رغم تعهد الرئيس المنتخب محمد مرسى بدعم الاقتصاد الوطنى الذى عانى بشدة من جراء التداعيات السلبية التى أعقبت ثورة يناير تسود حاليا حالة من الترقب فى أوساط المؤسسات الاقتصادية سواء المصرية أو الدولية انتظارا للسياسات الاقتصادية التى ستتبناها الحكومة الجديدة فى ضوء '' التحديات الاقتصادية '' التي تجابه مصر فى الوقت الحالى. ويتمثل التحدي الأول الذي سيجابه الرئيس الجديد فى سبل تنفيذ الاصلاحات الهيكلية بالتعاون مع مؤسسات التمويل الدولية فى ضوء الاشتراطات التى وضعتها الاخيرة بشان ضرورة مواصلة تلك الاصلاحات مقابل توفير الدعم المالي لمصر. وفى ذلك السياق ، دعا صندوق النقد والبنك الدوليين الرئيس الجديد فى مصر الى مواصلة الاصلاحات الهيكلية وتوفير البيئة المواتية للاستثمار وتقليص الفوارق الجغرافية فى مستويات المعيشة لكبح التدهور الاقتصادى . وقال أندرو ستون كبير أخصائى تنمية القطاع الخاص فى ادارة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولى ان اقتصاد مصر سيشهد تحسنا ملحوظا خلال الاعوام القليلة القادمة حال مواصلة الاصلاحات الهيكلية. من جانبها ، أوضحت الدكتورة ماجدة قنديل المديرالتنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية ،أن المؤشرات العالمية المعنية بتقييم الجودة المؤسسية أظهرت تدهور أو ثبات ترتيب الاقتصاد المصري من حيث جودة المؤسسات خلال السنوات الأخيرة ، موضحة أن عدم تحقيق تقدم ملموس على صعيد بناء وتطوير المؤسسات أدى الى الحد من قدرة الاقتصاد على تحقيق إمكاناته في النمو ، حتى خلال الفترات التي شهدت معدلات مرتفعة من النمو والاستثمارات الخاصة . وأضافت قنديل ، أن أولويات الإصلاح فى مصر ينبغى ان تركز على التخفيف من حدة الأزمات المزمنة بغية تمكين الاقتصاد من تحقيق مستويات مرتفعة من النمو والتنافسية. وشددت على ضرورة القضاء على المعوقات الحالية لتحسين مستويات الحوكمة والقدرة التنافسية للصادرات على المستوى العالمي ، بالإضافة إلى خفض تكلفة أداء الأعمال. وتشكل البطالة التحدى الثانى الذى يجابه رئيس مصر الجديد فى ضوء انضمام حوالى 700 الف شخص الى طابور العاطلين سنويا واغلاق اكثر من 2000 مصنع عقب ثورة يناير وتدنى معدلات الاستثمارات الاجنبية المباشرة . وتشير الاحصائيات الرسمية الى ان عدد العاطلين فى مصر يبلغ 3 ملايين شخص بينما أوضحت لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى مؤخرا أن حجم البطالة في
مصر يصل إلى نحو 14% وبما يعادل 12 مليون عاطل ، ويضاف إلى سوق العمل بشكل سنوى مابين 700 إلى 750 ألفا من الأيدى العاملة الجديدة. من جانبه ، أوضح المدير التنفيذى لمركز دعم المشروعات الخاصة '' سايب '' جون سوليفان ، أن نجاح السياسات الاقتصادية للرئيس الجديد سوف تتوقف على قدرته على توفير المزيد من الوظائف محذرا من ان حالة الاستقرار السياسى والاقتصادى ستتوقف على تقليص معدلات البطالة . وأضاف سوليفان ، أنه لا يوجد مجال لزيادة معدلات التشغيل في القطاع العام بمصر في الوقت الراهن ، مما يتطلب تنفيذ برامج عمل طموحة لتعزيز نشاط القطاع الخاص، لافتا إلى أن زيادة الاستثمار الخاص في مصر لم تقترن بارتفاع معدلات التشغيل خلال السنوات الماضية، مما يعكس انخفاض محتوى الوظائف في النمو الاقتصادي . ويعد عجز الموازنة المتوقع أن يصل الى 147 مليار جنيه خلال