أغلب القراء فيما أظن لا يعرفون أن هناك طائفة مسيحية معاصرة تلزم نساءها بالحجاب!!، وتحظر عليهن وعلى الرجال أيضا قيادة السيارات من منطلق أن مجرد ركوب السيارات هى إحدى المحرمات!!، ناهيك عن قيادتها، وإن كان المعتدلون فى العقيدة من حكمائهم قد أجازوا فى الآونة الأخيرة ركوب السيارات بشرط أن تكون هناك ضرورة قصوى قد استوجبت ركوبها!!، إنها طائفة الآميش Amish التى يبلغ تعداد أتباعها نحو ربع مليون نسمة ، يعيش أغلبهم فى بنسلفانيا بالولاياتالمتحدةالأمريكية بينما يعيش بعضهم فى كندا، والخلاف الأساسى بين الآميش وبين الطوائف المسيحية الأخرى يكمن فى التعميد ، فهم يرفضون العمادة بصورتها التقليدية المعتادة ويؤمنون بأن عمادة المسيحى لا تتحقق بطقس أو شعيرة معينة ولكنها تتحقق على مدى حياته كلها من خلال عمله ، ولقد عرضتهم عقيدتهم تلك للإضطهاد والتنكيل والقتل من جانب الكاثوليك والبروستانت فى بداية نشأة العقيدة الآميشية فى أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، مما حدا بهم إلى الفرار من أوروبا واستيطان الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكندا حيث ما زالوا يعيشون إلى الآن فى شبه عزلة عن بقية مكونات المجتمع، إلى حد أنهم يستخدمون فى التعامل فيما بينهم لغة خاصة بهم هى الآميشية التى خليط من الألمانية والهولندية ، وإلى جانب تلك العزلة اللغوية فهم يعيشون عزلة عقيدية مستحكمة تجعلهم ينظرون إلى أتباع العقائد الأخرى باعتبارهم من الكفار الذين لا يحل التزوج منهم بل ولا يحل الإختلاط بهم أو التعامل معهم بأى وجه من الوجوه إلا للضرورة القصوى، والأميشيون يؤمنون إيمانا عميقا بمعتقداتهم الخاصة التى ترسم لهم حدود ماهو مباح وما هو مكروه وما هو من المحرمات التى سبق أن أشرنا إلى جانب منها ، والتى يمكن أن نضيف إليها أيضا تحريمهم للتصوير وتحريمهم للغناء والموسيقى ، وإلزامهم للرجال بإطلاق اللحية طيلة حياتهم ، وبطبيعة الحال تحريمهم للخمور ولسائر أشكال العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج. وفضلا عن كراهيتهم لركوب السيارات التى أشرنا إليها فى بداية حديثنا ، فضلا عن ذلك، فهم بوجه عام يرفضون كل مظاهر الحضارة الحديثة ويتعاملون معها باعتبارها أشكالا من البدع التى ينبغى تجنبها، ولهذا السبب فهم يرفضون التعامل مع الكهرباء ويعتمدون فى إضاءة منازلهم على القناديل الزيتية أو مصابيح الجاز، ويرفضون استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات فى زراعتهم ويعتمدون على الأسمدة الطبيعية وحدها ( لحسن حظهم فإن هذا النوع من المنتجات الزراعية يلقى إقبالا كبيرا ويباع من ثم بأسعار مرتفعة )، بل إن مقاطعتهم للمجتمع المحيط بهم قد وصلت إلى حد أنهم يحرمون على أبنائهم دخول المدارس الحكومية وغيرها من المدارس التى يصفونها بأنها كافرة ولا يسمحون لهم إلا بدخول مدارسهم الخاصة ، الغريب أن الولاياتالمتحدة قد أقرت لهم بأحقيتهم فى ذلك المسلك ، وأصدرت فى عام 1972 قانونا يقضى باستثناء الآميش من التعليم الإلزامى !!! ويبقى أن نقول إننا هنا لا نتكلم عن العقيدة الأميشية فى مجال الإشادة، ولا نتكلم عنها فى مجال التعريض أو التهكم أو الإستهزاء ، ولكننا نتكلم عنها فى مجال تقديم المعلومة التى قد تدفع ببعض القراء إلى محاولة الإستزادة بالرجوع إلى دوائر المعارف الورقية أو الإليكترونية حتى يصبحوا قادرين بعد ذلك على التحليل والمقارنة واستخلاص ما قد يستخلصونه من النتائج والعبر. وكل عام، وقراؤنا جميعا بخير [email protected]