناش مرتبين كل حاجة بالشعرة...»
قال الوالي في عصبية:
«آه.... ما انت ما يهمكش حاجة... طالع واكل نازل واكل.... ولو كسبت أديك وزيري، ولو خسرت حتبقي وزير سي زفت فقران ده.... مش فارقة يعني....»
شعر الوزير بتوتره الشديد، فتوًَّقف عن الأكل، ليقول مهدئاً:
«تخسر ؟!... تخسر إزاي بس جنابك... أنت إيه، كدبت الكذبة وصدقتها ولاّ إيه... دول رجالتنا، وقلبهم علينا....»
ظل الوالي علي توتره، وهو يفرك كفيه في عصبية، قائلاً:
«أصلك ما سمعتش السلطان قاللي إيه، قبل ما يمشي...»
انتقل قلقه وتوتره إلي الوزير، الذي سأله:
«قالك إيه جنابك...»
مال الوالي نحوه، وكأنه سيخبره سراً عويصاً، وهمس بكل توتر الدنيا:
«قاللي إنه ما يعتقدش النتيجة المرة دي تكون تسعة وتسعين في المية، زي كل مرة...»
همس الوزير بدوره، دون مبرًَّر واضح، وبأنفاس مبهورة للغاية:
«هوه قالك كده ؟!..»
أومأ الوالي برأسه إيجاباً، في توتر شديد، فاعتدل الوزير متراجعاً، يفكًَّر فيما قاله السلطان، ثم لم يلبث أن هتف في حماس:
«آه.... فهمت...»
سأله الوالي في لهفة:
«فهمت إيه ؟!... قوللي...»
عاد الوزير يميل نحوه، وهو يبتسم، قائلاً:
«أصل فخامته شاف وسمع اللجان، إللي بتهتف لفقران ده، وصدًَّق إن ده بصحيح، فقال: لما فيه كتير بتهتف له كده، يبقوا أكيد مش حينتخبوا جنابك...»
تراجع الوالي بدوره، مغمغماً:
«تفتكر كده ؟!...»
هتف الوزير في حماس:
«أكيد جنابك....»
بدت لمحة من الشك، علي وجه الوالي، فتابع الوزير في ثقة:
«كلهم رجالتنا، وكلهم عايشين من خير جنابك، وكلهم واخدين أوامرهم مني...يبقي مش حينتخبوك ليه... جنابك اطمن خالص... التسعة وتسعين في المية في جيبنا الصغير....»
هزًَّ الوالي رأسه، وقال في قلق:
«طب مش كنا خليناها خمسة وتسعين ولآّ تسعين ؟!... عشان حتي تبقي مبلوعة....»
هزًَّ الوزير رأسه نفياً في حزم، وقال:
«بقي تبقي جنابك ناجح بتسعة وتسعين في المية المرة إللي فاتت، وتقل المرة دي....طب فخامة السلطان يقول إيه ؟!... شعبية جنابك بتقل !...»
تراجع الوالي مفكراً، ثم أومأ برأسه، قائلاً:
«فعلاً... عندك حق يا وزير....»
مع قوله دخل السلطان بادي الدهشة، وهو يضرب كفاً بكف، قائلاً:
«أنا مش مصدق اللي بيحصل في الولاية دي !!... ماتعرفش تفهم ناسها أبداً، مهما حاولت...
التفت إليه الاثنان في لهفة، وعقد الخوف لسان الوالي، في حين تساءل الوزير في اهتمام شديد القلق:
«خير فخامتك...»
جلس السلطان بينهما، وهو يقول في دهشة منفعلة:
«أنت مش سمعتوا بودانكم الهتافات، وشفتم الطوابير....»
غمغم الوزير في حذر:
«حصل فخامتك...»
ضرب السلطان كفاً بكف مرة أخري، وقال:
«رغم كل ده.... النتيجة تطلع كام ؟!...»
سأله الوالي بصوت متحشرج:
«كام فخامتك ؟!..»
ضرب السلطان كفاً بكف للمرة الثالثة، قبل أن يجيب بكل الدهشة:
«تسعة وتسعين في المية...»
تنفس الوالي الصعداء، علي نحو ملحوظ، وابتسم الوزير ابتسامة عريضة، وهو يقول:
«القلب وما يريد بقي فخامتك...»
قال السلطان في دهشة:
«يعني انتو شايفين إن ده منطقي...»
أجابه الوالي، الذي استعاد ثقته بنفسه:
«فخامتك شفت بنفسك... كل شيء تم بحيادية وشفافية ونزاهة.... وده رأي الشعب، والديمقراطية إننا نحترم قراره...»
هتف السلطان، ودهشته تتضاعف:
«بس تسعة وتسعين في المية ؟!...»
قال الوزير في ثقة:
«وليه لأ فخامتك... الشعب حر، يختار الوالي بتاعه براحته، ومن غير أي ضغط...»
هزًَّ السلطان رأسه، وهو ينقل بصره بينهما في دهشة، قبل أن يقول:
«حقيقي... أنا ماشفتش في السلطنة كلها روح ديمقراطية زي دي...»
انحني الوالي والوزير انحناءة تنافسية، وهما يقولان في آن واحد:
«فضلة خيرك فخامتك...»
وعندما اعتدلا، فوجئا بفقران يدخل القاعة، فهتف الوزير مستنكراً:
«ده بيعمل إيه هنا ده ؟!...»
ابتسم فقران في ثقة، في حين رمقهم السلطان بنظرة حائرة، وهو يقول:
«اظاهر ما فهمتوش... النتيجة طلعت تسعة وتسعين في المية....»
ثم أشار إلي فقران، مضيفاً:
«أقدم لكم الوالي الجديد...»
وفي اللحظة نفسها، التي سقط فيها الاثنان مصعوقان، انحني فقران، حتي ضرب رأسه الأرض، وهو يقول للسلطان، في خضوع وخشوع شديدين:
«من عطفك وفضل خيرك يا مولانا...»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.