شرعت في كتابة هذه السطور قبل أن أعرف مصير النواب (غير المزورين) والشخصيات السياسية المرموقة التي تنادت وتداعت لتنظيم مسيرة سلمية، كان يفترض أن تبدأ صباح أمس من ميدان التحرير وتنتهي أمام بوابة مجلس الشعب (مسافة مائتي متر) حيث يجري تسليم وثيقة تحوي قائمة استحقاقات ومطالب أجمعت عليها كل القوي الحية في المجتمع، علي تنوعها واختلاف أطيافها، من أجل الإفراج عن حق الشعب المصري في التمتع بحرية وديمقراطية حقيقيتين، وإنهاء أطول عملية نهب وسطو مسلح علي السلطة والثروة في تاريخ مصر المعاصر والحديث. وكما تلاحظ، فقد تعمدت استخدام كلمة «المصير» الذي ينتظر الشخصيات المشاركة في المسيرة علي أساس أن هذا النوع من أنشطة التعبير البسيطة والتي لم يعد أحد في العالم المتحضر يجرؤ علي المجادلة في كونها حقاً أولياً من حقوق البشر، هي في بلادنا عمل فدائي خطير جداً قد يودي إلي التهلكة رأساً وفوراً، ويكفي هنا الإشارة إلي البيانات الحربية والتحذيرات القتالية التي أصدرتها وزارة الداخلية في الأيام الثلاثة الأخيرة، وهددت فيها كل من يتهور ويحاول المشاركة في المسيرة المذكورة بمصير أسود من قرن الخروب !! والحقيقة أن إنذارات وتهديدات أجهزة الأمن (هل في مصر الآن شيء غير الأمن؟) باتت تكتسب مؤخراً مصداقية مرعبة وخطورة مؤكدة، ليس فقط بسبب تواتر حوادث العجن والسحل وهتك أعراض المتظاهرات والمتظاهرين (أيضا)، وإنما الأسوأ من هذه الحوادث هو مهرجان التحريض السافر علي قتل وإبادة أي مواطن يفقد عقله وينزل الشارع لكي يعبر عن رأيه .. ذلك المهرجان الذي جرت وقائعه الفاضحة قبل أسبوعين في مبني«البرلمان» لا مبني «المدبح»، وشاركت فيه نخبة من أبشع «النوائب» المزورة وأكثرها صياعة ووضاعة، لكن تفوهاتها ودعواتها الإجرامية لإطلاق الرصاص الحي علي المواطنين المتظاهرين لاقت استحسانا وتأييدا من مندوب وزارة الداخلية، الذي أكد أن القانون (الذي صنع في عهد الاحتلال الأجنبي) يمنح المحتلين المحليين الحق في قتل المصريين في الشوارع!! غير أن دواعي الموضوعية والأمانة تقتضي الاعتراف والتنويه بالعقاب الرهيب الذي أنزلته أغلبية «نوائب» الست الحكومة في المجلس الموقر بزميلهم الوحيد الذي تعرض لمساءلة رقيقة لطيفة بسبب مشاركته البارزة في المهرجان سالف الذكر؛ إذ انطس الرجل من دون شفقة ولا رحمة حكماً ب«اللوم» مرة واحدة ودون أدني اعتبار لكوم اللحم الذي وراءه، ورغم أن التاريخ القريب لهذا المجلس متخم بأحكام وعقوبات أخري وصلت إلي حد إسقاط العضوية عن نواب أدينوا وثبت في حقهم ارتكاب فاحشة معارضة الحكومة وتمثيل الشعب تحت القبة، فإن الدكتور أحمد فتحي اعتبر مجرد توجيه «اللوم» لموقَّر حكومي طالب علناً بقتل شعبه، «عقوبة قاسية» وفظيعة جدا قوي خالص !! وربما يفاجأ معالي الدكتور أحمد فتحي بأن رأي جنابه في عقوبة «اللوم» وما اكتشف فيها من قوة ردع وترويع أقنعني و«نغشش» تماما في نفوخي، مما يجعلني أتساءل الآن: لماذا لا يقترح سيادته إدخالها في قانون العقوبات، خصوصا في البنود والمواد التي تتعلق بجرائم وارتكابات جسيمة كالقتل العمد وتهريب المخدرات وخلافه، بحيث يعرف كل مَنْ تسول له نفسه اقتراف مثل هذه الأفعال أنه قد يواجه الحكم بالإعدام وقد يصل الأمر إلي «اللوم» شخصياً؟!!