يعيش المسرح اللبنانى فى الآونة الأخيرة حالة من الربيع العربى بسبب ما تقدمه الاجيال الجديدة من ابداعات وكسر للتابوهات وهو ما وضع مسارح مستقلة كثيرة ببيروت محط أنظار المسرح العالمى حيث تحاول الاجيال المسرحية الجديدة كسر القيود التى تضعها الرقابة خاصة فى الدين والسياسة مع عمل هذه الاجيال على التعاطى مع الجمهور لتقريبه لأنواع جديدة من المسارح على الجمهور اللبنانى مثل المسرح الارتجالى والتجريبى. هذه الصورة تتحدث عنها فنانة المسرح النشيطة والمبدعة «مايا سبعلى» التى رفضت فى حوارها مع «روز اليوسف» أن ينحصر امام الجمهور العربى بأن المسرح اللبنانى هو فقط «الرحبانية». «مايا» أكدت تفاؤلها بالحالة التى عليها المسرح اللبنانى منتقدة عدم دعم الدولة فى تطوير «أبو الفنون» معبرة عن سعادتها بتجاوب الجمهور مع المسرح الارتجالى وتعاطيه مع المسرح التجريبى ولكنها أعلنت تخوفها من أن يتحول المسرح اللبنانى الى ساحة دعاية! ■ فى البداية .. لماذا لا نرى فى المسرح اللبنانى والمصرى والعربى أعمالا مسرحية مستقلة تحقق نجاحات على الرغم من أن هذه الأعمال البسيطة فى التمويل تحقق نجاحات كبيرة بين الجمهور؟ - لأننا فى مجتمع دعاية وطاولات اعلانية فى الطرق إذا كنت تجهز لعمل مسرحى يجب أن تكون النسبة الاكبر من التمويل للدعاية والاعلانات فى التليفزيون والشوارع وذلك بغض النظر عن أن هناك أعمال مسرحية واعدة تقدم بأسلوب جديد ومبدع ونفس الأمر فى السينما.. مثلا هناك فيلم لبنانى اسمه «شتى يا دنيا» وهو من افضل الأعمال الفنية فى الفترة الماضية من الناحية التصويرية والاخراج والتمثيل والملابس.. فيلم رائع ولم يحصل ايرادات جيدة والمخرج خسر فيه مع انه حصل على جوائز عالمية ولكن المشكلة انه لم يضع الجزء الاكبر فى الدعاية بينما هناك أفلام حققت مكاسب فى الايرادات لوضع الجزء الاكبر من التمويل فى التسويق والدعاية مع انه تصويرًا وإخراجًا أقل بكثير من «شتى يا دنيا» وهذا يؤكد أن السينما العربية سينما دعاية
■ هل الدين يقف عائقًا أمام الإبداع خاصة فى المسرح ؟ - هناك مشكلتان ممنوع ان نقرب منهما فى المنطقة.. هما الدين والسياسة.. هناك أعمال مسرحية تمنع من العرض فى لبنان لكونها ملمسة مع السياسة وهناك أعمال تمنع من العرض سواء كانت مسرح أو سينمائية على هذا الأساس فى مهرجانات مهمة فى قطر ودبى.. والحقيقة أننا نقدم واقعًا ومن المفترض الا يكون هناك بالفن سقف إلا عند التجريح. ■ المسرح اللبنانى مشهور بمسرح الرحبانية.. هل لا توجد مسارح أخرى قادرة على تحقيق شهرته العربية؟ - المسرح الرحبانى فى فترة من الفترات كان له مكانته ولكن أحب أن إقول ؤن مسرح الرحبانى نوع من انواع المسرح الغنائى والمسرح ليس محتكرا فى المجال الغنائى فقط أنا تربيت على مسرح الرحبانى ولكنهم احتكروا المسرح اللبنانى هناك المسرح التجريبى وقدموا اعمالاً مهمة ونفس الامر المسرح الكلاسيكى ولكن لا اعلم لماذا لا يهتم العالم سوى بالمسرح الرحبانى .. أيضا لدينا فى لبنان منير ابو دبس من مؤسسى المسرح بلبنان وغيره من المبدعين واللبنانيون لم يفهموه فى الوقت الذى فتحت وزارة الثقافة الفرنسية مدرسة باسمه واعتبرته شخصًا فتحًا طريق جديد بالمسرح الاختبارى بينما فى لبنان لم يتم اعطاؤه مقداره. ■ شعرت من حديثك قبل الحوار أنك رافضة لحصر المسرح فى الإطار الكوميدى ؟ - صحيح والضحك فى المسرح ليس خطأ ولكن ارفض ان يكون الاحتكار للكوميديا، أرغب ان تكون كل انواع المسرح موجودة، وفى الوقت نفسه لا اريد ان اظلم الجمهور العربى بوصفه انه لا يحب التفكير لتمسكه بالمسرح الكوميدى ولكن هذا الجمهور يعيش دائما فى حالات اجتماعية تعيسة وغير مستقرة فالجمهور منشغل بتوفير الاحتياجات الاساسية لحياته وهذا يضع ثقلا على الجمهور الذى يجد مشاكل كثيرة فى رأسه يفكر فيها ولا يستطيع ان يذهب الى السينما والمسرح لمشاهدة أعمال جادة تحتاج لتفكير عندما تحقق الاولويات، بعدها نذهب للمسرح والسينما والاوبرا لحضور الاشياء الصعبة التى تحتاج الى تفكير الجمهور العربى لديه الكثير من المصائب وكفنانة هناك حسرة فى قلبى أن أميل اكثر للكوميديا بسبب هذه المشاكل التى يعانى منها الجمهور ورغم كل ذلك هناك موجة مسرحية راقية تشهدها لبنان، من كل انواع المسارح سواء كان التجريبى والكلاسيكى والمسرح الارتجالى الذى يعتبر جديدا على الجمهور العربى. ■ هل من الممكن ان يتقبل الجمهور العربى المسرح الارتجالى ؟ - أسسنا فرقة مسرح «ارتجالى بيروت» لمؤسسها «لوسيان أبورجيلة» وذهبنا بالفرقة الى امستردام ولندن والدول العربية كانت خجولة فى التعاطى معنا، والمسرح الارتجالى يكون بدون نص، والناس أو الجمهور هو الذى يعطيك الفكرة ..يظهر المخرج على المسرح ويسأل الجمهور : ما الفكرة التى ترغبون فى رؤيتها الآن على المسرح؟.. ونحن كممثلين نصعد على المسرح للارتجال دون أن نعلم مسبقا الفكرة وفى أوروبا رحبوا بطريقة ادخلناها كفرقة فى مسارح اوروبا فمثلا فى المسرحية نستقدم بعض الحاضرين من الجمهور ونستبدله بممثلين ولقد قبل الجمهور اللبنانى المسرح الارتجالى ولكن تعذبنا مع الرقابة لأن أى عمل فنى جديد يجب ان يحصل على تصريح من الامن العام الذى يقوم بدور الرقابة حتى يتأكد من ان العمل لا يحتوى على سب او اشياء تتعلق بالدين والسياسة والجنس عندما جئنا لتقديم عمل بدون نص كان أمرًا مرفوضًا ووجود الرقابة أمر محزن ولكن المسرح الارتجالى سيحدث ثورة فنية فى الفترة المقبلة وهو مستقبل المسرح فى المرحلة القادمة مع المسرح التجريبى والعبثى والدليل على نهضة المسرح أننا نتظر شهوراً حتى نجد مكاناً لعرض اعمالنا المسرحية وذلك لكثرة أعمال تعرضها فرق أخرى.
■ لماذا لا نجد أعمالاً مسرحية عربية مشتركة ؟ هناك تجارب خجولة فى تقديم أعمال مسرحية عربية مشتركة بالرغم من المشاكل التى تواجه الفن فى لبنان خاصه المسرح والسينما الا اننى متفائلة لان هناك أعمالاً جديدة يتم حاليا تجهيزها وهى كاسرة للتقليدية فى الابداع وسعيدة جدا فى هذه الفترة عندما أرى أعمالا مسرحية يجهزها الزملاء بعيدة عن التى تعودنا عليها هذه الأعمال الجديدة التى تكسر التابوهات وتجدد الابداع تعطينى أملاً فى حدوث نهضة فنية. ■ ولكن على الرغم من ان هناك خامات مسرحية جيدة فإن الناس لا تشعر بأن يعود المسرح ليكون ابو الفنون بشكل عملى كما كان وقت فاطمة اليوسف وجورج ابيض وسلامة حجازى لدرجة أن هناك أجيالاً مسرحية جديدة لا تعرف هؤلاء وهم من مؤسسى المسرح العربى؟ - المسرح مرآة للشعب والشارع والمجتمع و دائما له ناسه وجمهوره الذين يتابعونه ويرابطون بجانبه منذ الحركة المسرحية فى القرن الماضى بالمنطقة العربية وليس بالدقيق أن هناك أجيالاً مسرحية لا تعرف مؤسسيه فمن الممكن أن يكونوا هواة يتابعون ويدرسون المسرح ويتعرفون على مؤسسيه. ■ الجمهور مثلا فى المغرب يتابع المسرح أكثر من السينما والدراما..المسرح له جمهور عريض.. هل ذلك بسبب دعم الدولة للمسرح؟ - أى دولة تحترم الفن يجب أن تدعم المسرح ماديا ومعنويا بكل قوتها لأن دعم الدولة مهم مثلما يحدث فى المغرب التى تسير فى هذه النهج مثلما نرى فى المسرح الأوروبى الذى يجد كل الدعم والمساندة والتمويل من الدولة، وأحب أن أوضح لك أنه فى العامين الأخيرين بلبنان أصبح هناك جمهور عريض للمسرح والمسارح الرئيسية فى لبنان تكون ممتلئة بالاعمال والجمهور ولا يوجد حاليا دعم من الدولة للمسرح كل مجموعة فنية مسرحية تدعم نفسها من الناحية المادية والمعنوية وهذه الفرق تتكفل بالسفر لعرض اعمالها بالخارج حتى تمثل لبنان فنيا أمام العالم وفى مرات كثيرة قامت مهرجانات عالمية بدعوة فرقتنا المسرحية للمشاركة فى الفعاليات لتمثيل بلدنا ولم تستطع الدولة توفير تذاكر السفر لتمثيلها فى الخارج وللاسف قمنا بالتكفل بالسفر والاقامة وذلك لاحتياجنا دعم فنى دولى وكثيرا لا نستطيع السفر لعدم القدرة على التكفل بالتذاكر والاقامة. ■ هل من الممكن ان يعود الجمهور العربى قريبا للمسرح كما كان فى اربعينيات وخمسينيات القرن الماضى؟ - سيعود بالمسرح التجريبى وايضا المسرح الارتجالى وأول عرض قدمناه كان من المفترض أن يكون العرض لمدة شهر وفوجئنا ان الجمهور تقبله ووصلنا بالعرض الى 9 اشهر وقررنا ايقاف العرض لتقديم فكرة جديدة ولم نكن نتوقع ان مقاعد المسرحية محجوزة 3 أسابيع للامام وهذا كان نجاحًا كبيرًا وسعيدة بنجاح المسرح التجريبى فى بيروت واتخوف من ان يتحول إلى دعاية. ■ أنت ايضا ممثلة سينما.. هناك أفكار جيدة وإمكانيات بشرية للقائمين على السينما اللبنانية ولكنها ليست موجودة بشكل قوى عند الجمهور العربى ..ما الحاجز لوجود السينما اللبنانية بشكل قوى؟ - الشىء الناقص هو التمويل وهذا حاجز يعرقل أفكارًا ممتازة تكون مكتوبة ولكنك لا تستطيع تصويره لأنك لا تمتلك التمويل وأغلبية الكتاب والمخرجين يرفضون تقديم أفلام لا تمول بشكل جيد لأنه فى النهاية ستكون بدون المستوى المطلوب الآن هناك أفلام ولكن غير كافية. ■ هناك دول عربية مثل قطر تهتم بالفن .. لماذا لا تمول السينما اللبنانية أم أحيانا تتدخل السياسة فى ذلك ؟ - فى أغلبية الأوقات نعم السياسة تتدخل.. وهذا شىء مؤسف فى المنطقة العربية ويقومون بوضع شروط وهذا ما يحدث من بعض الانظمة الحاكمة التى تضع شروطاً لعرض اعمال مسرحية.. فمثلا هناك فيلم «لقد وهبتك المتعة» يتناول زواج المتعة الخاص بإحدى الطوائف الدينية.. رفضت الكثير من المؤسسات الفنية فى دول عربية تمويلة. وكان الفيلم قصيرًا يحكى عن امرأة تقوم بزواج المتعة لأشياء هى مقتنعة فيها بسبب وفاة زوجها.. الفيلم ليس به انتقاد ولكن المشكلة أنه لفتاة محجبة ويقدم نموذجًا لامرأة أخرى من نفس الطائفة الشيعية وهى ليست محجبة ومنفتحة.. فنقدم صورة المرأة التى تتزوج زيجات للمتعة تحت ستار الدين فلا يوجد مشكلة معها من جانب المجتمع أما المنفتحة التى ترفض هذا التفكير تتعرض لانتقادات فى المجتمع.. والفيلم حقق نجاحات فى مهرجان بفرنسا واليابان والمغرب. ■ لماذا أحدثت الدراما اللبنانية قفزة عن السينما فى السنوات الماضية ؟ - هناك شغل يقدم فى الدراما اللبنانية.. وما يساعد فى ذلك هو وجود تليفزيونات تقوم بتمويل او شراء هذه الاعمال ولكن فى الحقيقة أن ما يقدم من جانب الجودة السينما بها منتج أفضل والأزمة أن الانتاج الكمى ضعيف. ■ كيف ترى السينما والمسرح فى ظل تصاعد تيارات متشددة فى المنطقة العربية ؟ - تاريخيا دائما عندما يكون هناك كبت يكون ذلك حافزًا قوياً لتقديم المبدعين ابتكارات فى المسرح والسينما والأعمال الكثيرة الناجحة فى العالم هى الاعمال التى كانت تحت الكبت وتنجز فى السر.