السنوسي محمد السنوسي في الأسبوع الماضي اجتمع عدد من الأحزاب والقوى السياسية، الليبرالية واليسارية، وشكّلوا ما أسموه "التيار الثالث" للبحث عن طريق بديل بين ما أسموه: الدولة الدينية والدولة العسكرية.
أبرز القوى المشاركة في هذا التحالف: أحزاب المصريين الأحرار، الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الحزب الناصري، الكرامة، الحرية، الجبهة، وشخصيات مثل د. عبد الجليل مصطفى ود. محمد أبو الغار وجورج إسحاق وحمدين صباحي وعبد الغفار شكر ود. عمرو حمزاوي، ومن المقرر أن ينضمّ لهذا التكتل الدكتور محمد البرادعي وكيل مؤسسي حزب الدستور.
وقد ذكر بعض المشاركين في التحالف أنهم بدأوا بالفعل في التحرك للتفاوض بين الإخوان والعسكري؛ للخروج من المأزق الذي حصل قبل إعلان نتيجة جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، وعقدوا اجتماعات لبحث إجراءات تشكيل تيار وطني للتعامل مع 3 قضايا، وهي: "أزمة الانتخابات الرئاسية، والإعلان الدستوري المكمل، والجمعية التأسيسية للدستور".
طبعًا الدعوة للتحالف بين القوى السياسية المصرية هي أمر محمود ومطلوب، لكن ما يلفت النظر أن الدعوة لتشكيل "التيار الثالث" جاءت في أجواء الخلاف المتصاعد مع المجلس العسكري، خاصة بعد إصداره "الإعلان الدستوري المكمل" قبيل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، وهو الإعلان الذي رأته بعض القوى "المدنية" يحافظ على مدنية الدولة ويقلّص من مخاوف الدولة الدينية!
هذا الخلاف مع العسكري بسبب الإعلان المكمل، أراد البعض أن يبرزه وكأنه صراع بين المجلس العسكري والإخوان، وليس لانتزاع صلاحيات رئيس مدني منتخب، وضد محاولات عسكرة الدولة.. هذه واحدة.
النقطة الثانية أن البعض نأى بنفسه عن التضامن مع الإخوان والقوى الرافضة للإعلان الدستوري، وانحاز للإجراءات غير المدنية وغير الديمقراطية، عنادًا في الإخوان.. ليس إلا!! ولذلك استقال د. عبد الجليل مصطفى من الجمعية الوطنية للتغيير، في موقف مشرّف مبدئي؛ احتجاجًا على بيان الجمعية الذي دعا د. مرسي لأداء اليمين أمام المحكمة الدستورية، واعتبر ذلك مناصرة للعسكر؛ لمجرد الاختلاف مع الإخوان. (رفضت الجمعية الاستقالة لاحقا).
النقطة الثالثة هي أن البعض يصر على إعادة الجدل الذي يلوي الحقائق بشأن مفهوم الدولة الدينية والمدنية!
فأن يقول البعض إنه مع الدولة المدنية ويرفض الدينية فهذا حقه، لكن من حقنا عليه أن يقول لنا: ما هي الدولة الدينية وما هي الدولة المدنية؟!
والعجيب الذي ليس خافيا على أحد أن بعض المشاركين في "التيار الثالث" من دعاة المدنية -التي هي بالضرورة ضد العسكرة- قد تحالفوا مع العسكر، وعرضوا عليهم الاستمرار في السلطة سنتين أو ثلاثا، ومع ذلك يصرون على أنهم مع الدولة المدنية!!
إن الدولة الدينية التي يرفضها "التيار الثالث"، هي وَهْم وخيال، ولا وجود لها في الإسلام، ودائما يجري الحديث عنها للطعن في الإسلاميين!! وتصويرهم وكأنهم دعاة الدولة الدينية.
فالإسلام هو مدني بالطبع؛ لأنه لا يعرف الكمال إلا لله سبحانه ولا العصمة إلا لرسله وأنبيائه، ومن دون ذلك فهم بشر يصيبون ويخطئون، إضافة إلى أن الإرادة الشعبية هي ما يمنح الحاكم الشرعية، وتستطيع عزله، أي بالتعبير الحديث "الأمة مصدر السلطات".
وبصراحة، لا أدري ماذا على الإسلاميين أن يقدموه حتى يصدقهم البعض في أنهم دعاة دولة مدنية؟!
المشكلة أن البعض من "التيار الثالث" كان يدعو صراحة ولعقود إلى "العلمانية"، لكنه لما رأى مدى السوء الذي لحق بهذه الكلمة في عالمنا العربي، وجد في كلمة "المدنية" طوقَ نجاة له من هذا السوء.. ولو كان صادقا مع نفسه وصريحا مع الناس لظل يجهر بذلك ثم يترك الحرية للناس، فإن اختاروا الإسلام -الذي هو مدني بطبيعته- فهم أحرار، وإن اختاروا العلمانية، فساعتها عليه أن يُلزم الإسلاميين الحجة بأن هذه قواعد الديمقراطية التي يعلن الإسلاميون احتكامهم لها.
وهنا، تكون قواعد اللعبة واضحة، والكلمات والمصطلحات لها معانٍ ومدلولات حقيقية، ولسنا بصدد لعب بالألفاظ وخداع للجماهير.
إن الدرس الذي لا تريد النخب أن تدركه، رغم كثرة التجارب والاختبارات التي مرت بها منذ بداية الثورة، أن الشعب المصري بجميع طوائفه متدين، وأن الخلاف الفكري الذي يناسب الصالونات والاستوديوهات لا يعني رجل الشارع في شيء، وأن الخطاب الواضح العملي هو الأقرب إليه، وأن محاولة الدعاية للنفس عن طريق مهاجمة الغير (الإسلاميين) ليست وسيلة ناجحة في الدعاية والإقناع.
وعلى سبيل المثال، هناك الكثيرون يتهمون الإخوان بالتكويش، فإذا فاز د. مرسي بالرئاسة رأينا محافظ الشرقية الأستاذ عزازي علي عزازي (ناصري) يقدم استقالته؛ لأنه كما يقول لا يمكن أن يعمل مع من يختلف معهم سياسيا!!
إذن، من الذي يدفع الإخوان للتكويش؟! ومن الذي يقطع الطريق أمام التحالف الوطني الجامع؟! ومن الذي يرفض الدخول في تحالفات؟! مع أن التحالفات لا تكون إلا بين المختلفين أصلا، لكنهم يبحثون عن القاسم المشترك..
النخبة أمام "طريق ثالث" فعلاً، لكنه ليس الاختيار بين المدنية والدينية، ولكن بين أن تستفيد من الماضي، أو أن تكرر أخطاءها!!