بالعودة إلي الزمن الجميل، كنا نشاهد فنانين وشعراء هم في الأصل ضباط الشرطة، كرسوا حياتهم للفن والأدب والشعر، وبالرغم من ذلك لم نسمع عن واقعة تعذيب تحدث لمواطن داخل قسم شرطة، مأموره فنان أو شاعر، مثل الفنان الراحل صلاح ذو الفقار، أو من الممكن أن يرتكب ضابط شرطة السكندري محمد علي أحمد، صاحب الحس الإبداعي الرفيع وصاحب أغنية "البيض الأمارة"، و"يا ريحين الغورية"، و"بين شطين وميه"، وغيرها من الأغاني الخالدة في أذهان المصريين. "سكة السلامة، السبنسة، كفر البطيخ، كوبري الناموس، الحيطة بتتكلم، رأس العش".. أجمل ما قدمه الضابط والكاتب محمد سعد الدين وهبة، مؤلف مسرحي وسيناريست مصري، من مواليد 4 فبراير 1925، قدم العديد من المسرحيات، وقام بكتابة السيناريو والحوار لعدد من الأفلام السينمائية والأعمال التليفزيونية، منها: زقاق المدق، أدهم الشرقاوي، الحرام، مراتي مدير عام، الزوجة الثانية، أرض النفاق، أبي فوق الشجرة، أريد حلا، آه يا بلد آه، السبنسة، قصور الرمال، بابا زعيم سياسي. ونحن هنا لا نتهم ضباط الشرطة بارتكاب المخالفات، وإنما نتحدث عن ظاهرة كانت في الماضي أبدعت وقدمت فنًا راقيا، وبحس أدبي رفيع، رغم أنهم يعملون في مهنة تحفها المخاطر في كل لحظة، وتحتاج المزيد من التركيز والحرص والانشغال، إلا أنهم كسروا تلك القاعدة ودخلوا عالمًا بعيدًا عن عالم البولسية والمخاطر.. عالم يعيش في خيال الأديب والشاعر والفنان. "جريمة في الحي الهادي".. ليست حادثة، بل فيلم رائع قصته حقيقية حدثت عام 1944 وصاحب هذه القصة اللواء عبد المنصف محمود، الذي كتب عدة دواوين في الشعر، وفي الثلاثينيات ترأس العديد من المنتديات الثقافية بالثغر ومنها جماعة نشر الثقافة. ومن الضباط الشبان الذين تفرغوا للحياة الفنية: النقيب ممدوح الليثي، شقيق المنتجين جمال وإيهاب الليثي، وهو يعمل الآن مديرا لقسم السيناريو بالتليفزيون المصري ، فأعد للتليفزيون قصة محمد التابعي "جريمة الموسم"، ثم التحق بمعهد السيناريو، وأخيراً نقل من الشرطة وتفرغ لمنصبه الجديد وآخر أعماله الفنية سيناريو فيلم "ميرامار" قصة نجيب محفوظ . ومن الشعراء أيضاً العقيد حسن فتح الباب، مدير إدارة البحوث الفنية والقانونية بمصلحة الأمن بوزارة الداخلية، وله ثلاثة دواوين "من وحي بورسعيد"، و"فارس الأمل"، و"مدينة الدخان والدموع"، ونشر إنتاجه الشعري سنة 1945 في مجلة سلامة موسي، عندما كان طالباً بمدرسة التوفيقة الثانوية، ثم بعد ذلك في مجلات الرسالة والثقافة والأدب. "الايدي الناعمة" و"رد قلبي" و"مراتي مديرعام" و"صلاح الدين"، وغيرها الكثير.. هل أحد يستطيع أن ينسي تلك الأعمال التي تركت بصمة في السينما المصرية، وكان بطلها المقدم صلاح ذو الفقار مواليد 18 يناير 1926 من مواليد مدينة المحلة الكبري.. تخرج في كلية الشرطة، ثم عمل فيها مدرسا.. اتجه بعد ذلك إلي السينما، وعمل ممثلا ومنتجا، وحصل علي جائزة أفضل منتج عن فيلم "أريد حلا".. تزوج أربع مرات واثنتان من زوجاته من خارج الوسط الفني، وتزوج من اثنتين من داخل الوسط. تزوج من الفنانة زهرة العلا والمطربة شادية اللتين كون معها ثنائيا قدما أفلاما كوميدية ورومانسية، ومثلا معا في المسلسل الإذاعي "صابرين" وكان الفيلم التليفزيوني "الطريق إلي إيلات" آخر أعماله.. لعب صلاح ذو الفقار جميع الأدوار وأجاد فيها ولم يخل أداؤه من خفة الظل. ويجب ألا نغفل من القطاع العسكري الفارس أحمد مظهر والمخرج عز الدين ذو الفقار، وآخر هذه الكتيبة المبدعة ضابط المخابرات محمود قابيل الذي تخرج في الكلية الحربية عام 1966، وشارك في حرب اليمن وحرب 67 ثم حرب الاستنزاف.