75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    الأوقاف تعلن أسماء المرشحين للكشف الطبي للتعاقد على وظيفة إمام وخطيب من ذوي الهمم    لمدة 15 يوما.. وزير الإسكان: غداً.. بدء حجز الوحدات السكنية في «بيت الوطن»    «الإحصاء»: 4.1 مليار دولار صادرات مصر لتركيا خلال عام 2023    الأردن.. الخصاونة يستقبل رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمملكة    مؤشر egx70 يرتفع.. البورصة تقلص خسائرها في منتصف تعاملات اليوم الثلاثاء    «مياه أسيوط» تستعرض تنفيذ 160 ألف وصلة منزلية للصرف الصحي    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    بنك مصر شريكا ومستثمرا رئيسيا في أول منصة رقمية للمزادات العلنية «بالمزاد»    بوتين يوقع مرسوم استقالة الحكومة الروسية    أوكرانيا: مقتل وإصابة 5 أشخاص في قصف روسي على منطقة سومي شمالا    مسؤول إسرائيلي: اجتياح رفح يهدف للضغط على حماس    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    الإليزيه: الرئيس الصيني يزور جبال البرانس الفرنسية    مؤرخ أمريكي فلسطيني: احتجاجات طلاب جامعة كولومبيا على الجانب الصحيح من التاريخ    قبل موقعة بايرن ميونخ| سانتياجو برنابيو حصن لا يعرف السقوط    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    أول صورة للمتهم بقتل الطفلة «جانيت» من داخل قفص الاتهام    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    تأجيل محاكمة المتهمة بقت ل زوجها في أوسيم إلى 2 يونيو    ضبط شخص بالمنيا يستولى على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بالمواطنين    مهرجان المسرح المصري يعلن عن أعضاء لجنته العليا في الدورة ال 17    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    بأمريكا.. وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلاً غنائيًا    في يومه العالمي.. تعرف على أكثر الأعراض شيوعا للربو    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضمن حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية ب3 قرى في أبوتشت    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية معصرة حجاج بمركز بنى مزار    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    «تعليم الإسماعيلية» تنهي استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    مصرع سيدة دهسًا تحت عجلات قطار بسمالوط في المنيا    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    العاهل الأردني يطالب بمضاعفة المساعدات الإنسانية إلى غزة وإيصالها دون معيقات أو تأخير    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    ياسمين عبدالعزيز عن محنتها الصحية: «كنت نفسي أبقى حامل»    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2010 سنة تلبس الحداد : الموت هو الحصاد الأوفر ..ورحيل الأدباء والفنانين قضية العام
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 12 - 2010

كان الرحيل هو تيمة هذا العام، حيث رحل 12 كاتبا ومثقفا خلال شهور هذا العام بدءا من الساخر محمود السعدنى مرورا بأسامة أنور عكاشة والناقد فاروق عبدالقادر والشاعر عفيفى مطر ونصر حامد أبوزيد وعبدالسلام العمرى انتهاء بمحىى الدين اللباد وإدريس على. وكأن هذا العام يريد أن يقول «الموت هو الحصاد الأوفر».
بالنسبة للثقافة المصرية سيظل 2010 العام الأكثر حزنا بين سنوات الألفية الجديدة وما قبلها. هو كأى عام حل ورحل، حاملا أحداثا ومعارك ومفاجآت، لكن الموت الذى وسم أغلب شهوره جعله عاما مرا على الثقافة والمثقفين.
الأعداد والأسماء التى اختطفها مؤخرا الموت، هذا الشديد الانتقائية، جعلت بعض الكتاب والنقاد يتحسسون أرواحهم حتى الآن، وينعى بعضهم نفسه مقدما، متوقعا أن يصطاده الدور أى لحظة، بينما استحضر آخرون الموت فى كلامهم وتفاصيلهم قبل أن يستحضرهم.
قاسٍ أن يكون الحصاد الأوفر لهذه السنة هو الموت، لكنها الحقيقة، فمؤتمرات وجدل وخناقات الرأى أو المصالح، كانت مواضيع بائتة، جنب خبر رحيل قامة كأسامة أنور عكاشة، أو شاعرٍ بنبل عفيفى مطر، أو باحثٍ بإخلاص وتفرد نصر حامد أبوزيد، ومن سبقهم وتلاهم داخل سوار هذا العام.
رحيل الولد الشقى وصاحبه
البداية كانت منتصف العام، فى الأسبوع الأول من مايو، برحيل الساخر الكبير محمود السعدنى أو «الولد الشقى»، أو آخر ظرفاء هذا الزمان، كما سماه رفيق دربه السيناريست أسامة أنو عكاشة، الذى صرح حينها بأنه يشعر باليتم من بعده، فهو رجل «لا تود أن تتركه أبدا».
وحده الموت كان يعرف أن لن يمر سوى 23 يوما ويلحق أسامة بالسعدنى فى 28 مايو الماضى، تاركا إرثا مضافا إلى تاريخ الحدوتة المصرية المصورة، بأعمال من ذلك النوع الذى كأنه التاريخ السيرى الشعبى أو الحقيقى.
وبالعودة للسعدنى فهو من مواليد 1928، وامتدت رحلته الصحفية منذ الحكم الملكى فى مصر ومرورا بثورة 23 يوليو، التى أيدها وعمل فى صحيفتها «الجمهورية»، لكن سرعان ما استعدى عليه النظام ليتم اعتقاله أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ثم أيام السادات ليضطر بعد الافراج عنه إلى التنقل بين دول الخليج وبيروت، وصولا إلى لندن التى بقى فيها إلى ما بعد اغتيال السادات، ليعود من جديد إلى مصر للعمل فى الصحافة مؤسسا ريادته فى الكتابة الساخرة، عبر بابه الثابت فى صحيفة «أخبار اليوم» «أما بعد»، الذى كان يتناول فيه القضايا السياسية والاجتماعية بأسلوبه الساخر الذى انفرد به، كما عرف بأنه من أكثر الكتاب المصريين خفة ظل وغزارة فى الانتاج، وخلف مجموعة كبيرة من الكتب التى تعتبر من أهم الكتب الساخرة فى أدب السيرة الذاتية، والتى بدأ كتابتها فى الستينيات واستمرت حتى تسعينيات القرن الماضى، وجمع بين هذه الكتابات عنوان «الولد الشقى».
أما عكاشة فإن أثره فى الدراما المصرية كمستكملٍ لتاريخ الحارة المصرية الذى بدأه قبله بعقودٍ، نجيب محفوظ منذ الثلاثية وما تلاها من أعمال، ينصبه متحدثا رسميا باسم هذه الحارة، عبر أعمالٍ فككت الشخصية المصرية بحثا عن الجين الأصلى لها كليالى الحلمية وأرابيسك وزيزينيا والراية البيضا والشهد والدموع وضمير أبلة حكمت غيرها، وحتى وإن جاءت إجابات عكاشة واستنتاجاته حول هذه الشخصية مغايرة أو مستفزة للبعض، كرأيه فى مسألة عروبة مصر، أو رأيه فى الصحابى عمرو بن العاص أو حجاب بعض الفنانات، فقد ظل متمسكا بها حتى وفاته، بعد توضيح رأيه وتقشيره من افتراءت بعض الإعلاميين والمتأسلمين.
فاروق عبدالقادر..جائزة كأنها الموت
بمفارقةٍ درامية كلاسيكية كان الناقد الكبير فاروق عبدالقادر أول الراحلين بعد أسامة أنور عكاشة، إذ توفى بعد يومٍ واحدٍ من إعلان المجلس الأعلى للثقافة فوزه بجائزة التفوق فى 22 يونيو الماضى وقيمتها مائة ألف جنيه.
من ناحية كانت الجائزة وقيمتها أضعف من قامة الناقد والمسرحى الكبير الذى رحل عن 72 عاما، وجملة من أهم الأعمال الفكرية والترجمات ك«النقطة الفارغة» لبيتر بروك، «اوراق من الرماد والجمر»، «ازدهار وسقوط المسرح المصرى» وغيرها، ومن ناحية أخرى كانت القيمة المادية للجائزة ستبدو كهدايا أعياد الميلاد التى يحضرها «بابا نويل» للأطفال، أو ملاك الفرصة الأخيرة للمحتاجين، لولا أنها تأخرت كثيرا، بعد أن كانت قرحة الفراش قد فعلت فعلها به، بعد اضطراره إلى الخروج من المستشفيات الخاصة التى دخلها للعلاج من جلطة بالمخ، إلى وحدة المسنين بأحد المستشفيات الحكومية، وإصابته هناك بالقرحة نتيجة إهماله.
