زمان لما كانت أمي تحب تنيّمنا، الأول تضلّم الأوضة خالص، وبعدين تضمّ علينا بدراعاتها كأنها بتحمينا، وتغيّر صوتها كأنها خايفة ومرعوبة، وتقول: "الراجل أبو شوال اللي بيخطف العيال.. جاي!" عند أمهات تانيين كان "الراجل أبو شوال" هو نفسه "أبو رِجْل مسلوخة"، وهو نفسه برضه "أمنا الغولة"، وهو برضه "حليمة اللي بتخطف العيال". الغريب وقتها أن حيلة أمي ماكانتش عمرها بتفلح معايا، كانت أختي الصغيرة بتنام، وأنا أفضل مفتّحة عينيّ على آخرهم، وأفضل أترقّب الأصوات، وأعيش في خيالات، والغريب أن عمر "الراجل أبو شوال" عمره ما جه، ولا حتى طرف شواله ظهر، اللي كان بيحصل عادة إني أسمع صوت الباب، وقلبي يدقّ بسرعة، ولما أتأكد إنه بابا، أبدأ أزنّ وأعمل نفسي باعيط، فييجي ياخدني من السرير، ويقول لي: "برضه نيّمتك غصب عنك"، وياخدني أتعشى معاه، ونقعد نلعب شوية، وفي الآخر أنام في حضنه. أنا ليه باحكي لكم الحكاية دي، مع إنها مجرد ذكرى خاصة من الحاجات اللي لسه فاكراها من طفولتي؟!!! عشان هو ده بالظبط التكتيك اللي بيستخدمه السياسيون لتضليل الشعوب وتنييمهم، مع الاعتذار لأمي؛ طبعا الموضوع مجرد تشبيه! الشعوب العربية يتم تخويفها بإسرائيل، والمثقفون والليبراليون يتم تخويفهم بحكم الإسلاميين وإيران، والإخوان بيخوّفوهم بالبرادعي صنيعة الأمريكان، وشباب 25 يناير بيخوفوهم بأن المعارضة والإخوان هيبرشطوا عليهم -من براشوت- وحتى الغرب بيخوّفوهم بالعرب والمسلمين، عشان كله يخاف، كله يسكت، كله يكتم صوته، وينااااااااام. وفي النهاية كلنا بقينا نخاف من بعض، مع إن كلنا بشر، وبنتشابه في حاجات كتير جدا، وكلنا لنا 3 أعداء أساسيين وثابتين مافيش غيرهم؛ وهم: الجهل والفقر والمرض. وعدو رابع بيتغير من أمة لأمة، وهو الناس اللي بتدعم تفشّي الأعداء الثلاثة الأساسيين دول في جسد الأمة لمصالحهم الشخصية. وبمنتهى البساطة.. مين اللي خلّى مدارسنا تتحوّل من مؤسسات تعليمية لخرابات؟ وساب نظام تعليمنا يعتمد على الدروس الخصوصية والحفظ والصمّ في زمن محتاج الفهم والتجريب والبحث؟ مين اللي بيلعب بأسعار السلع الأساسية والعملات والأسهم وبيحتكرهم، وخلّى الناس بدل القمح تزرع كيوي، وبدل القطن تزرع برسيم؟ ومين اللي بقى معاه مليارات وعموم الشعب بيقبض ملاليم أو مش بيشتغل؟ مين اللي بيقف قدام البحث العلمي في مصر ومش بيموّله؟ وحوّل المستشفيات العامة لمراحيض؟ عشان تلجأ برضه للدكاترة الخصوصيين والمستشفىات الخاصة، وغير كده نَشَر السرطان؟ وكان بيصدر قوانين مخصوص عشان صفقاته المشبوهة؟ ده حتى يا ربي مستشفى السرطان بتاعة الأطفال اتعملت بفلوس الناس، مش بفلوس الضرائب ولا حتى من الناتج القومي. مين المستفيد الحقيقي؟ فتحوا عيونكم كويس، مافيش أبو شوال، ولا أمنا الغولة.. مافيش أجندة خارجية.. المؤامرة داخلية، واستمرت لسنين طويلة.. قدرت إنها تفسدنا كلنا.. وتسمّم عقولنا بالإعلام المضلل، وموارد رزقنا بالرشاوى وغيرها. إحنا حتى ما بقيناش قادرين نميّز الصح من الغلط ولا الجيد من الرديء.. خلطوا علينا الأوراق، وغموا عيوننا سنين.. وأول ما شلنا الغمامة، انبهرت عيوننا بضوء النهار اللي جه على أيد ناس متمرّدين. لا بيناموا ولا بيصدّقوا الخرافات.