مشكلتي إني اتقدم لي شاب أكبر مني بخمس سنين عن طريق والدتي، وبعد معرفتي به أخبرني إن والدته دايما بتنهره وتسبه وتعتبره فاشل، لإنه سرق منها دهب لأنه كان متعثر في العمل، وهي لا تنسى له هذه الفعلة، وتعايره بها دايما حتى أمام إخوته. وفي كل خناقة تذكّره بإنه حرامي، وسوف يسرق زوجته بعد ذلك، وتهدده بإخباري إذا لم يفعل ما تريد، ودائما تنهره أمام الشغالة أو أمام الجيران دون مراعاة لسنه. المشكلة هي إني خايفة يكون ده داء سرقة، لكن هو بيقول إنه مش وحش، ودي كانت غلطة، بس أمه مش نسياها، وهو حافظ القرآن، بس مش عارفة أكمّل معاه، ولا ده تنبيه ليّ؟! هو طيب جدا وعيلته محترمة، بس حاسة إن أمه ربّته غلط، وهي بتقارنه دايما بإخواته علشان ناجحين، وهما كمان بيسخروا منه، يا ترى لو سبته هبقى باتخلّى عنه؟ خصوصا إنه ما بيخبيش عني حاجة دلوقتي خالص، وبيحكي كل حاجة جواه، لأنه بيشوف إني أقرب حد له. هل أدي له الثقة وأتوكل على الله، ولا ده حب وتهور؟ أمه على طول بتشتم في أبوه، وتقول له إنه شبهه، علشان كده هو بيحب يشوفها متضايقة ولو بالسرقة، وهو قال إنه راح لدكتور وقال إن ده بسبب قسوتها، هل ده صحيح ولا هو بيبرر ما يفعله؟
halem
أهلا وسهلا بك يا صديقتي.. الحقيقة أن ما قصده الطبيب حين قال لخطيبك إنه فعل ما فعل بسبب قسوة أمه هو صحيح من الناحية العلمية، فالعلم أثبت أن القسوة والتعنيف والمقارنة بالإخوة، والانتقاد المستمر والسخرية، وكذلك الإهانة والتجريح، كلها أساليب تؤدي إلى تكوين شخصية مترددة، فاقدة للثقة بالنفس، عدوانية، تعلمت أن القسوة هي وسيلة للتعايش مع الآخر، وأن العنف والإيذاء هما الرد الوحيد على القسوة. فهو يغضب أمه ويكيدها، بل وصلت به الأمور إلى سرقتها حتى يؤذيها ويتلذذ بألمها كما تؤلمه هي، هذه الشخصية لها عدة نماذج شهيرة في المجال النفسي، منها مثلا الشخصية السيكوباتية، التي تقدّس ملذاتها دون الرجوع إلى الأمور المتخلفة المضحكة التي نسميها نحن الأخلاق، والحقوق، والحدود، والقوانين.. إلخ، فلا قانون، ولا حلال وحرام، ولا عاطفة تقف أمام ما يريد. والأمانة تقتضي مني أن أقول لك: إن السيكوباتية أسوأ أنواع الاضطرابات الشخصية وكذلك هي ذات درجات متفاوتة، لذا نجد هناك أشخاصا لديهم سمات فقط لهذه الشخصية ولكنهم لم يصلوا إلى حد الاضطراب ويمكن علاجهم إن أرادوا، والنموذج الثاني النموذج الهش ضعيف الشخصية، الذي يتجنب المواجهات، وليس له أصدقاء إلا نادرا. والنموذج الثالث.. الشخصية العدوانية، التي عرفت أن وجوده والحفاظ على كيانه لا يتأتى إلا بالسيطرة والعدوان والإيذاء، فيضرب من حوله بكلماته الجارحة المؤلمة، يتفنن في المشاكسات والشجار، وكذلك نموذج الشخصية شديدة الحساسية، والتي تحمل إحساس فقدان الثقة بين طيّاتها بشكل عميق، فترجو ممن حولها أن يهتموا بها غالب الوقت، وألا ينتقدوا تصرفاتها لأنها إهانة لكيانها، فتبدو حزينة، مرتبكة.. إلخ. وهناك أيضا النموذج المتسول عاطفيا، والذي يتطلب من الآخر التقبل والحب في كل علاقة من علاقاته، فلا يشبع من الاهتمام والحب مهما أخذ، فهو يظل يبحث عن التقبل والحب دون أن يدري أنه في نظر الآخرين أصبح متسولا للمشاعر، وغيره من النماذج الكثيرة التي تكون بصدق ضحية لنمط تربية خاطئ عايشه منذ الصغر. كل ما فات كان من وجهة النظر العلمية في المساحة النفسية، لكن يظل دوما هناك مساحة اختبار حقيقية لمتانة أخلاق الإنسان ومدى قدرته على مقاومة الخطأ، وهي مساحة التعامل مع الله سبحانه، لأنه هو التواب، الرحيم، الغفور، الودود، فتح لنا باب التوبة لنتعلم الغفران، والمسامحة، وفتح صفحة بيضاء من جديد لمن تاب بالفعل. وهذه مهمتك الأولى قبل قرار الارتباط أو عدم الارتباط به، وهي التأكد من خلال فترة التعارف والخطوبة بينكما الآن على نزاهة يده وتعاملاته، من خلال مواقف واختبارات ومناقشات، دون أن تجرحيه، فقط تابعيه عن بعد وانظري كيف حال توبته. وكذلك هناك ضرورة لمهمة ثانية، ألا وهي تشجيعه على وضع حد لطريقة تعامل أهله معه، سواء أمام الناس أو دونهم، فتعاملهم معه سيجري عليك بعد فترة شئت أم أبيت، وسيمتد لتعاملهم مع أولاده، لذا من المهم أن تشجعيه على مراجعتهم في ذلك ولكن بلباقة وحسن تصرف وتدرّج، حتى لا تفسد علاقته بهم. أما المهمة الثالثة فستكون كسب ود والدته، فكلما تعرفتِ على مفتاح شخصيتها، وتمكنت بالود والمهارة من حبها لك، أدى ذلك إلى مزيد من تحسن العلاقة عموما وعلاقتها بخطيبك بشكل خاص، السؤال الآن: لماذا قلت لك كل هذا؟ لأنك ذكرت فيه صفات ترتاحين لها وتحبين وجودها في زوجك، ولكن لا تدَعِي شفقتك عليه تغلب ما سترينه عندما تقومي بتلك المهمات وتشاهدين نتائجها. فالمرأة تحتاج إلى رجل طيب دون أن يكون ضعيفا، وتحتاج إلى رجل يسمعها ويحترم رأيها ورغباتها دون أن يسحب يده من المسئولية، وتحتاج إلى رجل عاطفي يوظّف المشاعر في الموقف وفي الوقت المناسب دون أن يتسول المشاعر، وتحتاج إلى رجل يشاركها تربية أولادهما بلا ارتباك، أو تخبط. فمفتاح كسب الرجل من خلال سيكولوجيته هو: الاحترام، والتقدير، والثقة.. فكيف سيكون ذلك وحاله كما تقولين وسط عائلته؟! لذا إن وجدت أن مهماتك لن تتحقق فلا تتورطي في ارتباطك به بسبب شفقتك عليه، ودون أن تُشعِري نفسك بالذنب، لأنك حاولت معه بالفعل، وشجعتِه، وكنت بجانبه، ولكن لا أحد يستطيع أن يساعد شخصا لا يرغب في مساعدة نفسه. وفقك الله يا صديقتي..