عفيفى مطر يغادر ملكوته
هى ذاتها المؤسسة الرسمية التى أهملت فاروق عبدالقادر حتى نزف مخه ثم منحت ورثته جائزة التفوق دون أن يدرى، هى من أهملت وتجاهلت الشاعر الكبير عفيفى مطر الذى غيبه الموت بعد أقل من أسبوعٍ من رحيل عبدالقادر عائدا إلى «دفتر الصمت»، عن عمرٍ يناهز الخامسة والسبعين، وذلك إثر إصابته بغيبوبة كبدية، نقل على إثرها فى حالةٍ خطيرة إلى مستشفى منوف العام، ليلقى ربه بعدها بأيام قليلة.
ومعروف أن «عم عفيفى» أحد أهم رموز الشعر فى مصر والوطن العربى، وقد أصدر الراحل أول دواوينه «من دفتر الصمت» عام 1968، أتبعه بعدها بعدد كبير من الدواوين من بينها: كتاب الأرض والدم، احتفاليات المومياء المتوحشة، فاصلة إيقاعات النمل، رباعية الفرح، يتحدث الطمى، شهادة البكاء فى زمن الضحك، رسوم على قشرة الليل، والجوع والقمر وغيرها، وصدرت أعماله الكاملة عن دار الشروق عام 2000 وله ديوان مخطوط بعنوان»ملكوت عبدالله».
وكان الشاعر الكبير معروفا بقربه من أغلب الأجيال الشعرية، فهو يعد من أكثر الشعراء الذين نالوا ما يشبه الإجماع على أهمية واختلاف منجزهم الشعرى، لكن كان هناك إجماع أيضا على تجاهل هذه التجربة، وعدم منحها ما تستحقه من تكريم، فأغلب ما حصل عليه من جوائز كان لجهات أهلية أهمها: جائزة سلطان العويس عام 1999، جائزة كفافيس من اللجنة الدولية لجائزة كفافى أثينا القاهرة، جائزة الشعر من المؤسسة العالمية للشعر، روتردام هولندا، جائزة طه حسين من جامعة المنيا مصر، باستثناء جائزة الدولة التشجيعية من المجلس الأعلى للثقافة.
كما أرشفت الثقافة المصرية جملة من إجراءات التعنت والقمع التى تعرض لها الشاعر الراحل على يد المؤسسة الرسمية، بدءا من قرار رئيس هيئة الكتاب فى الخمسينيات الشاعر الراحل «صلاح عبدالصبور» ألا ينشر له ديوانا «ولو على جثتى»، ثم وريث كرسيه، رئيس الهيئة الأسبق سمير سرحان، الذى تراجع بعد سنوات من تجميد الاتفاق، عن طباعة الأعمال الكاملة لمطر، قبل أن تقوم بهذه الخطوة عام 2000 دار الشروق، فضلا عن اعتقال مطر وتعذيبه بداية التسعينيات لمعارضته الحرب على العراق.
نصر أبوزيد يقطع منفاه للأبد
بعد أسبوعٍ آخر من رحيل عفيفى مطر، فى 5 يوليو الماضى، كانت طامة رحيل المفكر المصرى الكبير نصر حامد أبوزيد، بسبب فيروس مجهول خلال زيارته الأخيرة لأندونيسيا أصاب عقله، أجمل ما فيه، ليصاب بغيبوبةٍ واضطرابٍ فى الوعى وينقل إلى مستشفى الشيخ زايد فى القاهرة، ليلقى ربه هناك.
ويشترك أبوزيد مع كلٍ من فاروق عبدالقادر وعفيفى مطر فى معارضته للسلطة الثقافية المصرية، لكنه لم يحظ مثلهما بالتجاهل قدر ما ووجه بالمطاردة والتنكيل.
فقبل 15 عاما لاحقته السلطة السلفية داخل الجامعة بعدما رأت فى إبعاده تنكيلا بالعلمانية، وذلك إثر تقديمه بحثا بهدف الترقى فى كلية آداب القاهرة عام 1993. وقتها لم يكتف رموز اليمين داخل الجامعة وعلى رأسهم د. عبدالصبور شاهين، برفض الترقية والبحث، بل اتهم طالبهما بالكفر، لتمتد فتواه لخارج الجامعة، يحملها وكلاء الحسبة الذين طالبوا بتفريقه عن زوجته.
