مفتي الجمهورية: القضاء المصري يُمثِّل أحد أعمدة الدولة المصرية وحصنًا منيعًا للعدل    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    استعادة ريادة «الوطنية للإعلام» |مدبولى: خريطة طريق لرفع كفاءة الهيئات الاقتصادية    عام التقاط الانفاس!    إسرائيل.. وأرض الصومال    75 دقيقة| منتخب مصر يواصل البحث عن التقدم أمام أنجولا    وزارة الشباب والرياضة تُجرى الكشف الطبى الشامل للاعبى منتخب مصر لكرة اليد    الهروب من المصحة    مؤتمر أدباء مصر يكرم مبدعى سيناء    مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة ينظم بيت عزاء للفنان الراحل محمد بكري    شيكو بانزا يقود هجوم أنجولا أمام منتخب الفراعنة فى كأس أمم أفريقيا 2025    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    استقرار أسعار الخضراوات والفاكهة في سوق العبور اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    الشيخ خالد الجندي: عقوق الوالدين له عقوبتان فى الدنيا والآخرة    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    تايلاند وكمبوديا تعقدان محادثات بوساطة صينية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    هل حساسية البيض تمنع تطعيم الإنفلونزا الموسمية؟ استشارى يجيب    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الإصطناعى    "الزراعة" تنفذ 8600 ندوة إرشادية بيطرية لدعم 100 ألف مربي خلال نوفمبر    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    صعود مؤشرات البورصة بختام تعاملات الإثنين للجلسة الثانية على التوالى    "القاهرة الإخبارية": العراقيل الإسرائيلية تؤخر تفريغ المساعدات رغم التدفق المستمر من مصر    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    الأزهر ينتقد استضافة المنجمين والعرافين في الإعلام: مجرد سماعهم مع عدم تصديقهم إثم ومعصية لله    مراد مكرم يطرح أغنية جديدة في 2026: التمثيل عشقي الأول والأخير    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    تحقيقات الهروب الجماعي من مصحة البدرشين: المتهمون أعادوا فتحها بعد شهرين من الغلق    طاهر أبوزيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    وزير الخارجية يهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة العام الميلادي الجديد    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    وزير الاستثمار يفتتح فعاليات منتدى الأعمال المصري- السوداني    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    ارتفاع جماعي في مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة اليوم    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    نتنياهو يلتقي ترامب في الولايات المتحدة لمناقشة مستقبل الهدنة في غزة    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    الجيش الصيني يجري مناورات حول تايوان لتحذير القوى الخارجية    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    عقب انتهاء الفرز.. مصرع مستشارة وإصابة موظفتين في حادث مروري بقنا    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    لا رب لهذه الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الآميش" هو الحل
نشر في بص وطل يوم 30 - 03 - 2010

أقمت في اسكتلندا لمدة ثلاثة أسابيع في قلعة تاريخية يعود تاريخ إنشائها إلى القرن السادس عشر الميلادي في منحة تفرّغ للكتابة.
وكان معي أربعة كتّاب من ضمنهم شاعر أمريكي من "الآميش"، و"الآميش" لمن لا يعرفونهم هم طائفة دينية مسيحية تأسست في القرن السادس عشر في أوروبا، ظهرت أول ما ظهرت في سويسرا الألمانية وألمانيا، وانتقل بعضهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويبلغ تعدادهم اليوم في أمريكا قرابة ربع المليون نسمة، يعيشون في مجتمعات مغلقة خاصة بهم وهناك في الولايات المتحدة قرابة الثلاثة آلاف جماعة من "الآميش".
كان لقائي الأول مع الكتّاب أثناء اجتماع العشاء في الليلة الأولى، كنت أوّل مَن وصل إلى غرفة الانتظار الملحقة بغرفة الطعام، الغرفة تطلّ على منظر خلّاب لغابات تمتد إلى ما لا نهاية، وتحت النافذة يمرّ مجرى مائي سريع التدفق يحدث خريراً يبعث في النفس حالة من الهدوء. وكان هو ثاني الحضور؛ كان شاباً في الثلاثين من العمر يطلق لحيته ويحف شاربه، سمح الملامح، طويلاً ورفيعاً، يرتدي بنطالاً واسعاً جدًّا لونه رمادي كالح مثبّتاً بحمالات، وقميصاً واسعاً دون أزرار لونه بين الأبيض والرمادي.
