توقعات شعبة المعادن: استقرار أسعار الذهب اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 بعد قفزة الأمس    استقرار نسبي في أسعار الدواجن والبيض بأسوان صباح السبت 25 أكتوبر 2025    استقرار طفيف بأسعار الخشب ومواد البناء في أسوان اليوم السبت 25 أكتوبر 2025    دوري أبطال إفريقيا.. تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة أيجل نوار الليلة    موعد مباراة ميلان القادمة عقب التعادل أمام بيزا والقنوات الناقلة    عاجل- القبض على مالك المنزل المتهم بالاعتداء على مستأجر مسن بالسويس    طقس خريفي مستقر اليوم في مصر.. أجواء حارة نهارًا ومائلة للبرودة ليلًا    إلهام شاهين تهنئ أحمد مالك بحصوله على جائزة أفضل ممثل من مهرجان الجونة    إيهاب توفيق يحيي حفلًا غنائيًا في أمريكا بعد نجاحه في مهرجان القلعة    مستوطنون يهاجمون المغيّر ويحرقون 3 مركبات    وظائف البنك الزراعي المصري 2025 للخريجين الجدد.. سجل الآن    سعر سبيكة الذهب اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 بعد الارتفاع الكبير.. كم تبلغ قيمة السبيكة ال5 جرامات؟    شيكو بانزا يدعم محمد السيد بعد هجوم جماهير الزمالك: لا تستمع لأى شخص    شاهد لاعبو بيراميدز يحتفلون بالكؤوس الثلاثة    إمام عاشور عقب أنباء تحسن حالته الصحية: اللهم لك الحمد حتى ترضى    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 25 أكتوبر 2025    تفاصيل بيان الفصائل الفلسطينية للتشديد على وقف إطلاق النار وبدء إعمار غزة    محافظة أسوان تؤكد سلامة كوبرى كلابشة بعد اصطدام باخرة سياحية.. صور    ماذا حدث فى حريق مصنع ملابس بقليوب؟ التفاصيل الكاملة من موقع الحادث.. صور    مصرع شاب فى حادث انقلاب سيارة ملاكى بمركز دمنهور بالبحيرة    طريقك سالك‌‍.. تعرف على الحالة المرورية بالطرق السريعة بالقليوبية    المبعوث الروسى ل CNN: قمة بوتين ترامب ستتم وسيوجد حل دبلوماسى لحرب أوكرانيا    ترامب: علاقاتي مع زعيم كوريا الشمالية جيدة وآمل لقاءه خلال جولتي الآسيوية    أحمد فهمي وهشام ماجد إخوات رغم انفصالهما فنيا.. اعرف ماذا حدث فى فرح حاتم صلاح    رسميًا.. موعد افتتاح المتحف المصري الكبير 2025 وأسعار التذاكر لجميع الأعمار    مقدم دور السنباطى ل معكم: الأطلال أعظم لحن غنته أم كلثوم    فلكيًا.. موعد شهر رمضان 2026 وأول أيام الصيام    الصين تعتمد يوم 25 أكتوبر ذكرى وطنية لاستعادة تايوان    الشرطة المصرية.. إنجازات أبهرت العالم    تطبيق لائحة الانضباط يواجه مخاوف التسرب من التعليم.. أزمة فصل الطلاب بعد تجاوز نسب الغياب    اليوم.. محاكمة رمضان صبحي بتهمة التزوير داخل معهد بأبو النمرس    «بوابة أخبار اليوم» تكشف حقيقة تداول صور لثعبان الكوبرا بالغربية| صور    خمسة مسلسلات في عام.. محمد فراج نجم دراما 2025    «عمود إنارة» ينهى حياة لص بالصف    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    لماذا تتزايد حالات النوبات القلبية بين الشباب؟    عمرو أديب ساخرًا من شائعات انتقال محمد صلاح للأهلي: هنعمله الكرة الذهبية في الموسكي ولا في الصاغة؟    