رغم إشادة "فيكتوريا نولاند" المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، بالرئيس "محمد مرسي" لاتخاذه بعض خطوات في طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي، التي تعهد بها لوزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" أثناء زيارته إلى مصر مؤخرًا، الأمر الذي دفع الأخير بالموافقة على صرف مبلغ 250 مليون دولار مساعدات اقتصادية لمصر، إلا أن أحداث "المقطم" والاشتباكات المؤسفة التي وقعت أمام مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ألاسبوع المنصرم بين مؤيدي ومعارضي الرئيس، دفعت البورصة والاقتصاد المصري إلى التهاوي مجددًا، فضلًا عن تخفيض مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني تصنيف مصر إلى مستوى "سي 1"، الأمر الذي يعني مخاطر فقدان مصر لقدرتها على سداد ديونها السيادية، كما أوصت الوكالة في تقريرها عدم قدرة الحكومة المصرية في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، لعدم التنبؤ بالسياسات الاقتصادية والمالية بسبب التوترات السياسية الحادثة، وأرجع مراقبون اقتصاديون هذا التراجع الرهيب الذي يعصف بالاقتصاد المصري إلى حالة الانفلات السياسي والأمني، الأمر الذي قد يهدد الحصول على قرض صندوق النقد الدولي بسبب استمرار انخفاض التصنيف الائتماني لمصر، وصعوبة السداد التي ستواجه الحكومة، واستمرار انخفاض العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية. د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد السياسي قال: إن سوء إدارة الحكومة الحالية للملف الاقتصادي وغياب أي حماية للمستثمرين الجادين في البورصة أو المشروعات الاستثمارية، بل استهداف بعضهم قضائيًا والتحفظ على أموالهم لأسباب غامضة، سيؤدي في النهاية إلى وجود خلافات سياسية كبيرة مع الدول العربية إذا كانت مصر لا تمتلك مستندات الإدانة، بالإضافة إلى قطاع الاقتصاد معرض لانهيار الاحتياطي النقدي المتبقي، بسبب الأحداث السياسية المؤسفة التي تمر بها البلاد، وآخرها ما حدث من اشتباكات أمام المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، لافتًا إلى أن زيادة عجز الموازنة والتظاهرات عاملان رئيسان لتشويه سمعة الاقتصاد الوطني ويؤثران على القدرة التفاوضية في الحصول على أي قروض خارجية، بما ينعكس بالسلب على أداء مؤشرات البورصة، ومن ثم تكون مبيعات العرب والأجانب هي الأنسب للحفاظ على أموالهم ويفقد السوق المصري هيبته الربحية، موضحًا أن الانفلات السياسي وتزايد العنف وكثرة الاحتجاجات وانخفاض التصنيف الائتماني يهددان طلب مصر في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي لوجود مخاوف دولية وصعوبة اقتصادية ستواجه البلاد في السداد. ومن جانبه أوضح عمرو حسنين خبير التصنيف الائتماني، أن أحداث "المقطم" جريمة ممنهجة متعددة الأطراف السياسية، ولكن من الناحية الاقتصادية ستصيب الملف من مصاعب إدارة الملف الاقتصادي للبلاد من قبل الحكومة الحالية، لافتًا إلى أن تخفيض التصنيف مجددًا، والاشتباكات السياسية الدائرة، وعدم الاستقرار الأمني يعني ارتفاع تكلفة الاستدانة بالنسبة لمصر في الوقت الحالي، الأمر الذي يهدد بتجميد طرح الصكوك لما بعد "يونيه" القادم، وهو ميعاد طرح أول صك في الأسواق، نظرًا لأن الحكومة ستواجه صعوبات في جذب الأموال، موضحًا أن مصر أصبحت متقاربة اقتصاديًا مع "باكستان، كوبا، الإكوادور"، بينما لا تزال "قبرص" أقل من مصر بدرجتين، و"اليونان" بثلاث درجات، ومن المتوقع أن تشهد السندات المصرية انخفاضًا أكثر إذا استمرت الصراعات السياسية والاشتباكات دائرة في البلاد، دون وجود قرار أو مسئول ينهي الأزمة السياسية الدائرة، ولا عجب في أن نقول: إن مصر مقبلة على شبح الإفلاس وانهيار العملة. بينما طالب د. هاني سري الدين، رئيس هيئة سوق المال الأسبق، بوضع خطة سياسية لمواجهة غضب الجماهير الثائرة على النظام الإخواني الحاكم، الذي فشل سياسيًا واقتصاديًا في إدارة البلاد واكتفى بالعناد والمماطلة أمام مطالب قوى المعارضة وعلى رأسها إقالة الحكومة، مؤكدًا على ضرورة وضع حلول وبدائل مناسبة لعدم التوسع في الاقتراض المحلي أو الخارجي، لوضع