بمناسبة الدورة الحادية والعشرين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي التي عُقدت مؤخراً أصدرت إدارة المهرجان 23 كتاباً تتناول المسرح التجريبي في هذه اللحظة الراهنة عالمياً. عناووين التجريبي تمثل الجانب النظري للمهرجان الذي اختتم دورته ال 21 مؤخراً. وقد اخترنا من هذه العناوين خمسة إصدرات تتناول تجارب المسرح التجريبي في أربعة بلدان هي : اليابان، الهند، بريطانيا، وأمريكا.. في أمريكا مثلا يرصد الجزء الثاني من كتاب " ما وراء الحدود ..المسرح الأمريكي البديل" لثيودور شانك، (ترجمة د.الحسين علي يحيي، ومراجعة د.محمد عبد العاطي) ظاهرة المسرح البديل، أو المسرح المستقل في أمريكا. منذ عام 1980، وحتي الآن. يتناول الكتاب واقع مسرح متهم بتناول الموضوع الجنسي، بشكل فج وداعر، كما يعاني من أزمات غياب التمويل! من ناحية أخري ولد هذا المسرح البديل من رحم الثقافة المضادة في الستينيات، والمتمثلة في مناهضة حرب فيتنام ومناصرة الحركات المدنية، لكن ذلك لم يمنع هذه ظاهرة "البديل"من الاستمرار بعد تلاشي هذه الثقافة.. استمر المسرح البديل متخذاً من المنحة القومية للفنون متنفساً لفرقه، ودعم الشركات لها..هكذا تقدم الفرق مسرحاً مناقضاً لبردواي الإستعراضي مثلا. وفي النهاية كانت لهذه الظاهرة الهامشية تأثيرها علي المتن أي المسرح الغنائي التجاري الشهير "برودواي". فرقة مثل "فرقة إدارة الفقر بلوس انجلوس" تقوم علي مجموعة من المتشردين..وقوام هذه الفرقة وغيرها شئ واحد، وتسعي لهدف واحد كذلك وهو "التجريب"، حيث لا انفصال بين الجمهور والعرض، فيجد المشاهد منفسه جزءاً من العرض. حيث تنطلق عروض المسرح البديل من مرحلة ما بعد هدم الجدار الرابع. شهد نشاط حركة المسرح البديل ذروته خلال فترة رفض حرب فيتنام، والسعي لإرساء الحقوق المدنية ومناصرة الأقليات العرقية، وبعدما هدأت هذه الحركة السياسية تحول المسرح البديل للاهتمام بالذات علي حساب القضايا الاجتماعية..هكذا ظهر مسرح مختلف، يعتمد علي الذات، ونقصد بالذات هنا "فردية الممثل". بات المسرح فردياً، يقدمه ممثل فرد.. في عام 1989 فاز عرض "اندريه سيرانو" بالمنحة القومية(من مركز جنوب شرق للفن المعاصر). العرض كان يتناول صورة تمثال المسيح المصلوب في مياه قذرة، لهذا كان هناك اعتراضاً واسعاً علي تقديم منحة من أموال دافعي الضرائب لعرض كهذا. الاعتراض شمل حملات علي شبكة الإذاعة المسيحية، ورسائل إلي الكونجرس، وأدان نواب والسيناتورز المنحة، وفي عام 1999 مرر الكونجرس قانوناً تراعي بموجبه المنحة القومية للفنون "المعايير العامة للياقة، وتحترم القيم والمعتقدات المتنوعة للشعب الأمريكي". كما وضع مدير المنحة القومية تعهداً يجب توقيعه قبل الحصول علي المنحة بألا يستخد الفائز المال الممنوح في "تشجيع أو نشر أو إنتاج أعمالاً قد تكون شائنة"! ..