أنا بخير والحمد لله.. أول تعليق من مؤمن سليمان بعد شائعة وفاته أثر أزمة قلبية    مادورو يتهم واشنطن باختلاق حرب جديدة ضد فنزويلا بذريعة مكافحة المخدرات    عبد الحميد كمال يكتب: بطولة خالدة.. المقاومة الشعبية فى السويس تنتصر على القوات الإسرائيلية    "أسير لن يخرج إلا ميتًا".. الدويري يكشف عن لقاءه مع رئيس "الشاباك" في تل أبيب    جماهير ليفربول تدعم صلاح بأرقامه القياسية أمام الانتقادات    أسهل وصفة للتومية في البيت.. سر القوام المثالي بدون بيض (الطريقة والخطوات)    فضائح التسريبات ل"خيري رمضان" و"غطاس" .. ومراقبون: يربطهم الهجوم على حماس والخضوع للمال الإماراتي ..    الرقابة المالية تستعرض مزايا منتجات جديدة تعتزم إتاحتها للمستثمرين في البورصة قريباً    «زي النهارده».. «الكاميكازي» يضرب الأسطول الأمريكي 25 أكتوبر 1944    ننشر معايير اعتماد مؤسسات وبرامج التعليم الفنى «إتقان»    «حرام عليك يا عمو».. تفاصيل طعن طالب في فيصل أثناء محاولته إنقاذ صديقه    إنزاجي يشيد بلاعبى الهلال بعد الفوز على اتحاد جدة    أسعار القهوة الأمريكية ترتفع بشكل حاد بسبب الرسوم الجمركية والطقس السيئ    "الجبهة الوطنية" يكلف "الطويقي" قائما بأعمال أمين الحزب بسوهاج    بمشاركة 150 طالبًا.. جامعة قناة السويس تطلق معسكر صقل وتنمية مهارات الجوالة الجدد    26 أكتوبر، جامعة أسيوط تنظم يوما علميا عن الوقاية من الجلطات    لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت.. أزهرى يجيب عن حكم قبول الهدايا.. فيديو    مؤتمر حميات الفيوم يناقش الجديد في علاج الإيدز وفيروسات الكبد ب 12 بحثا    وزارة الصحة تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جابر عصفور: الأساتذة السلفيون ملأوا الجامعات
نشر في صوت البلد يوم 02 - 04 - 2018

تاريخ طويل من العطاء النقدي والفكري والعمل الثقافي العام يمثله د. جابر عصفور وزير الثقافة السابق، حيث قدم الكثير من المؤلفات والدراسات التي قدمت مشروعا تتجلى خصوصيته في متابعته النقدية للمشهدين الإبداعي الروائي والشعري والنقدي التنظيري، فضلا عن قراءاته في التاريخ الفكري والثقافي المصري، كما شكل حضورا قويا داخل الوسط الثقافي حيث تولى مسئولية الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الذي شهد في عهده إقامة أهم الملتقيات والمؤتمرات كمؤتمر المرأة في مائة عام، ومؤتمر الرواية العربية، ومؤتمر الشعر العربي، وغيرها، كما أسس المجلس القومي للترجمة وترأسه لسنوات، ولا يزال يواصل العطاء.. حول المشهد الثقافي والإبداعي في مصر اليوم كان لنا معه هذا الحوار.
بداية أكد د. عصفور أن المشهد الثقافي المصري مشهد مرتبك إلى أبعد حد، لأن هناك أجيالا رحلت وأجيالا ولدت، وواضح أن الفوارق لم تتميز تماما، وقال "كان زمان عندما يرحل جيل أو جيلان يظهر بوضوح جدا ارهاصات أو علامات الجيل القادم، وأستطيع أن أتحدث الآن عن علامات واضحة لأجيال جديدة، وما أراه من علامات يبدو باعثا على التشاؤم، مثلا إذا أخذت الرواية على سبيل المثال ستجد أن الجيل الجديد يمارس نوعا من الكتابة هي ما يمكن أن يسمى "الديستوبيا" وهو عكس كلمة "يوتوبيا"، يعني بدل الحديث عن عالم خيالي فيه نوع من البهجة، يتم الحديث عن عالم خيالي فيه الرعب والفزع، ويبدو أن هذا بتأثير الارتباكات السياسية التي نراها من حولنا، الارهاب وما يرتبط به من أوضاع سياسية.
