بدأ العمل الشاق.. وعلى النظام أن يحقق نتائج ملموسة يشعر بها المواطن البسيط الملف الاقتصادى "بطل" المرحلة الذى يقيس عليه الشعب مدى نجاح رئيسه فى إنجاز شىء مطلوب خريطة تحالفات قوية لاتنظر إلى موائمات أو دفع فاتورة انتخابية لمجموعة من المنتفعين فى أوقات فرح تعيشها مصر بإستحقاق ديمقراطى تاريخى، ومع تنصيب رئيس جديد، يجب علينا أن لا ننسى أن الوقت ليس فى صالحنا كشعب ولا صالحه كرئيس، فمنذ أكثر من ثلاث سنوات ونحن نتخبط ونتسابق نحو المجهول، دون توزيع منطقى للمسئولية أو الأدوار بالتوازي مع تردى أحوال غالبية المصريين. ولا يخفى علينا أن الملف الاقتصادى أصبح "بطل" تلك المرحلة الفاصلة، لاسيما وقد أصبح معياراً يقيس به الشعب مدى نجاح رئيسه فى إنجاز شىء، حتى لو كان "بطلاً شعبياً" جاء إلى الرئاسة من الباب العالى من وجهة نظر البعض، أو حتى عكس ذلك من وجهة نظر معارضيه، حيث فسرها كبير الاقتصاديين فى بنك اتش.اس.بى.سى الشرق الأوسط سايمون وليامز بقوله "العمل الشاق يبدأ هنا.. وعلى النظام أن يحقق نتائج". فإقتصاد مصر أصبح أزمة الأزمات فى وجه أى رئيس أو حكومة، حيث يمر بحالة من التراجع غير المسبوق على كافة مؤشراته، بالإضافة إلى العديد من المشكلات ذات البعد الإجتماعى مثل الفقر والبطالة، فوفقاً لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يعيش 26.3% من المصريين تحت خط الفقر على حوالي 7.13 جنيه للفرد فى اليوم و4.4 % تحت خط الفقر على حوالي 11 جنيهاً يومياً، أما مشكلة البطالة المزمنة، التى قد يصعب معالجتها فى ظل استمرار الأوضاع الاقتصادية على ما هى عليها نتيجة لإنخفاض فرص العمل الجديدة مدفوعة بتراجع حاد فى معدلات النمو في الاستثمار والانتاج، حيث تشير آخر الأرقام الرسمية إلى زيادة عدد العاطلين إلى 3.6 مليون شخص، لتسجل أعلى معدلاتها تاريخياً عند 13.4%، وترتفع هذه النسبة الى 30% بين فئة الشباب دون عمر الثلاثين. أما إذا تطرقنا إلى المؤشرات الاقتصادية سنجد أن مصر تعيش أكبر عجز موازنة فى تاريخها 14% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة إنحصار الإيرادات وزيادة المصروفات، وهذا الرقم يعد مرتفعاً نسبياً خاصة مع وصول معدلات الدين المحلي لمستويات حرجة حيث ارتفع خلال الربع الثالث من العام المالي الجاري بنسبة 3.4% بما يعادل 56,4 مليار جنيه مسجلاً 1,708 تريليون جنيه وهو ما يمثل 83.3% من الناتج المحلي الاجمالي. ووفقاً لهذه الأوضاع الصعبة، يحتاج الرئيس وحكومته المقبلة لوضع رؤية اقتصادية واضحة حتى يستطيع أن يكون قائداً مؤثرًا يملك أطراف اللعبة بين يديه، ويسير الشعب معه بكل طوائفه على نفس الطريق لا عكسه، وهو الشيء الذي لم يلقى الرئيس المعزول محمد مرسي له بالاً لتتراجع شعبيته خلال عام واحد من فترة توليه حكمه، لذلك لن يكفي التنظير أو الدفع بكلمات معسولة للتعامل مع مثل هذه التحديات، وإنما القدرة على فرض سياسات اقتصادية ذات صبغة إجتماعية قادرة على الوصول إلى جذور الأزمة بخريطة تحالفات قوية لا تنظر إلى موائمات أو جنى ثمار أو حتى دفع فاتورة انتخابية لمجموعة من المنتفعين. فالرجل رغم أنه لم يتقدم حتى الآن ببرنامج انتخابي يخاطب به الناخبين، فإنه تحدث عن مشروعات كبرى ومعالجة لمشكلة الدين العام وعن قدرته على تدبير تمويل، كما تحدث عن تخصيص 500 مليار جنيه لبناء عشرين ألف مدرسة، و160 مليار جنيه لإقامة شبكات ري حديثة بأراضي الدلتا، فضلاً عن إستصلاح أربعة ملايين فدان، وعند سؤاله عن التكلفة الإجمالية التي يحتاجها لمعالجة المشكلات الإقتصادية، رد بأنها تقدر بتريليون جنيه. ويعد الحديث عن توفير التمويل لمشروعات قد "تتحقق أو لا تتحقق" سابق لأوانه فى هذه المرحلة، خاصة أنه يعتمد في جانب كبير منها على الاستثمار