احتفالات عيد التحرير.. "التعليم العالي" تشهد إنجازا تاريخيا بسيناء في عهد السيسي    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الرئيس السيسي بذكرى تحرير سيناء    ارتفاع أسعار الذهب بشكل طفيف وسط التركيز على البيانات الاقتصادية الأمريكية    ضربة قوية للتجار.. كيف أثرت حملة مقاطعة الأسماك على الأسواق في بورسعيد والإسكندرية؟ تعرف إلى الأسعار الجديدة    محافظ بورسعيد: تواصل أعمال تطوير وتوسعة ورفع كفاءة شارع محمد حسني| صور    محفظة أقساط شركات التأمين تسجل 8.38 مليار جنيه خلال يناير 2024    البترول: تجهيز غرفة أشعة مقطعية للمستشفى الجامعي بالإسكندرية    "الري": بدء إنشاء 50 بحيرة جبلية للحماية من أخطار السيول بجنوب سيناء    عاجل.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين للقيام بعمليات في غزة    بوريل: مدن غزة دمرت أكثر من مدن ألمانيا بالحرب العالمية الثانية    ريانة برناوي أول رائدة فضاء سعودية ضيفة «يحدث في مصر» الليلة    بسبب الحرب على غزة.. كل ما تحتاج معرفته عن احتجاجات الجامعات الأمريكية    تكذيبا للشائعات.. إمام عاشور يغازل الأهلي قبل لقاء مازيمبي بدوري الأبطال| شاهد    مروان عطية يصدم الأهلي قبل مواجهة مازيمبي الكونغولي    بعد عودة الشناوي.. تعرف على الحارس الأقرب لعرين الأهلي الفترة المقبلة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24-4-2024 والقنوات الناقلة    "لا يرتقي للحدث".. أحمد حسام ميدو ينتقد حكام نهائي دوري أبطال آسيا    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بحدائق أكتوبر    وكيل تعليم بورسعيد: الامتحانات مهمة وطنية يحب أداؤها على أكمل وجه    الكونجرس الأمريكي يقر قانون حظر تيك توك    تفاصيل الحالة المرورية بالمحاور والميادين صباح الأربعاء 24 أبريل    اليوم.. استكمال محاكمة المتهمين باستدراج طبيب وقتله بالتجمع الخامس    مصرع مُسنة دهسا بالقطار في سوهاج    عاجل:- تطبيق قرار حظر الصيد في البحر الأحمر    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    طرح فيلم ANYONE BUT YOU على منصة نتفليكس    نجوم الغد .. أحمد ميدان: هذه نصيحة السقا وكريم لى    دعاء الحر الشديد.. 5 كلمات تعتقك من نار جهنم وتدخلك الجنة    تقديم خدمات طبية لأكثر من 600 مواطن بمختلف التخصصات خلال قافلتين بالبحيرة    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    رئيس «المستشفيات التعليمية»: الهيئة إحدى المؤسسات الرائدة في مجال زراعة الكبد    تجديد منظومة التأمين الصحي الشامل للعاملين بقطاعي التعليم والمستشفيات الجامعية بسوهاج    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    اليوم.. «خطة النواب» تناقش موازنة مصلحة الجمارك المصرية للعام المالي 2024/ 2025    8 مليارات دولار قيمة سلع مفرج عنها في 3 أسابيع من أبريل 2024.. رئيس الوزراء يؤكد العمل لاحتياط استراتيجي سلعي يسمح بتدخل الدولة في أي وقت    متحدث "البنتاجون": سنباشر قريبا بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة    تاريخ مميز 24-4-2024.. تعرف على حظك اليوم والأبراج الأكثر ربحًا للمال    مفوض حقوق الإنسان