الحقيقة أن الحياة الثقافية في مصر مرتبكة إلى أبعد حد، وهي لا تبعث على التفاؤل بوضعها الحالي، لأسباب متعددة منها أن قضية الحريات أصبحت ملحة على المثقفين جميعا في مختلف المجالات، يعني ستجدها في الإعلام، ومستوى الكتابة، ولأول مرة يكون القضاء حساسا جدا إزاء الكتابة ويصبح لدينا قضايا مواجهة ضد أدباء كثيرين وحتى كتاب رأي، فالأمر فعلا يبعث على نوع من الخوف والقلق على المستقبل".
استراتيجية ثقافية
وحول أداء قطاعات وزارة الثقافة ودورها، أشار د. عصفور إلى تعاطفه مع وزارة الثقافة، وأوضح "عملت بها أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة لسنوات طويلة، وعملت رئيسا للمجلس القومي للترجمة لسنوات طويلة، ومن ثم أعرف وزارة الثقافة كما أعرف كف يدي، وأظن أن المشكلة ليست في وزارة الثقافة وإنما المشكلة تكمن في إجابة السؤال: هل في مصر استراتيجية ثقافية يتبناها رئيس الدولة؟ أنا لا أعتقد، وحتى الآن لا يوجد اهتمام من رئيس الدولة بالثقافة، بدليل أننا عندما ذهبنا للاستماع إلى كشف الحساب الذي يقدمه للأمة، استمعنا إلى إنجازات هائلة، في الاقتصاد والتصنيع والطرق، لكن لم نستمع إلى إنجازات مماثلة في أهم قضيتين من المفترض أن تكون لهما الأولية المطلقة: التعليم والثقافة، وأظن طالما أننا لا نهتم بالتعليم والثقافة فإن المسألة ستأخذنا إلى الوراء".
ورأى أنه عندما لا يوجد اهتمام حقيقي بتجديد الخطاب الديني ولا يوجد نوع من التعليم الفعلي الحديث، ولا نوع من الاهتمام الحقيقي بالثقافة، فإن المسائل تضيع.
ولفت د. عصفور إلى أن دور المثقفين موجود، لكن لديهم إحساس: لا تمد يدك أو رجلك إلى الأمام مخافة أن تقطع، هذا إحساس موجود لا تستطيع إنكاره، انظر للمشهد الانتخابي، لماذا تحولت الانتخابات الرئاسية إلى هذا النحو؟ رئيس يبدو وكأنه ينافس نفسه، أين المشهد المعتاد أن يصبح هناك أمام رئيس الجمهورية خمسة أو ستة مرشحين؟ هذا هو المشهد الديمقراطي، إنما مرشح واحد منافس لا يعرفه أحد، هذا يبعث على التساؤل، بالتأكيد سينجح الرئيس السيسي لكن ليس هو النجاح الذي كنا نتمناه له، كنا نريد أن ينجح في مناخ ديمقراطي حقيقي، لكن يبدو أنه بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر ينبغي أن نؤجل هذا الطلب إلى الرئاسة القادمة".
