مع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان ينظر إلى الإخوان المسلمين في سوريا باعتبارها واحدة من عدة أحزاب سياسية هامة عام 1950، عندما كانت سوريا موحدة مع مصر بهدف تشكيل الجمهورية العربية المتحدة، ومع تزايد صراع الجماعة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تم حل جماعة الإخوان في القاهرة، وسارت على نفس النهج دمشق بعد عام 1963 من قبل العلمانيين، وتم تكوين حزب البعث القومي العربي، والتي رفضت الإخوان هذا النهج والاستبعاد القسري من العسكر فلعبت دوراً كبيراً في المعارضة ضد حزب البعث خلال الفترة من 1976 إلى 1982، لدرجة أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد اعتبر أن الانضمام إلى جماعة الإخوان في سوريا جريمة يعاقب عليها قانون الطوارئ بالإعدام في عام 1980. تأسست جماعة الإخوان في سوريا أواخر 1930 أو منتصف 1940 بواسطة مصطفى السباعي ومحمد المبارك الطيب، الذين كانوا أصدقاء وزملاء الراحل حسن البنا مؤسس الإخوان في مصر، وفي السنوات الأولى من الاستقلال السوري كان الإخوان المسلمون جزءاً من المعارضة القانونية، وفي الانتخابات البرلمانية عام 1961 فازت الجماعة بعشرة مقاعد بعد انقلاب 1963 العسكري الذي وقع بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ضد الرئيس ناظم القدسي، وكان من نتائجه إلغاء التعددية السياسية وقيام دولة الحزب الواحد وتطبيق قانون الطوارئ، وتم حظر جماعة الإخوان المسلمين التي لعبت دوراً كبيراً في الحركة المستندة إلى السنة التي تعارض حزب البعث الشيعي، والذي يهيمن عليه منذ عام 1971 عائلة الأسد العلوية، وتحول الأمر إلى صراع مسلح بين السلطة والإخوان في أواخر 1970 إلى أن بلغت ذروتها في انتفاضة حماة عام 1982، عندما قتل الآلاف من قبل الجيش، وتم سحق الإخوان نهائياً من الساحة على يد الجنرال حافظ الأسد.. إلى أن نبذت العنف وتبنت منصة الإصلاحية، ودعت لإنشاء نظام سياسي تعددي وديمقراطي من قبل المرشد العام للإخوان المسلمين السوري, علي صدر الدين البيانوني، الذي يعيش كلاجئ سياسي في لندن، كما أسفر حظر الإخوان في سوريا عن مزيد من التطرف وازدادت الإضرابات والمظاهرات الحاشدة في جميع أنحاء سوريا وخصوصاً في حماة، رداً على الدستور المقترح الذي لا يتطلب من الرئيس أن يكون مسلماً، لدرجة أن الإخوان قامت بعمليات اغتيال لأعضاء من الحكومة السورية والعلويين البارزين. لم يتوقف الأمر عند انتفاضة حماة فحسب.. ففي الأيام السابقة لذكرى الانقلاب البعثي عام 1980، شلت كل المدن السورية تقريباً بسبب الإضرابات والاحتجاجات التي تطورت إلى معارك ضارية مع قوات الأمن، وكانت العديد من المنظمات الدينية والعلمانية المشاركة بما في ذلك الإخوان المسلمبن, استعمل النظام السوري بقيادة الأسد الأب القوة العسكرية الساحقة مع المتظاهرين، حيث أرسل عشرات الآلاف من الجنود مدعومة بالدبابات وطائرات الهليكوبتر حول بعض المدن السورية مثل حلب وحمص وقتل المئات من المتظاهرين واعتقل ثمانية آلاف وتم سحق الانتفاضة. ووقتها قال رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد: إن الحكومة مستعدة للتضحية بمليون شهيد من أجل القضاء على أعداء الأمة، وفي يوم 7 يوليو عام 1980 أصدرت الحكومة قانوناً يجعل العضوية في جماعة الإخوان يعاقب عليها بالإعدام، وخلال شهرين من تطبيق القانون سارع أكثر من ألف إخواني إلى الهروب لبعض الدول المجاورة أملاً في إنقاذ أواحهم من عقوبة الإعدام، لكن بعض ما تبقى تعاهدوا على مقاومة الأسد الأب