لا أعرف سببا للاشتراك في الانتخابات البرلمانية القادمة إلا الاقتناع الكامل بنزاهتها وعدالة نتائجها، كما لا أعرف سببا لمقاطعتها سوى التشكك في مصداقية هذه النتائج. أما أن يأتيني من يقول إن النظام فاسد والانتخابات القادمة مزوّرة بل وتمثيلية هزلية متقنة، ومع هذا سأشترك فيها؛ لأنني أحترم نفسي وأحترمك وأسعى لصالحك وصالح أولادك!!!، فليس لهذا المنطق العشوائي سوى تفسير واحد "إنه بيستهبل". لست بصدد تقييم التجربة البرلمانية القادمة، وعرض موقفي منها؛ لأن الأمر حسمته أطرافه، ونحن الآن على مشارف الاستعداد والتجهيز لا الجدل والنقاش حول إمكانية الاشتراك من عدمه، لكنني أناقش منطقا "معوجّا سخيفا" يأتينا متدثرا بعباءة الإسلام العظيم، ويدّعي أصحابه مصداقية وأمانة ووطنية، وعلينا أن نصدّقهم، وإلا فنحن أعداء الإسلام، وهذا على اعتبار أنهم هم الإسلام، وأن اجتهاداتهم هي منهج الله ومراده!! الانتخابات مزوّرة لكننا لن نقاطعها.. لماذا؟ إليك بعض الإجابات الإخوانية: 1- لأن "مقاطعة الانتخابات كالتولّي يوم الزحف" (أي الهروب من ساحة القتال في ميدان المعركة!) وهو ما يستوجب معاقبة صاحبه بالقتل! (عبد الرحمن البرّ - عضو مكتب الإرشاد - إخوان أون لاين 6/ 10/ 2010) 2- لأن "مقاومة التزوير تحتاج إلى نزول الشارع، والالتحام بالجماهير وبذل الجهد والوقت والمال، وتعرِّض أصحابها لزوَّار الفجر وظلمات السجن، وهذا ما لن يقدم عليه إلا رجال أفعال لا أقوال"!! (مدوّنة النائب الإخواني حازم فاروق منصور). 3- إن لنا سلاحاً لا يفلّ ولا تنال منه الليالي والأيام هو "الحق".. والحق باقٍ، ولنا سلاح آخر بعد ذلك وهو "الإيمان".. والإيمان كذلك سرّ من أسرار القوة لا يدركه إلا المؤمنون الصادقون (المصدر نفسه). وإذا كلّفت خاطرك وبحثت مثلي عن مبرّرات دخول الإخوان إلى الانتخابات مع تأكيدهم المستمرّ للرأي العام على تزويرها وعدم نزاهتها، فلن تجد منهم إلا إجابات تدور في هذا الفلك الخطابي "الانتهازي" الغريب. استخدام الدين فتوى الدكتور "البر" التي تصوّر مقاطعة الدورة البرلمانية القادمة "بالتولي يوم الزحف" تفترض ضمنا أن الانتخابات معركة حربية يخوضها المسلمون ضد الكفار! وبالتالي يصبح الهروب منها جريمة تسوجب قتل صاحبها؛ لأنه خائن وتارك لدينه ومفارق لجماعته. ولم يخجل الدكتور "البر" -وهو الأستاذ في جامعة الأزهر الشريف- من تلبيس الانتخابات عباءة القتال في سبيل الله، وتصوير مقاطعيها بأنهم خونة، وذلك حتى يبرر موقف الجماعة التي أعلنت من قبل أمام فصائل المعارضة في مصر أنها لن تخوض المعركة الانتخابية؛ لأن في ذلك تجاوزا انتهازيا لموقف وطني شبه مجمع عليه، ونسي العالِم الأزهري المحترم أن الإخوان أنفسهم كانوا يدعون لهذه المقاطعة، ثم تغيرت المواقف، وتبدّلت الأحوال، وانقلبت المقاطعة إلى ترحيب، بل وتهديد بالتخوين لمن يقاطع ساحة المعركة "المقدّسة"! البيه من الاتحاد الاشتراكي؟؟؟ أما د. "حازم فاروق منصور" -النائب الإخواني عن دائرة الساحل- وهو طبيب أسنان، ولا يملك أي تاريخ سياسي يؤهله للمشاركة في الانتخابات أصلا (وهو جزء من عشوائية المنهج والمنطق الذي يعانيه الإخوان)، ومع هذا يتحدّث إلينا باسم الجماعة، ليعلن من فوق منبر القبيلة، مذكرا إيانا بعادل إمام في "شاهد ما شافش حاجة": هو البيه من الاتحاد الاشتراكي؟ أصله عمال يقول عليّ الطلاق بالتلاتة.. المقاومة تحتاج إلى الالتحام، وسلاح الإخوان هو الحق والإيمان!! هكذا تختفي لغة السياسي أمام "سبحة" الشيخ و"زبيبة" الصلاة، والنوايا الطيبة والكلمتين الحلوين البركة.. وعلى الناخبين أن يسجّلوا أسماءهم في الصناديق؛ لأن انتخاب الإخوان دون غيرهم من أعداء الله هو لا شكّ من سنن الفطرة!! وإياك أن تتهمهم بالتخاذل أو بالتخلف عن أجندتهم المسبقة، أو عن التناقض بين القول والفعل، فهم رجال الله في الأرض.. لو شاركوا فالمشاركة جهاد، ولو قاطعوا فالمقاطعة جهاد، ولو عطسوا فعلى الجميع أن يشمّتهم بقوله: "يرحمكم الله"، وإلا اعتُبر متوليا عن ساحة القتال يوم العطس.. جالك شلل ولا لسه؟؟؟