تمثّل العلاقة بين الإخوان المسلمين كتيار وإيران كدولة واحدة من الإشكاليات التي تبرز لسطح المشهد السياسي العربي بقوة مع كل أزمة سياسية تظهر هنا أو هناك ويكون أحد أطرافها ولو بطريقة غير مباشرة إيران وطرفها الآخر أي دولة عربية، نتيجة للحساسية المفرطة لدى الأنظمة العربية تجاه الإخوان من جهة، فضلًا عن الحسّ الأمني في تعاملهم مع هذه الجماعة من جهةٍ أخرى. في هذا السياق تأتي حروب التمرد الحوثية ضد الحكومة اليمنية وأخيرًا توسع رقعة هذه الحرب بدخول المملكة العربية السعودية كطرف، ومن ثَم إيران تباعًا، ليأتي الحديث عن العلاقة الإخوانية الإيرانية محملًا بكثير من التكهنات والملابسات التي تبتعد كثيرًا عن فهم طبيعة هذه العلاقة وتعقيداتها. فقد أدى البيانان الصادران عن جماعة الإخوان المسلمين في كل من مصر وسوريا مؤخرًا -بخصوص تطورات التمرد الحوثي بجرّ السعودية كطرف في هذه المعركة- إلى وضع قضية العلاقة الإخوانية مع إيران محورًا للنقاش والأخذ والرد الذي لا أكون متحاملًا إذا ما وصفته بعدم الموضوعية والتهويل حول حقيقة هذه العلاقة. ففي البيان الأول الذي صدر عن التنظيم الإخواني المصري حيال تطورات هذه الأحداث بدخول المملكة العربية السعودية في هذه الحرب كطرف، حيث ناشد البيان الملك عبد الله بن عبد العزيز بإيقاف الحرب ضد الحوثيين فورًا، داعيًا الملك للعمل على تعزيز جهوده للمصالحة بين الأطراف المعنيَّة بالصراع وهم الحوثيون والحكومة اليمنية. وهذا البيان ربما قد فُهم من قِبل البعض، على أنه يأتي من قبيل تعزيز موقف الحوثيين في هذه الحرب، ومن ثَم الموقف الإيراني، وخدمة لتوجهاته في هذه الأزمة، على العكس من بيان الإخوان السوريين، الذي حمّل الحوثيين تبعات هذه الحرب، التي يديرونها بحسب البيان بالنيابة عن أطراف إقليمية -لم يسمِّها- تسعى من أجل تحقيق مشروعها التوسعي في المنطقة، وهو ما يشير ضمنًا باتجاه إيران. ولعلَّنا من خلال هذين البيانين المتناقضين يمكننا أن ندرك حجم التباين القائم بين فصائل الحالة الإخوانية في علاقتها مع طهران، بل إشكالية هذه العلاقة التي يكتنفها كثير من الغموض لدى البعض وعدم الفهم لدى البعض الآخر، خاصةً أولئك الذين ينظرون بتوجس تجاه التيار الإخواني مدفوعين بنظرة جاهزة وتوصيف مسبق للإخوان من قِبل بعض الأنظمة التي تعيش صراعًا سياسيًّا مريرًا معهم ورثته عن أنظمة سبقتها من قبل. علاقة تاريخية فبالنسبة لجماعة الإخوان المصرية والتي تعدّ تاريخيًّا بمثابة التنظيم الأم للإخوان المسلمين في العالم لأسبقية التأسيس مصريًّا وانتماء المؤسسين لهذا البلد مما ينعكس عليه من نظرة مركزية لدى بعض المراقبين للحالة الإخوانية باعتبار أن إخوان مصر هم الإخوان وهم المتحدث الرسمي باسم الجماعة في العالم ولعل هذا الانطباع -الخطأ- لدى البعض يعززه في نظرهم أيضًا ما يُقال ويتردد عن قصة ما عرف بالتنظيم الدولي والذي يمسك إخوان مصر برأس القيادة فيه. إلا أن المراقب لطبيعة العلاقة الإخوانية الإيرانية منذ بداياتها المبكرة يدرك جيدًا أن هذه العلاقة لا تخرج عن مضمون