بكل طريقة، ففي عام 1981، قادت جماعة الإخوان ثلاث هجمات بالسيارات المفخخة ضد أهداف حكومية وعسكرية في دمشق، مما أسفر عن مقتل المئات من الناس، وفقا للصحافة الرسمية يوم 2 فبراير عام 1982، قاد الإخوان انتفاضة مسلحة في مدينة حماة للسيطرة على المدينة وإخضاعها للحكم الإسلامي بعيداً عن سلطة الدولة، لكن الأسد سارع بإعطاء أوامر للجيش بالتحرك صوب المدينة الذي كان عدد سكانها في الثمانينات حوالي 250،000 مواطن، وخلال الاشتباكات بين الطرفين أسفر عن مقتل ما بين عشرة آلاف وثلاثين ألف شخص، وحتى الآن لم يعرف أحد العدد الرسمي لعدد المتوفين. رياض الترك المعارض السوري في عام 2006 قال : إنه بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000، وتولى ابنه بشار زاد الانفتاح السياسي قليلاً، أصدرت جماعة الإخوان بياناً ترفض العنف السياسي، وتدعو لإقامة دولة حديثة وديمقراطية، حيث صدر عفو عن العديد من السجناء السياسيين، بمن فيهم الإخوان، لكن على الرغم من وجود قيادتها في المنفى، لا تزال جماعة الإخوان تمتلك تعاطفا كبيرا بين السوريين وقتها؛ لأنهم الأكثر مصداقية عند الشعب مقارنة بمجموعة المعارضة الليبرالية والعلمانية السورية، لأنها تدعو إلى نظام سياسي ديمقراطي وتطبيق الشريعة الإسلامية، ويعتقد الترك أن جماعة الإخوان المسلمين ستكون على استعداد للمشاركة في نظام الحكم الديمقراطي. منذ أن بدأت الانتفاضة السورية في مارس 2011 مع الحركة التي يقودها الشباب، وكان عدد قليل منهم لدية انتماءات أو أيديولوجيات سياسية قديمة، وطالبت الثورة في بدايتها بشار الأسد إلى إطلاق سراح سجناء الرأي، وضمانات الحريات الديمقراطية، لكن في أغسطس 2011 وبسبب عدم استجابة الأسد لمطالب الثوار والرد عليهم بقسوة أمنية خلال التظاهرات شكل معارضون سوريون مغتربون المجلس الوطني السوري للحصول على دعم دولي للانتفاضة وأعلنوا عن سقوط الأسد رسمياً، وحصلت جماعة الإخوان المسلمين السورية على خمسة مقاعد في المجلس الوطني السوري، باعتباره مظلة المعارضة الرئيسية خارج سوريا، لكن مع تشكيل الائتلاف الوطني للثورية السورية وقوات المعارضة في نوفمبر، 2012، اتخذ المجلس الوطني السوري المقعد الخلفي للتحالف، التي لا تعترف بها بوصفها الهيئة السياسية الخارجية من المعارضين واتجهت بعض الدول إلى الاعتراف بالائتلاف الجديد الذي يقود المعارضة والجيش السوري الحر. والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً هو من سيملأ فراغ السلطة بعد سقوط الأسد؟ وللوهلة الأولى يؤكد البعض أن الإخوان قادرون على توحيد مختلف الفصائل المتمردة تحت مظلة واحدة برعاية قطر للاتفاق على القيادة الانتقالية، حيث أنها تهيمن على أكبر عدد من المقاعد في المجلس الوطني السوري وتتحكم في لجنة الإغاثة وبالتالي في توزيع الأموال. وأكد زهير سالم المتحدث باسم جماعة إخوان سوريا، أن الجماعة لديها خطط للحكم ما بعد رحيل الأسد، ونمتلك الكثير من المشروع للنهوض بالاقتصاد والحياة السياسية، ولن نسيطر على السلطة كما فعل إخوان مصر وسنلجأ إلى التعددية السياسية بمعاونة كافة شرطاء الوطن من الائتلاف السوري وجميع قوى المعارضة. بينما قال توماس بييريه الخبير في الشأن السوري: إنه على الرغم من أن الإخوان المسلمين ظهرت كقوة سياسية رئيسية منذ بدء الاضطرابات في سوريا في مارس 2011، لا يستطيع أحد أن يقول على وجه اليقين مدى شعبيتها داخل البلاد، نظراً لوجود انقسامات كثيرة ومتباينة تجاه جميع الفصائل المعارضة، لافتاً إلى وجود بعض الرهانات الدولية