لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب. ليس هذا هو البوستر الشهير للفيلم، لكني اضطررت إلى استعماله لأن البوستر الأصلي حسي نوعا، وفيه المشهد الشهير لديفيد همنجز بطل الفيلم -وهو مصور فوتوغرافي- يقف ويلتقط بحماس صورة لموديل تزحف عند قدميه، لا شك أنك رأيت هذا البوستر، كما أن فيلم "أوستن باورز The spy who shagged me" يضم لقطة ساخرة شبيهة. هذا هو فيلم "Blow up" الشهير الذي اعتاد الناس أن يترجموه ب"انفجار"، الحقيقة أن اللفظة معناها "تكبير" الصورة الفوتوغرافية، وهو ما يفعله البطل.. أفلام مايكل أنجلو أنطونيوني تثير الجدل حولها سوف ترى ظلال هذا الفيلم في أفلام لا حصر لها، نتذكر منها "ضربة شمس" لمحمد خان عندنا في مصر، لقد ترك بصمة لا تمحى لدى كل من كان يرتاد السينما في أواخر الستينيات، عندما تشاهد هذا الفيلم اليوم سوف تجد أن أفلاما كثيرة جدا مما نراه اليوم أكثر جرأة، لكنه اشتهر وقتها بأنه تجاوز الحدود المحتملة، في العام 1967 قامت السيدة اعتدال ممتاز -مدير الرقابة- بعرضه كاملا دون حذف، وقدرت أن الجمهور صار ناضجا بحيث يمكنه رؤية طريقة تفكير العالم، كانت النتيجة كارثية وحطم الناس السينما من فرط جنون الشهوة، وبعد أسابيع قامت حرب 67 فشاع أن هزيمتنا انتقام سماوي بسبب هذا الفيلم! نذكر هذا ما قاله الناقد الكبير سامي السلاموني: "أنت تراقب الأفلام في صرامة طيلة الوقت، ثم فجأة تقرر أن تتركها كما هي في المهرجانات، فتقدم للمشاهد المحروم ما يذهب بعقله"، الحل طبعا هو أن تستمر الرقابة، الحل الثاني هو أن تصل إلى مجتمع مكتفٍ مثقف شبيه بالسويد بلا حرمان جنسي، إلى أن يحدث ذلك تظل الرقابة هي صمام الأمان..
وبرغم هذا لا يستحق فيلم اليوم هذه الضوضاء التي ثارت حوله.. استمع إلى اللحن المميز للفيلم هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: كل أفلام المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني تثير الجدل حولها، وهو يعشق هذا على كل حال، وقد اشتهر بأفلام "تكبير" و"نقطة زبريسكي Zabriskie Point" و"المهنة صحفي Profession reporter" و"لغز أوبروولد Oberwald Mystery"، ربما يتذكر القارئ فيلم "نقطة زبريسكي" بالذات، فقد عرض في مصر باسم "دمار"، وهذا استثمار لفيلم "انفجار" السابق، رأيي الخاص أن فيلم "نقطة زبريسكي" متحذلق ويتظاهر بالعمق، ويستغل نقطة الضعف الشهيرة لدى الأمريكان إذ يعتقدون أن كل فيلم أوروبي عميق جدا. نعود إلى فيلم "تكبير" الذي عرض عام 1966. للفيلم جو بريطاني ساحر يجعلك تعيش في لندن فعلا، ومن الغريب أن مخرجا إيطاليا يقدر على تقديم جو بريطاني لهذه الدرجة. ديفيد همنجز مصور موديلات بارع يعيش حياة صاخبة بين العمل والنساء، نراه متعجلا متأخرا عن موعد التصوير، ثم نرى عملية تصوير الموديلات لمجلات الموضة والبورتفوليو الذي يعده..
إضغط لمشاهدة الفيديو: يشعر بالملل فيجول في حديقة عامة، هنا يرى عاشقين يقفان ويتعانقان، يتسلى بالتقاط بعض الصور لهما خلسة، هذا يذكرنا جدا بفيلم المحادثة الذي قابلناه هنا من قبل، من إخراج فرانسيس فورد كوبولا، لكن التلصص كان سمعيا وليس بصريا.. المرأة هي الممثلة العظيمة فانيسا ردجريف، وقد اكتشفت أن هناك من صوّرها. تلاحقه في الاستوديو طالبة الفيلم، لأنها تخشى الفضيحة لكنه يتملص منها ويعطيها فيلما زائفا.
إضغط لمشاهدة الفيديو: هنا تأتي النقطة التي تتكرر في الأفلام التي تقلد هذا الفيلم، إن فحص الصور بدقة وتكبيرها عدة مرات، يكشف له عن وجود جثة بين الأشجار قرب العاشقين، ووجود قاتل يتأهب حاملا بندقية، الأمر أخطر من التلصص على عاشقين إذن.. مع المساء يهرع إلى الحديقة بحثا عن الجثة التي رأى صورتها:
إضغط لمشاهدة الفيديو: يعود إلى الاستوديو ليكتشف أن كل سلبيات الصور التي التقطها قد اختفت، لا يستطيع إثبات ما رآه، يعود إلى الحديقة من جديد، وهنا يكتشف أن الجثة قد اختفت، لقد تلاشى كل ما يثبت أنه لا يهذي:
إضغط لمشاهدة الفيديو: أنت لا تستطيع أن تثق في عينيك ولا حواسك؛ لا توجد حقائق، هنا يجد مجموعة من مهرجي البانتومايم يؤدون مباراة تنس كاملة من دون كرة، لكننا نسمع صوت ضرب الكرة طيلة الوقت، يراقب اللعبة، وتبهت صورته بالتدريج فلا نرى إلا العشب وينتهي الفيلم، هذه من اللقطات الشهيرة جدا في تاريخ السينما كما قلت لك.. كل فيلم له مشهد أيقوني لا ينسى، مثلا مشهد آل باتشينو وهو يصرخ في الجماهير "أتيكا أتيكا" في فيلم "بعد ظهر يوم حار"، ومشهد هجوم الهليوكوبتر في "سفر الرؤية الآن"، وقطيع الأغنام في "العصور الحديثة"، ومباراة الكرة بلا كرة في "تكبير"، ولقاء محطة القطار في "رجل وامرأة"، ويدي أبي سويلم تتشبثان بالتراب في "الأرض".. إلخ..
إضغط لمشاهدة الفيديو: هذا هو فيلم "تكبير" الذي احتل كل المحافل الثقافية عام 1966، وهو بالفعل يحتوي أفكارا جديدة لم تقدم من قبل، مع أسلوب سينمائي قوي، لكن إيقاع الفيلم بطيء.. بطيء إلى درجة النوم.. أنتج الفيلم كارلو بونتي المنتج الإيطالي الشهير، وحقق نجاحا ساحقا لدى النقاد والجماهير، حتى إن جمار برمان العبقري السويدي قال إن أنطونيوني قدم تحفتين، هما "تكبير" و"المذكرة" ولا تتعب نفسك بمشاهدة أفلامه الأخرى.. رشح الفيلم لأوسكار أفضل مخرج وأفضل سيناريو، وفاز بجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان كان، كما قلنا سوف نجد لمسات منه في أفلام أخرى عديدة، ومنها فيلم لا أذكر اسمه لجون ترافولتا مع بريان دي بالما.. وكذلك فيلم "المحادثة" كما قلنا. شاهد تريلر الفيلم هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: