لم التفت كثيراً لقرار مجلس النواب أمس الذى يحظر الفتوى على غير المتخصصين من مؤسسات ثلاثة هى ( مشيخة الأزهر ، وزارة الأوقاف ، دار الإفتاء) لمواجهة ظاهرة فوضى الفتاوى وهو ما يعنى ضبط مسيرة الفتوى والحفاظ على أمن واستقرار المجتمع من الآراء الغريبة والفتاوى الهدامة التى تخرب البيوت وتثير الفتنة في المجتمع، والقرار ليس وليد اللحظة ، ولا اختراعات وابداعات مجلس النواب الحالى فقد أصدر مجلس 2005 ومجلس 2010 حتى مجلس 2011-2012 نفس القرار وهو حظر الفتاوى على غير المتخصصين وبنفس الأهداف بالضبط وهى الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع ، وكأننا لدينا تصريحات موسمية تظهر في أيام محددة من السنة بوجوه مختلفة ، وأحياناً عندما تخرج فتوى من علماء وشيوخ فيها شيء من الغرابة وأحياناً تكون طريفة لم نسمع عنها من قبل يستند فيها كل شيخ إلى مذهب من المذاهب الإسلامية الأربعة ( الشافعى، المالكى، الحنبلى، ابو حنيفة) وكأننا أمام أربعة أديان مختلفة وليس دين واحد ، هذا يُحلل .. وهذا يُحرم ..وهذا يتفق مع رأى الفقهاء ، وأخر مع رأى جمهور العلماء ، والناس يأخذون ما يحلو لهم والأيسر والأخف عليهم عند التطبيق، وبالتالي لا عجب أن تصدر دار الإفتاء المصرية بمفردها نحو 500 ألف فتوى في ثلاثة شهور فقط . وأذكر أن أحد الزملاء من أساتذة الجامعة قصدني في فتوى .. وقال أنه طلق زوجته الطلقة الثالثة بعد مشادة كلامية كان فيها عصبي لدرجة كبيرة ولم يدرى بما يقول ..وكان ردى أن الطلاق لم يقع وهى ما تزال زوجتك… واستمرت حياتهم لأكثر من خمس سنوات وجاءني نفس الزميل بنفس المشكلة من انه طلق زوجته بعد مشادة كلامية بينهما.. وقلت له كما قلت في المرة السابقة من أنها ما تزال زوجتك … وسألته يا دكتور انا لست متخصصاً في الدين .. فلماذا تسألني كلما وقعت في نفس المشكلة … كانت المفاجأة في الرد الذى جعلني أفكر ألف مرة عندما أعطى رأى في أمر من أمور الدين قوله :" انت الوحيد يا دكتور مجدى الذى يقول ان الطلاق لم يقع ، وعلى هذا ألجأ اليك في كل مرة أتعرض فيها لنفس الأزمة " عنها شعرت بخطورة الرأي العادي الذى قد يراه البعض أنه فتوى صالحة للتطبيق ، وأدركت أن غالبية المصريين يفتون لبعضهم البعض إن كان رأى الشيخ لا يتوافق مع ما يحبون، أو ربما يبحثون عن الشيخ الذى يكيف الفتوى ويبرر الحدث بما يتماشى مع رغبات صاحب الفتوى. إن مشكلة الفتوى ليست في المؤسسات الثلاثة التى من حقها الفتوى في دين الله وإنما في وجود مؤسسات وتيارات دينية موازية لديها هى الأخرى لجنة للفتوى، وتصدر الفتاوى للذين ينتمون إلى نفس الفكر والتوجه الديني ، بجانب ولع المصريين في الفتوى بدون علم ، حيث أصبح بإمكان المسلم أن يفتى لنفسه ولغيره إن لزم الأمر من حديث الرسول صلى الله علية وسلم " استفتى قلبك ولو أفتوك"، وهذا معناه كما تصور البعض من عوام المصريين أن الدين الإسلامي دين يسر وسهل في أحكامه، وبالتالى أصبحت الفتاوى اجتهادات فردية حيث لا يوجد عمل مؤسسي برؤية تتكامل فيها المؤسسات الدينية ومؤسسات الإعلام للحفاظ على جانب التشريع الذى فرضه الله على الناس وإصلاح ذات بينهم . ولعل أغرب ما قرأت مؤخراً من فتوى ما دعا إليه الشيخ مرجان الجوهري أحد قادة الدعوة السلفية بضرورة هدم الأهرامات وأبو الهول ومعبد الأقصر مؤكداً في حوار مع برنامج العاشرة مساءًا الأسبوع الماضي أن هناك أدلة من القرآن الكريم تؤكد أن على المسلم الحق أن يقوم بتدمير كافة التماثيل التي تجعل