طائر الموت مازال يرفرف فوق أسطح البيوت، فبعد أن خطف في أيام متتالية: محمود السعدني وأسامة أنور عكاشة وفاروق عبدالقادر ومحمد عفيفي مطر ونصر حامد أبوزيد، ها هو يخطف اليوم الكاتب الروائي محمد عبدالسلام العمري، الذي غادر إلي الملأ الأعلي يوم الخميس الماضي عن 66 عاماً، بعد هبوط حاد مفاجئ في الدورة الدموية. وكان قد أصيب منذ سنوات قليلة بجلطة في المخ (سحقا لجلطة المخ). أصدر محمد عبدالسلام العمري مجموعات قصصية هي إلحاح الجسد المنهك، شمس بيضاء، إكليل من الزهور، بستان الأزبكية. كما صدرت له روايات: اهبطوا مصر، صمت الرمل، مأوي الروح، قصر الأفراح، الجميلات. ولد العمري بإيتاي البارود (بحيرة) عام 1944، وتخرج في كلية الهندسة قسم العمارة جامعة حلوان، وعمل مهندساً معمارياً ببعض دول الخليج من منتصف السبعينيات حتي منتصف الثمانينيات. وسجّل بعض تقاليد الحياة في مجتمعات الخليج العربي في بعض رواياته وقصصه، حتي جرّ عليه ذلك العديد من المشاكل. كان أبرزها المشكلة التي أثارها رجال الدين المصريون والسعوديون بسبب نشره قصة بالأهرام (منتصف التسعينيات) بعنوان «بعد صلاة الجمعة»، صور فيها عملية إقامة حد القتل بالسيف علي أحد المواطنين بساحة عامة في إحدي مدن السعودية. كتب الشيخ الغزالي عمودا في جريدة «الشعب» اتهم فيها القصة وصاحبها بالكفر وازدراء الأديان. وتم التحقيق مع الكاتب. ووقفت الحياة الادبية والثقافية المصرية بجانب الكاتب وبجانب حرية الرأي والتعبير والاعتقاد. وقد ساهمت مجلة «أدب ونقد» وجريدة «الأهالي» في الدفاع عن حرية الكاتب والكتابة، في مواجهة التعنت والعسف والارهاب باسم الدين، مساهمة مؤثرة. فقد خصّصت «أدب ونقد» لهذه القضية ملفا كاملا من ملفاتها، شارك فيه بالوقوف إلي جانب الحرية والاستنارة عدد كبير من المثقفين والمبدعين.. وقد ظل العمري يشيد بموقف «الأهالي» و «أدب ونقد» في التضامن معه ومع حرية الابداع، في كل مناسبة وأثناء كل شهادة يقدمها حول حريات التعبير في مصر. وكان ملف «أدب ونقد» عماد الكتاب الذي أصدره العمري بعد ذلك حول قضيته هذه باسم «قضية بعد صلاة الجمعة: توثيق وشهادات ووقائع».. ولم تنته حكاية العمري مع التطرف الديني بانقشاع غبار قصة «بعد صلاة الجمعة» إذ ما لبث الغبار ان ثار ثانية عام 2004،. بعد نشره روايته «الجميلات» التي رأي فيها محتكرو الفضيلة ومحتسبو التقوي مساسا بالحياء العام وخدشا للأخلاق الحميدة، وقد تم التحقيق فيها مع الكاتب، بمعرفة النيابة العامة، إلي أن انتهي الأمر بحفظ التحقيق، كما حدث في المشكلة السابقة، احتراما لحرية الرأي وتقديرا لجنوح الكتابة الابداعية التي لا ينبغي أن تقاس بالمعايير الاجتماعية العادية للأخلاق والسلوك القويم. وللعمري مساهمات ثقافية اخري منها كتابه «ثقافة الهزيمة» عن حالة الثقافة المصرية في العشرين عاما الأخيرة.. من عجائب العمري، الروائي، والمهندس المعماري، الذي ألّف في العمارة كتاب «عمارة الفقراء أم عمارة الاغنياء: دراسة في عمارة حسن فتحي، إنه قبل رحيله بقليل أصدر كتابا عن «عمارة الاضرحة» وكأنه كان يمهد لرحلته الاخيرة القادمة.. متي سترتاح قليلا من الرفرفة أيها الطائر الحزين ؟