ووقتها كان يكفى نصر أبوزيد أن يردد الشهادتين أمام القاضى الذى حكم بإبعاده عن زوجته لأنه برأيه «كافر»، لينال غفرانا أبديا من الجميع، لكنه اختار أن يرحل، حاملا حقائبه وعقله باتجاه هولندا، استجابة لدعوة من جامعة ليدن، رافضا أكثر الحلول أمنا وهو التراجع عن بحثه ونيل رضا وحماية المؤسسة الدينية، أو الارتماء فى أحضان المؤسسة السياسية ليكون مجرد عصا فى معركتها ضدّ تيارات التأسلم..!
وطوال منفاه الذى لم يقطعه سوى زياراتٍ قصيرةٍ للقاهرة، لم يطرح اسم أبوزيد ضمن مرشحين لأى جائزة أهلية أو رسمية، كما لم يطلب لأى منصبٍ جامعى أو ثقافى داخل مؤسسات الدولة، التى توارب شعار الإصلاح فوق كل مؤسساتها، كما حرم القراء من رؤية مؤلفاته الجدلية.. رغم اختناق المطابع الحكومية بمجلدات عن الطبخ وطوابع البريد.. وغيرها.
العمرى يهجر الكتابة والمعمار
بعد عشرة أيام من رحيل «أبوزيد» أعلنت أسرة الروائى المصرى المعروف محمد عبدالسلام العمرى وفاته إثر سكتة قلبية مفاجئة عمرٍ يناهز السادسة والستين، فى رحلة انتصر فيها البناء الأدبى على الهندسة المعمار، إذ كان الراحل أحد تلامذة شيخ المعماريين العرب حسن فتحى، وعمل مهندسا حرا لسنوات طويلة قبل أن يتفرغ تماما للأدب.
وكان العمرى أحد أبرز كتاب الرواية المصريين وأثارت رواياته ودراساته الكثير من الجدل فى مصر والدول العربية خاصة دول الخليج، التى تناولها بالنقد والتحليل وناقش الكثير من الأنظمة القائمة فيها مثل نظام الكفيل والمؤسسات الدينية، كما كانت له خلافات واضحة مع المؤسستين السياسية والدينية فى مصر، فسبق وأن أحل الشيخ محمد الغزالى دمه بسبب قصة «بعد صلاة الجمعة» التى نشرت فى صحيفة الأهرام الرسمية عام 1995 وانتقدت المواقف الدينية للشرطة، كما سبق وهاجمه وزير الثقافة فاروق حسنى بسبب روايته «الجميلات» التى اعتبرها الوزير رواية جنسية تدعو للفجور، وصادر الطبعة الأولى منها قبل أن يفرج عنها بحكم قضائى ليصدر منها طبعة عاشرة عن مكتبة مدبولى.
وتنوعت أعمال الراحل بين الرواية والقصة القصيرة والدراسة، وكان آخر أعماله كتاب «عمارة الأضرحة» عن دار أخبار اليوم، وصدرت للراحل قبل عدة أشهر فى نيويورك الطبعة الإنجليزية من روايته الشهيرة «قصر الأفراح».
اسم سعيد عبيد يلعب الطاولة
القاص والمغنى الجميل سعيد عبيد كان أحد الوجوه المألوفة على مقاهى وسط البلد كزهرة البستان الجريون وغيرهم، ما يعرفه أى شخصٍ عن عم سعيد باستثناء أصدقائه المقربين، المخرج مجدى أحمد على، والفنان لطفى لبيب، والفنان عادل السيوى، وبالطبع الشاعران أحمد فؤاد نجم، وإبراهيم داوود قليل، لكنه كان محبوبا لكل الرواد، وكان رحيله خلال شهر رمضان الماضى خبرا موجعا لكل من عرفوه، واختار أصدقاؤه على «زهرة البستان» أن يكرموا ذكراه على طريقتهم، فسموا دورة «الطاولة» هذا العام باسمه.
لكن سعيد عبيد ليس هذا المجهول، الذى كتب عنه «نجم» فى الوفد، وفشلت مساعدات أحد رجال الأعمال فى أن تنفع كبده الذى كان تلف، هو كما سماه إبراهيم داوود: «ابن ميت رهينة الطيب والمبهج، الذى كان ولازال «أساسيا» فى حياة قطاع كبير جدا من المثقفين منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضى، بصوته القريب وخفة ظله، وحكاياته، التى كانت من الممكن أن تصنع منه روائيا فريدا، وحياته المليئة بالغناء والدراما والأسى».
