" ساءت أحوال الصحافة والاعلام بعد الثورة " .. الاتهامات التى كان يوجهها النظام السابق للصحفيين والاعلاميين تلاحقهم مع النظام الجديد ، ربما يتعلق الأمر برفض العقل المصرى لفكرة النقد أو الرأى الآخر.. وربما يتعلق أيضا بفكر الأنظمة التى ترى أن الصحافة هى إحدى أدواتها فى الحكم ، وربما يتعلق الأمر أخيرا بأخطاء مهنية يمارسها البعض. ومؤخرا تعرضت الصحافة ووسائل الإعلام المرئية إلى العديد من الاتهامات من بعض القوى السياسية بعدم موضوعيتها ، وأنها تستخدم من قبل أصحاب المال فى التأثير على المواطنين ، وأنها السبب فى تضخيم بعض القضايا التى تتبع تيارا بعينه والتغافل عما يصيب المنتمين للتيار الأخر. "أزمة الصحافة" كانت موضوع المناظرة التى عقدت تحت عنوان "الصحافة بين الأيديولوجيا والمال السياسى" ، وشارك فيها كتاب وصحفيون منهم : فريدة النقاش ورجائى الميرغنى وقطب العربى ود. بسيونى حمادة. فريدة النقاش ، رئيس تحرير جريدة الأهالى قالت : الموضوع محور النقاش يعد أساسيا فى هذه الأيام التى نواجه فيها ظروفا صعبة ، وسأقف قليلا عند مفهوم الأيديولوجيا نفسه ، حيث إنه يقدم أحيانا على أنها أمر مذموم ، حتى إن بعض الكتاب عندما يريدون أن يذموا كتابا آخرين يقولون إنهم "أيديولوجيين" ، وهذه الكلمة تعنى ببساطة شديدة رؤية العالم ، أى كيف ترى التركيبة السياسية التى نعيش فيها والوضع الاقتصادى والدين وأى توجه يمكن أن تأخذه ، مشيرة إلى مقولة على ابن أبى طالب لابن العباس عندما ذهب للخوارج "لا تجادهم بالقرآن فإنه حمال أوجه". وأوضحت أن القارىء الحالى هو ابن المجتمع والذى أسس وجدانه هو التعليم والأسرة والإعلام المرئى والمسموع بشكل خاص ، خصوصا أننا بلد فيه أمية أبجدية ، والكثير من المتعلمين لا يقرأون وبالتالى عندما نقول كلمة "أيديولوجيا" لابد ألا يفزع القارىء ، ويعرف أنها تعنى موقفنا من العالم. وأوضحت كيف يعبر اليسار عن الأيديولوجي؟ ، قائلة: "اليسار يرى العالم برؤية بسيطة ، تتأسس على المبادىء العامة التى أطلقتها ثورة 25 يناير ، وهى عيش حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية ، والمساواة بين البشر هى أساس وجهة نظر اليسار للعالم ، وأنه ضد كل أشكال التمييز والاستغلال التى تتم والهيمنة والعنصرية التى تظهر فى المجتمع عبر الصراع الطبقى والاجتماعى بين الذين يملكون والذين لا يملكون". وأضافت: "قديما عند الإنسان البدائى ، لم يكن هناك تمييز ضد النساء ولم يكن هناك دين للتمييز بين البشر، بعد ذلك ولد المجتمع الطبقى ونشأت المسافة بين المالكين والمنتجين لتصنع كل أشكال التمييز وتختلط كل أفكار العنصرية ومعاداة النساء والنظر إلى من ليس معه على أنه أدنى ، ثم ظهور نظام الإقطاع ثم الرأسمالية.. كل هذا جاء بعد المجتمع البدائى الذى لم يكن فى شىء من الاستغلال". وعن ما يطمح له إعلام اليسار ، أشارت النقاش إلى أنه يطمح إلى العدالة والكرامة الإنسانية والسياسية، والمساواة ، لافئة إلى أن اليسار يتهم دائما أنه "مساواتى" فروق ، وهذا غير صحيح لأن اليسار لم يقدم المساواة باعتبارها مسطرة بل هناك فروق طبيعية بين البشر من الناحية البيولوجية والقدرات ، ولكن لا يحوز استخدام هذه الفروق فى التمييز بين البشر ، وإنما تستخدم لتميز البشر ، فاليسار يعتبر كل إنسان على الأرض هو كائن فريد بذاته ، وما يعطله عن الاستغلال لإمكاناته هو الفقر والجوع. وعن المال السياسى ودوره فى الصحافة ، قالت النقاش: إنه يلعب أدوارا فى الصحافة عندما يكون المجتمع الذى ينشأ فيه المال منقسما على نفسه ، وتوجد طبقة تملك الثروة والأخرى لا تملك ، وبالتالى توظف الطبقة المالكة مالها للدفاع عن مصالحها ، مشيرة إلى أنه لا يجب المساواة بين كل أصحاب المال هؤلاء ، حيث هناك مال سياسى وطنى ومال آخر يرفع شعارات دينية ومال آخر استغلالى ، والكل يستخدم المال للدفاع عن مصالحه. وأكدت النقاش أنه لا يوجد تعارض بين الموقف الأيديولوجى والمهنية ، وبالتالى القول بأن مؤسسة ما تعبر عن فكرة لابد بالضرورة أنها تعبير غير مهنى ، فهذا غير صحيح ، وتجربة جريدة "الأهالى" تدل على أن المهنية توفرت والالتزام بميثاق الشرف الصحفى موجود ، وضربت مثالا بقرض صندوق النقد الدولى الذى يأخذ منه حزب "التجمع" وصحيفته موقفا رافضا – وهو يعد موقفا أيديولوجيا – ولكن تم التعبير عن رفضنا للقرض بمنتهى المهنية ، حيث تم استضافة عدد من خبراء الاقتصاد من كل الاتجاهات السياسية ، وتوصلنا إلى أنه لا يجب على الحكومة أخذ القرض ، وأشرنا إلى السبل التى تمكن الحكومة من الحصول على التمويل اللازم كبديل للاقتراض ، ومنها فرض ضرائب تصاعدية ، وفرض ضرائب على أموال البورصة. وأشارت إلى أن الديمقراطية هى منظومة وليست شعارا بإطلاق الحريات العامة ، مؤكدة أن القيود التى جاءت بالدستور على الصحافة والإعلام شديدة ، حيث أصبح من الممكن إغلاق الصحف ، بعد أن ناضل الصحفيون لفترة كبيرة بعدم إغلاق الصحف. ودعت فريدة النقاش إلى أن تكون الصحافة المملوكة للنظام تكون للشعب فعلا وليس للحكومة ، موضحة ان الصحف التى كانت مملوكة لمبارك تتنقل الآن إلى مرسى. وأكد ضرورة النهوض بالإعلام القومى المملوك للدولة ، مشيرة إلى أنه يجب التفرقة بين الدولة والحكومة ، وأن يعبر هذا الإعلام عن الشعب المصرى بكل توجهاته ولا يصبح "بوقا" للحكومة كما كان فى عهد مبارك ولا يزال فى عهد مرسى. وأشارت إلى أن أيديولوجيا الصدام الموجودة حاليا تستهدف تحويل الصراع السياسى الدائر بعنف إلى حرب أهلية ، وعلينا أن نقف ضدها ونتحاور على أسس ديمقراطية وألا يستبد فصيل واحد بكل مفاصل الأمور. المال السياسي أما د. بسيونى حمادة ، أستاذ الإعلام السياسى بجامعة القاهرة ، فأكد أن استقلال الصحافة والإعلام ومهنيتها وكل ما يتعلق بالأداء الأخلاقى للعمل الإعلامى فى مهب الريح تحت ضغوط المال السياسى والانتخابى. وقال بسيونى: "لا يمكن أن تكون الصحافة وطنية فى ظل هذا المال السياسى والانتخابى ، لأنه غالبا يكون مالا من خارج إطار الدولة وله مصالح على حساب المصالح الوطنية ، وهذا المال المشبوه يعمل خارج الشفافية". وأضاف: المال السياسى والانتخابى يحولو الصحافة إلى أدارة لمن يدفع أكثر ، وشراء الذمم لبعض الصحف والقنوات أيضا ، لدرجة تجعل الصحف تميل إلى دعم مرشح معين يدعمه هذا المال. المشهد الصحفى أثناء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التى تمت بعد الثورة ، وأيضا الاستفتاء على الدستور، يجعلنى أقول بأن هذا المال السياسى والانتخابى طال معظم الصحف ووسائل الإعلام بدرجات مختلفة، فالبعض يعمل بطريقة غير مهنية لحساب من دفع أكثر للدفاع عن اتجاه سياسى والهجوم على الآخر. والمفارقة أن هذا المال