الأجنبى والقطاع الخاص كما أن الإعلان عن إطلاق مشروعات كبرى لانقاذ الاقتصاد يجب أن يتم حسابها رقمياً وزمنياً خاصة وأن مثل هذه المشروعات تحتاج إلى مجهود كبير يفوق قدرات الدولة فى الوقت الحالى ولجنوحها فى معظم الوقت عن هدفها لأغراض دعائية لجماعات محددة. فالسيسى ورفاقه يجب أن يوجهوا تركيزهم فى البداية على الخلل الهيكلي في البيئة الاقتصادية بما تحويه من موازنة عامة مريضة دائماً "بالعجز"، وهروب رأس المال نتيجة التخوفات الأمنية وعدم الثقة فى المستقبل وإنعدام الرؤية، وأيضا إرتفاع الدين الداخلى والخارجى لمستويات خطيرة، وعلى الجانب الأخر يواجه النظام الجديد خلل كبير وهيكلى فى الأسعار والأجور وارتفاع مستوى التضخم فى مقابل انخفاض معدلات النمو. فالاقتصاد المصرى أحوج ما يكون إلى تغيير فى السياسات الحاكمة لآلياته تساهم فى تحسين ملموس على أرض الواقع الأوضاع الاجتماعية للفقراء، وتحسن مستوى المعيشة إلى معدلات معقولة، وإحداث عدالة "صارمة" فى توزيع الدخول، وهو ما لا يتحقق إلا بإرادة سياسية تتخذ إجراءات مدروسة تراعى "رد الفعل" الذى من المتوقع حدوثه من مجموعات ترى ضرراً لها فى هذه الإصلاحات وستقاوم بكل قوة لعدم تحقيقها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر فى الوقت الراهن. ويجب أن يعى السيسى أن "العدالة الاجتماعية" التى نُودي بها عند الإطاحة بالمخلوع مبارك، ومن بعده المعزول مرسي، ستكون هى نفسها مفتاح إعتلاء القمة له إذا خاض التجربة بنوع من الإصرار المحسوب وليس التهور، وإن كانت قرارت كخفض دعم الطاقة، والإصلاحات الضريبية وتحديد حد أقصى للأجور لن ترضى الكثيرين إلا أنها على المدى الطويل ستحقق الاستقرار المنطقى الذى يجب أن تشهده الدولة. وإذا كان منطق "المواطن البسيط" هو تواجد سلع غذائية وعدم إنقطاع دائم للتيار الكهربائى، وحد أدنى للأجور لم يطبق حتى الآن، فإن منطق رجل الاعمال هو "الربح " وليس غيره، وهذه هى المعادلة التى يجب أن يركز "السيسى" على حلها دون خسارة أى طرف خاصة وأن إنعاش الاقتصاد سيتوقف إلى حد كبير على الدعم من الخارج إلى جانب دعم الكيانات المحلية خاصة وأن الديون والعجز في الموازنة يرهقان الحكومة بشكل كبير. وعندما نفكر في كل هذه المشاكل نتأكد أن المسئولية لم ولن تكون سهلة في تحقيق الإستقرار الاقتصادي، ولكن في نفس الوقت فهي ليست مستحيلة إذا ما توافر العزيمة القوية والمشاركة الإيجابية لكل الكوادر المعنية بالأمر من مختلف التخصصات، وأيضا الثقة من المصريين بأن الإصلاحات الإقتصادية التى ستقوم بها الحكومة ستخفض معدلات البطالة. ووفقا لمجموعة من الحقائق الواضحة جلياً، وأهمها التحركات الحثيثة لحكومة "محلب" الذى يبدو أنها تمهد الطريق للمرحلة المقبلة، بعد أن إتخذت عدة قرارات هامة أبرزها إحالة مشروع الموازنة للرئيس بمصروفات تتجاوز ال 807 مليار جنيه وخفض دعم البنزين، بالإضافة إلى بدء فرض ضرائب جديدة وأهمها "ضريبة البورصة " والتى أثارت لغطاً كبيراً فى أوساط السوق بسبب توقيتها وتسريبها قبل إقرارها إعلامياً. وتعد المرحلة المقبلة هى الأنسب لجمع كافة القوى الفاعلة فى الملف الاقتصادى على "طاولة واحدة" مع الرئيس لوضع رؤية شاملة للإقتصاد المصرى، والدفع بأفكار "خارج الصندوق" تراعى البعد الاجتماعى والاقتصادى وتحدد القطاعات المرشحة للنمو، كما يجب أن يعمل الرئيس على تحصين خططه الطموحة بديمقراطية حقيقية خاصة وإن كثيرين من المصريين لن يتحملوا العودة إلى السلبية والنظر إلى الحاكم كأنه آله مطلق يفعل مايشاء دون حساب أو رقيب، وأن يركز إهتمامه الأكبر على إصلاح الاقتصاد المصري المتهاوي حتى يدرك المواطن البسيط أن كل المبررات التى ساقوها من أجل تحسين أوضاعه المعيشية وإصلاح أحوال البلاد كانت فى محلها.