الشعار الإخواني الجذاب الذي نادوا به مبكرًا متمثلًا بالدعوة إلى "الوحدة الإسلامية" في طريق استعادة أمجاد الأمة وحضارتها ومن ثم العمل على استعادة الخلافة الإسلامية الراشدة كما تتبنى بعض أدبيات الإخوان -في اللاشعور الجمعي للتيار- على اعتبار أنه لا يمكن تحقيق هذه الوحدة ما لم يتم تخطي ما عُرف بالخلاف العقائدي بين السنة والشيعة، ذلك الخلاف الذي سعى الإخوان إلى ردم الفجوة بين طرفيه من خلال ما عُرف بالدعوة إلى التقريب بين المذاهب. ومن هنا لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي بُذلت من قبل كبار أعلام هذه الحركة في سبيل التقريب بين السنة والشيعة على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين ابتداء من الأستاذ البنا وسيد قطب والغزالي وأخيرًا وليس آخرًا الشيخ يوسف القرضاوي، تلك الجهود التقريبية التي ربما أثمرت ما يعرف بالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يترأسه هذا الأخير. لكن بالنسبة للعلاقة التاريخية بين إيران والإخوان المصريين تحديدًا فقد بدأت مبكرًا من خلال المفكر والداعية الشاب الإيراني نواب صفوي (1924- 1955م) الذي أسس ما عرف إيرانيًّا "بجماعة فدائيان إسلام Devotees Society of Islam تلك الجماعة الإيرانية التي تعتبر تنظيميًّا وحركيًّا محاكاة حرفية للحركات التنظيمية السنية على غرار جماعة الإخوان المسلمين، والتي ربما تطورت لاحقًا في الجانب الشيعي في تجربة حزب الدعوة العراقي الشيعي، الذي يحاكي تنظيميًّا طريقة الإخوان التنظيمية. أما بالنسبة لنواب صفوي فقد تلقى دعوة من سيد قطب لزيارة مصر فزار على إثرها صفوي كلًّا من مصر والأردن، وخلال هذه الزيارة التقى صفوي مع عدد من أعلام ومفكري الحركة الإسلامية في مصر والأردن وعاد على إثرها متأثرًا بالفكر التنظيمي للإخوان مما انعكس من خلال قيامه بتنظيم المهرجانات وجمع التبرعات لصالح العمل الجهادي في فلسطين التي لم تكن تلقى أي اهتمام يُذكر في المجتمع والدولة الإيرانية قبل زيارة صفوي لمصر والشام. تكللت هذه العلاقة بين تنظيم صفوي والإخوان بوقوف الإخوان إلى جانب صفوي في محنته ضد دكتاتورية شاه إيران الذي عمل ربما بإيعاز غربي على تحجيم هذه الحركة وتوجهاتها لدعم القضية الفلسطينية وربطها بالأمة كقضية مصيرية لا تخصّ العرب والفلسطينيين وحدهم، بقدر ما تهم الأمة الإسلامية كلها سنةً وشيعة. الإخوان والثورة الإيرانية مع انطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م بقيادة الخميني من باريس أيّد الإخوان المسلمون هذه الثورة باعتبارها ثورةً إسلامية ضد جبروت الشاه محمد رضا بلهوي ذلك المستبد والدكتاتور الذي سام الشعب الإيراني صنوف الاستبداد والظلم والقهر. ولم يكن تأييد الإخوان للثورة الخمينية الإسلامية ينطلق من أي دافع غير دافع الوقوف بجانب المظلومين ضد الظالمين والمستبدين، لا أقل ولا أكثر، فضلًا عن الشعارات الإسلامية التي رفعتها ثورة الخميني وقاربت ما يرفعه الإخوان ويسعون من أجل تحقيقها على أرض الواقع في سبيل استعادة مجد الأمة وحضارتها وعزّتها. ومن