زحام شديد.. وفرحة كبيرة تملأ قلبك عندما تقبل على مشاهدة عمل يحمل عودة الأسماء الكبرى فى الإنتاج والتوزيع.. ولهفة فى المرة الأخيرة التى ستقابل فيها نجمك المفضل الذى رحل عنا منذ أيام. المشهد يتكرر من جديد، فقبل 7 سنوات أتذكر قاعات السينما وهى تكتظ بالجماهير العريضة التى جاءت لمشاهدة نجمها المفضل، وبطل الأكشن الوحيد الذى نجح فى وضع بصمة سينمائية له فى هذا المجال رغم المحاولات البائسة من نجوم آخرين حينها.. الجميع يجلس منتبهًا بعناية لمفردات الحوار الراقية التى تجمع بين القوة والنفوذ فى شخوص عائلة منصور، وبين الرومانسية التى غلفت الصراعات متمثلة فى قصة حب "منصور وكريمة". تقف حائرًا كثيرًا أمام الجزء الثاني، فإذا كنت تبحث عن رقى الأداء ومشاهدة صورة سينمائية جيدة تأكد أنك ستخرج من الفيلم بهذه الوجبة الوفيرة التى يديرها صاحب الأسم الأهم والأحرف فى الصناعة شريف عرفة، لكنك ستندهش كثيرًا كلما مرت عقارب الساعة طوال مدة العرض الفيلم الممتدة إلى 3 ساعات، فالفيلم ابتعد عن محتواه فى جزئه الأول وصراعات أهل الجزيرة فى تجارة المخدرات ليأتى محملًا بالحديث عن السياسة تحديدًا منذ يوم 24 يناير مرورًا بالأحداث حتى عام 2012. الرموز والتلميحات فى الفيلم لا تنتهى، لعل أحدثها شخصية "جعفر" الذى قدمه الراحل خالد صالح، ويمثل أميرًا للرحالة فى إشارة محملة لشخصه بأكثر من مفهوم تمزج ما بين أمير للإخوان والجماعات الجهادية أو "داعش" فى تفاصيل التوسع فى المنطقة فيما بعد، لكن "جعفر" فى الأغلب شخصية ترمز لعهد الإخوان وسيطرتهم على الأوضاع فى البلاد، ومحاولة تحالفهم مع جميع الأطراف من أجل المصلحة. أما اللواء رشدى الذى يجسده الفنان خالد الصاوي، فيرصد عدة تفاصيل حول انكسار الشرطة وهزيمتها بعد الثورة، وإصرارها على الاحتفاظ بهيبتها رغم أن الأجواء المحيطة حولها تؤكد انكسارها وتمثل ذلك فى جملة واضحة قالها "رشدى" لرئيسه فى العمل بعد أن اغتيلت زوجته وأبناؤه ورفضت الوزارة اتهام "الرحالة" بقتلهم وقاموا بتحميل التهمة لشخص آخر، فى مشهد يظهر عجز الداخلية حينها فى الوقوف أمام هذا التيار حينها حيث قال له: "أنا مستقيل.. طالما أن الداخلية مش عارفة تجيب حقنا.. ثم ينظر إلى برواز "الشرطة فى خدمة الشعب"، ويقول له "الشرطة مش خدامين حد"، وإن كانت هذه العبارة هى واحدة من أقوى الجمل الحوارية بالفيلم، تلخص كثيرًا من الأوضاع الماضية والحالية بشكل غير مباشر. "منصور" هذه المرة قد يكون صورة للنظام البائد، ومحاولته التصدر والظهور فى المشهد خلال تلك الفترة السياسية من تاريخ مصر لكنه يفشل فى كل مرة يقوم فيها بذلك، حتى يأتى مشهد النهاية مجسدًا فى نجل "منصور" أو "على" الذى يجسد دوره أحمد مالك، فرغم رفضه فى البداية استكمال نهج أبيه والعيش فى الجزيرة، لكنه ينتهى بأنه سيكون وريث