يبدو أن حكومتنا الفاشلة لا تقرأ ولا تعى ما تفعله ؛ولو أن القيادة السياسية لديها نوع من الحكمة ما لجات إلى تحرير سعر الصرف وهو ما يسمى بالتعويم الكلى للعملة المحلية ؛لم يستطع فعلها المخلوع "مبارك" ولجأ إلى التعويم الجزئى للجنيه لأنه كان يعلم بالأزمة العالمية للإقتصاد العالمى وخلال هذا التقرير نستعرض ما تجاهلته الحكومة المصرية من كارثة تسمى "ازمة الإقتصاد العالمى" فالإقتصاد العالمي مر منذ 2007 م بأزمة مالية غير مسبوقة، وتعتبر هذه الأزمة من أسوأ الأزمات التي مر بها الإقتصاد العالمي منذ عقد الثلاثينات، بل وتعتبر الأخطر في تاريخ الأزمات المالية، وتأتي خطورة هذه الأزمة من كون إنطلاقها من إقتصاد الولاياتالمتحدة الذي يشكل قاطرة النمو في الإقتصاد العالمي،حيث تحتل السوق الماليةالأمريكية موقع القيادة للأسواق المالية العالمية، لذا فإن أية مخاطر تتعرض لها هذه السوق تنتشر آثارها إلى باقي الأسواق المالية الأخرى بسرعة كبيرة. نتجت هذه الأزمة عن مشكلة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تسببت فيها القروض العقارية الرديئة، ومنذ ذلك التاريخ والأزمة تتمدد وتتفاقم وتضرب بأطنابها في جوانب الإقتصاد العالمي، وذلك رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها البنوك المركزية في الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبي وفي دول آسيا، ورغم مساندة الدول النامية والدول النفطية للمؤسسات المالية للخروج من الأزمة. ولأن هذه الأزمة لم تتجاوب بشكل كبير مع جهود التغلب عليها، بدأ الحديث عن إحتمالات دخول الإقتصاد الأمريكي ومن ثم الإقتصاد العالمي في مرحلة من الركود أو الكساد حيث التباطؤ في معدلات النمو، والتراجع في فرص العمل. خاصة وأن هذه الأزمة تعتبر أزمة مختلفة عن سابقاتها من الأزمات الكثيرة التي مر بها الإقتصاد العالمي، حيث أنها ليست ناجمة عن إرتفاع سعر الفائدة وإنما ناجمة عن تراجع الطلب خاصة على قطاع العقارات، وإنتشار الديون المعدومة التي أدت إلى إنهيار عدد كبير من المؤسسات المالية والعقارية حول العالم، وإرتفاع في معدلات التضخم ، ولذلك تتفاوت التوقعات بشأن الأوضاع المستقبلية لهذه الأزمة. إندلعت أزمة رهن العقار Mortgage Crisis في الولاياتالمتحدةالأمريكية في بداية العام 2007 حيث كان هناك ندرة في السيولة في أسواق الإئتمان والأجهزة المصرفية العالمية، إلى جانب بداية الإنكماش في قطاع العقارات في الولاياتالمتحدة، والممارسات المرتفعة المخاطرة في الإقراض والإقتراض. وقد ظهرت الأزمة بصورتها الحالية عندما إنفجرت فقاعة سوق العقارات، والتي نتجت عن تسويق العقارات لمحدودي الدخل في الولاياتالمتحدة بطريقة ملتفة وشروط تبدو سهلة للوهلة الأولى، ولكن بعقود كانت صياغتها بمثابة فخ لمحدودي الدخل فقد كانت في مجملها إلتفافا على قوانين الدولة والحد الإئتماني. حيث تضمنت العقود نصوصاً تجعل القسط يرتفع مع طول المدة. وعند عدم السداد لمرة واحده تؤخذ فوائد القسط 3 أضعاف عن الشهر الذي لم يتم سداده. فضلاً عن وجود بنود في العقود ترفع الفائدة عند تغييرها من البنك الفيديرالي الأمريكي، فيما يسمى بالرهن العقاري ذي الفائدة القابلة للتغيير Adjustable Rate Mortgages ARM. (2) وشهدت السنوات السابقة لذلك تساهلاً ملحوظاً في شروط الإئتمان وإتجاهاً طويل المدى لإرتفاع أسعار العقارات، إرتفعت أسعار العقارات (بالتحديد السكنية منها) بما يقرب 124% خلال الفترة 