هذا المنطلق أرسل الإخوان وفدًا كبيرًا إلى طهران عقب الثورة لتهنئة الخميني والشعب الإيراني بهذه الثورة الإسلامية التي رأى فيها الإخوان نواة لثورات إسلامية عارمة ستعمّ العالم الإسلامي وتحرّره من أسر الاستبداد العسكري الوطني الجاثم على صدر شعوب العالم الإسلامي نيابة عن المستعمر الراحل. تطور العلاقة بين الإخوان وإيران للأسف كانت عكسية، بفعل الشعارات الطائفية التي تبنتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي أبعدت الثورة الإسلامية عن أهدافها التي كانت تنادي بها من قبلُ، لتتحول إلى أهداف طائفية ضيقة تمثلت في تبني الدولة والثورة للمذهب الجعفري مذهبًا رسميًّا لها، فضلًا عن تلك الأعمال والممارسات الإقصائية في حقّ أبناء الطوائف والمذاهب الإسلامية الأخرى والذين يأتي على رأسهم السنة في إيران الذين يتجاوز أعدادهم عشرين مليون نسمة لا يتمتعون بأي حقوق تُذكر، وليس من شيء أدل على ذلك أكثر من المصير الذي واجهه الداعية الإيراني السني أحمد مفتي زاده. إيران والإخوان اليوم المتابع لسير العلاقة بين الإخوان المسلمين وإيران، على امتداد الفترة ما بعد سقوط بغداد وحتى اليوم، يلاحظ أن هذه العلاقة ليست على ما يرام بين إيران وجميع فصائل التيار الإخواني، فهناك من الإخوان من لا تربطهم أي علاقة بإيران، بل ويبدون كثيرًا من التوجس والريبة من السياسة الإيرانية تجاه بعض قضايا المنطقة العربية والإسلامية، كما هو الوضع في العراق وأفغانستان ولاحقًا اليمن ولبنان. صحيح أن علاقة بعض التنظيمات الإخوانية كإخوان مصر وحماس الفلسطينية يسودها نوع من الودّ والتطور المستمرّ كنتيجة طبيعية للمواقف الإيرانية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، ووقوف إيران بكل ثقلها السياسي إلى جانب حركة حماس الفلسطينية الإخوانية في معركة غزة الأخيرة. إلا أننا نجد العكس تمامًا في علاقة طهران بإخوان لبنان أو اليمن أو العراق أو الخليج مثلًا، فهي لا تتمتع بأي علاقة جيدة مع أي من هذه الفصائل الإخوانية بل على العكس من ذلك، هناك ازدراء إخواني كبير للتدخل الإيراني في الشئون الداخلية لهذه الدول العربية من العراق ولبنان وحتى اليمن مؤخرًا. ومن ثَم فليس الإخوان مجرد "شيعة السياسة" الإيرانية في بلدانهم كما يحب البعض أن يصورهم؛ فسياسة الإخوان واضحةٌ في هذا الصعيد فمع إيران حينما تقتضى المصلحة العامة للمنطقة والأمة الإسلامية جمعاء، وضدها حينما تتهدد هذه المصلحة من قبل أي كان، وهذا هو الموقف الذي يجب أن يظل الإخوان متمسكين به. محددات العلاقة الإخوانية بطهران ما يربط الإخوان بإيران من علاقة، لا يخرج عن مضمون العداء الإخواني للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، والذي تقف إيران ظاهريًّا في وجهِه، في حين تنبطح أنظمة عربية كبيرة وتتماشى مع سياسة هذا المشروع، وليس أدل على ذلك ما حدث في معركة غزة وحصارها وحرب 2006 الإسرائيلية ضد حزب الله اللبناني عدا عن تسليم العراق على صحن من ذهب للمشروع الإيراني من قِبل الحليف الأمريكي الاستراتيجي لأنظمة الاعتدال