اختلف خبراء القانون والدستور حول الإعلان الدستوري الذي أصدره المستشار "عدلي منصور" الرئيس الانتقالي للبلاد،والذي ينص على حق الرئيس المؤقت إصدار إعلان دستوري يمنحه ممارسة سلطة التشريع, وإصدار التشريعات بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، وحقه في إعلان حالة الطوارئ بعد موافقة الحكومة أيضاً ، وتشكيل لجنة لتعديل مواد الدستور المعطل لعام 2012 ، وإجراء الانتخابات البرلمانية, ويليها الرئاسية خلال فترة 6 أشهر من بعد غد؛ لتنتهي الفترة الانتقالية. وانقسمت الاراء السياسية بين تأييد القضاة لهذا الإعلان الذي اعتبروه متواناً وتأكيداً على الحق في احترام سيادة القانون والقضاء الشامخ ، ومحاولة جادة للخروج من النفق المظلم الذي تمر به مصر الآن ..بينما أعضاء هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية وصفوه بالممالأة الحزبية للتيار السلفي, الذي يحاول أن يكرس لحكم جماعة الإخوان المسلمين, في السيطرة على مقاليد الأمور, التي تبدأ من وضع الدستور الحزبي بعد إقصاء الرئيس المؤقت للجنة القانونية المنافشة لهذا الدستور الباطل دستورياً. المستشار "محمد عصمت يونس" رئيس نادي قضاة بني سويف ، أكد أن الإعلان الدستوري جاء مناسباً وحاسماً في مواجهة المرحلة الانتقالية الحالية, التي يغلب عليها الطابع الانقسامي الحاد نتيجة المصارعات السياسية والحزبية حول الأحداث التي مرت بها مصر خلال الفترة الأخيرة، وبالتالي يعد اللجوء لمثل هذا الإعلان الدستوري أمراً بالغ الأهمية على الانتهاء السلمي للمرحلة الانتقالية،وإن كانت هناك عدة ملاحظات تؤخد على هذا الإعلان, وهي أنه كان يجب أن يعتبر دستور 2012 باطلاً من بدايته شكلاً وموضوعًا؛ بسبب بطلان الجمعية التأسيسية، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية، حيث لا يمكن تصحيح الدستور، ولم تكن هناك آلية قضائية لإبطاله، وخلال وضع الدستور صرحت أن الثورة هي الحل الوحيد. وأضاف المستشار "يونس "،أنه كان يجب أن يكون لرئيس الدولة الحق في اختيار نائب له أو أكثر،إضافة إلى أن المادة الخاصة بالشريعة الإسلامية متفق عليها من الكل، ولكن التفصيل الذي ورد فيها كان محل نقاش، حيث أن اشتراط أن يكون فقه أهل السنة والجماعة لم يكن له داعٍ لأننا سبق وطالبنا بعدم حصر المذاهب. واتفق معه في الرأى د."أحمد رفعت" العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة القاهرة ، فقال : إن الإعلان الدستوري حدد المبادئ الأساسية لإدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية،بصورة لا يمكن الاختلاف عليها،كما أنه حدد خارطة الطريق بشكل واضح وموضوعي بعد أن تتضمن هذا الإعلان السرعة في وضع مشروع جديد للدستور ووضع لجنة مكونة من عدد من الخبراء الدستوريين وذلك خلال خمسة عشر يومًا من إقرار هذا الإعلان، مؤكداً أن هذا الإعلان يتفادى المشاكل التي نتجت عن إدارة أمور البلاد خلال الفترة الانتقالية السابقة عقب ثورة 25 يناير، وما تسبب فيه الإعلان الدستوري السابق الذي أصدره المجلس العسكري في مارس 2011. وأوضح المستشار "سامح السروجي" عضو مجلس إدارة نادي القضاة،أن الإعلان الجديد ملائم للفترة الانتقالية والأهداف التي سيتم تنفيذها من قبل مؤسسة الرئاسة, التي تعبر في النهاية عن مطالب كافة القوى السياسية والحزبية بما فيهم الثوار والمتظاهرين الذين خرجوا في تظاهرات 30يونيو 2013 لإسقاط الرئيس وإعادة انتخابات رئاسية مبكرة, مع تعديل الدستور القادم أو إلغائه إن تتطلب الأمر لذلك ، وبالتالي أكد الإعلان على ضرورة تشكيل لجنة من القضاة والفقهاء الدستوريين لتعديل مواد الدستور ،وإعادة عرضه مرة اخرى للاستفتاء الشعبي وحال الموافقة عليه،يتم إجراء الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب الجديد،ثم يليها مباشرة الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة خلال خمسة عشر يوماً، لافتاً إلى أن تحديد الفترة الزمينة لعمل هذا الإعلان وانتهاءه من خلال ستة أشهر على الأكثر؛ حرصاً منه علي تلبية حاجة المواطن المصري وضمان حريته وحقوقه السياسية والاجتماعية من عدم تكرار السيناريوهات السابقة للأنظمة الفاشية . وقال "محمد بهاء أبو شقة" أستاذ القانون الدستوري،أن الإعلان الدستوري الجديد جاء مناسبًا للمرحلة الحرجة التي تشهدها مصر وسط حالة من التناحر والصراع والانقسام السياسي وبالتالي تعد مجموعة الإجراءات التي أصدرها الإعلان بشأن التشريعات المحدودة لإنقاذ الدولة من خلال قانون التظاهر بإخطار مسبق ،و"قانون الحريات" الذى تشابه مع الإعلان الدستوري للرئيس السابق مرسي "خطوة إيجابية غير مسبوقة يطمح الجميع للوصول إليها ،موضجاً أن المادة 32 من الإعلان جاءت مختصرة غير شاملة؛ نظراً لضيق الوقت ومحاولة استغلاله في الانتهاء من وضع الدستور والسعي نحو تطبيق خارطة الطريق الحاسمة؛ لكشف حقيقة المشهد الغامض . وفي سياق متصل؛ طالب د."