المشهد الروائي الآن يشهد سيلا من الروايات حيث تصدر دور النشر الكثير والكثير، الأمر الذي يراه د. عصفور مشهد مصطنع، وعلل ذلك قائلا "لأن الروايات المتميزة قليلة، لا تندهش بالعدد، فالرواية ومنذ كتبت أننا نعيش في زمن الرواية في أوائل التسعينيات أصبحت هي الملكة غير المتوجة على الأنوع الأدبية، وأصبحت مصدر جذب لكل ناشئة الأدب، وهذا هو الفرق، كان زمان كل واحد يستشعر موهبة الكتابة في نفسه يتوجه إلى الشعر ويكتب قصائد متوسطة أو بالغة الرداءة، لكن الآن تغيرت الأمور ولم يعد هناك من يرغب في كتابة الشعر، الكل يريد الدخول إلى عالم السرد ويكتب القصة القصيرة أو الرواية، لدرجة أن بعض الناشرين أصبح يجري ما يشبه السيمنار أو الورشة لتعليم فن الكتابة في القصة القصيرة والرواية، وأظن أن الراحل مكاوي سعيد كان يقود أحد هذه الورش ويشرف عليها عند أحد الناشرين.
وعلى الرغم من ذلك رأى د. عصفور أن الرواية لها مستقبل مزدهر بالتأكيد، وأضاف "يكفي أن يكون في كل بلد عربي أربعة روائيين متميزين، فهذا معناه أنه سيكون عندك في العالم العربي ما لا يقل 60 روائيا كبيرا، وهذا شيء لا بأس به إطلاقا، بالعكس، يعني زمان كنت أستطيع القول أنني أقرأ كل الروايات التي يكتبها الروائيون العرب، الآن لا أستطيع، بل لا أستطيع ملاحقة الروايات التي تصدر في مصر فقط، فكيف تزعم لنفسك أنك تستطيع أن تتابع كل الروايات التي تصدر في العالم العربي كله".
ونبه إلى وجود خلل في المشهد النقدي، وأنه لا يوجد جيل جديد من النقاد، وقال "أذكر مثلا أنا أنتسب إلى جيل الستينيات أننا كنا مرتبطين بالجيل الأدبي الخاص بنا، وحاولنا أن نؤصل كتاباته وكتابات الأجيال السابقة، لكن الآن حدثني عن ناقد بارز تخرج مثلا في الثمانينيات والتسعينيات، أستطيع أن أضعه بسهولة في قامة مثل قامات كبيرة في النقد الأدبي ظهرت في الستينيات أو السبعينيات، وهذا أمر يخيف أيضا. لكن المشهد الروائي يزدهر سواء كان هناك ناقد أم لا، لكن وجود الناقد يرشد حركة المشهد الإبداعي.
وأضاف "يبدو أن انحدار التعليم. من أين يأتي النقاد؟ من الجامعات والكليات؟ وعندما ينحدر التعليم تقل المضخة التي تضخ الأجيال الجديدة بشكل نوعي، لأن نوعية التعليم تغيرت وانحدرت بشكل قوي إلى الأسفل.
الخطاب الديني
وحول ما إذا طال الأمر المستوى الأكاديمي؟ قال "طبعا، هل تريد أن تقول إن الشباب والشابات من أساتذة الجامعة اليوم في مستوى الأجيال التي سبقتهم؟! لا حتى معرفة بالنحو ولا حتى معرفة بلغات أجنبية، وأستطيع أن أقول لك إن الجامعات المصرية تقدم رسائل دكتوراه وماجستير، أنا شخصيا مندهش كيف تقدم هذه الرسائل وتحصل على الدراجات الجامعية، وأحيانا يكون الأمر فضيحة أو أقرب للكارثة العلمية، لكن هذا هو الواقع!! صدقني الجامعات اخترقت حتى من السلفيين، ولك أن تتخيل أنني كنت في قسم اللغة العربية أخيرا، فإذا بمعيدة شابة ترفض السلام عليّ لأنها ترفض السلام على الرجال. تخيل أننا وصلنا إلى زمن ما قبل ثورة 1919.. الآن الأساتذة السلفيون ملأوا الجامعة".