1997- 2006، مما حفز الكثيرين على الإقتراض لتمويل شراء مساكنهم الخاصة، حيث إرتفع معدل التمليك السكنى في الولاياتالمتحدةالأمريكية من 64% في 1996 إلى 69.2% في 2004وفى ظل الإرتفاع العام لأسعار تلك العقارات أخذ الكثير منهم في الإقتراض بضمان قيمتها التي لم تسدد في الأساس – وكان الإعتماد في هذه القروض بشكل أساسي على قيمة العقار التي تتزايد بإستمرار في السوق كضمان. (1) وبعد فترة، وتحديداً خلال عامي 2006 و2007 بدأت أسعار الفائدة في الإرتفاع على غير المتوقع مما أدى إلى تزايد إلتزامات محدودي الدخل حيث إرتفعت أعباء قروض العقارات التي إلتزموا بها، بالإضافة إلى القروض التي تشكل قيمة العقارات ضماناً لها، فإمتنع الكثيرون عن السداد بعد أن أرهقتهم الأقساط المتزايدة، وبدأت أسعار العقارات تهوي للأسفل. ولإحتواء ذلك الوضع قامت البنوك وشركات العقار ببيع ديون المواطنين في شكل سندات لمستثمرين عالميين بضمان العقارات، الذين لجأوا بدورهم بعد أن تفاقمت المشكلة لشركات التأمين التي أوجدت من الأزمة فرصه للربح بضمان العقارات فيما لو إمتنع محدودى الدخل عن السداد. فقامت بتصنيف سندات الديون لفئتين (A) قابله للسداد (B) لا يمكن سدادها وبدأت شركات التأمين بأخذ أقساط التأمين على السندات من هؤلاء المستثمرين. وفي ظل تلك الظروف قام البنك الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة حيث قام في جانفي 2008 بخفض معدل فائدته الرئيسية ثلاثة أرباع النقطة إلي 3,50% وهو إجراء ذو حجم استثنائي، ثم تخفيضه تدريجياً إلي 2% بين جانفي وأفريل من ذات العام. (2) ولدى تفاقم الأزمة وتوقف محدودي الدخل عن السداد، إضطرت الشركات والبنوك لمحاولة بيع العقارات محل النزاع والتي رفض ساكنوها الخروج منها، فعجزت قيمة العقار عن تغطية إلتزامات أياً من البنوك أو شركات العقار أو التأمين، مما أثر علي السندات فطالب المستثمرون بحقوقهم عند شركات التأمين، فأعلنت أكبر شركة تأمين في العالم "ايه آي جي AIG" عدم قدرتها على الوفاء بإلتزاماتها تجاه 64 مليون عميل تقريبًا مما دفع بالحكومة الأمريكية إلى منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل امتلاك 79.9% من رأسمالها، ولحقت بها كثير من المؤسسات الماليةالأمريكية مثل مورجان ستانلي و جولدمان ساكس، وفي سبتمبر 2008 أعلن بنك " الأخوة ليمان" Lehman Brothers" إفلاسه. أثار وإنعكاسات الأزمة على إقتصاد البلدان المتقدمة بعد أن توالت فصول الأزمة المالية العالمية وإنهارت بعض أكبر المؤسسات المصرفية في الولاياتالمتحدة، أشارت الأرقام إلى أن الأزمة قد إمتدت إلى مناطق مختلفة من العالم، ففي دول الإتحاد الأوروبي، وبرغم التوقعات التي سادت بعدم تأثرها بالأزمة إلا أن الواقع الفعلي أثبت مدى خطأ هذه التوقعات، خاصة مع إنخفاض وتراجع أسعار العقارات في أوروبا وخاصة في اسبانيا ومع أن الأزمة بدأت وانتشرت في القطاع المالي، إلا أنها ما سرعان ما انتقلت، كما هو متوقع، إلى بقية القطاعات الإقتصادية، وعلى رأسها القطاع الإنتاجي، فالإنكماش في قدرة البنوك على الإقراض، يعني انكماشا في مصادر تمويل الشركات الصناعية والإنتاجية، فهي تحتاج بشكل دائم إلى سيولة ائتمانية، لتغطية مصروفاتها، وللإنفاق على تطوير وتوسيع إنتاجها، ويؤدي ذلك الإنكماش بالضرورة، إلى تقليص الأنشطة، في حالة الشركات الكبرى-إغلاق مصانع أو وقف مشروعات التوسع- وإلى إفلاس الشركات الأصغر، غير القادرة على مواجهة العاصفة المالية، وهو ما يؤدي بدوره، إلى زيادة مطّردة في حجم البطالة، حيث تتخلص الشركات من العمالة لتقليص الإنفاق.