حقيقة أريد أن أضيف لك شيئا، لكني لا أجد.. لست سوبر ستار حتى يكون إعلاني عن قبولي لما جاء بالإعلان الدستوري خبرا في حد ذاته.. ولست ذاك المحلل العبقري الذي سيقنعك بأسباب قبوله لدرجة أنك تأخذ الفيسبا بتاعتك من التحرير حتى قصر الاتحادية، أو ميدان عابدين الذي دخل قاموس الميادين المصوّرة مؤخرا! لست العرّاف الذي يضرب الودع ويوشوش الحجر لأخبرك بأن مرسي لن يستخدم صلاحياته الجديدة في ممارسة الديكتاتورية عليك، ولن يطلّق مراتك ولن يأخذ جاموستك؛ لأنه لن يصبح العمدة عتمان عيسى العياط! لست راهب المعبد الذي يطمئنك أن مرسي لن يتحول إلى مرسي رع الإله أو الفرعون الجديد بعد أن أصدر إعلانا دستوريا يجعل قراراته نافذة بذاتها ولا تقبل الطعن.. أنا لست عصام العريان ولا حتى "عصام الدين أديب"!! أنا مجرد مواطن مصري يقرأ الأخبار بعقله وقلبه، يرى حقيقة الواقع المصري ويقرأ مآلات حالة الاستقطاب الحاد الذي يعيشه الوطن.. ويدرك أن هذه الحالة تزداد باستمرار قبل كل تغيّر جذري يحدث على الساحة.. أشدّ حالات الاستقطاب كانت قبيل انتخابات مجلس الشعب، وهوجم الإخوان في كل شيء ومن كل أحد، وهاجم الإخوان كذلك كل شيء وكل أحد، وأفرز ذلك برلمانا حظي في النهاية بقبول الجميع رغم بعض التحفظات، وانتظر الجميع أداء ينقل مصر للأمام.. ثم تأجّجت حالة الاستقطاب مجددا في انتخابات الرئاسة، وأصبح الجميع في نظر الباقين الشيطان أبو قرنين.. ثم هدأ الجميع بانتخاب مرسي على شرط أن يصبح رئيسا لكل المصريين، واستعاد الجميع حلم بناء "مصر القوية" في جو من "الحرية والعدالة" و"الكرامة" و"الدستور" و"التحالف الشعبي" إلى آخره! وبعد انتهاء معركة الرئاسة بدأت تلوح أزمة استقطاب أخرى في الجمعية التأسيسية للدستور، وظلت تتصاعد حتى انتهت إلى انقسام حاد بين من اختاروا لقب "الإسلاميين" ومن اختاروا لقب "المدنيين".. وكلا اللقبين بالنسبة لصاحبه كالألقاب التي كنا نختارها أثناء اللعب في الحارة.. المتوحش والمدمّر وغير ذلك!! وتضاعفت حالة الانقسام بعد أن حصّن الرئيس الجمعية التأسيسية من الطعن، وهو ما أغضب الفريق المنسحب وأنصاره ممن كانوا يرون أن التأسيسية باطلة ويطالبون بحلّها، والتحصين يعني أنها مستمرة.. والتحصين جاء ضد حكم المحكمة الدستورية العليا التي بدا من تسرّعها في الأحكام وخروجها على غير مقتضى المنطق أنها تواكب أمزجة النخب والفلول أكثر مما تميل للعدالة؛ على حد قول البعض.. (الجملة التي تبرّئ قائلها دائما)!! إذن هل وصلنا إلى طريق مسدود؟ هل مصر مقبلة على حرب أهلية كما ذهب خيال البعض؟ هل الرئيس تحوّل إلى ديكتاتور كما طالبه معارضوه بطريق غير مباشر؟ هل انهارت دولة القانون والمؤسسات كما حملت المداخلات الهاتفية واللقاءات المطولة؟ هل توقفت المحاكم عن العمل كما صرح الزندباد؟! الحقيقة أننا لسنا في طريق مسدود ولكننا في منعطف تاريخي -جميل المصطلح ده- لسنا مقبلين على حرب أهلية لكننا مقبلون على الخروج من عنق الزجاجة -لطيف المصطلح ده- قد يصبح مرسي ديكتاتورا بالفعل -وإن كنت لا أظن- لكن الغيب لا يعلمه إلا الله.. ولكن ليس بالإعلان الدستوري ولكن بضعف معارضيه، الذين سيعطونه فرصة مثالية للتضخم؛ لأنهم يعارضونه وهو يحظى بتأييد أكبر منهم. أتيت اليوم لأطمئن الجميع بأن هذه الغمّة ستنزاح وأن هذه الأزمة ستنفرج وأن هذا الظلام سينقشع -حلوة ينقشع برضه!!- لأن المراحل الانتقالية تحمل هذه السمات دائما.. ولأن نخبنا اعتادت أن تحظى بتدليل مَن في السلطة، كالطفل الذي يدلله والده على طول الخط، لكن الشدة تغضبه فيبكي وينهار، ثم يتعلم أن الحياة ليست كلها طبطبة، فيستقيم حاله.. جزء كبير من الشارع يعارض الرئيس لِما يراه في قراراته من خطأ، والبعض يعارضه لحاجة في نفسه، وجزء آخر من الشارع يؤيده لأنه رآه رئيسا قويا، والبعض يؤيده لحاجة في نفسه.. كل هذه ظواهر صحية في مجتمع بدأ يمرّر أي كلام يسمعه على عقله، ومن هنا تولد الديمقراطية؛ من رحم الوعي الذي بدأ ينضج وإن كانت حالة الولادة قاسية.. أبشّركم في المستقبل القريب بمصر جديدة، وممارسات أكثر تعقلا ووعيا أكثر نضجا وأطفالا أقل بكاءً!