وأوضح عصفور "بداية الحضور السلفي كانت أيام السادات، وعندما تعطي الفرصة لجماعات الإسلام السياسي وتعتبرها حليفك بالتأكيد ستفتح الباب للسلفية وأشباهها، وأذكر عندما قامت ثورة 25 يناير وحدث ما حدث، وحدث أن أطيح بالإخوان المسلمين، كان السلفيون طرفا في ذلك، فنالوا ميزة الحليف في نظام الحكم القائم، ولهذا السبب لم ننجح حتى الآن في إحداث ثورة جذرية فيما يسمى بالخطاب الديني في مصر، مع أن رئيس الجمهورية نفسه قال نريد ثورة حقيقية في الخطاب الديني".
وأكد عصفور أن الشعر موجود وأن هناك شعراء متميزين، وأعتقد أنه فيما يسمى بقصيدة النثر يحدث نوع من التقدم يرجى أن يكون متميزا ومستمرا، لكن عليك أن تعرف أن الموقف المحافظ لا يزال هو الغالب على الشعر، لو أخذت مثلا لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة ستجد هذه اللجنة ترفض بوضوح شعراء قصيدة النثر، مع أن شعراء قصيدة النثر معترف بهم على مستوى العالم كله، وإلى الآن فيما أعرف منذ أن كنت أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة لم يحدث أن أقامت لجنة الشعر مؤتمرا أو ندوة كبيرة عن قصيدة النثر، على الأقل يقال ما للقصيدة وما عليها لكن لجنة الشعر ترفض هذا.
إن لدينا بشكل عام نوعا من أنواع التصلب يجعلنا نرفض الجديد، ونرفض التجريب، ولم يعد عندنا أو ليس عندنا أصلا القدر الكافي من الحرية التي تسمح بوجود مبدعين كبار، فالإبداع هواؤه الحرية، الحرية الأكسجين الذي نستمد منه الحياة، عندما تتقلص هذه الحرية تتقلص كمية الهواء النقي الذي يحتاج إليه الإبداع.
ورأى أن الإخوان المسلمين موجودون، وأغلبهم خلايا نائمة، وأضاف "المشكلة ليست في الإخوان المسلمين فقط ولكن في الجماعات السلفية، لأن الدولة نفسها تكاد تكون قد تسلفت، وهناك تضخم في أعداد أعضاء الجماعات السلفية.. انظر لملابس المرأة المصرية هل هذه هي المرأة المصرية "بتاعت زمان"؟
قارن بين حفلات أم كلثوم أو عبدالحليم حافظ زمان وانظر إلى أشكال السيدات والفتيات الجالسات وقارن بينهن وبين أشكال الفتيات المصريات اليوم، الفتاة المصرية الآن أصبح شكلها مشوها جسدا وملبسا ومظهرا، ليست هذه هي الفتاة المصرية التي كنا نراها في الستينيات ولا حتى في السبعينيات.
وطالب د. عصفور بثورة ثقافية وازدهار هائل في التعليم، مؤكدا أنه ليس أمام الرئيس السيسي في المرحلة الثانية من ولايته إلا أمرين: التعليم والثقافة وتوسيع الحريات في الحياة الفكرية والسياسية، هذا أمر حتمي، لا بد أن نطالب بمزيد من الحريات السياسية والاجتماعية والإبداعية وتقليص الخطاب الديني إلى أبعد حد.
تاريخ طويل من العطاء النقدي والفكري والعمل الثقافي العام يمثله د. جابر عصفور وزير الثقافة السابق، حيث قدم الكثير من المؤلفات والدراسات التي قدمت مشروعا تتجلى خصوصيته في متابعته النقدية للمشهدين الإبداعي الروائي والشعري والنقدي التنظيري، فضلا عن قراءاته في التاريخ الفكري والثقافي المصري، كما شكل حضورا قويا داخل الوسط الثقافي حيث تولى مسئولية الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الذي شهد في عهده إقامة أهم الملتقيات والمؤتمرات كمؤتمر المرأة في مائة عام، ومؤتمر الرواية العربية، ومؤتمر الشعر العربي، وغيرها، كما أسس المجلس القومي للترجمة وترأسه لسنوات، ولا يزال يواصل العطاء.. حول المشهد الثقافي والإبداعي في مصر اليوم كان لنا معه هذا الحوار.