(2) كما تراجع معدل النمو، حيث خفضت مفوضية الإتحاد الأوروبي توقعاتها للنمو الإقتصادي في منطقة اليورو إلى 1.8 % هذا العام نتيجة للشكوك حول مصير الإقتصاد العالمي، كما حذر وزراء مالية دولمنطقة اليورو والبنك المركزي الأوروبي من إرتفاع معدلات التضخم، والتي وصلت إلى3.5% نتيجة لاقتران إرتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية مع التباطؤ الإقتصادي وإنخفاض ثقة المستهلكين. وشهد الإقتصاد الايرلندي أيضا في الربع الأول من العام انكماشاً في اجمالى الناتج المحلى قدره 1.5%، وهى السابقة الأولى لها منذ عام 1983، وكذلك انكماشاً قدره 0.5% في الربع الثاني لتصبح بذلك أيرلندا أولى دول الإتحاد الأوروبي دخولاً في الكساد الإقتصادى.كما إرتفعت حالات البطالة في الإقتصاد البريطاني حسب إحصاءات "مكتب الإحصاءات القومية إلى 904,900، بزيادة حوالي 32,500 حالة وذلك كان في سبتمبر 2008.(1) من ناحية أخرى أطلقت العديد من الشركات الأوروبية الكبرى مثل "سيمنز" و"ميتشلان " إشارات تحذيرية من تأثير الأزمة الأمريكية عليها، كما أثرت الأزمة على الشركات الأوروبية التي تعمل في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تحملت شركةBMW لصناعة السيارات خسائر بقيمة 236 مليون دولار نتيجة تزايد الديون المعدومة وتراجع نشاط تأجير السيارات، واتساع تأثير الأزمة ليشمل قطاعات مثل الصناعات الدوائية والإلكترونيات والحديد والأسمنت و تعتبر من الخسائر الكبرى التي حدثت في الربع الثالث من عام 2008، مع توقعات بمزيد من الخسائر في الفترة القادمة، وهذا بدوره لن يؤدي إلا إلى المزيد من البطالة، وإنخفاض في القدرة الشرائية للمستهلكين.(2) وكما هي العادة في كل الأزمات الرأسمالية، فالعمال والفقراء هم من يتحملون العبء الأكبر من تبعات الأزمة، فالعامل الأمريكي أو الأوروبي يفقد بيته لأنه غير قادر على دفع أقساط الرهن العقاري، ويفقد القدرة على الإقتراض من البنوك التجارية، وفي النهاية يفقد وظيفته لينضم إلى جيش العاطلين. ومن ابرز الإنعكاسات على البلدان المتقدمة نجد : خسرت أسواق المال الروسية أكثر من 200 مليار دولار ويجمع الخبراء على أن الهبوط الحاد يعود إلى إنعكاسات أزمة الإقتصاد الأمريكي وإفلاس مؤسسات مالية كبيرة . قرر المصرف المركزي الاوروبي خفض معدل فائدته الرئيسية . قرر مصرف "كوميرتس بنك" ثاني أكبر البنوك الألمانية في بداية شهر جويلية الاستغناء عن تسعة آلاف وظيفة في إطار صفقة شراء منافسه دريسدنر بنك.وبلغت قيمة الصفقة 14.5 مليار دولار وذلك فيما يوصف بأنه أكبر عملية إعادة هيكلة في القطاع المصرفي الألماني منذ أكثر من سبعة أعوام.(3) هبطت أسواق الأسهم الأوروبية بعدما أكد رئيس الوزراء البريطاني "غوردن براون" قرار السلطات البريطانية تأميم مصرف "برادفورد أند بينغلي"، كما سلكت بلجيكا الخطوة نفسها مع مصرف ""فورتيس". المصرفان اللذان تأثرا كثيرا بآثار أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة، خلقا حالة من التوتر والترقب في الأسواق المالية الأوروبية، ما دعا فرنسا إلى عقد مؤتمر دولي لمناقشة الأزمة الحالية. البنوك السويسرية خسرت في المتوسط 40% من أصولها المالية، لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد بعض المؤسسات المالية الأميركية، بينما اكتفت