عدد من خبراء القانون الدولى للمياه وجيولوجيون انتقدوا تصديق البرلمان الإثيوبى على اتفاقية عنتيبى ووصفوه بأنه غطرسة من جانب أديس أبابا. أستاذ الموارد المائية والرى بكلية الزراعة جامعة القاهرة الدكتور نادر نور الدين قال «إثيوبيا لم تحترم اتفاقية عنتيبى نفسها عندما قامت ببناء سد النهضة دون دعوة الدول الموقعة على الاتفاقية، وهذه الدول هى كينيا وتنزانيا ورواندا وبورندى وأوغندا، وهو ما يشير إلى أن أديس أبابا تتصرف بهمجية وتقيم السدود دون احترام للقانون الدولى»، لافتا إلى أنها أيضا لم تحترم الاتفاقية الموقعة فى عام 1993 بين الرئيس السابق مبارك وميليس زيناوى رئيس وزراء إثيوبيا فى ذلك الوقت، وهى الاتفاقية التى تنصّ على عدم إقامة أى منشآت على نهر النيل دون إبلاغ الطرف الآخر، لافتا إلى أن مصر حاليا تحظى بتعاطف دولى تجاه ما تفعله إثيوبيا، ويجب أن تتحرك مصر فى ظل هذا التعاطف الدولى، وطالب نور الدين بتحرك الدبلوماسية المصرية وتعريف العالم بأن ما تقوم به إثيوبيا سيؤثر بالسلب على البيئة، بخاصة أنها ستعمل على إزالة أكثر من 40 ألف فدان من الغابات والأشجار المحيطة بموقع السد، كما يجب شن حملة إعلامية ضد إثيوبيا هدفها تعريف العالم بأن الدولة التى لديها 20 نهرًا وهى إثيوبيا تريد أن تمنع المياه عن الدولة ذات النهر الواحد وهى مصر.
مدير مركز تنمية الموارد الطبيعية بإفريقيا بمعهد بحوث الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة والخبير الجيولوجى الدكتور عباس الشراكى قال ل«التحرير» إن إثيوبيا تتصرف منذ فترة كأنها وقعت وصدقت بالفعل على اتفاقية عنتيبى، وهى تقيم المشروعات دون التشاور مع مصر، لافتا إلى أن عدم توقيع مصر والسودان على اتفاقية عنتيبى يجعل شرعية هذه الاتفاقية منقوصة، لافتا إلى أن إثيوبيا قامت ببناء سد تكيزى فى عام 2009 على نهر عطبرة ولم تنتظر تصديق البرلمان على الاتفاقية، كما قامت ببناء سد النهضة فى أبريل 2011 ولم تلتزم بإشراك مصر فى الدراسات السابقة ومدها بالمعلومات اللازمة، لافتا إلى أن دولتَى المصب مصر والسودان من حقهما أن تشاركا فى الدراسات الأولية والإنشاء وكذلك إدارة أعمال السد، ولفت إلى أن السعة التخزينية للسد زادت 7 مرات، فبدلا من سد سعته 11 مليار متر مكعب زاد إلى 74 مليار متر مكعب، وهذا الحجم لا يتلاءم مع الطبيعة الجيولوجية للأراضى الإثيوبية التى يمر بها الأخدود الإفريقى وكذلك الصخور البركانية هناك، فضلا عن أن الأمطار الغزيرة تسقط لديها خلال فترة قصيرة مما يهدد أى مشروع مائى، لافتا إلى أن 70% من المشروعات المائية فى إثيوبيا تفشل لأسباب جيولوجية وفنية بسبب نشاط الزلازل هناك ونتيجة نسبة الإطماء العالية وبسب انجراف التربة، منوها بأن سد «جيب 2» الذى افتتحه الإثيوبيون فى 14 يناير 2010 انهار بعد عشرة أيام فقط من افتتاحه وذلك فى 24 يناير 2010، كما حدث انهيار سد تكيزى فى أثناء تشييده مما تسبب فى تأخر افتتاحه عاما كاملا، وطالب شراكى بمفاوضات مباشرة مع إثيوبيا، وإن لم تنجح تلك المفاوضات يكون هناك وسيط مثل أمريكا أو الاتحاد الإفريقى، وبعد ذلك يمكن اللجوء إلى الأممالمتحدة، بخاصة أن تقرير اللجنة الثلاثية يؤكد خطورة المشروع على مصر والسودان، لافتا إلى أن ميليس زيناوى رئيس الوزراء الإثيوبى الأسبق عندما فكر فى هذا المشروع كان يبحث عن مجد شخصى، وسيكتشف الإثيوبيون أن هذا المشروع سراب لأنه بسبب الطبيعة الجغرافية والجيولوجية للمنطقة المقام عليها السد لا يوجد مناطق مسطحة تصلح للزراعة وسيستحيل توصيل الكهرباء أو الزراعة فى تلك المنطقة رغم أن 75% من الإثيوبيين ليس لديهم كهرباء، وكان من الأفضل إقامة سدود صغيرة يستطيع من خلالها الإثيوبيون توزيع المياه بين الجبال.