أكد وحدة قادة العالم لحماية المحاصرين في رفح.. «الاستعلامات»: تحذيرات مصر المتكررة وصلت إسرائيل من كافة القنوات    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    الشيوخ الأمريكي يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا    الصين تعارض إدراج تايوان في مشروع قانون مساعدات أقره الكونجرس الأمريكي    نتائج مباريات الأدوار من بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجدي الحكيم يكشف سر منديل أم كلثوم‏!!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 05 - 2010

ما الذي يملكه الإنسان حيال هذه الكوكبة اللامعة من نجوم الغناء الموسيقي‏..‏ فكل اسم يكفي وحده ليكون مملكة مستقلة من النغم والعواطف والاخلاص والابداع‏..‏ مملكة تغني عن مجالسة السلطان‏..‏ أساتذة وحواريون‏.. فلا الثراء يجذبهم‏,‏ ولا مفاتن الحياة تغريهم بنقض العهد الذي يربطهم بفنهم وابداعهم فذلك هو فردوسهم المنشود لم تبحث أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم والموجي وبليغ حمدي والطويل والأبنودي وكامل ومأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز وحسين السيد عن المال وغيرهم عشرات‏..‏ ولكنهم تركوا ذلك لأزمنة لاحقة‏..‏ أزمنة الضيق بالكلمة المعبرة والصوت الشجي كانوا يدركون قيمة موهبتهم تلك المنحة الربانية التي تتجلي في أروع صورها في الموسيقي والغناء حيث تطمح كل الفنون أن تصل لمنزلتها الرفيعة لانها تقتحم الوجدان دون وسيط لذلك توصف دائما بأنها ساحرة يصعب الفكاك من أسرها فالرائد الاذاعي الكبير وجدي الحكيم يحمل في جعبته وذاكرته الفوتوغرافية تاريخ يمتد لأكثر من خمسة وخمسين عاما‏..‏ حيث استطاع من خلال حواراته الاذاعية مع قمم الغناء والشعراء والكتاب المشاركة في تكوين تراثنا الاذاعي‏.‏
حوارات هي أشبه بالقطع الفنية تزخر بالأسرار وتحفل بالتفاصيل‏.‏ والامتياز في الفن لا يتحقق إلا من خلال التفاصيل‏,‏ استطاع وجدي الحكيم ان يحطم الحائط الرابع بينه وبين هذه الأعلام الغنائية فتغلغل في حياتهم وصحبهم في أسفارهم يرصد تعسفهم الفني لاختيار جملة بليغة‏..‏ يقينا منه وهو فنان إذاعي كبير انه لا متعة تعادل المتعة التي تنبثق من الفن‏..‏ لأن الفن قبس من النور‏.‏
عشت وسط عمالقة الموسيقي والغناء تنهل من ينابيع إنسانيتهم قبل مواهبهم‏'‏ كيف استطعت أن تكتسب ثقتهم وصداقاتهم وتمتاز علي أقرانك‏..‏ هل لديك تعليل لذلك؟
بداية أحمد الله أنني عشت في هذا الزمان الجميل وسط هذه الباقة من الكبار‏:‏ أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وأحمد وبيرم التونسي والقصبجي وكامل الشناوي ومحمد فوزي ووردة ونجاة واعتبر نفسي محظوظا لأن الزمن أعتصر سنوات عديدة لكي يجود علينا بهذه القامات العالية التي عشنا في ظلالها الوارفة ومازلنا نقتات ونعيش علي إبداعاتها فهي زادنا الذي يثري وجداننا‏,‏ ويقيني أننا نعيش الآن في‏(‏ همدة‏)‏ الزمان انتهي زمن العمالقة وستمر سنوات عديدة قبل أن تنجب مصر عقدا آخر شبيها بتلك اللآلئ الماسية‏.