أيها السادة، بعد غياب دام أكثر من ثلاثين عاما، فاجأتنا الآنسة كرامة بزيارة علي غفلة، في ثوب جديد. حين كنا حلوين كده، علمونا أن الإنسان الذي يحفظ كرامته، هو من يحفظ نفسه من أي سلوك مشين يخاف أن يطلع عليه الناس، أو أن يعير به. الكرامة هي ألا تكون صاحب اليد السفلي، هي ألا تقبل الإهانة لا علي نفسك ولا علي غيرك، وعدم قبول الإهانة يعني ألا تضع نفسك في موقف مهين، أو تسلك سلوكا مهينا. الكرامة تنبع من الإنسان ولا تمنح من جهات خارجية. كل معطيات حياتنا تتنافي مع الكرامة، لا كرامة مع التسول، لا كرامة مع التبعية، لا كرامة مع الظلم، لا كرامة مع اقتصاد الكومسيونجية، لا كرامة مع النذالة، لا كرامة في العنصرية. الكرامة خاصية إنسانية، فكيف أتخلي عن إنسانيتي وأدعي الكرامة؟ كيف يقبل شعب علي كرامته أن يعلنه نظامه بأنه لا يصلح إلا للحكم بقانون الطوارئ، وكأنه مجرم بطبعه، وكأن قانونه، الذي وضعه خيرة القضاة والقانونيين المصريين، لا يكفي لردع جرائمه؟ كيف يقبل شعب علي كرامته أن يخبره رئيسه بأن «اللي بيدخل بأخطر إسرائيل واللي بيخرج بأخطر إسرائيل»، أو أي دولة أخري غير إسرائيل، وهو يتحدث عن حدود وطنه؟ كيف يرضي شعب علي كرامته أن يتنازع نظامه الحاكم مع بعض أطياف معارضته علي رضا الولاياتالمتحدة، ويسافر كل فريق منهم لتقديم عرض استربتيز سياسي أمام الإدارة الأمريكية ليقنعها بأنه الأكثر إغراء؟ كيف يدعي أناس أن لديهم كرامة وعمالهم نائمون علي قارعة الطريق يطالبون بقوت يومهم؟ هذا حال العامل المنتج، فكيف يكون حال المتسول؟ أين كرامة الإنسان في بلد يضع فيها وزير التعليم كاميرات لمراقبة الموظفين وكأنهم خارجون علي القانون؟ كيف تكون لك كرامة وأنت شغلك الشاغل «تقليب الرزق»، لأن راتبك الذي تتقاضاه من وظيفتك يضعك في مصاف من تجوز عليهم زكاة المال؟ فيه بلد عندها كرامة تقول: سلفني شكرا؟ حين قرر مهدور الكرامة الدفاع عن كرامته، لم يفعل سوي أن «نقع» ما تبقي له من الكرامة في الوحل، فلخص كرامته في الثورة علي جرائم ومشاجرات تحدث في كل أنحاء العالم ومع كل الجنسيات، وفي مباراة كرة قدم، وفي قرارات الفيفا التي وصمتنا بالكذب، فلم نخجل من كذبنا، وإنما صممنا عليه «دفاعا عن كرامتنا»، هو فيه كداب عنده كرامة؟ وفي الحديث عن سيادة مصر وحريتها في تجويع الناس، بينما «اللي بيدخل بأخطر إسرائيل واللي بيخرج بأخطر إسرائيل»، وفي التكبر علي الدول الإفريقية وإهانتها، وفي تبرير قتل الفقراء المتسللين للحدود لأنهم ذاهبون إلي إسرائيل! الأفارقة المتسللون لإسرائيل يستحقون القتل ومن يبني جدارا لحماية إسرائيل يستحق بوسة؟ المعتز بكرامته لا يهين كرامة الناس، ولا يقبل عليهم مالا يقبله علي نفسه. إذا كان غياب الكرامة يؤلمنا حقا، فعلينا استعادة إنسانيتنا، وطيبتنا، واحترام الآخرين إن كنا نريد من الآخرين احترامنا، بدلا من «فش الغل» فيهم، نحن من سلبنا أنفسنا الكرامة حين رضينا بنظام يهيننا، بل وساندناه في معارك الكرامة الوهمية.