الجزيرة وحاكمها بعد أن اعتقد أن أباه قتل إثر الانفجار الذى وقع داخل الجبل الموجود به هو، واللواء "رشدي"، و"جعفر". التساؤلات لا تنتهى فى هذا العمل، ولكن قبلها لا بد من الإشارة إلى أن كتاب العمل الإخوة دياب "محمد- خالد- شيرين" خلطوا كثيرًا بين الأوضاع السياسية وانعكس ذلك فى المحتوى المقدم لكن دون قصد متعمد، وهو ما جعل الكثيرين يوجهون انتقادات للسيناريو فى عدم وضوح رؤيته وموقفه السياسى أو كونه يعادى الثورة. والارتباك الحادث فى سيناريو الفيلم تمثل فى ربط الأحداث أو بمعنى أدق فى الإشارات إليها فكما هو ببداية الأحداث أنه يتناول فترة ما بعد ثورة يناير، وما قبل نظيرتها 30 يونيو، لكنه دون قصد مزج بين الاثنين وقد تمثل ذلك فى أكثر من وجه، من بينها قضية استهداف واغتيال عائلات الشرطة وأفرادها على يد الجماعات الجهادية، وهى مسألة بدأت فى الظهور بعد ثورة 30 يونيو نظرًا لتحالف الشرطة مع إرادة الشعب، فقبل ذلك التاريخ كان التيار الإسلامى السياسى والشرطة حليفين. كذلك مشهد النهاية الذى قدم "جعفر" وهو يحث أفراد عشيرته على الاستمرار فى الهجوم والمواجهة مع أهل الجزيرة، لكنه يلجأ هو للاختباء داخل نفق الجبل فى مشهد يرصد ما حدث خلال فترة فض اعتصام رابعة عندما هربت القيادات الإخوانية وجعلت الأهالى فى المواجهة. وبقصد أو دون قصد ليس فى كتابة العمل لكن نسبة كبيرة من مشاهدى الفيلم قد يفهمون نهايته أن "الجزيرة" والتى ترمز ل "مصر" حكمها فى النهاية ذاهب للتوريث ليس فى صورة النظام البائد فى شخص رئيس، ولكن فى فكرة الحكم العسكري، وهو ما حدث فيما بعد 30 يونيو أيضًا، مجسدًا ذلك فى موافقة الابن "علي" على أن يكون حاكم الجزيرة من بعد والده "منصور". لا أعلم لماذا قرر مؤلف العمل بعد 7 سنوات، تقديم جزء ثان من الفيلم رغم عدم الإعلان عن ذلك طيلة هذه السنوات وإن كانت نهاية الجزء الأول وقتها كانت تسمح بذلك لكونها مفتوحة، ولا أعلم أيضًا لماذا قرر استثمار نجاح تجربة "الجزيرة1" وعرض الحالة السياسية للأوضاع فى البلاد من خلال جزء ثان، رغم أنه كان بيديه أن يقدم عملًا يرصد هذا الواقع فى عمل آخر جديد، وإن كان هذا حقه كمبدع فى النهاية أن يتصرف فى منتجه كما يشاء، وأن طبيعة تركيبة "الجزيرة" هى الأنسب لرصد صعود الجماعات الجهادية أو "الرحالة" كما هم بالأحداث بعد ثورة يناير. نهاية الفيلم صاحبة التساؤلات الأكبر فيه، لكنها فى الوقت ذاته تلوح لفكرة وجود جزء ثالث، مثمثلًا ذلك فى استمرار "منصور" على قيد الحياة رغم كونه داخل الجبل الذى تم تفجيره، واللواء رشدى الذى يظهر يده مرتعشة أثر الانفجار فى إشارة لاستمرار اهتزاز الداخلية على الأقل فى الفترة التى يتحدث عنها الفيلم، أما الجهادى الصغير الذى تربى على يد شيخه "جعفر" يبدو من نظرته الأخيرة أنه سيواصل مسيرته فى الجهاد، وهو