العام المالى 2011 - 2012 التحدى الثالث الذى يواجه الرئيس الجديد فى ضوء ارتفاع مخصصات دعم الطاقة ، حيث يبلغ اجمالى دعم الطاقة بالميزانية حوالى 5 ر95 مليار جنيه ، وتقدر نسبته بحوالى 71% من إجمالى الدعم فى الموازنة العامة للدولة لعام 2011 /2012 ، وهو ما يمثل عبئا كبيرا يقدر بنحو 19 \% من إجمالى الإنفاق العام و6 \% من الناتج المحلى الإجمالى . ويذهب الجزء الأكبر من دعم الطاقة إلى الصناعات كثيفة الإستخدام للطاقة والشرائح الغنية من المجتمع التى تستهلك المنتجات البترولية بصورة أكبر . ومن جهتها قالت الدكتورة أمنية حلمى نائب المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية ان اقتراح بدائل لإصلاح منظومة دعم الطاقة سيؤدى الى تخفيف العبء المحلى عن كاهل الحكومة، والحد من الإستهلاك المفرط وزيادة الإيرادات بالعملة الأجنبية من خلال تنمية الصادرات من المنتجات البترولية ، مما يؤدى إلى زيادة الموارد العامة المتاحة لتوسيع مظلة الحماية الإجتماعية للمجوعات محدودة الدخل ، وتكيثف جهود الحد من الفقر وتطوير خدمات التعليم والرعاية الصحية وتوفير مزيد من الدعم النقدى لمستحقيه . وأضافت أمينة حلمي ، إن خفض الإستهلاك المفرط من منتجات الطاقة سوف يعود بآثار أخرى إيجابية مثل حماية البيئة وتحقيق العدالة في توزيع الموارد بين الأجيال ، خاصة فى ضوء محدودية احتياطى الطاقة فى مصر. وتشكل معدلات التضخم المرتفعة التحدى الرابع الذى يجابه الرئيس الجديد .. حيث بلغ المعدل السنوى 6ر8 \% خلال مايو الماضي ، مقابل 2 ر9 \% فى أبريل الماضي و9 9,9% فى مارس الماضى . وأوضح محللون اقتصاديون ، أن أولويات السياسة النقدية فى مصر يجب أن تركز على إزالة تشوهات سعر الصرف واستهداف التضخم لتعزيز القدرة التنافسية للصادرات واحتواء التوقعات بارتفاع الاسعار محذرين من الأثار السلبية الناجمة عن استمرار معدلات التضخم المرتفعة على كافة قطاعات الاقتصاد المصرى. وفي السياق ذاته ، قالت الدكتورة رانيا المشاط وكيل المحافظ المساعد للبنك المركزى المصرى ، إن كافة مؤسسات الدولة المعنية بإدارة الاقتصاد ينبغي أن تشارك بفاعلية في جهود خفض التضخم ، موضحة أن تلك الجهود لا ينبغى أن تحد من النمو الاقتصادي والتوظيف. وأشارت إلى أن أسعار السلع الغذائية شهدت ارتفاعات متتالية على مدى السنوات القليلة الماضية نتيجة التشوهات السعرية الناجمة عن الممارسات الاحتكارية والعجز فى المعروض من السلع نتيجة نقص الإنتاج وزيادة الصادرات والاختناقات فى المعروض نتيجة القصور فى قنوات التوزيع. وحذرت الدكتورة رانيا المشاط من أن معدلات التضخم المرتفعة بمصر تؤثر سلبا على التنافسية المصرية، مشددة على أن البنك المركزى اتخذ إجراءات فعالة لكبح التضخم من بينها تشكيل لجنة منبثقة من مجلس إدارته تسمى لجنة السياسات النقدية وصياغة نمازج متطورة للتنبؤ بالتضخم والتواصل مع الأطراف المعنية بكبح الضغوط التضخمية. ونوهت بأن حوالى 60% من الضغوط التضخمية ترجع إلى تضخم الواردات بينما يرجع 20 \% من تلك الضغوط إلى صدمات العرض ، مشيرة إلى أن حجم احتياطى النقد الأجنبى يرتبط بالتعافى الاقتصادى . ويشكل تدهور قيمة العملة المحلية التحدى الخامس الذى يجابه الرئيس الجديد فى ضوء اعتماد البنك المركزى المصرى بشكل رئيسى على ضخ المزيد من السيولة الدولارية بالاسواق لكبح