هل المسرح العربي يواجه أزمة وجود وهوية ؟ يرى الكثير من نقاد المسرح أن هذا السؤال يطرح الكثير من الاشكاليات . يقف على رأسها أن المسرح العربي يقع داخل منطقة لديها تقاليد اجتماعية وموروث يعود تاريخه إلى مئات السنين، يغلب عليه العاطفة الدينية والتقليدية، وتقف الرقابة حائلا دون تقديم مسرح يتميز بالجرأة والتجريب وتناول موضوعات مسكوت عنها في العرف الاجتماعي السائد ؛ مما أدى إلى سَفَر الكثير الفرق المسرحية للخارج لعرض أعمالهم بحثاً عن الجماهير أو المشاركة في المهرجانات ذات الجماهير المحدودة . المسرح المصري كان يقدِّم أشكالا شعبية من العرائس في العصور الوسطى، ورغم أن المسرحيات يمكن أن تكون بسيطة أومعقدة أوخطيرة أو هزلية، إلا أنها تظل موضع تقدير من قبل جميع الطبقات، لكن تفشي الأمية واهتمام المنتجين بدور العرض السينمائي أدى إلى تراجع في تطوير الأدب الشعبي في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. المخرج المسرحي ناصر عبد المنعم ، أكد أنه لولا وجود المسرح العربي لما وجد المسرح المصري، وذلك عندما قام " مارون نقاش " بمهمة تأسيس المسرح العربي ، عندما ألف مسرحيته الأولى "البخيل" ومثلها وأخرجها، فالمسرح العربي مازال موجوداً .. والدليل على ذلك اشتراك أغلب دول العالم العربي في مهرجاناتنا الدولية ، مثل مهرجان المسرح التجريبي ومهرجان المسرح العربي ، ولكن يمكن القول بأن ظروف المسرح زمان تختلفة عن ظروف المسرح الآن ، فإن العالم العربي يمر بظروف سياسية واقتصادية صعبة، حيث يواجه في الآونة الأخيرة الكثير من التهديدات ،والمخاطر التي تهدد وجوده وهويته. وأشار إلى أن المسرح العربي يعتمد على التراث الشعبي القديم، لأنه أبسط أنواع المسارح وهو ما يصل إلى الجمهور بسرعة ووضوح، وهو المفضل لدى الجمهور العربي. بينما يرى الكاتب المسرحي يسري الجندي، أن الوطن العربي يواجه الكثير من التهديدات والمخاطر التي تهدد وجوده وهويته، ومع ذلك لم تمنع الحروب الإبداع في مجال المسرح العربي؛ لأن دور الفن هو التغيير من حال وواقع المجتمع، وأضاف أن المسرح يعرف بأنه أبو الفنون، فهو يعبر عن واقع المجتمعات والأمم، فمثلاً هناك عرض "اليهودي التائه" الذي يسرد كل الأوضاع السياسية ويفضح مخططات أمريكا وإسرائيل في الاستحواذ على المنطقة. وفي رأي الفنان محمود ياسين، أن المسرح العربي موجود حتي في أشد الأزمات، وأبلغ دليل وجوده تلك العروض التي شاركت في مهرجان المسرح التجريبي، فهناك العراق شاركت بعرض "نساء في الحرب" وهو عرض يحكي فترة الحرب وتأثيرها على حياة النساء، وهناك أيضاً العرض اللبناني "النشيد" ويتناول الظروف الصعبة في لبنان في فترة الحرب مع إسرائيل، وأكد أن المسرح المصري أيضاً موجود ولكنه ضعيف في هذا التوقيت السياسي الذي تمر به البلاد، وطالما تواجدت عروض قوية على المسارح القومية والوطنية ، فإن المسرح سيظل باقياً ولن يختفي من الخريطة الإبداعية، وأشار إلى أن المسرح يعد لسان حال الأفراد تجاه الحكومات لتوضيح ما يحدث في الواقع، الذي أصبح مضطرباً ويشعر الأفراد فيه بالخرس وعدم القدرة على التعبير إلا من خلال الفن المسرحي. وتؤكد الفنانة سميحة أيوب، أن المسرح العربي أصابه بعض الخفوت بسبب الأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة العربية، فمثلاً: مسرح بغداد أصبح غير موجود على الخارطة العربية بعد الغزو الأمريكي، وأيضاً مسرح دمشق أغلق تماماً بسبب الحرب الأهلية الدائرة هناك، لكن مازالت هناك بعض المسارح العربية تسبح ضد التيار مثل مسرح تطوان في المغرب، وكذلك المسرح الأردني .. أيضا التجارب المسرحية اللبنانية والتونسية محدودة للغاية ، وأكدت أن فناني مصر إذا لم يجدوا مسرحاً عربياً لن يشاركوا في أي مناسبات أو فعاليات مسرحية قادمة. وأكدت أن المسرح العربي سيعود مجدداً لأنه معروف برموزه العملاقة سواء في مصر أو في العالم العربي أمثال الإخوة "رحباني ويعقوب صنوع وتوفيق الحكيم وألفرد فرج وزكريا الحجاوي ونجيب سرور" .. هؤلاء المبدعين بمثابة رئة المسرح سواء في الماضي أو الحاضر. وفي رأي المخرج المسرحي جمال عبد الناصر، أن العالم العربي يعشق المسرح ويهتم به لدرجة كبيرة ويسعى إلى تقديم الأفضل دائماً فيه، إلى جانب قدرة الفنانين العرب على حصد الجوائز من خلال عروضهم الفنية والمسرحية، دائماً عروض العالم العربي المسرحية مزدهرة وفي تقدم، ومن غير المعقول إغفال عروض الأردن وسوريا ولبنان والمغرب في المهرجانات العالمية بسبب الأحداث التي تمر بها المنطقة. أما المخرج المسرحي تامر كرم ، فأكد أن المسرح العربي موجود، وله جمهور عريض وواسع ومشهور، ولبنان بها مؤسسو المسرح الأوائل ، لذا فإن بها أفضل مسرح وعروض مسرحية إلى جانب أننا في مصر أصبح لدينا مسرح بعد الكبوة التي كنا نعاني منها، وسيظل المسرح العربي باقياً طالما تواجد المبدعون والفنانون. الكاتب يوسف القعيد يرى أن تخلي المدارس والجامعات عن إقامة نشاط مسرحي أحد أهم أسباب تراجع المسرح في الآونة الأخيرة، ورغم أهمية المسرح في دفع العملية التعليمية وتنشيط الطلاب بالقصص التاريخية والروايات القديمة، إلا أن المسؤولين وضعوا النشاط المسرحي في آخر اهتماماتهم، وأضاف أن مسرح الأطفال يساعد على صقل مواهبهم وتنمية مهاراتهم، كما أنه من المفترض أن تعمل الدولة على محو الأمية، حتى لا يقتصر المسرح على فئة معينة دون الأخرى، معتبراً أن السبيل الوحيد لإعادة حيوية المسرح هو إدراك أهمية التعليم بجميع مجالاته وعودة الاهتمام مجدداً بالفن والمسرح والإبداع.