‏ فيما يتعلق ببداياتي فكانت عادية إلي حد ما وإن اتسمت بالقلق علي المستوي الدراسي فالتحقت في البداية بالحربية نزولا علي رغبة والدتي ولم احتملها فحولت أوراقي إلي كلية الشرطة وحدث أن اضطهدتني ذبابة في طابور الصباح وكان ممنوعا أن أتحرك أو أقوم بهشها فكنت أحرك وجهي لكي تطير فغرق الطلاب في الضحك وتكرر الموقف ويئس مني ضابط عظيم الكلية آنذاك وكان الفنان الكبير صلاح ذو الفقار فأطلق الكلاب ورائي‏,‏ وكما يقول المثل الخوف يعلم الجري فقد قفزت من خارج الأسوار بلا عودة والتحقت بكلية الحقوق ولم أطق صبرا علي موادها ولم أجد نفسي وأخيرا استقرت خطاي في كلية الآداب قسم اجتماع وكنت لا أغادر بوفية الآداب حيث كان يتجمع معظم الفنانين الصاعدين آنذاك مثل‏:‏ فؤاد المهندس وبليغ حمدي ويوسف عوف وسمير خفاجي وعبد المنعم مدبولي وأبو لمعة وكان معظم طلاب الجامعة ينضمون إلينا وسمع الإذاعي القدير أحمد طاهر عن هذا التجمع الفني فجاء لمقابلتنا واكتشف موهبة كل منا وحاول توظيفها وسألني ما هوايتك الفنية بالتحديد؟ أجبت أنني أشعر بالسعادة وأنا أصاحب المجموعة كلها واستمع إلي حواراتهم ومناقشتهم وأفضل أن يتم ذلك في مناخ مرح ثم طلب مني أن أقابله في اليوم التالي بمبني الإذاعة القديم بشارع الشريفين كنا في عام‏1954‏ ولم أزل طالبا لذلك كان وقع الحدث مؤثرا في نفسي لأنني شعرت أنني اقتحم العالم الذي طالما حلمت به وفي إذاعة صوت العرب كلفني المذيع الكبير أحمد سعيد بعد مرور أربعة أيام بحضور تسجيل أغنيتين لمحمد عبد الوهاب وكان الشاعر عبد المنعم السباعي هو أركان حرب الإذاعة المنوط به إعطاء تصريحات فأعطاني تصريح موتوسيكل برفقة السائق وكان العمل الإذاعي آنذاك يضع قابلية المذيع الجديد للأعمال المتواضعة والثقيلة علي المحك فإذا قبلها وتعامل معها فمن المؤكد أنه سيكون إذاعيا ناجحا‏.‏ وكان ما كان من استياء محمد عبد الوهاب لتأخري لمدة ساعتين عن الميعاد لكنه منحني هذا الاسم الإذاعي الشهير‏(‏ وجدي الحكيم‏)‏ بعد اختصاره ونصحني بالابتعاد عن العلل والأعذار في الفن فالجمهور ملك متوج ذو سلطان لا يرحم ولن يبحث أبدا عن مبرر عدم الإجادة واستوعبت الدرس واستقر في أعماقي وهكذا كانت البداية قوية مثل مقدمات عبد الوهاب الموسيقية‏.‏
اقتربت من الرائد الموسيقي الكبير محمد حسن الشجاعي وأحمد سعيد فماذا تعلمت منهما في بداية مشوارك؟
حسن الشجاعي كان قيمة وقامة مسئولا عن الغناء بالإذاعة ويقف ببابه فطاحل الغناء وأولهم محمد عبد الوهاب وكان من حسن حظي أنه يبادلني المودة ويعتبرني مثل ابنه فلم تكن له أسرة ولا أبناء وكان يسكن في شارع حسن الأكبر بالعتبة ويترك مفتاح شقته لدي الجيران حتي إذا وافته المنية يقومون بأداء الطقوس وعمل اللازم‏,‏ تعلمت منه كيفية التعامل مع المطربين والملحنين وكبار الشعراء وهمس في أذني بأن الفن يمنح صاحبه الامتياز والمكانة بمقدار محبته وعطائه له وعلمني كيفية قراءة النص الغنائي وتحديد الملحن المناسب له وكان يقول إن النص ينادي علي ملحنه أما أحمد سعيد الإذاعي القدير فكان رئيسا لصوت العرب ومنذ البداية حاولت ألا أقلد أحدا وان تكون لي بصمتي الخاصة وكنت أقوم بإعداد برنامج بعنوان‏'‏ يوم القيامة‏'‏ حيث اجمع المنجمون أن القيامة ستقوم أول يوم رمضان الساعة السابعة والنصف مساء نتيجة لاصطدام كوكبي جوبيتر والمريخ وكان ذلك عام‏1962‏ وقمنا بعمل التنويهات استغلالا