ولهذه الأسباب صار المسرح البديل يعتمد علي دخله فقط . هكذا تأجلت العديد من العروض، وتعطل أكثر من مشروع، وهو ما ادي إلي ظهور حالة جديدة في ظاهرة البديل الأمريكية: " وفي هذه الظروف الصعبة تميز العمل الفردي بقلة تكلفته، ووجد أعضاء الفرق السابقون الذين كبرت سنهم وزادت أعبائهم المادية أنه من الأسهل عليهم العيش علي الأعمال الفردية" هكذا ظهرت "آني سبرنكل" علي خشبة المسرح " فخلعت ملابسها وطلبت منهم أن يحملقوا في جسدها". وعلي النقيض من ذلك تأتي تجربة فرقة "مايم سان فرانسيسكو"، التي تأسست عام 1959، لكن هذه الفرقة لم تبدأ التعاون بين أفرادها والانفتاح علي قضايا المجتمع والثقافات الأخري إلا عام 1970 ، هكذا تحولت الفرقة إلي وحدة متعاونة تضم ممثلين من أعراق مختلفة. من خلال عرض " Off shore" استعانت الفرقة بمخرجين من تايون، هونج كونج، اليابان، والفلبين. كما انفتح العرض، الذي يتناول علاقات التجارة الخارجية بين الولاياتالمتحدة والدول الآسيوية، علي تقنييات مسرح الكابوكي الياباني والأوبرا الصينية. من البديل الأمريكي ننتقل إلي البديل البريطاني، حيث يرصد "آندرو ديفيز" في كتابه "تطور المسرح البديل والتجريبي في بريطانيا" هذا المسرح، ولكنه يؤرخ له بداية من القرن التاسع عشر. يجول "ديفيز" بالقارئ مع الفرق الجوالة، التي كانت تتنقل بين القري وتتوقف أمام الأديرة، وتقدم عروضها. كما يتسلل المؤلف داخل الكنيسة ويرصد العروض، التي كانت "تمسرح" الكتاب المقدس، تلك المسرحيات التي كانت مرفوضة اجتماعياً. يسعي الكتاب -(الذي ترجمته د.إيمان حجازي، وراجعه د.نبيل راغب) - لكتابة تاريخ المسرح التجريبي والبديل منذ هذه الفترة وحتي وقتنا الراهن، مقدماً مسرحاً مختلفاً( وهو عنوان الكتاب في الأصل الإنجليزي). يتوقف المؤلف عند فترة الحرب العالمية الثانية طويلاً.. خلال تلك السنوات كان وضع المسرح البريطاني محيراً. لم يكن هناك إلا مسرحان يعملان فقط، صارت لندن محطة سريعة للفرق الجوالة، بعد أن كانت مقرا دائما للمسرح قبل الحرب. وفي الوقت نفسه كان هناك إقبال جيد علي الثقافة، ارتفعت مبيعات الكتب، فوجئ أصحاب الفرق بتضخم عدد المهتمين بالمسرح، رغم قلة المسارح العاملة، وكذلك خصصت الحكومة البريطانية منحاً لفناني المسرح، ولكن المنح استخدمت في تقديم العديد من العروض الجوالة، لتحجيم بطالة المسرحيين..هكذا عاد المسرح البريطاني لنقطة البداية، فقد غدت أغلب الفرق -والعروض كذلك- "جوالة". تناول المسرح الهندي جاء مختلفاً عن المعتاد ضمن سلسلة إصدارت "المسرح التجريبي"، فقد جاءت ترجمة الجزء الرابع من "القواعد الملهمة لفن الدراما والمسرح في الهند" لبهاراتا موني، حيث يعد الكتاب نصاً شعرياً طويلاً كتب ليؤدي علي خشبة المسرح، ولا يخلو من الإيماءات الجسدية من رقصات وحركات بالوجه واليدين أي أن كتاب قواعد الدراما الهندية جاء معبراً عن شكل هذه الدراما. (الكتاب ترجمه د.مصطفي يوسف منصور، ود.