يضيف: «سعيد رجل طيب يحب الغناء، وخطفته النداهة بمساعدة الشيخ إمام عيسى ليجد نفسه صوتا صديقا للمناطق الشجية فى وجدان المحيطين به، كون فى نهاية الثمانينيات مع الراحلين محمد جاد الرب وحسن الموجى «جيش التوشيح»، يكتب قصائد، يلحنها الموجى بعد فك شفرتها، وإذابتها فى جمل لحنية قادمة من تراث المجاورين وبداهة أولاد البلد وأحزان الفرادى، ليغنيها سعيد بصوته الصادق الحنون، الذى لا مبالغة فيه ولا حذلقة، صرف كل ما يملك لكى يغنى ويستمع الناس إلى شىء آخر من الممكن أن نغنيه معا «لو بس القمره تبان وتنور للعميان، شاعر أغانى والنيل سقانى العنب ألوان، يارايح طوخ» وغيرها من الألحان العظيمة التى تغنت بها النخبة المثقفة المحبة للغناء والتفت حولها سنوات ليست قليلة، كان يريد مع المؤلف والملحن إعادة اكتشاف الشجن المصرى من جديد وتقديمه على اعتباره عملا جماعيا شارك الجميع فى صياغته، وقدمه فى حفلات فى قصر الغورى عندما كان صلاح عنانى مسئولا عنه، وقصر الأمير بشتاك وبعض الأماكن العامة، وقدم مع نجم «شحتوت العظيم» تأليف الراحل محمد سعيد فى المنصورة، وفجأة وهو فى الستين ابتلاه الله بالمرض اللعين.
وجفت ريشة فيلسوف المطابع
لنفس السبب أو بيد نفس الفاعل كان الرابع من سبتمبر الماضى «أحد الأيام الحزينة» كما سماه الأديب الكبير إبراهيم أصلان بعد تلقيه نبأ وفاة الفنان الكبير محيى الدين اللباد أو «فيلسوف المطابع» بعد صراعٍ قصيرٍ مع المرض، كان خاتمة صراعٍ أطول مع الفن والحياة.
ويعد اللباد الذى بحسب الفنان الكبير حلمى التونى، لم يلق أبدا التقدير الذى يستحقه ك«صانع للكتب»، أحد أشهر مصممى أغلفة الكتب فى العالم العربى، وكان يعتمد فيها على استخدام عناصر فنية من التراث الشعبى العربى، وقد عمل منذ منتصف الستينيات مصمما ومديرا فنيا للجرافيك وشارك فى تأسيس عدد من دور النشر الخاصة بكتب الأطفال فى مصر ولبنان وله عدة مؤلفات للكبار والصغار ترجم بعضها إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية والألمانية والفارسية واليابانية ونال عن بعضها جوائز عربية وعالمية وشارك فى الكثير من معارض الكاريكاتير الدولية والتحكيم فيها، لكن أشهر وأهم أعماله على الإطلاق هى سلسلة «نظر»، التى تعد مرجعا لمتذوقى الفن التشكيلى والرسوم الكاريكاتيرية وفنون الجرافيك المعاصرة فى مصر والعالم والعربى والعالم بأسره، فضلا عن كتابه البديع والمهم «كشكول الرسام» الذى حاز على جائزة التفاحة الذهبية لبينالى براتسلافا الدولى لرسوم كتب الأطفال، وجائزة «الأوكتوجون» المركز الدولى لدراسات أدب الطفولة فى فرنسا، كما اختير ضمن أفضل عشرة كتب عربية للأطفال، وصدرت منه طبعات باللغة الفرنسية والهولندية والألمانية، وهو صادر عن دار الشروق، فضلا عن كتب وأعمال أخرى من بينها: «30 سؤالا، لغة بدون كلمات، تى شيرت، حكاية الكتاب، 100 رسم وأكثر، وملاحظات، وغيرها..
ورزق الله لن يعود إلى مرسمه
بعد 12 يوما من رحيل اللباد كان الموت على موعدٍ مع قامةٍ تشكيلية أخرى، إذ رحل الخميس 16 سبتمبر الفنان الكبير عدلى رزق الله بعد رحلة خصبة مع الفن، ورحلة أخرى مع المرض.
رحيل رزق الله لم يكن مفاجئا، فقد ظل قرابة شهرٍ بمركز الدكتور محمد غنيم بمدينة المنصورة للعلاج من سرطان المثانة، قبل أن تتدهور حالته وينتقل إلى غرفة العناية المركزة بمستشفى السلام بمنطقة المهندسين، التى ظل فيها حتى وفاته، دون أن تفلح مناشدات الفنانين ونقابة التشكيليين المصريين لوزارة الثقافة من أجل علاجه بالخارج على نفقة الدولة.