لهذا التصريح واعتقدنا أنه في حالة كذبه أو صدقه سنحقق دويا إذاعيا وهو ما حدث بالفعل حيث انقلبت مصر كلها وحاصرت سيارات البوليس مبني الإذاعة بعد التنويهات لمنع إذاعته وحققت معي أكثر من عشر جهات ووصل الأمر إلي الرئيس عبد الناصر الذي طلب أن تذهب إليه وحدة الإذاعة بمجلس الوزراء لكي يستمع بنفسه إلي الشرائط لأن العبارات التحذيرية التي أطلقناها بالرغم من أنها كوميدية مثل قولنا صرحت وكالة بيجو للأخبار إشارة للخواجة بيجو الشهير إلا أن بعض العبارات التي تتعلق بالإسكندرية أصابت الناس بالذعر وهجر معظم الفلاحين الأرض وعادوا إلي منازلهم وطلبوا منا الذهاب إلي الفلاحين وشرح الحقيقة وأنها حيلة لكنهم قذفونا بالطوب واستمع عبد الناصر للشريط ومثلت أمامه أنا وأحمد سعيد وحين انتهي من السمع ابتسم وقال كلمة مثير التي اتصف بها البرنامج أمرا مطلوبا في الفن كما تفعل الأفلام الأمريكية‏,‏ لكنه أبدي دهشته إزاء السذاجة التي تصل إلي حد الجهل لدي أغلبية الجمهور وطالب أحمد سعيد بضرورة مراجعة رسالتنا الإعلامية فلابد أن هناك خطأ ما يكتنفها فلو كان الشعب محصنا ما انطلت عليه هذه الحيل الإذاعية لكنه حذرني من تكرارها مرة أخري وكان ما حدث رب ضارة نافعة بالفعل لأن هذه الواقعة ساهمت بنسبة كبيرة في انتشار اسمي‏.‏
استوقفني أسلوبك العذب في الحكي والحوار وذاكرتك التي تختزن التفاصيل فكيف ننمي هذه الخبرات لدي المذيعين الجدد؟
اعتاد والدي حين كنا نخطئ أنا وأخواتي ألا يقوم بالصفح عنا إلا بعد حفظ جزء من‏'‏ الشوقيات‏'‏ لأحمد شوقي فنشأت ونمت مداركي وأنا مسلح بحصيلة لغوية كثيرا ما اسعفتني في حواراتي مع أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وأنيس منصور وعشرات القمم إضافة إلي أنني متلق جيد لكل الآراء لذلك استطعت أن أكون من صحبة هؤلاء ثقافة سمعية أتفاعل معها وأعيد صياغتها وقد تربي جيلنا بأكمله علي الاختبارات الصوتية والثقافية افتقدنا ذلك الآن لأنه لا توجد صالونات أدبية أو فنية ويوجد نميمة فقط فالكل يعتمد علي المعلومة الجافة من الكمبيوتر وأصبحنا في زمن‏(‏ اللامذيع‏)‏ فالصحفي والمهندس والمصور والطباخ الكل مذيع حتي أصبحت مهنة من لا مهنة له لذلك لم يصبح غريبا أن ينتقل أسلوب الحوار من الشارع إلي الشاشات والميكروفونات مباشرة‏.‏ كنا نعمل جميعا بروح الهواية قمة السعادة والمجد أن يحصل أحد منا علي تسجيل نادر ولم يترك كل هؤلاء العباقرة أموالا طائلة ولكنهم تركوا فنا‏,‏ ولكن طالما المادة تأتي في المقدمة فالفن في مهب الريح بلا رصيد فلدينا الآن‏(1000‏ أغنية‏)‏ بلا غناء أو طرب كانت هناك تضحيات ومتسع للمواهب وصدر رحب لاستقبالها‏.‏
كيف بدأت صلتك بأم كلثوم واستطعت إقناعها بتسجيل مشوار حياتها بصوتها وهو التسجيل الوحيد لها؟