في سوريا للحفاظ على مصالحهم في مرحلة ما بعد الأسد، فمثلاً المملكة العربية السعودية تدعم بشكل قوي المعارضة خوفاً من صعود الإخوان في الحكم، بينما تريد تركيا وأمريكا صعود تيار يستطيع إبعاد روسيا نهائياً عن الساحة السورية حتى تستطيع أمريكا النفاذ إلى دول الجوار مثل إيران، في حين تريد موسكو صعود تيار يسير على خطى الأسد، وبالتالي فإن كلاً من روسيا والصين يحاولان عرقلة الجهود الرامية إلى وضع المزيد من الضغوط على الأسد. أياً كان مستقبل تطور التكوين السياسي في سوريا، فإنه من المرجح أن تشمل مختلف الفئات بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين ولن يكون هناك استبعاد أو تسوية مستقبلية وسيكون من الصعب جداً إن لم يكن مستحيلاً إنفراد الإخوان بالسطلة, وستواجه العديد من العقبات والمنافسين في الساحة السورية، وإلا سيكون النموذج الليبي يلوح في الأفق أمام دمشق، لوجود الكثير من العصابات المسلحة والفصائل العسكرية التي تستطيع تهديد أي نظام سياسي ينفرد بالسلطة. رغم السخط الإيراني على الدور الإخواني داخل سوريا.. إلا أن الجماعة في عام 2012، أنشأت لجنة حماية المدنية لتكون واجهة لجماعة الإخوان المكلفة بمساعدة وحدات مسلحة داخل سوريا تتواصل مع بعضها البعض ومع الجهات الراعية في الخارج، موقعها على شبكة الإنترنت يسرد العديد من الفصائل التابعة لها، موزعة على حمص ودمشق وإدلب وغيرها، ويكون الانضمام للجيش السوري الحر أو الجبهة الإسلامية لتحرير سوريا من خلال هذخ الحركة الإخوانية التي تسيطر عليها من خلال التمويل الوجيسني بالأفراد والمال، حتى أصبحت الجماعة تشارك بربع إلى ثلث كتائب الثوار المسلحة التي تعرف باسم الجيش السوري الحر، وفي نفس الوقت سعت الإخوان إلى طمأنة القادة في الدول المجاورة الأردن والعراق ولبنان وكذلك الغرب بأنهم ليس لديهم نية للسيطرة على النظام السياسي السوري في المستقبل. ووفقاً لحُسن حسن الكاتبة في صحيفة الجارديان، أن الإخوان رغم معارضة إيران لم تأت للسيطرة على المجلس الوطني السوري الذي تم تشكيله من خارج سوريا، لكن يبدو أن الإخوان أكثر شعبية بين المنفيين من السكان منذ بدء الانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري، وكشفت أن الإخوان في عام 2010 أي قبل الانتفاضة بعام وكان الحضور الإخواني ما يقرب من الصفر، كما أن الأكراد والمجموعات القبلية كانت خارج نفوذ الإخوان المسلمين إلا أن الجماعة مع بدء الثورة استطاعت توحيد الجهود لإنجاح الثورة وإسقاط الأسد، ورغم وجود نحالف إيراني مع الإخوان فإن الجماعة أعلنت عدم القتال الطائفي مع طائفة الشيعة الإثنى عشرية، ورغم أن الإخوان كانت تأمل دعم طهران بعد أن ساندت الثورة الإيرانية ضد الشاه بقيادة الخميني الذي أسس جمهورية إيران الإسلامية، إلا أن موقف الحكومة الإيرانية الداعم والمساند للأسد بقوة عسكرياً ومالياً لسحق الإخوان المسلمين والثورة الشعبية، تغيرت لهجة إخوان سوريا ووجهة نظرها تجاه إيران لتصبح أكثر عدائية وطائفية ضد الشيعة. العلاقة بين إيران كأمة وجماعة الإخوان المسلمين في سوريا كمجموعة دينية تخرج باعتبارها واحدة من التعقيدات الرئيسية في خط الجبهة السياسية العربية مع كل أزمة سياسية حيث تكون إيران مشاركة في القضية جزئياً أو كلياً بصورة مياشرة أو غير مباشرة، وهذا التعقيد هو نتيجة للحساسية الشديدة من الأنظمة العربية تجاه الجماعة وعدم الشعور بالأمن والطمأنة في التعامل معها، في هذا السياق كانت الحرب بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين التي امتدت لتشمل المملكة العربية السعودية جزء من تعقيد علاقة الإخوان بالأنظمة العربية مقابل مساندة إيرانية، كما أثارت التصريحات الصحفية لإخوان مصر وسوريا فيما يتعلق بتطوير غزو الحوثيين إلى الأراضي السعودية حجة مبالغ فيها لتوثيق العلاقات مع طهران، وحثت الإخوان الملك السعودي عبد الله لوقف الحرب ضد المتمردين الحوثيين داعياً إياه إلى زيادة جهوده للتوصل إلى صيغة تفاهم بين الجانبين اليمني والحوثي، بدلاً من دخول الإخوان إلى الحرب لمساعدة الحوثين وبالتالي دعم إيران. لكن تظل تعقيدات العلاقة بين إخوان سوريا وإيران غير مفهومة ومع اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 بقيادة الخميني من باريس، كانوا يخرجون للثورة معتبرين أنها ثورة إسلامية ضد ديكتاتورية الشاه محمد رضا بهلوي، حيث كانت وحشية نظام الشاه ضد الشعب الإيراني إلى جانب الشعارات الإسلامية التي أثارها خميني الثورة تتفق مع تلك التي يرفعها الإخوان الأمر الذي كان حافزاً للثورات الإسلامية والعربية مماثلة ضد دكتاتورية الأنظمة الحاكمة، والذين يلعبون نفس دور الفاتح ولكن تحت غطاء الوطنية، لكن تدهورت العلاقات بين ثورة الخميني والإخوان منذ أن رفع الخميني الشعارات الطائفية التي لم يتم الإعلان عنها في وقت مبكر من الثورة، واعتمد تعليمات ومذهب الجعفري ضد المذاهب الإسلامية الأخرى وخصوصا الطائفة السنية التي تمثل 20 مليون من الشعب الإيراني. أيضاً تدهورت العلاقة منذ سقوط بغداد على أيدي الاحتلال الأمريكي بدعم من إيران، وهناك بعض من الإخوان يشككون في السياسة الإيرانية تجاه القضايا الإقليمية والعربية مثل قضايا أفغانستان والعراق وبعد ذلك لبنان واليمن، صحيح أن الإخوان مصر وفلسطين أو حركة حماس لديهم علاقة حميمة مع إيران نتيجة لدعم طهران للنضال والكفاح بحق الشعب الفلسطيني ضد الغزاة الإسرائيليين، ومع ذلك، فإن الحالة على العكس مع إخوان اليمن، وسوريا ولبنان، أو في الخليج والإخوان هناك غاضبون من التدخل الإيراني في الشئون الداخلية لبلدانهم مثل الحال في العراق ولبنان، وأخيرا في اليمن وسوريا. ولذلك لم يكن غريباً على الرئيس السوري بشار الأسد أن يحتفل بسقوط إخوان مصر، حيث قال في تصريحات صحفية يوم 3 يوليو2013 إبان سقوط الرئيس الإخواني محمد مرسي، مصر استعادت الهوية العربية وعادت إلى المسار الصحيح للعروبة بعد سقوط الإخوان التي استخدمت الدين لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها، وجدير بالذكر أن الأسد يواجه تمردا في الداخل ويرفض التنحي، واصفاً الثورة بأنها مؤامرة دولية ينفذها المتطرفون الإسلاميون والجماعات الأصولية مثل إخوان سوريا، وقبل ثورة المصريين على مرسي كان قد دعا في مؤتمر نصرة سوريا بحضور مؤيديه من تيار الإسلام السياسي إلى قطع العلاقات مع دمشق وإغلاق سفارة مصر في العاصمة السورية، وهو الأمر الذي أغضب بعض المسؤولين في سوريا وإيران، وهددت طهران وقتها بكشف حقيقة هروب الإخوان من سجن وادي النطرون بمساعدة حركة حماس إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك ونظامه من الحكم. محمد فاروق طيفور زعيم الإخوان المسلمين في سوريا قال: إن إيران سعت لإقناع الحركة الإسلامية بدعم الرئيس بشار الأسد مقابل أربعة مناصب رفيعة المستوى في الحكومة السورية، وأكد أن الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي أرسل مبعوثين إلى إسطنبول أواخر أكتوبر الماضي في محاولة للتوسط في الصفقة بين الإخوان ونظام الأسد، لكن قيادات التنظيم رفضت الالتقاء بهم، نظراً لأن طهران انحازت إلى طرف السلطة ضد الشعب السوري، مؤكداً أنه عندما تتخذ إيران جانب الشعب السوري سنكون على استعداد للقاء المبعوثين والحديث معهم وفق شروطنا، وطالما ظل الموقف الإيراني في دعم الأسد فإنه لا توجد وسيلة يمكننا تلبية رغبات الإيرانيين لأنهم يساعدون في قتل شعبنا. أما د.