المؤسسات المالية الألمانية بتراجع نسبته 15% في أصولها، وكانت بريطانيا أقلها خسارة بنسبة 5%. تأميم البنك البريطاني «نورذرن روك» أول مصرف للتسليف العقاري في بريطانيا من طرف الحكومة البريطانية شراء البنك البريطاني «اليانس اندلاي سستر» من طرف البنك الإسباني «سانتاندر» بقيمة 1.33مليار جنيه (1.66 مليار يورو)فقط مع زيادة رأسماله بواقع مليار جنيه. بنك الأعمال الأميركي «ليمان براذرز»: وضع تحت حماية قانون الإفلاس قبل تصفيته. واشترى البنك البريطاني «باركليز» نشاطاته الأميركية، في حين اشترى البنك الياباني «نومورا هولدينغ» النشاطات في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. أدى ارتباط المؤسسات المالية الآسيوية بسوق المال الامريكى إلى امتداد اثر الأزمة إليها وظهر ذلك من خلال هبوط مؤشر البورصة في اليابان وسحب العديد من المستثمرين اليابانيين أموالهم من الولاياتالمتحدة مما نتج عنه إرتفاع الين مقابل الدولار الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على الصادرات اليابانية . إنهارت المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية «فورتيس» ، لكن السلطات في بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا قررت ضخ ما مجموعه 11.2 مليار يورو لتمويل «فورتيس» مقابل حصص في رأسمال المؤسسة. تم تصفية البنك البريطاني "براد فورد أند بينغلي" وهو المؤسسة المالية البريطانية الرابعة التي تفقد إستقلاليتها منذ بداية أزمة التسليف الدولية.(1) في أيسلندا، أعلنت الحكومة شراء 75% من رأسمال"غليتنير"، ثالث بنك في البلاد الذي يعاني من نقص السيولة، بقيمة 600 مليون يورو. أفلت البنك الألماني الخاص «هيبو ريل استيت» المتخصص في الشأن العقاري، من الإفلاس بفضل فتح خط ائتمان بقيمة 35 مليار يورو بكفالة الدولة بصورة رئيسة. الحكومة البريطانية تضطر للتدخل لإنقاذ بنك "أتش بي أو أس" رابع بنك في بريطانيا من حيث الرسملة . عن طريق قيام بنك »لويد تي اس بي « و الذى يعتبر منافسا له بشرائه بمبلغ 12 مليار جنية إسترليني .(1) أعلن بنك أوف أسكتلند (آر بي أس) ضمن إعلان خسائر البنوك البريطانية لشهر جوان، 2008م خسائر بلغت 691 مليون جنيه إسترليني (1.35 مليار دولار) . عشرات الآلاف من موظفي البنوك والمؤسسات المالية في بريطانيا يفقدون وظائفهم(2) . سجلت البوصات الكبرى في الولاياتالمتحدة وأوروبا تراجعا ما بين 20 و25% منذ سنة ما يعني أن الفورة المالية هبطت كثيرا وإنهيار البورصة هو من حيث تعريفه هبوط بنسبة 20 % في يوم واحد أو% 30 في فترة أطول.(3) أدت هذه الأزمة إلى إيجاد نوع من عدم الاستقرار والتذبذب في الأسواق المالية العالمية، وإلى وجود حالة من الخوف الشديد في أوساط المستثمرين بشأن مستقبل الإقتصاد والإستثمار، دفعت بالكثيرين منهم إلى عدم الرغبة في تحمل المخاطر، والبحث عن إستثمارات آمنة في قطاعات أخرى، بل ودفعت البعض منهم للمطالبة بعلاوات عن المخاطر تفوق ما تقدمه الحكومات، علاوة على ما أحاط بعمليات الاندماج والاستحواذ من شكوك وغموض حيال الصفقات التي تتضمن مبالغ جديدة من أدوات الدين (4). قام الصندوق النقد الدولي بدراسات لمختلف دول العالم حول الإنكماش الإقتصادي الذي سببته الأزمة و أجريت الإحصائيات على شهري يوليو ونوفمبر و المقارنة بينهما كما أجريت توقعات لعام 2009 أثار و إنعكاسات الأزمة على إقتصاد البلدان النامية تبنت حكومات غالبية الدول النامية خلال