لعبت المصادفة دورا مهما في اللقاء الأول فأنا بدأت في الإذاعة مندوبا انتقل بين لجنة النصوص والتي كانت أم كلثوم بالرغم من عظمتها واقتدارها في اختيار الكلمة حريصة علي عرض أغانيها عليها للائتناس برأيها خاصة أنها كانت تضم فرسان الكلمة وفي أحدي حفلاتها في حديقة الأزبكية والتي كان يشرف عليها عبد العزيز الهجان ويقوم بإعداد تفاصيل عديدة وطقوس خاصة بها فطلبت منه أن تراني فجاءني مهرولا متسائلا ماذا فعلت الست تريد مقابلتك؟ فذهبت إليها فسألتني عن الحلقة الأخيرة من برنامج نور علي نور فابتسمت لأنني أدركت إنها تعتقد أنني الزميل العزيز‏'‏ أحمد فراج‏'‏ وكان بيننا شبه كبير في سنوات الشباب بالفعل وشعر الأستاذ الشجاعي أنها تستريح لشخصي فكان يرسلني إليها لمتابعة النصوص والأعداد لتسجيل الأغاني كانت الإذاعة آنذاك تقوم بإنتاج الأغاني لكل هؤلاء الكبار وتوطدت العلاقة تدريجيا وحاولت إقناعها علي مدي‏(18‏ عاما‏)‏ وكانت ترفض لأنها لا تقبل أن يكون حديثها الإذاعي أقل من مستوي غنائها وهي لم تتمرس في هذا المجال وأمام الإلحاح وافقت لكننا لم نبدأ التسجيل إلا في حضور كل أفراد أسرتها وفي مقدمتهم محمد الدسوقي ابن شقيقتها وسجلت معها‏(11‏ ساعة‏)‏ أذيع منها سبع ساعات في إذاعة صوت العرب عام‏1973‏ واستعنت بكبار الكتاب للتعليق علي الحلقات مثل مصطفي أمين وفكري أباظة وكمال الملاخ والشيخ الباقوري وأعجبتها الفكرة كثيرا وفي البداية طلبت أن أترك لها الشرائط الأولي لكي تستمع إليها ومر أكثر من عشرة أيام فقدت فيها الأمل حتي قابلني المصور الشهير فاروق إبراهيم واخبرني أن الست تبحث عني وعاتبتني أنني لم أذهب إليها فقلت لها أنني توقعت أنها ستتصل بي تليفونيا فقالت هل يستطيع أحد أن يتكلم في التليفون وكانت التليفونات في مصر آنذاك في حالة سيئة وبلا حرارة معظم الوقت‏.‏
هل حقا كانت بخيلة كما قيل وهل لمست ذلك بنفسك؟
أطلاقا فالبخل شائعة روجها أصحابها وهم علي التوالي أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وتوفيق الحكيم ومرجع ذلك أن بعض الصحفيين أو قلة قليلة منهم كانت تلجأ لهؤلاء الكبار والتماسا لمقدرتهم المادية في سداد كمبيالة أو بعض الديون أو تكاليف زواج الأبناء وكانت أم كلثوم تتندر وتقول لي هل من المفترض أن أمنح أموالي لكل من يقول صباح الخير يا ست؟ وفيما بعد سافرنا إلي بلدتها طماي الزهايرة بناء علي رغبتي وشاهدت بعيني كيف ترعي أبناء بلدتها بكل الوفاء والحب تحرص علي توفير كل طلباتهم كما لو كانت‏(‏ الحكومة‏)‏ وكانت كذلك بالنسبة لهم وادهشني أنها تعرف أسماءهم وتسأل عن ابن فلان الذي تزوج وفلانة التي أنجبت وأبو فلان وأفاضت في حديثها معي بكل صراحة كيف أنها احترفت الغناء في البداية نتيجة لفقرهم فوالدها أدركه الكبر وظهر شباب‏(‏ صييتة‏)‏ في عالم الغناء بلغة هذا الزمان ولم يعد قادرا علي المنافسة فتعلم أخوها خالد الغناء وكانت تمتلك موهبة في حفظ التواشيح فقد بدأت الغناء بدافع لقمة العيش ثم عشقت الفن حين أعطاها كل شئ المكانة والرفعة والمال فاشترت أول سيارة واستقدمت لها سائق حنطور من قريتها فكان لا يستعمل الكلاكس ويخرج رأسه قائلا أوعي يا بنت وسع الطريق وكشفت عن موهبتها في تقليد السائق ولم تخجل وهي تروي كيف أنها حين ركبت القطار أول مرة أنها صرخت وتشبثت بمقعدها في الدرجة الثالثة لأنها كانت تعتقد أن الأشجار والبيوت هي التي تجري وكان والدها يرشي الكمسري لكي ينقلهم من الدرجة الثالثة إلي الثانية لكي يظهروا بمظهر أفضل حين يستقبلهم من يدعونهم لحفلاتهم في الأرياف‏.