الناس تُشرك بالله، وأن على المرأة عدم تشغيل المكيف في حال غياب زوجها لأن ذلك يعطي إشارة بتواجدها في المنزل بمفردها وقد يوقعها ذلك في الحرام عندما يصعد أخرون للاعتداء عليها . وكان الأغرب منها ما قاله الشيخ أسامة القوصي وهو أحد شيوخ السلفية وفتواه التي تقول بجواز النظر إلى المرأة وهى تستحم إذا كانت نيته الزواج منها، واستشهد الشيخ القوصي على صحة فتواه بقصة غريبه لبعض الصحابة، وهو ما أثار جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال في فتواه "إنما الأعمال بالنيات، واستشهد بحديث عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه للزواج منها فليفعل، وقال جابر فخطبت امرأة وكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى زواجها فتزوجتها"، وأكد الشيخ القوصى أن "أحد الصحابة المعروفين كان يراقب خطيبته وهي تغتسل في البئر ويراقبها حتى تأكد من صلاحها وتزوجها، كما أفتى الشيخ علي جمعة مفتي الديار السابق بأن على الرجال الصبر والتساهل مع زوجاتهم، وقال "إن اللياقة في الاسلام يطالبك بأن تتصل بزوجتك بالهاتف قبل المجيء إليها، اتصل بها يا أخي، افرض أن معها أحد اتركه يمشي". أما الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية فقد أصدر هو الأخر فتوى غريبة تبيح أن يترك الزوج زوجته فريسة للمغتصبين، إذا تيقن أنه لو دافع عنها سوف يقتل، وفتوى أخرى يقول فيها أنه لا يجوز للزوج أن يقتل زوجته وعشيقها إلا برؤية الفرْج في الفرْج ، وجاءت ردود الفعل أشد غضباً واستنكاراً خاصة وأن ترك الرجل لزوجته تُهان وتغتصب ويعتدى عليها أمامه دون تدخله خوفاً على نفسه من البطش والتنكيل منه لا تُعبر عن صريح الدين . كما أفتى الدكتور مبروك عطية وهو أحد علماء الأزهر الشريف بأنه" إذا خانت المرأة زوجها فهذا ذنب بينها وبين الله ولا يحق لزوجها أن يحاسبها عليه"، بينما أفتى الدكتور سالم أبوعاصي الأستاذ بجامعة الأزهر بجواز ضرب الزوجة لزوجها إذا لم ينصفها القضاء، وكذلك يحق لها حرمانه من حقوقه الشرعية إذا حرمها من حقوقها الزوجية، كما أجاز الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى في الأزهر للزوجة أن تضرب زوجها دفاعاً عن النفس فقط . ولعلَّ من أشهر الفتاوى وأكثرها غرابة فتوى الدكتور عزت عطية كلية أصول الدين في جامعة الأزهر والتي أجاز فيها إرضاع المرأة لزميلها في العمل منعاً للخلوة المحرّمة، وجاء في الفتوى: إن إرضاع الكبير يكون خمس رضعات وهو يبيح الخلوة ولا يحرّم الزواج، وأن المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته، لكن يجب توثيق هذا الإرضاع كتابة ورسمياً ويكتب في العقد أن فلانة أرضعت فلاناً، وقد أحدثت هذه الفتوى ضجه بين المصريين وسخرية في برامج الإعلام ، مما حذا بجامعه الأزهر إلى عزل الدكتور عطية من منصبه، إلا أن المحكمة الإدارية العليا ألغت قرار العزل واعادته إلى عمله مرة أخرى. أما العارف بالله مولانا الشيخ "ميزو" أو محمد عبد الله نصر فقد أفتى هو الأخر بأن ممارسة غير المتزوجين للجنس لا يُعد زناً، مؤكداً أن الزنا هو أن يقوم رجل مرتبط بزوجته أو زوجة مرتبطة بزوجها بممارسة الفاحشة، أما إذا كان الرجل غير مرتبط والمرأة غير مرتبطة فإن ذلك يدخل في عقوبة أخرى وهى البغاء لا يدخل في الزنا، وأكد الشيخ "ميزو" أن عقوبة الزنا في الإسلام هى 100 جلدة فقط ، وأنه لا يوجد "رجم" في القرآن الكريم ، وقال بأن الله لن يعاقب الزاني على جريمته إلا إذا كررها مرات