العربي. الموقف الإيراني المناهض للمشروع الصهيوأمريكي هو مشروع قومي ومقابل هذا المشروع وجد فراغًا تشهده المنطقة العربية نتيجة لغياب مشروع عربي سني واضح تتبناه أي من الدول العربية المركزية سواء المملكة العربية السعودية أو مصر، مما حدا بحركات المقاومة أن تبحث لها عن سند لمقاومتها ومشروعها المقاوم فلم تجد أمامها سوى طهران الشيعية، حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان هما أنموذج ذلك. يشكك البعض بهذا الموقف الإيراني كالكاتب والباحث الأردني محمد أبو رمان الذي يقول: "فوفقًا للمصلحة القومية الإيرانية، يتم تحديد أجندة طهران وسياساتها في المنطقة، أمّا قصة العداء لأمريكا وإسرائيل، التي يتمسك بها "الإخوان"، فلا تمثّل أكثر من دعاية سياسية لكسب الرأي العام العربي والإسلامي ولتجميل أخلاقي للسياسة الخارجية، كما هو الحال في قصة حقوق الإنسان والديمقراطية على أجندة السياسة الخارجية الأمريكيَّة. صحيح أن إيران من وجهة نظر المراقب العادي تبدي مواقف متناقضة ومتعارضة مع بعضها البعض من حيث إنها مع المشروع المقاوِم في فلسطين وضد هذا المشروع في العراق، إلا أن كل هذا بحسب أبو رمان يعد إيرانيًّا منسجمًا تمامًا مع المشروع القومي الإيراني، وبالتالي فإن الإخوان يؤيدون إيران تجاه سياستها الخارجية مع إسرائيل وأمريكا وهذا موقف جيد من الإخوان، إلا أن الإخوان بحاجة أيضًا إلى الحذر وعدم الانجرار مع السياسة الإيرانية على طول الخط، لأن إيران لها مشروع توسعي مغلّف بهذه السياسة المناهضة للغرب وسياساته في المنطقة، لكنها تكن هي الأخرى نفس النظرة نحو هذه المنطقة لتكون مجرد منطقة نفوذ وهيمنة لها تفرض فيها من الشروط ما تريد. ولذا فإن على الإخوان أن يعيدوا رسمًا دقيقًا لتوجهاتهم وسياساتهم هذه تجاه إيران والتعامل معها بحذرٍ شديدٍ لكي لا يستخدَموا كمجرد بيادق في يد طهران لتحقيق مشروعها في المنطقة، في الوقت الذي يجب أن يظلوا حذرِين من الوقوع تحت المشروع الصهيوأمريكي الذي أراد رامسفيلد من خلال ما أعلنه من "حرب الأفكار" للسيطرة على المنطقة من خلال ضرب السنة بالشيعة والعكس تمامًا. فالمفرطون في عداوة إيران، لا شك واقعون كبيادق في يدِ أصحاب المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة والمفرطون في صداقتهم لإيران واقعون ومستخدمون كبيادق أيضًا من قِبل المشروع الإيراني في المنطقة، وبالتالي فإن التعامل الحذِر القائم على الرؤية الاستراتيجية الواضحة تجاه ما يجري في المنطقة سيجنِّب أصحابه الكثير من الإخفاقات المتكررة. فتكرار الوقوع في نفس الخطأ مرتين كارثةٌ مدمرةٌ للمنطقة -هي في غنًى عنها أصلًا- وما تجربة الحرب العراقية الإيرانية التي لم تخدمْ سوى مصالح إسرائيل وأمريكا في المنطقة عنا ببعيد، ولن تؤدي أي حرب -لا سمح الله قادمة- يُراد لها أن ترتدي من الطائفية شعارًا لها، إلا لمزيد من التشظي والانقسام للبِنَى الاجتماعية والمذهبية للمجتمعات العربية ويصبح الجميع مجرد بيادق مستخدَمة في لعبة حرب الأفكار الأمريكية في المنطقة. المصدر: الإسلام اليوم