‏ وكشفت عن معاناتها ووعورة مشوارها وتعرضها للضرب في خناقة في أحد القري وكيف أنها دعيت وهي شابة صغيرة لمنزل عائلة يكن باشا لكنه حين رآها قال ما هذه الفلاحة وطلب منها النزول مع والدها إلي المطبخ لتناول العشاء ولم تغن ولكن زوجة الباشا منحتها‏15‏ جنيها لكنها سرقت منها في طريق عودتها وكانت سيدة أصيلة لها طقوسها التي لم تتبدل فكانت محافظة للغاية لا تستقبل رجلا غريبا بمفردها أبدا ولا تختلط بالوسط الفني ولا تأكل خارج منزلها فقد اعتادت علي الساندوتشات التي كانت تصنعها لها والدتها عشرات الحكايات والتفاصيل التي صنعت هذه المطربة العظيمة‏.‏
ما هو السر الذي أفصحت عنه أو ذكرياتها التي أدهشتك؟
خوفها من الجمهور حتي الرمق الأخير من حياتها فأفصحت عن سر المنديل الذي تمسكه في يدها وكان الكل يعتقد أنه من متطلبات الأناقة التي ابتدعتها ولكنها كشفت المستور وقالت أنها تشعر بالقلق والخوف وببرودة في أطرافها وتستدفئ بهذا المنديل بل أن الكرسي الذي كانت تجلس عليه حتي انتهاء المقدمة الموسيقية كما ذكرت في أحاديثها كان لتجنب مشيها أمام الجمهور فهي لا تقوي علي ذلك فكان الستار ينفرج عنها فتحيي الجمهور وتجلس علي المقعد لكي تتأمل الوجوه وتألفها ثم وتنسي كل ذلك عندما تندمج في الغناء وكانت تتفرغ تماما قبل أي حفلة بأسبوع لتكون بكامل لياقتها‏.‏
الملحن الكبير بليغ حمدي كان من أقرب أصدقائك فكيف استطاع مشاركة الكبار والتلحين لأم كلثوم وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره؟
بليغ حمدي صديق عمري شخصية لا تتكرر يفيض بالحسنات ولكن عدم الحفاظ علي مواعيده كان يمثل السيئة الكبري في حياته وكان يصفه البعض بأنه بوهيميا لهذا السبب ولم يكن ذلك صحيحا وحدث أن علم المطرب والملحن الكبير محمد فوزي أن أم كلثوم ستحضر حفلة خاصة في منزل الدكتور زكي سويدان وكان مدعوا فاتصل ببليغ حمدي وطلب منه الحضور علي الفور وقدمه للست وقال لها هذه العبارة التاريخية‏:‏ أن مصر كلها ستغني لهذا الشاب في الخمسين سنه القادمة‏!!‏ واستعد بليغ لضبط العود وكان خجولا للغاية لا يتمكن من ضبطه إلا إذا جلس علي الأرض وفعل ذلك أمام علية القوم الذين استنكروا ذلك فأشارت أم كلثوم بيدها فعاد الصمت وما أن سمعت أول المذهب لأغنية‏'‏ حب إيه اللي أنت جاي تقول عليه‏'‏ حتي انسحبت أيضا من كرسيها لتشاركه الجلوس أرضا واخرج أنور منسي الكمان وشاركه العزف وكانت بداية الغيث وكان بليغ حافظا لجميل أستاذه محمد فوزي يتردد عليه منزله وفي أحدي الزيارات كان محمد فوزي يقوم بتلحين أغنية‏'‏ أنساك يا سلام‏'‏ فسمع بليغ الجزء الأول من اللحن ثم قام محمد فوزي ليرد علي جرس التليفون وتحدث فترة قصيرة ليعود ويجد بليغ قد أكمل لحن الأغنية فقام محمد فوزي بالاتصال بأم كلثوم واخبرها بكل عظمة ونبل أن بليغ أنتهي من تلحين أغنية أنساك بصورة أفضل منه ثم توالي التعاون بين بليغ وأم كلثوم وتعهدته برعايتها ومكنته من الحصول علي شقة في الزمالك وطلبت شراء سيارة له من شركة النصر وكانت تقول أنه مثل نهر النيل فياض بعطائه الفني ويجب ألا نبدده في الترع والمصارف لأن بليغ كان مغرما باكتشاف الأصوات الجديدة وتقديمها وهو الذي قدم محمد منير ومحمد الحلو وعفاف راضي وعشرات الأصوات ويكفي أن وردة الجزائرية أحبته كما أخبرتني دون أن تراه وأصرت أن تتزوجه حين سمعت أغنية‏'‏ تخونوه‏'‏ لعبد الحليم حافظ وكانت له واقعة لا تنسي مع أم كلثوم كنت طرفا فيها ففي أحد الأيام أثناء بروفات أغنية‏'‏ ألف ليلة وليلة‏'‏ التي قام بتلحينها لها طلب مني الحضور معه لمنزل أم كلثوم لحضور البروفة فنزلت من العربية وسألتني عنه أم كلثوم فقلت أنه بيركن العربية وطال الانتظار وتأكدنا أن الأمر ليس طبيعيا فنزلت ابحث عنه واكتشفت بعد مرور يومين من البحث أنه كان في بيروت لأنه أراد استكمال اللحن بصورة أفضل ولم تغضب أم كلثوم وتفهمت الوضع أما محمد عبد الوهاب فكان رأيه أن بليغ حباه الله بموهبة فذة تأتي بكل جديد ومبهر وأنه شخصيا حين يدندن فأنه يتذكر لحن‏'‏ زي الهوا يا حبيبي‏'‏ لعبد الحليم حافظ‏.‏
هل تدخل الرئيس السادات لكي يتعاون مع الشيخ سيد النقشبندي مثلما تدخل عبد الناصر لكي يتم لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب في‏'‏ أنت عمري‏'‏؟
تم إستدعائي بالفعل لمنزل الرئيس السادات بالقناطر لأنني كنت مسئولا عن الغناء بالإذاعة وللصلة العائلية لأن جيهان السادات هي ابنة عمي وطلب الرئيس تعاونهما وكان متحمسا للغاية‏.‏ وحاولت أن أزيل مخاوف النقشبندي وحين تم التسجيل قال النقشبندي أن بليغ أشعر الجن والأنس في ألحانه التي سحرته‏.‏
حديثك ينم عن مدي النضج الفني وعدم الغيرة بين الملحنين فهل كان ذلك هو المناخ العام أم أن هذه الوقائع مجرد استثناء؟
كانت توجد منافسة شريفة ولم تكن هناك غيرة أو أحقاد كانوا كبارا بالفعل وإذا أخطأ أحدهم لا يستنكف من الاعتذار والعودة إلي جادة الحق وأولهم عبد الحليم حافظ لأنه كان يتيما يشعر أنه يفتقد الجو الأسري فكان دائما يبحث الأسرة البديلة إذا جاز التعبير فكان صديقا مقربا علي صلة ومودة بوالدتي إذا تشاجرنا تعاتبني كثيرا وتطلب مني التسامح مع أخي عبد الحليم‏_‏ وكان يوم الثلاثاء في حياته مخصصا لخالته‏'‏ أم منير‏'‏ التي أرضعته‏.‏ كان ينام علي صدرها وهي التي كانت تدور به علي منازل قريبة‏'‏ الحلوات‏'‏ لكي ترضعه النساء وكان البعض يعتبره نحسا ويرفض وكان بدوره فنانا قلقا لا يستقر علي حال ولا يداوم علي موجة نجاح بعينها كما يفعل البعض الآن فإذا نجح في الغناء الرومانسي انتقل إلي القصائد ومنها إلي الموشحات ثم الغناء الشعبي ثم الدويتو كانت تربطه صلة خاصة بالشاعر مرسي جميل عزيز فهو بلدياته يعيش بالزقازيق ولا يغادرها إلا للعمل ولا يبيت في القاهرة أبدا أذكر أنه اتصل بي الساعة الحادية عشرة صباحا وذهبنا لمنزل عبد الحليم وهذا الميعاد يمثل ذروة النوم بالنسبة لعبد الحليم فعاتبنا أننا أيقظناه وخرج إلينا بجلبابه الشهير وهو نصف متيقظ وقال لمرسي سمعنا يا سيدي وكان مطلع أغنية‏'‏ جواب‏'‏ حبيبي الغالي من بعد الأشواق أهديك سلامي وحنيني وغرامي‏'‏ ومن عظمته الفنية أنه وهو غير متيقظ تماما فطن لعبقرية الأغنية وطلب من السفرجي تحضير الإفطار لنا واستكملنا الجلسة وتكرر الأمر في أغنية‏'‏ جبار‏'‏ التي استشعر عدم رضائي عنها وكان ذلك رأيي بالفعل فتراهن معي علي أن الأغنية ستعيش لأكثر من عشرين عاما ومن يكن حيا منا سيعرف هذه الحقيقة وكانت نبوءة لأنني بكيت حين غني هذه الأغنية الشاب المغربي عبده شريف أمامي في الأوبرا‏.‏
كيف كانت علاقة عبد الحليم بالثورة؟