عديدة، وأن العقاب لن يقع عليه إذا مارس الفاحشة مرة واحدة، وأن جريمة الزنا في تكرار الزنا . وكان الأغرب منها فتوى صبحي صالح 2013م التي أخذت تقليداً عنصرياً عندما قال: "إن غير الإخوانية غير مكتملة الإيمان، ومن ثم لا يجوز الزواج منها، وكان الرد عليها أغرب من الشيخ مظهر شاهين إمام وخطيب مسجد "عمر مكرم" بميدان التحرير الذي أفتى بوجوب تطليق الزوجة الإخوانية وقال: "إن الطلاق هنا أمر لابد منه من أجل مصلحة الوطن العليا، مشيراً إلى أن هناك العديد من الرجال الذين يعانون من هذا الأمر"، مضيفاً: "إن الزوجة الإخوانية هي بمثابة خلية إخوانية أو قنبلة موقوتة بغرفة نومك، مناشداً بالنظر إلى فقه الأولويات والتضحية بالزوجة الإخوانية في سبيل عدم التضحية بالوطن"، و"إن التضحية بالزوجة الإخوانية لا يعني قتلها، وإنما الانفصال عنها وإعطاءها كل حقوقها بما يرضي الله". وأكد الشيخ مظهر شاهين في فتواه على أنها إن تابت وعادت إلى رشدها فلا يطلقها، وإن أبت إلا أن تشارك في القتل والإرهاب فقد بانت خيانتها للوطن، وباتت في عرف القانون مجرمة وفي حكم الشرع فاسدة، وهذا يشكل خطراً على الأسرة والمجتمع"، واضاف شاهين قائلاً: "وإذا كان الرجل من حقه أن يطلق زوجته إذا ثبتت خيانتها له، فمن باب أولى من حقه أيضاً أن يطلقها إذا خانت الوطن وشاركت في قتل الأنفس وحرق المنشآت والتجسس على الوطن، لأنه إذا كانت خيانة الزوجة لزوجها كبيرة، فخيانتها للوطن أكبر الكبائر"؛ على حد قوله. وكان من أشد الفتاوى تطرفاً ما تداولته شبكات التواصل الاجتماعي من فتوى لتنظيم داعش الإرهابي تقول أن "اغتصاب امرأة غير مسلمة من قبل عشرة أعضاء من التنظيم يُدخلها الدين الإسلامي"، وهو ما أثار غضب الأزهر الشريف وإدانة أئمة وخطباء الأوقاف باعتبارها تمثل "إساءة للدين الإسلامي وتزييفاً وتحريفاً لنصوصه"، كما أفتى التنظيم أيضاً بإلغاء صلاة التراويح باعتبارها بدعة، وأقر الجلد عقابًا لكل مَن يصليها في المحافظات السورية والعراقية التي يسيطرون عليها على اعتبار أن صلاة التراويح لم تكن موجودة أيام النبي صلى الله عليه وسلم . والسؤال … أليس من الطبيعي أن ينفر المسلم من فتوى تجيز للمرأة إرضاع زميلها في العمل الذي تجمعها به غرفة واحدة وبذلك يزول الحرام؟ أليس من الطبيعي أن ينفر المسلم المتجرد عندما يسمع أن رجل دين حرّم صعود رجل المصعد مع امرأة لأن الشيطان يكون ثالثهما، ورجل دين آخر حرّم وجود مسعف مع امرأة مريضة داخل سيارة الإسعاف، ورجل دين آخر يحرم وجود طالبة وطالب في فصل دراسي واحد. فتوى كثيرة ليست في أى دين أو في أى مجتمع إلا عندنا في مصر… ولا يدرك أحد من أصدرها وعلى أى أساس يتم تداولها والأخذ بها، لكن المؤكد أن أغلبية هذه الفتاوى بل والقسط الأكبر منها لعلماء وشيوخ الأزهر وخطباء الأوقاف ، ورغم ذلك ما يزال الحديث قائم على ضرورة حظر الفتوى على المتخصصين من شيوخ الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء ، وسقط سهواً أنهم هم سبب فوضى الفتوى، وأن أغرب الفتاوى المثيرة للدهشة والغرابة والسخرية أحياناً يقف وراءها علماء وأئمة الأوقاف وشيوخ الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، فالقانون والتشريعات لن تمنع المصريين من الفتوى لأنفسهم ولغيرهم ، لكن المهم أن تكون هناك مؤسسة دينية واحدة هي المسئولة عن إصدار الفتوى في مصر، وفتح باب الدعوة لكل خطيب وإمام ومجتهد من الأزهر وغيره لدية القدرة على توصيل صحيح الدين للناس كافة.