كمال الهلباوي القيادي الإخواني المنشق فأكد، أن إيران ينبغي أن تدرك أن سياساتها لا تحظى بشعبية على نحو متزايد في العالم العربي وذلك لسببين, أولا: ظهر السلفيون الذين يعارضون بشدة إيران كقوة سياسية شيعية رئيسية في عدد من الدول العربية، ثانياً: الإجراءات التي تتخذها إيران كثفت الانقسام بين السنة والشيعة، وبالتالي ساهمت في العنف الذي ينتشر الآن من سوريا إلى العراق، وبالتالي فإن إيران تدعم سياسات المالكي للانقسام في العراق والأسد في سوريا، واستمرار هذه السياسات من المرجح أن تعزز رد فعل عنيف ضدها، وكذلك وقود المزيد من أعمال العنف في مختلف أنحاء المنطقة، موضحاً أنه من المرجح أن إخوان سوريا سيكون لاعباً مهما في مرحلة ما بعد الأسد، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت القوة التنظيمية ستجعل منها قوة رائدة وأساسية لما بعد الأسد، مؤكداً أن تحالفات المعارضة السورية الإقليمية تعتمد على نتائج اتباع النهج الأمريكي لضمان وجود قوى تريد سقوط نظام الأسد، ولكن ما دامت الولاياتالمتحدة لا تزال على الهامش، فإن إيران سوف تظل لاعباً رئيسياً في سوريا, وهذا من شأنه منع ترسيخ كتلة معادية لإيران داخل المنطقة، نظراً لأن سقوط سوريا يزيد من عزلة طهران أمام العالم. يكافح الرئيس السوري بشار الأسد في التعامل مع انتفاضة شعبية عارمة، والإخوان المسلمين في سوريا جزء أصيل من هذه الانتقاضة وتستعد للسيطرة على البلاد في حال سقوط النظام، حيث أعلن إخوان سوريا علناً عن تأييدهم للاحتجاجات الحالية لكن قادة الجماعة نفوا تماماً مسئوليتهم عن تنظيم التظاهرات، لكنها تتم عن طريق المجلس الوطني السوري المشكل حديثا، الذي وحد كل جماعات المعارضة بما فيها تيارات الإسلام الراديكالي، ولسنوات عديدة ظل نظام البعث في سوريا نبراساً للعلمانية في الشرق الأوسط كله، وهنا كان الصراع بين نظام البعث في دمشق والإسلاميين .. وكان حزب البعث الذي أُنشئ في إبريل 1947 من قبل اثنين من الشباب في المدرسة الثانوية المعلمين ميشيل عفلق, وصلاح الدين البيطار من بداية أيديولوجية القومية والعلمانية العربية أثرت بشكل رئيسي من قبل المفكرين القوميين الألمانية والفرنسية، لكن كان الواقع الإقليمي الصعب قبل 1990 أثناء حرب الخليج تحول الأسد والإسلاميين إلى حلفاء، وتوحد هؤلاء المنافسين معاً لمحاربة ما يرون أنه سيكون خطراً أعظم بكثير من أي وقت مضى بعد أن ظهرت إسرائيل والولاياتالمتحدة بعد حرب الكويت لمحاولة إعادة تقسيم الشرق الأوسط، وكلا الطرفين الأسد والإسلاميين قلقان بشأن الهيمنة الغربية على الشرق الأوسط بأكمله، ورؤية هذا تهديدا وجوديا مواجهاً ليس لأنفسهم فقط ولكن في العالم العربي كله، وحتى كامل السكان مسلمون, زادت حرب الكويت هذا الشعور بالتهديد، كما فعلت التقدم المحرز في عملية السلام العربية الإسرائيلية. اختتمت في التيار الرئيسي للحركات الإسلامية التي نضالهم مباشرا وعنيفا ضد الأنظمة العربية وتحديداً في سوريا، وقررت الإخوان وقتها تخفيض وليس التخلي عن النضال الداخلي من أجل التركيز على مواجهة تهديدات إسرائيل والغرب.. ورغم ذلك تذكرت الحركات الإسلامية أن الكفاح ضد الولاياتالمتحدة وإسرائيل