تراجع قيمة الجنيه . وفى ذلك الصدد قالت الدكتورة ماجدة قنديل المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية ، إن سياسة سعر الصرف ينبغى أن تدار بما يتفق مع الركائز الرئيسية للعرض والطلب من العملة الأجنبية لتجنب التشوهات في سعر الصرف محذرة من ان تفاقم معدلات التضخم حال استمرار تدنى قيمة العملة . ويمثل تدهور بيئة الاستثمار فى مصر عقب ثورة يناير التحدى السادس الذى يجابه الرئيس الجديد فى ضوء تدنى معدلات التدفقات الاستثمارية الأجنبية . وسيتوقف تحسن بيئة الاستثمار فى مصر على قدرة الرئيس الجديد على استعادة الامن والاستقرار واقرار حزمة من الاجراءات الرامية الى استعادة ثقة المستثمرين ومن بينها مكافحة البيروقراطية والتشوهات التشريعية . وفي ذلك الصدد قالت جينفر آدامز كبيرة الخبراء ببنك أوف أميريكا، ان الحكومة المصرية ينبغي عليها اتخاذ إجراءات فعالة لخفض العجز الكلي في الموازنة من 10% من الناتج المحلي الاجمالي الي 3% بحلول العام المالي 2014 - 2015 لتقليص المديونية واسترداد ثقة المستثمرين . وتشكل العدالة الاجتماعية التحدي السابع الذى يجابه الرئيس الجديد فى ضوء تنامى المظاهرات الفئوية المطالبة بزيادة معدلات الأجور. وقالت المحللة الاقتصادية الالمانية دانييلا كورديلا ان الرئيس الجديد فى مصر سوف يواجه اشكالية تتعلق بضرورة تحقيق التوازن بين معدلات الاجور والتضخم لافتة الى ان غياب العدالة الاجتماعية كانت احد أسباب اندلاع الثورات بدول الربيع العربي ومن بينها مصر. وأضافت أن مصر ستشكل بيئة آمنة للاستثمار الأجنبى عقب انتهاء استحقاقات المرحلة الانتقالية ، متوقعة تبني الحكومة القادمة في مصر لحزمة من الاجراءات الداعمة للاستثمار ومن بينها تشريعات تعزيز المنافسة والسوق الحرة والحوكمة ومكافحة الفساد والاحتكار. ويعد دعم النمو الاقتصادي المرتكز على القطاع الخاص التحدي الثامن الذي سيجابه الرئيس الجديد في ضوء اغلاق مئات المصانع وتصاعد الحملات الاعلامية المناوئة لرجال الاعمال . وقال الدكتور محمود أبوالعيون المحافظ الاسبق للبنك المركزى المصري ، ان تعزيز القطاع الخاص يستلزم زيادة معدلات الانفاق على مشروعات البنية التحتية وتوفير الائتمان. وأضاف أن الائتمان الممنوح للحكومة اعتبارا من عام 2009 زاد بمعدلات كبيرة بينما لم يزد الائتمان الموجه للقطاعين الخاص والعائلى سوى بمعدلات معتادة ، مشيرا إلى أن الأصول الأجنبية لدى البنوك المصرية زادت عام 2011 ، بينما انخفضت الأصول الأجنبية لدى البنك المركزى. ومن جانبه ، قال كبير خبراء تنمية القطاع الخاص في إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي أندرو ستون ، إن الحكومة المصرية القادمة ينبغى عليها تعزيز النمو الاقتصادى من خلال تشجيع القطاع الخاص وإتاحة الائتمان للمشروعات الخاصة ودعم الشفافية في إدارة الأعمال . من جهة أخرى يعد إحياء برنامج الخصخصة التحدى التاسع الذى يجابه الرئيس الجديد فى مصر فى ضوء تنامى الرفض الشعبى للخصخصة وعمليات الفساد التى أحاطت بها . فيما يشكل مكافحة الفساد التحدي العاشر والاخير الذي سيواجهه الرئيس الجديد خلال محاولته تحقيق العدالة الاجتماعية ودعم التنمية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار . اقرأ أيضا البورصة تربح 9,3 مليار جنيه فى مستهل التعاملات عقب حسم معركة الرئاسة