استغربت لأول وهلة، ولكن لأنني شاهدت فيلماً أمريكياً يتحدّث عن "الآميش" أدركت أنه منهم، تعارفنا وتحدّثنا وكان أقل الشعراء الذين عرفتهم عبر حياتي حديثاً، كان هادئ الطبع وعذب الكلام وشديد الاحترام، بعد أسبوعين تجرّأت وسألته عن هذه الطائفة التي يتبعها، وعرفت أنه اختار الانضمام إليهم وهو يقترب من سن العشرين. وبدأ يجيب عن أسئلتي بقدر من الاقتضاب.
كان ما لفت انتباهي في الفيلم الأمريكي أن "الآميش" يركبون عربات تجرّها الأحصنة، ولا يمكنهم امتطاء عربات بموتور، فكيف إذن ركب طائرة بمواتير عبر بها الأطلنطي حتى وصل إلى اسكتلندا؟ أجاب أن كل جماعة تحدد مجموعة القوانين التي تتبعها بناءً على إرادتهم المشتركة، ولكن هناك ولا شك خطوط عامة تجمعهم، ففيما يخص السيارات فالجميع يتفق على عدم امتلاكها، ولكن جماعات تبيح استخدامها وأخرى لا تبيح. أما بالنسبة إلى جماعته فيمكنهم استخدام ما يتحرّك بموتور. "الآميش" لا يتعاملون مع عالم الصورة؛ فالتليفزيون حرام والسينما حرام، أما فيما يتعلّق بالصور الفوتوغرافية فيمكنه مشاهدتها على شرط ألا تكون هذه الصور لكائنات حية باستثناء عالم النبات.
قال لي إنه قبل انضمامه "للآميش" كان يعشق مشاهدة الأفلام السينمائية، وأنه يظن أن أقسى القوانين عليه وطأة هي الخاصة بعدم مشاهدة الأفلام، ولكنه يتفهم ذلك تماماً. كما لا يمكنهم امتلاك تليفون -بغضّ النظر عن نوعه- محمول أو أرضي، ولا يمكنهم أن يعيشوا في منزل به تليفون، ولكن يمكنهم استعمال الهاتف العمومي.
فالإنسان يمكن لو كان الهاتف في يده أن يتقول بكلام عصبي، أو أن يقتل بعض الوقت في حديث بلا فائدة، ولكن عندما يأخذ الإنسان الزمن الكافي للنزول من منزله والذهاب إلى حيث الهاتف العمومي، فهو في هذه الحالة سوف يتفكر ويتروّى فيما سوف يقوله، ولن يمضغ الزمن في كلام بلا معنى. الملابس يجب أن تكون فضفاضة لا تظهر معالم الجسد، ويجب أن تكون ألوانها باهتة لا تجذب البصر ولا تلفت الانتباه. بعضهم يمنع منعاً قطعياً استعمال الأزرار في الملابس.
الأهم من كل ذلك أنه ممنوع عليهم تماماً التعامل مع عالم السياسة، أو حتى التعامل مع أجهزة الدولة، فهذا حرام صريح؛ فالمشاركة في الانتخابات حرام، اللجوء إلى القضاء حرام، الترشّح لأي منصب سياسي أو له علاقة بالدولة حرام.

لو تعرّض أحدهم للسرقة لا يستطيع أن يُقدّم شكوى للشرطة، ولكنه يذهب للمسئول عن إدارة الجماعة للبحث في الأمر. فهم يعيشون لذلك في حالة عزلة كاملة عن المجتمع الأمريكي. أهم ما يُميّز فكرهم هو "الخضوع" الكامل للإرادة الإلهية و"الخشوع" أمام الله بما يكبح النفس ويُقوّمها ضد الغرور والشعور بالذات.
اللافت للانتباه أنه خلال هذه الفترة لم يُكفّرني أو يُكفّر من معنا من كتّاب، ولم يحاول أن يقنعني بما يؤمن ولم يدّعِ أنه يعرف ما أنوي وما أقصد وما في قلبي من هواجس وشكوك وإيمان. لم يتّهم أي نظام بالكفر، لم يصرخ في وجهي بعذاب القبر. ولم يعلن أنه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة. لم يقُل إن "الآميش" هو الحل.
فهم للغرابة يؤمنون بحق الاختلاف، كنا نقرأ لشاعر هندوسي، وبعدها لشاعر بوذي وكان يُكنّ لهما ولدينيهما كلّ تبجيل. التطرّف الديني موجود في كل أنحاء العالم ومقيم في أرواح الكثير من البشر، ولكنه في مصر يزعق نهاراً وليلاً بتخطيط أمريكي وتمويل خليجي، وتواطؤ من الحكومة المصرية لأهداف سياسية قصيرة النظر. ماذا لو أدرك هؤلاء كما يُدرك "الآميش" أنهم ليسوا بالضرورة يمتلكون المعرفة الوحيدة الحقة.
عن جريدة الشروق
28 مارس 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.