شوقي السيد" الفقيه الدستوري، اللجنة التي تتولى مهام وضع الدستور وتعديله بالرجوع لدساتير مصر السابقة, والمقارنة بينها للوصول إلى دستور موضوعي يضمن تحقيق الديمقراطية والحريات وكرامة المواطن المصري التي أُهدرت كثيراً في ظل الدستور المعطل؛ لانحيازه لفصيل سياسي معين, وفتح أبواب عمل للشيطان مثل السماح للأحزاب الدينية بمحاربة العمل السياسي والزج بالدين في السياسية بصورة تضر بالأديان السماوية،مشدداً على دراسة الدستور بدقة وموضوعية شديدة, بعيدًا عن التحزب والتعصب المتطرف الذي يضر بالحياة السياسية في مصر؛ لافتاً لوجود نصوص في الدستور المعطل ليست تشريعاً,وإنما تم تفعيلها لتحقيق أغراض لهذا الفصيل السياسي من أجل الهيمنة على الدستور الذي تم وضعه رغم بطلان الجمعية التأسيسية التي وضعته،ولذلك لا يجب أن تتخذ وثيقة الدستور المعطل أساساً للتعديل حتي لا ندخل في مشكلات جديدة أكثر تأزماً في ظل المرحلة الانتقالية التي تتسم حتى الآن بالغموض, وعدم الشفافية لحين وضع الدستور الجديد ،نظراً لوجود مواد في المواد الانتقالية في الدستور المعطل والتي تطالب بتطبيق العزل السياسي على بعض قيادات الحزب الوطني السابق دون تحقيق أو مساءلة أو صدور حكم قضائي بإدانتهم في قضايا فساد،وهو ما أكدت المحكمة الدستورية العليا على عدم دستوريته. ويرى الفقيه الدستوري "محمد نور فرحات"،أن الإعلان الدستوري الجديد يحمل بداخله عوامل الممالأة لحزب النور السلفي, دون الأخذ في الاعتبار أهداف ومطالب المصريين, بداية من ثورة 25يناير 2011 وحتى تظاهرات 30يونيو2013 في ظل إحداث تغييرات دستورية مستقبلية تلاءم الحياة السياسية الجديدة من ديمقراطية وحقوق وحريات مكفولة لكل المصريين, دون التحيز لفصيل دون آخر،وذلك بوضع دستور يتضمن مجموعة من المبادئ الأساسية عند صياغته منها نظام المجلس النيابي وإلغاء مجلس الشورى عديم الجدوى ،والربط بقوة بين مبدأ تولي السلطة العامة والقابلية للمحاسبة, مع وضع آلية لمحاسبة رئيس الجمهورية عن أخطائه السياسية أو حنثه لليمين الدستورية أو سوء إدارته لشئون البلاد؛ حتى لا يتكرر السيناريو الذي عانى منه المصريون سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, وعلى الناحية الأمينة وعدم الاستقرار أيضاً . وحول تعريف مبادئ الشريعة الإسلامية الذي قام التيار الإسلامي بوضعه قال :" إن تعريف مبادئ الشريعة الإسلامية ومايحتمله من تأويل, جعل سلطة التشريع في يد رئيس الجمهورية وضعت الرئاسة المؤقتة في مأزق وهو الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية،وإن كان من الأفضل أن يتم اختيار لجنة تشريعية تتولى مهام التشريع وإجراءات التعديلات الجديدة على دستور 2012المعطل . ومن جانبها أوضحت المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق ،أن الإعلان الدستوري الجديد يعد تأكيداً على سقوط النظام السابق من حكم وهمينة جماعة الإخوان المسلمين، وسقوط الأنظمة يقترن بسقوط الدساتير القديمة؛ لصياغة دستورجديد يتوافق عليه الشعب بجميع أطيافه، وبالتالي يسقط الدستور الذي وُضع مؤخراً وبطلانه قانونياً ولايجوز تعديله على الإطلاق، مشيرةً إلى أن الجدول الزمني الذي تم وضعه من قبل المستشار عدلي منصور القائم بمهام رئيس الجمهورية المؤقت لإدارة المرحلة الإنتقالية, جاء إيجابيًا متفادياً لجميع الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الرئيس السابق محمد مرسي في حق القانون والمحكمة الدستورية العليا التي منحت الاستقلال الكامل، بالإضافة إلى إلغاء الرقابة السابقة، واكتفت بالرقابة اللاحقة فقط،مطالبة بوجود ظهير دستوري لكل منصب في الدولة لضمان حماية منصب الرئيس واحتواءه في إطار قانوني يحفظ الأدوار والمهام بين السلطات الثلاثة بالدولة سواء السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية أيضاً .