العقدين الماضيين السياسات الإقتصادية المعروفة باسم "الليبرالية الجديدة"، بهدف ربط إقتصادياتها بالمراكز الرأسمالية الكبرى، من خلال جذب الإستثمارات الأجنبية والإنتاج التصديري وتحرير السوق من خلال الخصخصة وتحرير أسواق السلع والعقارات والخدمات وتقليص دور الدولة في الإقتصاد بشكل عام. كانت نتيجة تلك السياسات الكارثية، كما نعرف، عملية نهب منظم لحقوق ومكتسبات الأغلبية من السكان، من العمال والفلاحين الفقراء، لصالح كبار المستثمرين المحليين والشركات متعددة الجنسيات(1). كانت إحدى النتائج الأخرى الرئيسية لتلك السياسات هي إدماج إقتصاد غالبية الدول النامية في المنظومة المالية والإقتصادية العالمية، وبالتالي تعريضها بشكل دائم لتقلبات وأزمات، وفوضى تلك المنظومة. وكما رأينا في أزمة1997-1998، التي بدأت في جنوب شرق آسيا ، وإمتدت إلى روسيا والبرازيل، وغيرها من "الأسواق الناشئة"، فالإستثمارات الأجنبية تنسحب بسرعة البرق من تلك الأسواق عند أول إشارة للأزمة، وسرعان ما تتعرض عملات وبورصات تلك الدول للإنهيار بفعل مزيج من الذعر والمضاربة من قبل كبار المستثمرين، واعتماد تلك الدول على التصدير يفترض استقرار الإستهلاك والنمو في الدول الرأسمالية الكبرى، ويفترض أيضا القدرة على توجيه الإستثمارات الصناعية نحو إنتاج السلع التي يزداد عليها الطلب في السوق العالمية، في ظل منافسة شرسة بين الدول النامية، التي ينتج الكثير منها السلع نفسها. هذه الافتراضات سرعان ما ينكشف قصورها في ظل الفوضى السوق الرأسمالي العالمي، وهكذا رأينا في97-98 موجة من الإنهيارات في جنوب شرق آسيا ، التي وصلت نسبة البطالة فيها إلى40%، وإنهارت عملتها وبورصتها، وآثار الأزمة رغم ضراوتها، ورغم الجوع والفقر والتشريد التي تسببت فيها، تعتبر محدودة للغاية، إذا قارناها بما نواجهه اليوم، فقد تركزت تلك الأزمة في مناطق بعينها، وكان تأثيرها محدودًا في كبرى مراكز التركز الرأس مالي العالمي. لكن الأزمة هذه المرة قد أصابت قلب النظام الرأس مالي نفسه، ولن ينجو أحد من تبعاتها.(1) آثار الأزمة على الدول العربية انعكست الأزمة المالية الأميركية على معظم إقتصاديات دول العالم حتى إنها أصبحت تلقب بالأزمة المالية العالمية. وبما أن الدول العربية جزء من منظومة الإقتصاد العالمي فإنها سوف تتأثر سلبا بهذه الأزمة، بل في واقع الأمر قد تأثرت بالفعل. ومدى تأثر الدول العربية يعتمد على حجم العلاقات الإقتصادية المالية بين الدول العربية والعالم الخارجي. بقيت الآثار المباشرة للأزمة المالية والعقارية التي تمر بها الأسواق الأمريكية منذ عدة أشهر محدودة على مستوى الدول العربية وخاصة الخليجية منها لمدة طويلة. لكن الأمر اختلف -إلى حد ما- عندما تم الإعلان عن إفلاس بنك الإستثمار الأمريكي العملاق ""ليمان براذرز". هذا الإعلان تلاه خبر كون أرباح بنك أمريكي آخر وهو "جولدمان ساكس" خلال الثلاثة أشهر الأخيرة قد لا تصل إلى ثلث المستوى المتوقع , ووصلت إنعكاسات هذه التطورات إلى السوق العربية. (2) في هذا الإطار يمكننا تقسيم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات من حيث مدى تأثرها بالأزمة، وهي: المجموعة الأولى: هي الدول العربية ذات درجة الإنفتاح الإقتصادي والمالي المرتفعة وتشمل دول مجلس التعاون الخليجي العربية. المجموعة الثانية: وهي الدول العربية ذات درجة الإنفتاح متوسطة أو فوق المتوسطة ومنها مصر والأردن وتونس. المجموعة الثالثة: وهي الدول ذات درجة الإنفتاح المنخفضة ومحدودة منها السودان وليبيا. I- المجموعة الأولى : إن صادراتها تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي، ويعتبر النفط هو المصدر الرئيسي للدخل الوطني. وقد لوحظ جراء تداعيات الأزمة إنخفاض أسعار النفط خلال فترة قصيرة إلى أكثر من النصف حيث إنخفض من 147 دولار للبرميل إلى نحو 39,5 دولار للبرميل وهي نسبة كبيرة جدا ومما لا شك فيه أن هذا الإنخفاض الحاد سينعكس على الفوائض المالية والأرباح العربية حيث يستحوذ البترول على 75 % من الصادرات العربية و أيضا سيؤثر على وضع الموازنات العامة القادمة وعلى معدلات النمو الإقتصادي، إذ إن معدلات النمو قد إنخفضت في عام 2008 مقارنة بمعدلات عام 2007 و ستنخفض أكثر في عام 2009. من ناحية أخرى، يلاحظ أن النشاط المالي لدول الخليج في العالم الخارجي كبير، حيث تم إستثمار جزء لا يستهان به من عوائد النفط، وحيث يلاحظ أن دول الخليج أصبحت تمتلك صناديق ثروات سيادية تستثمر في الخارج خصوصا في الولاياتالمتحدة وأوروبا. ومما لا شك فيه أن هناك بعض الصناديق التي يمكن أن تكون لها إستثمارات في بعض المؤسسات المالية المتعثرة. (1) وتقدر الإستثمارات العربية بالخارج بحوالي 2.4 تريليون $، وكما هو معلوم فإن هذه الإستثمارات مملوكة للحكومات والأفراد ولكن معظمها يعود لدول الخليج وسوف تتأثر تلك الإستثمارات بحسب الجهة التي يتم الإستثمار فيها. وكلما كانت تلك الجهة تتميز بدرجة عالية من المخاطر، فإن درجة التعرض إلى خسائر تكون أكبر، ومما لا شك فإن هناك بعض الخسائر ولكن غير معلن عنها. وتشير بعض التقديرات إلى أن خسائر صناديق الثروات السيادية في الدول الناشئة بما فيها دول الخليج تقدر بحوالي 4 مليارات دولار. أما بالنسبة للبورصات فإن حالة الخوف والفزع هي التي أصابت المستثمرين في العالم كله ابتداء من أميركا، حيث إنهارت بورصة "وول ستريت" إلى بورصة إندونيسيا التي أغلقت أبوابها مرورا بالبورصات في معظم دول العالم ومنها إلى البورصات العربية وخصوصا الخليجية والمصرية. (2) . حيث إنخفضت مؤشرات الأسهم في دول الخليج إلى أدنى مستوياتها منذ سنة ونصف، وذلك مع هروب مستثمرين من الأسواق خشية تأثرها بتداعيات إضطرابات الأخيرة في قطاع المال الأميركي. وأغلقت سوق البورصة السعودية منخفضة 6.5% مسجلة 7255.15 نقطة، حيث فقد مؤشر التداول 34.3% من قيمته منذ بداية العام 2008م.وأغلقت بورصة الكويت، وهي ثاني أكبر بورصة في العالم العربي، بتراجع 3.8% ليصل المؤشر إلى 12360.2 نقطة أي بخسارة 488 نقطة، وهي أكبر خسارة في يوم واحد في سنة 2008م. وقد تأثرت الدول الخليجية أكثر من غيرها من هذه الأزمة بحكم تلازم إستثماراتها مع الإقتصاد الأمريكي فقد خسرت أكثر من 200 مليار $ في هذه الأزمة(1) -2 المجموعة الثانية : فإن تأثرها بالأزمة سيكون أقل من دول المجموعة الأولى بإستثناء تأثر البورصات فسيكون في مستوى تأثر بورصات المجموعة الأولى. ومن بين الآثار التي التي تشهدها هذه الدول نجد : تأثر السياحة العربية بشكل كبير. إنخفاض معدل نمو الإقتصاد المصري الحقيقي إنخفاض قيمة الجنيه المصري، بكل ما يعنيه من زيادة في الأسعار،وفقدان الثقة في الإقتصاد. إرتفاع مطرد في نسبة البطالة -3 المجموعة الثالثة : وهي ذات درجة الإنفتاح الإقتصادي والمالي المحدودة، فسيكون التأثير عليها محدودا أيضا ولقد قامت كل من حكومات المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت أعلنت عن ضمانها لكافة الودائع في مصارفها ، وضخت مبالغ ضخمة فيها في محاولة لترميم الثقة بين المواطنين وهذه المصارف ، ودفعهم لعدم سحب أرصدتهم من هذه المؤسسات المالية ولتعزيز الثقة بين المصارف ذاتها أما البورصات العربية فهي في تراجع مستمر ، ويمكن القول أن هذا التراجع ناجم عن التأثر بالبورصات العالمية ، وعن ضعف الثقة بين المستثمرين وهذه المؤسسات ، إضافة إلى الحالة النفسية السائدة نتيجة هذا الإنهيار الكبير ، وكذلك الهبوط الحاد لأسعار النفط التي بلغت النصف تقريبا ومازالت مستمرة في الإنخفاض . هناك بعض دول عربية لم تتأثر كثيرا بهذه الأزمة مثل الأردن وسوريا ولبنان، وبعض دول المغرب العربي ك"ليبيا وموريتانيا" وهذا لعدم وجود إستثمارات لبنوكها في الخارج بأرقام كبيرة ، بل على العكس تتهيأ هذه الدول لاستقبال إستثمارات وودائع جديدة هاربة من مواقع الخطر الى هذه الدول (2). سياسة معالجة الأزمة المالية تركزت المعالجات الحكومية المتخذة في معالجة الأزمة الحالية بالأساس على توفير السيولة المالية وضخها في المصارف والمؤسسات المالية للحد من حصول إنهيارات كبيرة وشاملة في البورصات وفي الأسواق المالية للبنوك المتعثرة ، بغرض إستمرار ممارسة أنشطتها وتعزيز ثقة الجمهور بها . قامت الدول المجموعة الكبرى باخذ إجراءات سريعة أولية وإعتبرت هذه الإجراءات كخطوات تخفيفية لإيقاف الإنهيار في المؤسسات المالية ، و بعد ذلك أجريت دراسة حول سياسة معالجة الأزمة بحيث طرحت خطط إنقاذية يشمل مبدؤها وضع حلول عملية وعميقة لمعالجة أسباب الأزمة و الاستراتيجيات الحقيقية لإيجاد التوازن في الأنشطة على المدى القريب والبعيد ، وتحقيق أداء إقتصادي جيد . إجراءات للتخفيف من الأزمة المالية لقد ضخت الدول الصناعية الكبرى مئات المليارات من الدولارات لإنقاذ مصارفها ومؤسساتها المالية من الإفلاس ، ولتوفير الثقة بين أصحاب المصارف والمؤسسات ، ولطمأنة أصحاب الودائع ، لكن هذا لا يكفي لإعادة الوضع إلى سابق عهده بل يتطلب الأمر سياسة إقتصادية جديدة ، ولم تعد الولاياتالمتحدة تقود العالم الرأسمالي ، وهي تعد لمؤتمر خاص لرؤساء الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة للبحث في سبل حل هذه الأزمة أو للاقتراب من إيجاد الحلول المناسبة . الإجراءات الأولية منذ وقوع الأزمة تبنت البنوك المركزية في معظم دول العالم وفي مقدمته البنك المركزي الأمريكي سياسة تقوم على توفير السيولة سواء من خلال ضخ أموال في الأسواق، أو من خلال تخفيض أسعار الفائدة. ومن بين الإجراءات الأولية المنفذة هي : (1) قامت البنوك المركزية العالمية في الولاياتالمتحدة وأوروبا وآسيا بضخ نحو 700 مليار دولار في نظمها المالية، لحماية النظام المالي العالمي من الإنهيار. أجرى مجلس الإحتياطي الإتحادي (البنك المركزي الأميركي) تخفيضات على أسعار الفائدة حوالي 8 مرات منذ بداية الأزمة، حيث أن آخر تعديل الذي كان في 6 نوفمبر هو خفض بنسبة 25 % ليبلغ سعر الفائدة 1.5%، ويهدف هذا الإجراء إلى تسهيل اللجوء إلى القروض المصرفية للإستثمار وحث الأفراد على زيادة الإنفاق. و منه مواجهة الإضطرابات المتزايدة في أسواق المال العالمية قررت الإدارة الأميركية تخصيص نحو 150 مليار دولار من خلال خطة حوافز مالية تتضمن إعفاءات ضريبية مدتها سنتين منها 100 مليار للأفراد و 50 مليار للشركات. يهدف هذا الإجراء إلى زيادة الإستهلاك لتنشيط الإقتصاد. وافق مجلس الأميركي