ما ستفصح عنه أحداث مقبلة. السؤال الأهم فى هذا الفيلم، إذا كان صناعه يريدون رصد واقع سياسى لأوضاع البلاد، فلماذا لم يقدموا "فلاش باك" للأحداث فى السنوات التى مضت تفسر قليلًا من حداثة المشهد فى فكرة نفوذ وانتشار الجماعات الجهادية فى صعيد مصر، وكيفية حصولها على أسلحة ضخمة كالصواريخ والآر بى جي، بدلًا من إفراط مشاهد أقحمت فيها الكوميديا تارة ضمن زواج منصور، وابنه علي، وشقيقه فضل، وكذلك بعض اللقطات للواء رشدى داخل وخارج محبسه، وتارة أخرى فى مشاهد ترصد صراع كريمة ومنصور فى العاطفة، وإن كان صناع العمل أرادوا أن يقدموا الخلطة التجارية الرابحة "كوميديا، الأكشن، قصة رومانسية" فى عمل واحد. الحديث عن المبدعين فى هذا العمل لا ينتهي، ف "منصور" أو أحمد السقا يستمر فى وضع بصمته فى هذه الشخصية شديدة الصعوبة هذه المرة، حيث رصدها لتحولات فى المشاعر والعواطف جعلته ينقلب على حبيته القديمة "كريمة"، وأشد قسوة على "نجله" الذى بعد أن كان يقوم بتخبئته وهو صغير يريده أن يسلك دربه فى الكبر، كل ذلك ممزوجًا بأداء راق يحمل خضرمة ممثل مازالت لديه قدرة على التجدد والجذب الجماهيرى رغم ابتعاده عن السينما لسنوات بين الحين والآخر. البكاء لا يغامر عينك عند ظهور الراحل خالد صالح للوهلة الأولى على الشاشة إن لم يستمر معك طوال مشاهدتك له بالفيلم إن كنت من "المتيمين" بفنه، ويبدو أن الراحل كأن يشعر بأنه سيفارق جمهوره بعد هذا الدور، فجاء شديد التألق والخصوصية فى تقديم شخصية "جعفر" رمز التيار الإسلامى الجهادى بما فيه من قوة ومراوغاة، كل ذلك مدعومًا بأداء جذاب وكأنه يقف على خشبة المسرح يحمل تركيزًا شديدًا فى طريقة الحديث ونظرات العين وكأنه "جعفر" الحقيقى وليس خالد صالح. وإن كان النجم الراحل هو أحد الأسباب القوية والهامة لنجاح هذا الفيلم الذى ذهب الجميع لمشاهدته توديعًا لنجمه المفضل، حتى أنه بمجرد ظهوره على الشاشة إما أن تجد تصفيقًا أو عبارات "الله يرحمه" بنبرات متأثرة تملأ قاعات العرض. خالد الصاوى كعادته لا يختلف عليه الكثيرون، فقد استمر فى الحفاظ على تركيبة ما قدمه فى الجزء الأول، وإن كانت العبارات والجمل الحوارية التى جاءت على لسانه أعطت قوة أكبر لمشاهده ودوره، وأهمها ما ذكرناه فى البداية عندما قال "الشرطة مش خدامين حد". أما هند صبرى فتختلف كثيرًا عن "كريمة" فى الجزء الأول، فهى هذه المرة المرأة القوية، التى تعصف بقلبها من أجل الانتقام لكن حنينها للحب القديم يظل بداخلها، وقد نجحت هند فى التعبير عن ملامح شخصيته الجديدة مجسدة فى لغة عينيها، التى عبرت بها كثيرًا فى أدائها. لا يمكن إغفال الوجهين أحمد مالك "علي"، ومى الغيطى "صفية" فى هذا العمل، اللذين جسدا رمزًا لقصة رومانسية نشأت فى سن صغيرة، فقد تألق الاثنان فى تجسيد دوريهما بحرفية شديدة وجذابة.