لها آثار واضحة لنضالات مستقبلهم في الساحة المحلية، وعملية السلام هو نقطة الضعف في العديد من الأنظمة العربية لا سيما في مصر والأردن الذين يرون أن السلام أكبر ضمان لمواجهة المخاطر العربية، في المقابل كان يرى الغرب دوماً في سوريا أنها واحدة من العقبات الرئيسية أمام الجهود الأمريكية لإقامة نظام إقليمي جديد بسبب تعدد حلفاءها في المنطقة على مدار تاريخها مع إيران والصين وروسيا، الأمر الذي جعل واشنطن ترى أن الخلاص من هذه الدولة أحد المرتكزات الأمريكية لإقامة شرق أوسط برؤية أمريكية. ومن جانبها، بدأت دمشق في إعادة رؤية الإسلاميين على الساحة الشعبية ربما الوسيلة الوحيدة الممكنة التي يمكن من خلالها تعزيز مكانتها الإقليمية وكسب النفوذ في الدول المجاورة وتحقيق الاستقرار الداخلي لسوريا نفسها، قد يكون من وراء الحركات الإسلامية حتى تصبح دمسق قوة رائدة في المجتمعات العربية، فضلا عن منارات كبيرة من مناهضة الغرب ومعاداة الصهيونية هذا ما جعلهم حلفاءاً محتملين للأسد، ورغم ذلك ساعد بعض الإسلاميين العرب النظام السوري والحركة الإسلامية في بدء حوار وضغوط على الإسلاميين في سوريا لوقف نضالهم ضد النظام، واستغرق الجانبان خطوات للإشارة إلى استعدادها لإنهاء المواجهة بعد وقت قصير من مذبحة في حماة.. استجاب النظام مع مزيد من التسامح تجاه المشاعر الدينية في سوريا وأطلق سراح معظمهم، وشجعت الدولة بعض رجال الدين المعتدلين على خوض الانتخابات لمجلس الشعب لعام 1990، 1994، و 1998. جاء وقف العلاقات بين دمشقوطهران منذ عام 1980، إلى وجود العديد من الخلافات، أبرزها دعم طهران المتواصل للإخوان وتاليبهم ضد النظام السوري، وخلال الحرب بين العراق وإيران دعمت سوريا طهران رغم أنها دولة غير عربية، الأمر الذي أدى إلى عزل دمشق عن العالم العربي خلال مفاوضاتها مع إسرائيل في صيف 1992 وحتى 1996، حيث قاومت سوريا الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لإنهاء تحالفها الاستراتيجي مع إيران، لكن دمشق رفضت تماماً حفاظاً على عدم دعم الحكومة الإيرانية للحركات الإسلامية وعدم منحهم مبالغ مالية وأسلحة إلى الإسلاميين العرب لأن طهران لديها نفوذ كبير على هذه الحركات التي تريد الثأر الدائم والمتواصل من عائلة الأسد. على الرغم من أن دمشق أصبحت بطلة في نظر بعض الإسلاميين الأجانب، فإن علاقاتها مع إسلاميي سوريا تبقى متوترة، والواقع أن النظام يشعر بالأمان والقوة بما يكفي طالما ظل حليفاً مع طهران، ويستند كل طرف في علاقته على المصالح المتبادلة بين البعثيين والإسلاميين وكل طرف يستخدم الآخر لتعزيز أجندته السياسية في المنطقة. بعد فترة وجيزة أعلنت واشنطن أنها ستقدم الدعم العسكري للمتمردين في سوريا أو إلى الجيش السوري الحر، عقب بيان أدلى به مسئولون أمريكيون أن لديهم ثقة عالية أن نظام بشار الأسد قد استخدم الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين السوريين، بالإضافة إلى أن الجمهورية الإسلامية اتخذت قراراً عسكرياً لإرسال أربعة آلاف من قوات الحرس الثوري الإيراني للقتال إلى جانب القوات النظامية للأسد في دمشق.. ويهدف هذا الدعم إلى حد كبير قمع جماعات المعارضة السنية والتمرد، وكذلك لتعزيز دولة المستندة إلى الطائفة العلوية. دون شك، كانت جمهورية إيران الإسلامية تقدم سراً الدعم العسكري والاستخباري والمالي والأمن والمساعدة الاستشارية إلى الأسد والأجهزة له طوال العامين الماضيين منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى في مدن مختلفة من