بداية أكد د. عصفور أن المشهد الثقافي المصري مشهد مرتبك إلى أبعد حد، لأن هناك أجيالا رحلت وأجيالا ولدت، وواضح أن الفوارق لم تتميز تماما، وقال "كان زمان عندما يرحل جيل أو جيلان يظهر بوضوح جدا ارهاصات أو علامات الجيل القادم، وأستطيع أن أتحدث الآن عن علامات واضحة لأجيال جديدة، وما أراه من علامات يبدو باعثا على التشاؤم، مثلا إذا أخذت الرواية على سبيل المثال ستجد أن الجيل الجديد يمارس نوعا من الكتابة هي ما يمكن أن يسمى "الديستوبيا" وهو عكس كلمة "يوتوبيا"، يعني بدل الحديث عن عالم خيالي فيه نوع من البهجة، يتم الحديث عن عالم خيالي فيه الرعب والفزع، ويبدو أن هذا بتأثير الارتباكات السياسية التي نراها من حولنا، الارهاب وما يرتبط به من أوضاع سياسية.
الحقيقة أن الحياة الثقافية في مصر مرتبكة إلى أبعد حد، وهي لا تبعث على التفاؤل بوضعها الحالي، لأسباب متعددة منها أن قضية الحريات أصبحت ملحة على المثقفين جميعا في مختلف المجالات، يعني ستجدها في الإعلام، ومستوى الكتابة، ولأول مرة يكون القضاء حساسا جدا إزاء الكتابة ويصبح لدينا قضايا مواجهة ضد أدباء كثيرين وحتى كتاب رأي، فالأمر فعلا يبعث على نوع من الخوف والقلق على المستقبل".
استراتيجية ثقافية
وحول أداء قطاعات وزارة الثقافة ودورها، أشار د. عصفور إلى تعاطفه مع وزارة الثقافة، وأوضح "عملت بها أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة لسنوات طويلة، وعملت رئيسا للمجلس القومي للترجمة لسنوات طويلة، ومن ثم أعرف وزارة الثقافة كما أعرف كف يدي، وأظن أن المشكلة ليست في وزارة الثقافة وإنما المشكلة تكمن في إجابة السؤال: هل في مصر استراتيجية ثقافية يتبناها رئيس الدولة؟ أنا لا أعتقد، وحتى الآن لا يوجد اهتمام من رئيس الدولة بالثقافة، بدليل أننا عندما ذهبنا للاستماع إلى كشف الحساب الذي يقدمه للأمة، استمعنا إلى إنجازات هائلة، في الاقتصاد والتصنيع والطرق، لكن لم نستمع إلى إنجازات مماثلة في أهم قضيتين من المفترض أن تكون لهما الأولية المطلقة: التعليم والثقافة، وأظن طالما أننا لا نهتم بالتعليم والثقافة فإن المسألة ستأخذنا إلى الوراء".
ورأى أنه عندما لا يوجد اهتمام حقيقي بتجديد الخطاب الديني ولا يوجد نوع من التعليم الفعلي الحديث، ولا نوع من الاهتمام الحقيقي بالثقافة، فإن المسائل تضيع.
ولفت د. عصفور إلى أن دور المثقفين موجود، لكن لديهم إحساس: لا تمد يدك أو رجلك إلى الأمام مخافة أن تقطع، هذا إحساس موجود لا تستطيع إنكاره، انظر للمشهد الانتخابي، لماذا تحولت الانتخابات الرئاسية إلى هذا النحو؟ رئيس يبدو وكأنه ينافس نفسه، أين المشهد المعتاد أن يصبح هناك أمام رئيس الجمهورية خمسة أو ستة مرشحين؟ هذا هو المشهد الديمقراطي، إنما مرشح واحد منافس لا يعرفه أحد، هذا يبعث على التساؤل، بالتأكيد سينجح الرئيس السيسي لكن ليس هو النجاح الذي كنا نتمناه له، كنا نريد أن ينجح في مناخ ديمقراطي حقيقي، لكن يبدو أنه بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر ينبغي أن نؤجل هذا الطلب إلى الرئاسة القادمة".