على مشروع قانون لحماية ملاك العقارات يوفر 300 مليار$ تستخدمها إدارة العقارات الإتحادية لإعادة تمويل قروض الرهن العقاري، الخاصة بملاك العقارات. في أوروبا اتفقت حكومات هولنداوبلجيكا ولوكسمبورغ على إستثمار مبلغ 11.2 مليار يورو في مؤسسة "فورتيس" للخدمات المالية، وهو ما يعني عمليا تأميمها. اتفقت عشرة مصارف دولية على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال سبعين مليار دولار لمواجهة أكثر حاجاتها إلحاحا، في حين وافقت المصارف المركزية على فتح مجالات التسليف (1) كما قامت البنوك الأوروبية والآسيوية بإجراءات مماثلة في محاولة للتخفيف من حدة الأزمة، كما قامت بعض المؤسسات المالية وكبار المساهمين بدعم مؤسسات مالية وعقارية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، مثل » سيتي جروب « و »ميريل لينش « لإنقاذها من الإنهيار. حيث ضخت سنغافورة والكويت وكوريا الجنوبية حوالي 21 مليار دولار لإنعاش كلا المؤسستين المشار إليهما بإعتبارهما أكثر البنوك الأمريكية تأثرًا بهذه الأزمة. (2) وفي إطار الخروج من الأزمة أيضا فإن اللجوء للتأميم بات حلاً مطروحاً كورقة أخيرة في أيدي تلك الحكومات للدفاع عن الإقتصاد القومي. وقد شهد مسلسل تأميم بعض المؤسسات المالية حلقات عديدة، منها تأميم "إندى ماك IndyMac" أحد أكبر مؤسسات القروض العقارية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك في جانفي 2008. فضلاً عن إنقاذ شركة التأمين الكبرى AIG مقابل امتلاك الحكومة لحصة تبلغ حوالي 80% من الشركة. ولم يختلف الأمر كثيراً في أوروبا، حيث تم تأميم عدد من البنوك والمؤسسات المالية الأوربية. فقد شهد سبتمبر 2008 تأميم" برادفورد & بينجلى "Bradford & Bingley"، أكبر مؤسسات القروض العقارية في بريطانيا، كذلك قامت حكومة أيسلندا بشراء حصة 75% من Glitnir Bank""، ثالث أكبر مؤسسة إقراض في ايسلندا. (3) كاتب الدراسة كاتب واعلامى مصرى رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير "الزمان المصرى" مدير تحرير جريدة الكرامة ……………………………………………. المراجع -(1) صباح نعوش , مرجع سابق, على خطWWW .aldjazira.net -(2)مجلس الغرف السعودية ,مرجع سابق , ص 09 -(3)عبد لله شحاتة , مرجع سابق ,ص 11 …………………………………………………… -(1) نبيل حشاد,"الأزمة المالية وتأثيرها على الاقثصاد العربي",إقتصاد و أعمال2008/10/14, على خطWWW .aldjazira.net -(2)عبد لله شحاتة , مرجع سابق,ص09 (1)عبد لله شحاتة , مرجع سابق,ص10 – (2) نبيل حشاد , مرجع سابق, على خط WWW .aldjazira.net -(1) ناجي بن حسين, مرجع سابق ,ص39 -(2)حازم الببلاوي".المرجع السابق, ص12 2)-(1) مجلس الغرف السعودية, مرجع سابق , ص06 (3)الموسوعة الحرة ,مرجع سابق ,على خط WWW.wikipedia.org -(1)الموسوعة الحرة ,مرجع سابق ,على خط WWW.wikipedia.org) -(1)الموسوعة الحرة ,مرجع سابق ,على خط WWW.wikipedia.org -(3)-(2) المجلة الإقتصادية ,شبكة الأبحاث و الدراسات الإقتصادية, "الأزمة المالية العالمية" العدد الأول, 2008/10/31 على خط WWW.rr4ee.net -(4) مجلس الغرف السعودية, مرجع سابق , ص07 -(1)سامح نجيب, مرجع سابق , على خط WWW.echetirakiyoun.com.pdf -(2) -(1) نفس المرجع سابق على خط WWW .aldjazira.net -(1)نفس المرجع السابق, على خط WWW.echtirakiyoun.com) -(2) نبيل حشاد مرجع سابق على خط WWW .aldjazira.net -(2) -(1) نفس المرجع سابق على خط WWW .aldjazira.net