عبد الحليم غني أجمل الأغاني الوطنية وقد لا يعلم الكثيرون أنه لم يكن يتقاضي مليما واحدا عن هذه الأغاني وكنت بحكم عملي في صوت العرب منوطا بإنتاج معظم هذه الأغاني وأؤكد أن عبد الحليم إذا كان يصنف علي أنه مطرب الثورة إلا أنه لم يستفد منها علي الإطلاق‏.‏ فكان يسافر إلي الخارج للعلاج علي نفقته وتجنبا لعرضه علي القومسيون الطبي الذي قد يرفض علاجه في الخارج كنا نتحايل بإحضار عقد عمل من بيروت ثم نذهب به لمكتب الآداب وترسله الآداب للمصنفات الفنية فجميع فناني مصر باستثناء أم كلثوم وعبد الوهاب كان لابد من حصولهم علي تصريح الآداب بل أن عبدالحليم أصابته سهام صلاح نصر ومضايقاته بعد أن لجأ إليه علي أمين لتوصيل بعض الطلبات لمصطفي أمين في السجن بحكم صداقته لهما فأرسل صلاح نصر لاستدعائه وتوصل عبد الحليم لفكرة جهنمية فاتصل بجميع رؤساء التحرير في مصر والعالم العربي وأخبرهم أنه سيلتقي غدا مع صلاح نصر الساعة الثالثة ظهرا تحسبا لعدم عودته فيكون هناك ضغط إعلامي وفي النهاية اتصل أحمد بهاء الدين بالمشير عامر لإيقاف تلك المضايقات‏.‏
بصفتك كنت مسئولا عن الإنتاج الغنائي كيف كان حال الغناء عقب هزيمة‏1967‏ بعد هذا الكم الهائل من الأغاني الثورية التي رفعت سقف التوقعات وحتمية الانتصار؟
كانت نبرة الأداء عالية وأغاني التعبئة هي الشائعة قبل النكسة ولكن بعدها كان كل مطربي وملحني وشعراء مصر يملأون طرقات الإذاعة مجموعة يصعب الالتقاء بها في ظل الظروف العادية وأخذت علي عاتقي إنتاج أغنية‏'‏ عدي النهار‏'‏ للإذاعة التي كتبها الأبنودي ولحنها بليغ وغناها عبد الحليم ورفض مسئول الإعلام في البداية لكنني تعهدت بتحمل كل النتائج ونجحت الأغنية وأعادت الجماهير إلي الغناء فالإحساس بالهزيمة كان مضاعفا بالنسبة لنا خصوصا أننا كنا لا نستطيع إذاعة إلا أغنيتين وهما إلهي ليس لي إلا لك عونا لفايدة كامل وأغنية‏'‏ بلدي أحببتك يا بلدي‏'‏ ولكن بعد ذلك كنا ننتج أغنية كل ساعة بلا مبالغة‏.‏
أثناء حوارك معي وصفت الموسيقار محمد عبد الوهاب بأنه رادار الغناء العربي ما هي حيثيات هذا الرأي؟
عبد الوهاب كان دائم الاستماع إلي الإذاعة وحريصا علي استقدام الأصوات العربية الجيدة وتمصيرها من خلال اللحن والكلمات وحين سمع فيروز في بداية ظهورها وهي تغني‏'‏ البنت الشلباية‏'‏ طلب توجيه الدعوة لها هي وزوجها عاصي ومنصور الرحباني لزيارة مصر وسعدت بأنني كنت المسئول عنهم وطلبوا سكنا خاصا لا فندقا وكان مرسي جميل عزيز أول شخص يطلبون مشاهدته فطلبته فرد بجفاف اعتقادا منه أنني أقوم بعمل مقلب من مقالب شلة عبد الحليم كما كان يطلق عليها فأخبرته أن عاصي الرحباني وفيروز يودان مشاهدته فقال أذن اسمعني صوته أولا في التليفون فوجد عاصي يقول له‏'‏ أهلين‏'‏ وبعد مرور ساعتين أتي من الشرقية إلي القاهرة وسعدت بتسجيل حوار نادر للرحبانية هو الوحيد في الإذاعة كانت مصر رائدة بحق عن جدارة ترفع إلي عنان السماء كل موهبة تستحق ذلك فقد كان المناخ العام لا يسمح بتضخيم عديمي الموهبة كما يحدث الآن‏!!‏ ولكن ذلك لا يعني عدم وجود أصوات جميلة لكنها قليلة فالإنسان لا يستطيع أن يسد أذنه عن الكلمة أو النغمة الحلوة‏.‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.