ويعد الراحل أحد رموز فن التصوير المائى فى مصر والعالم العربى، وقد تخرج فى كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة عام 1961. والتحق بمعهد الدراسات القبطية فى الفترة ما بين 1960 و1962، تعرف خلالها على عدد كبير من الفنانين مثل حبيب جورجى، وراغب عياد، والمعمارى ويصا واصف وغيرهم.
وفى الفترة من 1974 إلى 1978 سافر إلى فرنسا، ودرس بجامعة ستراسبورغ، ثم عمل أستاذا بمعهد الفنون التشكيلية فى نفس الجامعة.
وتمتع الراحل بمكانة فنية وإنسانية متميزة فى أوساط الفنانين المثقفين، وكان يقيم فى مرسمه بمنطقة وسط البلد (بالقاهرة) ندوة أسبوعية، يستضيف فيها الشعراء والكتاب والفنانين والروائيين لمناقشة إبداعاتهم فضلا عن قضايا الوقع الثقافى.
شارك رزق الله فى الكثير من المعارض الجماعية والفنية فى مصر والعالم العربى والدول الأوروبية. ونال الكثير من الجوائز المحلية والدولية، من بينها جائزة سوزان مبارك، وجائزة معرض «لايبزغ» الدولى بألمانيا عام 1980، وجائزة المركز العالمى لكتب الأطفال بسويسرا، وله مقتنيات بعدد من متاحف الفنون الجميلة فى مصر وأوروبا.
رواد التفعيلة يتساقطون
أيضا شهد هذا العام غياب اثنين من رواد حركة الشعر الحر، وهما عبدالمنعم عواد يوسف، وكمال نشأت، فى 17 سبتمبر، و4 أكتوبر على التوالى، ويعد الشاعران من مؤسسى قصيدة شعر التفعيلة فى الشعر العربى المعاصر.
وقد قدما للمكتبة العربية مجموعة من أبرز الدواوين، فقدم يوسف المولود عام 1933 بمحافظة القليوبية دواوين مثل: عناق الشمس 1966 أغنيات طائر غريب 1972 الشيخ نصرالدين والحب والسلام 1974 للحب أغنى 1976 الضياع فى المدن المزدحمة 1980 هكذا غنى السندباد 1983 بينى وبين البحر 1985 وكما يموت الناس مات 1995 المرايا والوجوه 1999 الأعمال الشعرية الكاملة 1999 عيون الفجر (للأطفال) 1990.
وقدم نشأت المولود فى حى رأس التين بالإسكندرية عام 1923 سبعة دواوين من بينها: أحلى أوقات العمر وماذا يقول الربيع ومن كتبه النقدية أبوشادى وحركة التجديد فى الشعر العربى، والنقد الأدبى الحديث فى مصر».
النوبى يرحل بلا لعب
ومؤخرا اختار الأديب الكبير إدريس على أن يرحل هذا العام، فى 30 نوفمبر الماضى، وهو نفس العام الذى شهد جدلا واسعا بسبب مصادرة روايته الأخيرة «الزعيم يحلق شعره»، التى صادر الأمن جميع نسخها، واحتجز ناشرها على خلفية تعرضها لشخصية الرئيس الليبى معمر القذافى، توفى «عم إدريس» إثر اصابته بأزمة قلبية حادة،عن عُمر يُناهز السبعين عاما، والعديد من المؤلفات المهمة، التى ترجم بعضها إلى لغات أجنبية، وأهمها روايات: «دنقلة»، «انفجار جمجمة»، «مشاهد من قلب الجحيم»، «اللعب فوق جبال النوبة»، «تحت خط الفقر»، «النوبى» وغيرها، وحصد العديد من الجوائز منها جائزة اتحاد الكُتاب، «جامعة اركتور» الأمريكية عن ترجمة روايته «دنقلة» إلى الإنجليزية فى 1997، كما حصد جائزة معرض الكتاب عن روايته «انفجار جمجمة».
يذكر أن هذا العام قد شهد غياب قامات فكرية وأدبية عربية أخرى كالمفكر المغربى عابد الجابرى، والكاتب الجزائرى الطاهر وطار، والكاتب والناقد السعودى غازى القصيبى وغيرهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.