من أعمال المسرحي الإسباني الكبير «لاورو أولمو» يقدم الدكتور طلعت شاهين إلي المكتبة العربية، مسرحية « القميص» لتصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة آفاق عالمية، ويعد لاورو أولمو أحد رواد المسرح الإسباني الذي ينتمي إلي الجيل الثاني من كتاب إسبانيا الذين ظهروا في أعقاب فقد إسبانيا لشاعرها الأشهر فيدريكو جارثيا لوركا، وقدم أولمو هذه المسرحية - التي تنتمي للواقعية الاجتماعية - في عام 1960 وأعرضتها الرقابة لدي عرضها أول مرة، لكنها سريعا ما حققت نجاحا باهرا داخل إسبانيا وخارجها. ويصور أولمو من خلال أبطال هذا العمل ما ألم بالمجتمع الإسباني خلال فترة الستينيات حين كانت إسبانيا تحت حكم فرانكو، وسيتخيل قارئ المسرحية أنه أمام أحداث جرت في مصر الآن فالكاتب يستعرض مشكلات كثيرة منها: البطالة والهجرة بحثا عن عمل والإفراط في شرب الخمر. تدور أحداث المسرحية في أحد الأحياء الشعبية الفقيرة في العاصمة الإسبانية حيث يتخذ خوان وزوجته لولا من أحد الأكواخ سكنا، وفي بداية المسرحية نعرف أن لولا ذهبت بنقود قليلة لتشتري لخوان قميصا أبيض يقدم به نفسه لأصحاب الأعمال لعلهم يقبلوا تشغيله، وسيحمل القميص بمرور الأحداث تاريخ الأسرة. بعد وقت طويل تعود بقميص دون ياقة وتنقصه قطعة من الجزء الخلفي الأسفل، فتعطيها الجدة ياقة لقميص الجد الذي ارتداه يوم زفافه لتخيطها في القميص. لكن صاحب العمل لا يقبل تشغيل خوان ويتسرب اليأس إلي الزوجة وتتذكر بداية معاناتها في قولها لابنتها: «عندما تزوجت بأبيك جئنا لنعيش في هذا الكوخ مؤقتا»... وظللنا نتحمل لأن ذلك كان «مؤقتا» نقط الأمطار والشتاء بلا فحم والترقيعات والصمت عندما تسمع طرقات محصل النور، أو محصل الأقساط أو الديون... أنا لم أعد أحتمل المعاناة ولا الحياة «المؤقتة». وتقرر الزوجة السفر للحصول علي عمل، حتي لو كان ذلك دون أن يصحبها خوان الذي تماما يرفض فكرة الهجرة، وينقل لنا الكاتب بساطة أحلامها في قولها مخاطبة الابنة: «ستتعلمين التفصيل والحياكة ...لا أريد ضحايا أكثر من ذلك في عائلتي، يجب أن نطمح يا ابنتي في بيت بنوافذ واسعة حيث الشمس والهواء يلتقيان بحب .. حيث يجد كل واحد سريره ليعيد مع نفسه أحداث اليوم الذي عاشه.. ليس بيتا كالسجن يموت فيه العقل». وحين توشك لولا علي السفر تطلب من الجدة إرسال خطابات لتطمئن علي الأسرة فيكون الرد بأنهم لا يملكون ثمن طابع البريد! ويواصل أولمو سرد الأحداث وتصوير الأوضاع الاجتماعية في تلك الفترة من خلال ريكاردو الذي يظهر في حالة سكر دائما كحل يرتئيه لمشكلة الفقر والبطالة لديه، والعم ماربياس بائع البالونات الذي يصل به اليأس لدرجة يتهم فيها نفسه بالنصب علي الأطفال لأنه يبيع لهم بالونات ملونة في حين أن البالونات يجب أن تكون سوداء لأن ألوان قوس قزح إشاعة فارغة، وبالينا التي تحكي أن زوجها كان يمتلك قميصا واحدا عاش معه خمس سنوات قائلة لجارتها: لا تظني أنه قد ارتداه مرات قليلة لقد كان يقول إنه أصبح كجلده تماما عندما كنت أرقعه كان يصرخ قائلاً «خدريه جيدا حتي لا تؤلميني» لا تأخذي المسألة هزلا إن ملابس الفقراء تتخذ صفات إنسانية». وقد أشاد النقاد ببراعة أولمو في هذه المسرحية في استخدامه اللغة العامية المحلية التي تكلمها الناس في هذا الوقت والتعبيرات التي شاعت بينهم، وحصل عن هذا العمل علي الجائزة الوطنية للمسرح في عام 1963 فضلا عن جوائز عديدة من الدول التي عرضت فيها المسرحية، التي اعتبرها النقاد بداية للمسرح الشعبي الإسباني حيث يصلح أي مكان لأن يكون مسرحا لها.