المشهد الروائي الآن يشهد سيلا من الروايات حيث تصدر دور النشر الكثير والكثير، الأمر الذي يراه د. عصفور مشهد مصطنع، وعلل ذلك قائلا "لأن الروايات المتميزة قليلة، لا تندهش بالعدد، فالرواية ومنذ كتبت أننا نعيش في زمن الرواية في أوائل التسعينيات أصبحت هي الملكة غير المتوجة على الأنوع الأدبية، وأصبحت مصدر جذب لكل ناشئة الأدب، وهذا هو الفرق، كان زمان كل واحد يستشعر موهبة الكتابة في نفسه يتوجه إلى الشعر ويكتب قصائد متوسطة أو بالغة الرداءة، لكن الآن تغيرت الأمور ولم يعد هناك من يرغب في كتابة الشعر، الكل يريد الدخول إلى عالم السرد ويكتب القصة القصيرة أو الرواية، لدرجة أن بعض الناشرين أصبح يجري ما يشبه السيمنار أو الورشة لتعليم فن الكتابة في القصة القصيرة والرواية، وأظن أن الراحل مكاوي سعيد كان يقود أحد هذه الورش ويشرف عليها عند أحد الناشرين.
وعلى الرغم من ذلك رأى د. عصفور أن الرواية لها مستقبل مزدهر بالتأكيد، وأضاف "يكفي أن يكون في كل بلد عربي أربعة روائيين متميزين، فهذا معناه أنه سيكون عندك في العالم العربي ما لا يقل 60 روائيا كبيرا، وهذا شيء لا بأس به إطلاقا، بالعكس، يعني زمان كنت أستطيع القول أنني أقرأ كل الروايات التي يكتبها الروائيون العرب، الآن لا أستطيع، بل لا أستطيع ملاحقة الروايات التي تصدر في مصر فقط، فكيف تزعم لنفسك أنك تستطيع أن تتابع كل الروايات التي تصدر في العالم العربي كله".
ونبه إلى وجود خلل في المشهد النقدي، وأنه لا يوجد جيل جديد من النقاد، وقال "أذكر مثلا أنا أنتسب إلى جيل الستينيات أننا كنا مرتبطين بالجيل الأدبي الخاص بنا، وحاولنا أن نؤصل كتاباته وكتابات الأجيال السابقة، لكن الآن حدثني عن ناقد بارز تخرج مثلا في الثمانينيات والتسعينيات، أستطيع أن أضعه بسهولة في قامة مثل قامات كبيرة في النقد الأدبي ظهرت في الستينيات أو السبعينيات، وهذا أمر يخيف أيضا. لكن المشهد الروائي يزدهر سواء كان هناك ناقد أم لا، لكن وجود الناقد يرشد حركة المشهد الإبداعي.
وأضاف "يبدو أن انحدار التعليم. من أين يأتي النقاد؟ من الجامعات والكليات؟ وعندما ينحدر التعليم تقل المضخة التي تضخ الأجيال الجديدة بشكل نوعي، لأن نوعية التعليم تغيرت وانحدرت بشكل قوي إلى الأسفل.