عصام عبد العزيز، وراجعه د. محمد حمدي إبراهيم.) أما كتاب "المسرح المعاصر في اليابان" ل"سيندا أكيهيقو" فيقدم تاريخاً مختصراً لمسرح اليابان منذ الستينيات حتي التسعينيات. راصداً العديد من الحركات الفنية التي أثرت هذه التجربة منها مثلا :"حركة المسرح الصغير"، نسبة الصغر هنا ترجع إلي كون المؤلفين والممثلين من الشباب.. انطلقت هذه الحركة من خلفية سياسية عنيفة تمثلت في مظاهرات الطلبة في الستينيات، مثل أغلب الحركات المسرحية التي تناولناها سابقاً، لكن أسباب المظاهرات كانت الاعتراض علي تجديد معاهدة الدفاع المشترك مع الولاياتالمتحدة. كانت حركة المسرح تعتمد علي "دراما الموقف"، وقد برزت من خلال تجربة المسرحي "كارا جووروه"، والمؤلفان "سوزوكي تاداشي"، و"بيتسوياكو مينورو". (الكتاب ترجمه د. أحمد فتحي، وراجعه د.علاء علي. ) يؤرخ "أكيهيقو" باستفاضة لتجربة الستينيات علي حساب فترات أخري، حيث يعترف المؤلف في مقدمة الكتابة بانتماء للجيل الذي شهد بدايات حركة المسرح الصغير عام 1962، موضحا انحيازه لهذه الحركة بوضوح. الحكاية تبلورت داخل الخيام، فقد استوحت فرق مسرح "المواقف" أسلوب عرض خيام السيرك. وفي عام 1966 دقت أوتاد خيمة بطوكيو معلنة عن تأسيس مسرح "الطابية الرمادية". وداخل الخيمة قدم العرض الأول لكارا جووروه. بعد ذلك اتخذ المسرح من المعابد البوذية مستقراً لخيامه..لتتابع مراحل المسرح البديل في اليابان. المنطقة نفسها يتناولها ثلاثة مؤلفين هم: "ديفيد جورتنر"، "كايكو ماكدونالد"،و"كيفين ج ويتمر" في كتابهم "المسرح والأداء الياباني المعاصر"، ولكن الكتاب يدخل المسرح الياباني محاولاً التأريخ له. يعترف "جورتنر" في البداية أن تحديد نقطة إنطلاق أمر صعب في الثقافة المسرحية اليابانية لهذا يسرد "العمل" تاريخ مائتي عام من المسرح.. متناولاً حركة إصلاح فن الكابوكي المسرحي (1873- 1890)، وتأسيس حركة الفنون الأدبية (1906)، ثم المسرح الحر بعدها بثلاث سنوات، حتي وقتنا الراهن. (الكتاب ترجمه إلي العربية د. محمود كامل، وراجعه هاني مطاوع.) أما بقية إصدارات الدورة الحادية والعشرون فتتنوع بين "لغات المسرح التي تصوغها المرأة"، "الممثل: الفن والحرفية"، "مخرجات مسرحيات أمريكيات في القرن العشرين(جزء أول، وثاني)"،"عن المسرح الصيني دراسة نقدية للمسرحيات الحديثة المعاصرة"، "بين الأزمة والطليعة ..دراسات عن المسرح الأسباني في القرن العشرين"، "مسرح الكلمات"، "سياسة العرض المسرحي المسرح والنظرية"، "المسرح والعرض والتكنولوجيا..تطور السينوغرافيا في القرن العشرين"، "بيتر سيلز- دراسات(الجزء الأول)"، "أشهر خمسين مخرجاً مسرحياً"، "مقدمة في تاريخ المسرح- الجزء الثاني"، "مسرح الفنان في روسيا وألمانيا"، "المسرح الشامل: اقتراح وممارسة"، "كيف نتعامل مع العمل المسرحي..نظرية الأدب والأدب المقارن"، "الشاشات علي المسرح- الجزء الثاني"، "الإخراج المسرحي المعاصر"، وأخيراً "كتالوج المهرجان".