حد أمام نزيف العجز المتفاقم في ميزان المدفوعات؛ نظرًا لأن استمراره بهذا الشكل المتراجع يؤدى إلى تآكل الاحتياطي النقدي ووصوله إلى حدود غير آمنة، وطبقًا لما صدر عن البنك المركزي فإن الاحتياطي يكفي لمواجهة احتياجات الشعب من السلع الأساسية الغذائية لمدة 3 أشهر فقط، لافتًا إلى أن المناخ السياسي العام غير مهيأ لجذب أية استثمارات عربية أو أجنبية، حتى مع كثرة سفريات الرئيس "مرسي" الخارجية وآخرها "الهند وباكستان"، ورغم توقيع اتفاقيات استثمارية مع هذه الدول إلا أن تدهور الوضع السياسي وانهيار المنظومة الاقتصادية وعدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات فورية تهدئ من احتقان الشارع المصري يجعلها عديمة النفع على المواطنين أو البلاد. وبدوره يرى د. صفوت حميدة أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن ما يحدث في البلاد سياسيًا وأمنيًا يقللان من فرص الاستثمار الداخلي في البلاد، ورغم تخفيض التصنيف الائتماني لمصر مؤخرًا إلا أنها قادرة على الالتزام بسداد ديونها الخارجية تجاه الجهات أو الدول الدائنة، وفي حالة عجزها عن سداد أقساط الديون في مواعيدها المحددة فإنه يتم إشهار إفلاسها، متوقعًا حدوث ذلك بسبب كثرة الإضرابات السياسية والأحداث الدموية التي ترهب المستثمر من ضخ أمواله في السوق المصري، فضلًا عن احتياج البلاد إلى استعادة المستثمرين الأجانب لتخفيف الضغط المالي على البنوك المحلية، مع ضرورة اتخاذ عدد من القرارات والإجراءات التحفيزية والتنشيطية للاستثمار أكثر فاعلية وتأثيرًا على المدى القصير لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مؤكدًا أن الوضع السياسي المرتبك ساهم في انخفاض أسهم البورصة وتآكل الاحتياطي النقدي الذي استقر عند 12.5 مليار دولار، رغم أنه يعتبر بمثابة خط الدفاع الأول عن عملة الدولة، كما أن انخفاضه ساهم بشكل أساسي في خفض قيمة "الجنيه المصري" أمام العملات الأجنبية يتطلب من القائمين على إدارة البلاد اتخاذ مزيد من إجراءات التقشف. وفي السياق ذاته أكد د. أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن الملف الاقتصادي ليس على قائمة أولويات الحكومة الحالية ولم يعد ضمن اهتمامات وزارتي المالية والتجارة، واعتقاد الرئيس وحكومته بأن الحصول على قرض الصندوق الدولي سيحل أزمات البلاد الاقتصادية "واهمون"، نظرًا لتوقف مساعدات دول الاتحاد الأوروبي وتخفيض التصنيف الائتماني، ولن يقدم القرض حلًا شاملًا للمطالب الفئوية أو مشاكل مصر الاقتصادية، ولكن من شأنه أن يسهم نسبيًا في استقرار احتياطي العملات الأجنبية وإعادة ثقة القدرة الشرائية في العملة المحلية أمام نظيرتها الأجنبية، موضحًا أن قرض صندوق النقد ضرورة في الوقت الحالي؛ لأنه الحل الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية، وسيفتح أبواب الدول والمستثمرين المغلقة لتدفق الاستثمار والمنح الدولية، كما أن القرض الدولي بشروطه المجحفة أفضل من منح وقروض "قطر" صاحبة الشروط السرية، لافتًا إلى أن استمرار الصراع السياسي من الأسباب الرئيسة وراء تراجع التصنيف الائتماني، وما حدث من بعض القوى الثورية أمام مكتب الإرشاد بالمقطم وغيرها من الأحداث السابقة سيجر البلاد إلى مزيد من الركود الاقتصادي والاشتعال السياسي، نظرًا إلى اتباع الحكومة الحالية لسياسة "المماطلة" لحين إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتفكير القائمين بهذا المنطق يؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار تفوق ما تشهده البلاد في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار تراجع الاحتياطي وزيادة عجز الموازنة العامة واقترابه من 200 مليار جنيه. في المقابل دعت كاثرين أشتون المنسقة العليا للسياسة الخارجية والأمينة بالاتحاد الأوروبي، الكتلة الأوروبية لدعم جهود التحول الديمقراطي في مصر، ومحاولة إيجاد صيغة تفاهم بين الحكومة والمعارضة المتمثلة في "جبهة الإنقاذ الوطني"، وأضافت دول أوروبا ندرك تبعات الانهيار الاقتصادي المصري الذي قد يكون مدمرًا على "القاهرة" وعلى المصالح المشتركة بين الجانبين، ولا يمكن لأوروبا أن تسمح أو تتحمل حدوث هذا الكابوس المزعج.