الخطاب الديني
وحول ما إذا طال الأمر المستوى الأكاديمي؟ قال "طبعا، هل تريد أن تقول إن الشباب والشابات من أساتذة الجامعة اليوم في مستوى الأجيال التي سبقتهم؟! لا حتى معرفة بالنحو ولا حتى معرفة بلغات أجنبية، وأستطيع أن أقول لك إن الجامعات المصرية تقدم رسائل دكتوراه وماجستير، أنا شخصيا مندهش كيف تقدم هذه الرسائل وتحصل على الدراجات الجامعية، وأحيانا يكون الأمر فضيحة أو أقرب للكارثة العلمية، لكن هذا هو الواقع!! صدقني الجامعات اخترقت حتى من السلفيين، ولك أن تتخيل أنني كنت في قسم اللغة العربية أخيرا، فإذا بمعيدة شابة ترفض السلام عليّ لأنها ترفض السلام على الرجال. تخيل أننا وصلنا إلى زمن ما قبل ثورة 1919.. الآن الأساتذة السلفيون ملأوا الجامعة".
وأوضح عصفور "بداية الحضور السلفي كانت أيام السادات، وعندما تعطي الفرصة لجماعات الإسلام السياسي وتعتبرها حليفك بالتأكيد ستفتح الباب للسلفية وأشباهها، وأذكر عندما قامت ثورة 25 يناير وحدث ما حدث، وحدث أن أطيح بالإخوان المسلمين، كان السلفيون طرفا في ذلك، فنالوا ميزة الحليف في نظام الحكم القائم، ولهذا السبب لم ننجح حتى الآن في إحداث ثورة جذرية فيما يسمى بالخطاب الديني في مصر، مع أن رئيس الجمهورية نفسه قال نريد ثورة حقيقية في الخطاب الديني".
وأكد عصفور أن الشعر موجود وأن هناك شعراء متميزين، وأعتقد أنه فيما يسمى بقصيدة النثر يحدث نوع من التقدم يرجى أن يكون متميزا ومستمرا، لكن عليك أن تعرف أن الموقف المحافظ لا يزال هو الغالب على الشعر، لو أخذت مثلا لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة ستجد هذه اللجنة ترفض بوضوح شعراء قصيدة النثر، مع أن شعراء قصيدة النثر معترف بهم على مستوى العالم كله، وإلى الآن فيما أعرف منذ أن كنت أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة لم يحدث أن أقامت لجنة الشعر مؤتمرا أو ندوة كبيرة عن قصيدة النثر، على الأقل يقال ما للقصيدة وما عليها لكن لجنة الشعر ترفض هذا.
إن لدينا بشكل عام نوعا من أنواع التصلب يجعلنا نرفض الجديد، ونرفض التجريب، ولم يعد عندنا أو ليس عندنا أصلا القدر الكافي من الحرية التي تسمح بوجود مبدعين كبار، فالإبداع هواؤه الحرية، الحرية الأكسجين الذي نستمد منه الحياة، عندما تتقلص هذه الحرية تتقلص كمية الهواء النقي الذي يحتاج إليه الإبداع.
ورأى أن الإخوان المسلمين موجودون، وأغلبهم خلايا نائمة، وأضاف "المشكلة ليست في الإخوان المسلمين فقط ولكن في الجماعات السلفية، لأن الدولة نفسها تكاد تكون قد تسلفت، وهناك تضخم في أعداد أعضاء الجماعات السلفية.. انظر لملابس المرأة المصرية هل هذه هي المرأة المصرية "بتاعت زمان"؟
قارن بين حفلات أم كلثوم أو عبدالحليم حافظ زمان وانظر إلى أشكال السيدات والفتيات الجالسات وقارن بينهن وبين أشكال الفتيات المصريات اليوم، الفتاة المصرية الآن أصبح شكلها مشوها جسدا وملبسا ومظهرا، ليست هذه هي الفتاة المصرية التي كنا نراها في الستينيات ولا حتى في السبعينيات.
وطالب د. عصفور بثورة ثقافية وازدهار هائل في التعليم، مؤكدا أنه ليس أمام الرئيس السيسي في المرحلة الثانية من ولايته إلا أمرين: التعليم والثقافة وتوسيع الحريات في الحياة الفكرية والسياسية، هذا أمر حتمي، لا بد أن نطالب بمزيد من الحريات السياسية والاجتماعية والإبداعية وتقليص الخطاب الديني إلى أبعد حد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.