علي السيد خسرت جماعة الإخوان المسلمين الجلد والسَقَط في لحظة واحدة.. أسقطت محبّتها مِن كل العيون المخدوعة عقب ثمانين عاما.. أثبت الجماعة أن العنف مَعلم رئيسي من "معالم في الطريق"، وأنها أبدا لم تكن "دعاة لا قضاة" إلا بقدر الحاجة لضرورة "الخداع" والمهادنة مع الحكومات.. أثبتت أن العنف وسيلتها الأولى في الوجود، وأنه "طريقها" للسلطة.. قالت الجماعة كلمتها بلسان مرشدها: "الشهادة من أجل مرسي". صدح صوت بلتاجيها بالعالي: "يمكن أن نوقف كل ما يجري في سيناء إذا عاد مرسي"، هلّل حجازيها مبشّرا ب"البوارج الأمريكية" التي يراها نصرا مؤزرا وفرجا قريبا.. بح صوت حدادها في استدعاء جحافل "الفرنجة" وجيوش "الصهاينة" من أجل دحر جيش بلاده.. أقرّ تنظيمها الدولي بفشل حكمها، لكنه أصرّ على الدفاع عن شرعية ساقطة وسلطة زائفة.. إذن ما قيمة أن تعترف بالخطأ في "اجتماع سري" وتصرّ على ممارسته في العلن؟ لا يوجد عاقل واحد أو حتى مجنون يتوقّع عودة مرسي لكرسي الحكم؛ فما الذي يريدونه غير "الفوضى" التي تزيد من كراهية الشعب لهم؟ لماذا لم تفكّر الجماعة في أن السلطة زائلة والوطن باقٍ؟ لماذا لم تُفكّر أنها يمكن أن تعود إلى السلطة مرة أخرى، ولكن وفقا لمعايير لا تعطيها، ولا تعطي لغيرها، الحق في تغيير بنيان الدولة والمجتمع؟ لماذا لا تفكّر أن احتماءها بعصابات مسلحة يجعلها في مواجهة مع الشعب كله.. مواجهة ستكون هي الخاسر الأول فيها؟ فماذا بعد قطع الطرق، وإطلاق الرصاص على الجيش والشرطة في سيناء وغيرها؟ ماذا بعد تفجير "باص" يحمل عمّالا أو مدرعة تحمل جنودا؟ ماذا بعد محاولات اقتحام منشآت حيوية وعسكرية وإرباك حياة الأبرياء؟ الإجابة القاطعة: لا شيء غير أن المعتدي والمحرّض والخائن سيقدّمون للمحاكمة، وقبل أن ينفّذ حكم القانون صدر حكم الشعب بأن هذا فراق بيننا وبين كل معتدٍ أثيم. خسرت الجماعة تاريخها المخادع والملتبس وكشفت عن وجهها المعادي للوطن. تعرف جماعة الإخوان قبل غيرها أن كل ما بُني بعد 25 يناير كان باطلا من الناحية المنطقية والقانونية.. تعرف أن المرحلة الانتقالية وضعت مسارا سياسيا خاطئا.. تعرف أنها كانت المخطّط الأول لكل الإشكاليات القانونية والدستورية، تعرف أن استفتاء 19 مارس كان خطيئة سياسية ودجلا دينيا؛ فالاستفتاء على مواد دستورية، تحوّل إلى مقاعد في النار لكل مَن يقول "لا".. تعرف الجماعة أنها ضغطت بكل طرق الترهيب لكي يصدر قانون الانتخابات البرلمانية غير دستوري، ولم تستمع لتحذيرات الفقهاء، وحين حلّت المحكمة الدستورية العليا مجلس الشعب أحلّوا دم أهلها ورشقوها بحجارة معاداة الثورة.. تعرف أن مرشّحها محمد مرسي لم يكن الأفضل، وكانت ترى خيرت الشاطر أحقّ بالرئاسة منه، وأن الضرورة "العاجلة" وحدها هي التي جاءت بمرشّح بأوراق مضروبة.. تعرف أن مرسي كان متهما في قضية خطيرة، وأنه جاء بتوكيلات لثلاثين برلمانيا ثبت أن برلمانهم باطل مِن لحظة وجوده بحكم قضائي بات ونهائي. رأت وأعجبت بما فعله رئيسها "الباطل" بالسلطة القضائية؛ فإذا كان رئيس الدولة وجماعته لا يعترفون بأحكام القضاء، فشيمة الشعب كله الرفض لحكمهم.. وإذا كان الموالون للرئيس يحاصرون المحاكم ويمنعونها من إصدار أحكامها، فمن حقّ الشعب الرفض الكامل لسلطة لا يراها عادلة، وتضع القانون تحت أمرها فقط. تدرك الجماعة أن العودة إلى الوراء مستحيلة، وتعرف أن الإرهاب لم يهزم دولة وشعبا منذ وُجد؛ فها هي ترى أن الشعب يتصدّى لها بنفسه في بولاق أبو العلا والجيزة ورمسيس وغمرة والإسكندرية والمحلة... وغيرها من المدن والقرى المصرية؛ فأي إرهاب يمكن أن يهزم شعبا؟ تعرف أن محاولات شقّ صف الجيش المصري مستحيلة؛ فرجاله على قلب وطن واحد إلى يوم الدين.. تعرف أنها إن دخلت سيناريو الجزائر فحتما ستكون الخاسرة.. الجماعة خسرت كل شيء لأنها أرادت لنفسها كل شيء. مصر أجرت عملية جراحية ضخمة، وتمرّ الآن بآلام ما بعد الجراحة، لكن الألم لا يلغي الشفاء وربما يكون جزءا منه. نُشِر بالمصري اليوم