سوريا، ومع ذلك فإن الدعم العلني بإرسال أربعة آلاف مقاتل من الحرس الثوري الإيراني مدربين تدريباً عاليا والمهنية يرسل مؤشرات قوية على أن التحالف الإيراني السوري قد دخل في مرحلة جديدة ومتميزة، فضلاً عن إرسال إشارات هائلة لجماعات المعارضة السورية والثوار أن طهران لم تتوقف عن دعم الأسد بالقتال والدبابات والقناصة والمخابرات، لكن الآن هناك اثنين من الأعداء الأقوياء حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.. وهذا من شأنه التأثير على معنويات الثوار السوريين وجماعات المعارضة، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين والتيارت الإسلامية التي تستنجد بحلفاءها في الغرب لإمدادهم بالسلاح المطلوب لمواجهة القوات النظامية للأسد ومحاولة صد آلته العسكرية الجبارة، كما أن طهران تحاول أن تقود الصراع السوري على نطاق أوسع من الطائفية، لإسقاط المتمردين السوريين الذين هم من الأغلبية السنية، من أجل الحفاظ على نفوذها الشيعي والأيديولوجية في المنطقة. في المقابل تحاول الولاياتالمتحدة إعطاء المزيد من الأسلحة إلى المجلس العسكري الأعلى الذي يدير الجيش السوري الحر خوفاً من وقوع الأسلحة بين أيدي المتطرفين والإرهابيين، لكن الواقع يقول أن معظم جنود الجيش الحر من الإخوان وبعضهم يحمل وجهات نظر قريبة من جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي سوف تكون هذه البنادق والأسلحة سيتم إعطاءها لأشخاص يكرهون اليهود والمسيحيين والغرب عموماً –حسب ما أكد السيناتور جون ماكين-، وتابع في تصريحاته، أن هذه الأسلحة ستذهب إلى الإخوان ومؤيدهم من حماس التي تعادي إسرائيل والولاياتالمتحدة، وتساءل ماكين لماذا تدعم الولاياتالمتحدة إخوان سوريا ؟ الإجابة ببساطة للحيلولة دون فوز كتلة إيرانوروسيا في سوريا، على الرغم من أن الإخوان والقاعدة وحماس على نفس الجانب من العداء تجاه البيت الأبيض إلا أن واشنطن ليس لها خيار آخر، كما ترى إدارة أوباما أن جماعة الإخوان المسلمين هي أفضل الحلول التنظيمية لهزيمة تنظيم القاعدة وتلجيم المخططات الإرهابية تجاه تل أبيب، ومن هنا فإن دعم أهل السنة أهون الشرين بالمقارنة مع إيران أو الشيعة. وفي رأي خليل العناني الخبير في الحركات الإسلامية في معهد واشنطن للشرق الأوسط ، أن الإخوان قرروا التخلي عن إيران وانضموا إلى الحرب الطائفية ضد حزب الله وسوريا وإيران، رغم وجود علاقات تاريخية بين الإخوان وطهران إلا أن الأخيرة بسبب دورها العسكري المتنامي في دعم الأسد مالياً وعسكرياً داخل دمشق، فإن إخوان سوريا قررت رفع أيديها عن هذا التخالف وقررت القتال ضد مقاتلي إيران ولبنان من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، بعد أن تحول الأمر إلى حرب طائفية ومذهبية بين السنة والشيعة، موضحاً أنه أثناء بدء التظاهرات في سوريا عام 2011 لجأت طهران إلى استدرار عطف الإخوان لمساندة الأسد في حربه ضد المتمردين، لكن الجماعة قررت البقاء بعيداً عن آل من الطرفين المعارضة والسلطة حتى رأت أن طهران وحزب الله حولت الثورة الشعبية إلى أزمة طائفية وقررت قتال أهل السنة فقط، من هنا بدأت الإخوان في تدارك خطورة الأزمة سريعاً ولجأت إلى القتال مع المعارضة والجيش الحر، لافتاً إلى أن الجماعات المسلحة المنشقة مدعومة على نطاق واسع من قبل السعودية حليفة الولاياتالمتحدة، جنباً إلى جنب مع إسلاميين متطرفين سنة، بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة، في محاولة دولية لإيجاد توازن في القوى العسكرية بين النظام والمعارضة.