السياسى والانتخابى رغم أنه نجح فى الهيمنة على بعض وسائل الإعلام ، رغم أنه نجح فى الهيمنة على بعض وسائل الإعلام ، إلا أنه لم ينجح فى الهيمنة على عقلية المنتخب نفسه ، ولذلك أستطع أن اٌول بأن العملية معكوسة فبدلا من أن يقود الإعلام الرأى العام اتجه الرأى العام إلى وجهة اخرى تمليه عليها قناعاته ، وأصبح هناك فجوة بين التوجه العام للناخب والتوجه العام للإعلام الذى كان يستهدفه هذا المال. وأوضح أن تصرف الناخب فى الانتخابات جاء على نحو متحرر مما حاول بعض الإعلاميين بثه.. ولمجابهة هذا المال لابد من تفعيل أمرين وهما القانون وسقف الصرف الإعلانى فى الدعاية الانتخابية ، ولكن القانون وحده لا يكفى ، كما أن العقوبة غير رادعة ، والدليل أننا لم نر توقيع عقوبة على أحد نتيجة مخالفته الحد الأقصى للإنفاق الإعلانى ، بالإضافة إلى تفعيل ميثاق الشرف الصحفى من خلال الصحفيين أنفسهم لمواجهة المال السياسى والانتخابى. وأكد بسيونى أن ربط العمل الصحفى بالأيديولوجيا يمثل خطرا كبيرا ، لأن ذلك يمنع فكرة التنوع ، حيث إن الأيديولوجيا تمثل عائقا أمام الصحافة لأنه يوجهها طبقا لما يتخذه من قرارات ، فالأيديولوجيا بدأت منذ ماركس واستخدموها فى التحليل الثقافى وكان الهدف منها هو تفكيك الخطاب الأيديولوجى للطبقة الحاكمة الذى يزيف الوعى ، وذلك بهدف خلق وع أخر ، وهو وعى ثورى وهو المطلوب ولكن لا يكون على حساب التنوع. وأشاد بسيونى بتجربة جريدة "الأهالى" التى ذكرتها رئيسة التحرير ، وقال: "التجربة ناجحة ، ولكن إذا كان هناك حدث مميز لأمر ما ، يصطدم مع الموقف الأيديولوجى للحزب فهل ستنقله الجريدة؟ ، أشك في ذلك ". وأكد أن الصحافة لابد أن تعمل فى دائرة حرية المعلومات وليس حرية الرأى التى كفلها الدستور ، مشيرا إلى أنه كلما زادت الحرية زادت المسؤولية ، وبالتالى لابد أن توجد المحاسبة ، وآليات العمل الصحفى تقع بين الحرية والمسؤولية والمحاسبة. ولفت بسيونى إلى أن الإعلام ينظم ويؤسس من خلال أربعة مسالك إما الدولة والقانون أو المحاكم وهو التنظيم الخشن ، أو أن ينظر لها كصناعة ، أما التنظيم الثالث فيضع الوزن الأكبر للإعلاميين ، بحيث يكون هناك رشد لدى الصحفى حتى لا يكون هناك تداخل بين مهنيته والمالك ، وبالتالى يكون هو المسؤل عن ما يقدمه، والرابع أن يراقبه الجمهور ، وأنا أرشح مسؤولية الصحفيين. مصلحة الفرد أم الجماعة ومن جانبه ، قال رجائى الميرغنى ، المنسق العام للائتلاف الوطنى لحرية الإعلام: إن عنوان الندوة كفيل أن يضعنا أما الكثير لنتفهم الأوضاع الذى تمر بها الصحافة ، وأنه يتفق مع فريدة النقاش فى تعريف الأيديولوجيا ، وأضيف لتعريفها بأنها تعنى رؤية العالم من منظور المصلحة خل فردية أم جماعية؟ ، ومعنى هذا أنه باستثناء المعارف والحقائق التى نتوصل إليها من خلال مناهج البحث العلمى فكل شىء مختلط بالأيديولوجيا". وأضاف: "الصحافة لها جانب يتعلق بالأيديولوجيا لأنها منصة للتعريف عن الآراء ، وهناك جانب أهم ويشكل قوام الصحافة وهو نقل الأخبار دون تحريف وهو لا يتحمل المنظور الأيدلوجى ، والصحافة ليست مهنى بلا صاحب بل وضعت أصولا لمهنية الأداء". والإعلام قبل الثورة كان يعتبر أداة فى خدمة النظام السياسى ويتولى توجيه وإدارة المنظومة لتحقيق أهدافه. وتابع: "المفهوم الخاطىء للإعلام أنه يستخدم للتوجيه ، لافتا إلى أن الدستور أعتبر أنها توجيه الرأى العام، وكانت هذه المهمة تقوم بها الصحافة القومية ، وفى أواخر عهد مبارك حدثت الانفراجة ، حيث تم السماح بأن يكون هناك هامش للحرية من خلال الإعلام الخاص ، وتراجع إعلام الدولة وصحافته لإدانتها بعدم المصداقية وتزايدت رقعة الإعلام الخاص". وأوضح الميرغنى ان نمط الملكية لم يتغير ، ولكن هناك زيادة فى نسب وإعداد التوزيع ، وقفز الإعلام التجارى إلى الإعلام الخاص ، والمشلكة أن تكون المسألة دون رقابة حقيقية على سبل تمويله وأهدافه الحقيقية وروابطه الاقتصادية ، وللأسف الأوضاع القانونية لم تضبط بعد. وطالب الميرغنى بإعادة هيكلة للنظام الإعلامى ليتحول الإعلام المملوك للدولة إلى قطاع لخدمة الدولة بشرط الاستقلال ، وللأسف ليس هناك رغبة سياسية لحدوث ذلك ، الإعلام بهذه البينة أصبح أداة للاستثارة السياسية ، وهناك مخاطر من حدوث اختراق إعلامى واستخدام المال السياسى فى غسيل المال والعقول. وقال. "نحن نحتاج لمرجعية أخلاقية ومحاسبة الإعلام من خلال الجمهور وهذا لن يتحقق فى إطار الصراع السياسى ، واستشهد بمقولة كامل زهيرى بأن حرية الإعلام والصحافة فى مصر تظل دائما قضية مؤجلة". وأكد أن حرية الصحافة والإعلام هى ترمومتر تقدم الأمم ، كما اكد رفضه أن يكون الإعلام أداة معاونة لنظام بعينه ، مشيرا إلى أن الإعلام فى ظل النظام السابق كان منتكسا لأنه كان خاضعاً ومقيدا ، ,البنية كانت هشه ، فنجد المذيع داعية ومعلما ومحاضرا ويقوم بكل الأدوار التى تنافى حرية الإعلام. بينما قال قطب العربى ، الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة ، إن الإعلام الحالى يمر بأزمات من خلال الخسائر التى يمر بها عبر السنوات ، وكل هذا ظل ديون متراكمة ، وللحفاظ عليه يتطلب الأمر توفير مصادر تمويل جديدة للإعلام. وأضاف : إن الإعلام الحزبى هو صيغة غير موجودة فى العالم كله ، ولذلك تتمتع الصحف بالاستقلالية وإن كانت بعض الصحف تتبنى فكرة حزب معين ، وأتمنى أن يتم التخلص من الصحافة الحزبية فى مصر ، ويمكن أن ينشىء رجال الأعمال القريبين من الحزب صحيفة فلا تكون المادة الصحفية للحزب مسيطرة على الجريدة، وضرب مثالا بجريدة "الوفد" وكيف حققت نجاحا عندما كانت تعطى مساحة أقل لأخبار الحزب. ولا أحد ينكر أن الإعلام الخاص أعاد الحيوية وروح الشباب للإعلام المصرى ، ولكنها كانت المدخل للمال السياسى ، فالآن تختفى المهنية وتحصل محلها المواقف الأيديولوجية والمال والمواقف المصنوعة مسبقا بالدولار أو الدرهم. وأشار العربى إلى أن الدستور الجديد كان متنبها لاحتكار الصحافة لذلك نص فى المادة 215 على تشكيل المجلس الوطنى للإعلام ليضمن عدم التركز والاحتكار ، فلم يعد يحتمل أن يملك فرد وعدة قنوات ويكون شخص مجهول الهوية ولا يعرف أحد مصدر أمواله ، خصوصا من يستثمرون أموالهم فى الإعلام فى حين أن الإعلام الخاص يخسر ، فمن يغطى له هذه الخسارة ، لذلك لابد من رقابة فعلية على تمويل الإعلام الخاص. وأكد أن إعلام الدولة هو المؤهل أن يقوم بدور إعلام الخدمة العامة ، لأنه يمول ومن جيب دافعى الضرائب وممكن أن يحاسبه الشعب عبر ممثليه فى مجلس الشورى. وأعلن العربى أن المجلس الأعلى للصحافة نتيجة كثرة القضايا التى أقيمت على الصحفيين ، قرر إعادة إصدار لجنة الممارسة المهنية لتقارير الأداء الصحفى.