الدكتور مساعد عبد العاطى الخبير فى القانون الدولى للمياه قال ل«الدستور الأصلي» إن تصديق إثيوبيا على اتفاقية عنتيبى وتزعمها التصديق على الاتفاقية فضلا عن إسراعها فى بناء سد النهضة يأتى ضمن الحملة الإثيوبية على الحقوق الحالية لمصر فى مياه النيل ويؤكد سوء نية الجانب الإثيوبى تجاه الموقف المصرى، مشيرا إلى أنه من الثابت قانونا أن الاتفاقيات الدولية لا تُلزِم إلا الدول الموقعة عليها سواء بتحمل الالتزامات أو سريان الحقوق، عملًا بالمبدأ القانونى الوارد باتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 وهو مبدأ نسبية آثار المعاهدات الدولية، وهناك التزام عامّ على دول الأحواض النهرية على المستوى الدولى بالتشاور والتعاون فى كل المسائل المرتبطة بهذا المورد الطبيعى بقصد حمايته وتنميته بالوصول إلى الاستخدام الرشيد لكل دول الحوض وأن اعتراض مصر على اتفاقية عنتيبى يأتى متسقًا ومتوافقا مع أحكام القانون الدولى العامّ وبخاصة القانون الدولى للمياه الذى كفل وجوب احترام الحقوق المكتسَبة فضلا عن أن المادة الخامسة من قواعد هلسنكى لعام 1966 تشترط عند تقاسم الدول مياه الأنهار الدولية المشتركة مراعاة الاستخدامات السابقة والحالية، كما أن اشتراط مصر لوجوب النص على الإخطار المسبق فى صلب اتفاقية عنتيبى لا يُعَدّ بدعة وذلك لأن الإخطار المسبق بشأن المشروعات المائية بات من الالتزامات القانونية على مستوى القانون الدولى للأنهار، بل هو ضرورة تُملِى مقتضيات مبدأ حسن النية فى المعاملات الدولية، وإزاء الموقف الإثيوبى الأخير بشأن التصديق على الاتفاقية فإنه يجب فورا التحرك السريع نحو منع جنوب السودان من الانضمام إلى الاتفاقية وحثّ باقى دول الحوض الموقَّعة على الاتفاقية على عدم التصديق، بالإضافة إلى التواصل مع دولة الكونغو الديمقراطية حتى لا تنضمّ إلى الاتفاقية وذلك منعا للإضرار بموقف المفاوض المصرى فى شأن مياه النيل.
ووصف عبد العاطى ما تفعله إثيوبيا الآن بأنه غطرسة فى الوقت الذى لا يوجد فيه رد فعل من الجانب المصرى، مشيرا إلى أن عدم تحرُّك مصر تجاه إثيوبيا مثل تقديم مذكرة احتجاج دولية سيعطى فرصة لدول أخرى لتبنى سدودًا وتعترض على مصر.