من أبرز القضايا التى أثارت جدلاً فى الآونة الأخيرة، قضية فتاوى الفتنة، مثل فتوى إرضاع الكبير وجواز تبرع المسلم لبناء كنيسة وبطلان طلاق المصريين لأنه ينطق بالهمزة وليس بالقاف، وهى التى تم التراجع عنها بعد الفتنة التى أحدثتها فى المجتمع وتبين أن بعضها تم تحريفه أو لم ينطق بها أصحابها أصلاً. وتبقى المشكلة قائمة متجددة خصوصًا إذا علمنا أن قانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961 لا يلزم شيخ الأزهر الرجوع عن فتوى أصدرها من قبل. ما أبرز فتاوى الفتنة التى شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة؟ كيف تم التراجع عنها؟ من هم أصحاب تلك الفتاوى؟ هل الرجوع عن فتوى باطلة فضيلة أم ينتقص من حق صاحبها؟ طبقًا لقانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961 لا يجوز لأحد إلزام شيخ الأزهر الرجوع عن فتوى أصدرها الأزهر من قبل. وطبقًا لنفس القانون رفضت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة إصدار حكم يلزم شيخ الأزهر العدول عن فتوى للأزهر بأن الحجاب فرض. رفضت المحكمة الدعوى لأن قانون الأزهر لم يتضمن أى نص يلزم شيخ الأزهر بسحب أى فتوى يصدرها سواء بصفته أو بصفته رئيسًا لمجمع البحوث الإسلامية، إلا أن بعض الشيوخ وغيرهم سبق أن أصدروا فتاوى وتراجعوا عنها والبعض اعتذر عن فتوى أصدرها. وأشهر من اعتذر عن فتواه الدكتور «عزت عطية» رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر وذلك عن فتواه التى أثارت ضجة قبل أكثر من ثلاث سنوات وهى فتوى إرضاع المرأة زميلها فى العمل لمنع الخلوة المحرمة، وأكد عطية فى اعتذاره أن ما أثير حول موضوع إرضاع الكبير كان نقلاً عن الأئمة «ابن حزم» و«ابن تيمية» و«ابن القيم» و«الشوكانى» وأمين خطاب، وما استخلصته من كلام «ابن حجر». وذكر عطية أن الرضاعة فى الصغر هى التى يثبت بها التحريم كما قال الأئمة الأربعة أن رضاعة الكبير كانت لواقعة خاصة. وقال إن ما أفتى به كان اجتهادًا وبناءً على ما تدارسه مع إخوانه العلماء معتذرًا عما بدر منه قبل الرجوع لرأى الأئمة إخوانه العلماء. ∎ فتوى طنطاوى كما تراجع شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوى عن فتوى قال فيها «يجوز تبرع المسلم لبناء كنيسة» وأكد فى تراجعه أن تصريحاته أسىء فهمها، وأنه كان يقصد المسيحى وليس المسلم. وقال طنطاوى: إنه لم يصدر فتوى، وأنه لم يناقش هذا الأمر أساسًا، خلال لقائه بوفد الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، لكنه فقط تحدث عن جواز تبرع المسيحى لبناء كنيسة. وأكد طنطاوى أنه يجوز للمسلم التبرع لبناء مسجد وفى الوقت نفسه يحرم على الشخص التبرع لبناء أماكن للمعصية مثل مصانع الخمور والملاهى الليلية. الداعية أسامة القوصى تراجع عن فتوى أصدرها ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعى بإباحة النظر لأجساد الفتيات قبل الزواج ورؤية ما حرم الله، وقال القوصى إنه يتراجع عن تلك الأفكار التى وصفها بالخاطئة مؤكدًا أن الفيديو قديم، والفتوى غير صحيحة شرعًا، وأضاف فى هذه الفترة كنت صغيرًا ومتطرفًا حتى إننى كنت أكفر أبى وأمى ولكنى تراجعت عن تلك الأفكار نهائيًا ورجعت إلى صحيح الدين. وتابع القوصى: الفيديو ظهر فى هذا التوقيت لأن هناك من يريد أن ينتقم منى ويشوه صورتى بعدما عدت إلى ساحة الدعوة بقوة. الشيخ مظهر شاهين إمام مسجد عمر مكرم السابق تراجع أيضًا عن فتوى أجاز فيها تطليق الزوجة الإخوانية، وقال: «الخلاف الفكرى أو السياسى ليس عذرًا للطلاق»، ولكن الزوجة الإرهابية يجوز طلاقها، وقال شاهين إن الفتوى التى أطلقها بخصوص جواز تطليق الزوجة الإرهابية تم تحريفها إلى الزوجة الإخوانية وأنه أصدر فتوى جواز طلاق الإرهابية لأنها تبث الكراهية بين أسرتها. وكان الشيخ مظهر شاهين وصف الزوجة الإخوانية بالقنبلة الموقوتة النائمة فى بيت زوجها وطالب بتطليقها. محمد عبدالمقصود عضو جماعة الإخوان الإرهابية تراجع عن فتواه عندما وصل محمد مرسى لكرسى الرئاسة، والتى أجاز فيها إخفاء بطاقة الهوية عن مؤيدى فلول نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك. وأكد عبدالمقصود أن هذه الفتوى يلزم فيها أشياء ولا أقرها أبدًا مثل سؤال البعض: هل يجوز تزوير الانتخابات ضد الفلول؟ وقال عبدالمقصود إننى أعود عن هذا القول والرجوع إلى الحق خير من التخاذل فى الباطل. وأوضح أنه تراجع عن هذا القول لسببين أولهما أن الأمور التى تلزم من هذا القول لا أستطيع أن أتحملها شرعًا، وثانيهما أن الشباب الذى يحجز البطاقة عن أبيه لا يمكن أن يحجر على إرادة أبيه فالأصل أن الناس ينتخبون من يختارون. وكان عبدالمقصود أجاب خلال محاضرة ألقاها بجامعة الأزهر على سؤال أحد الطلاب حول مدى حرمة إخفاء البطاقة الشخصية لوالده الذى يعتزم انتخاب أحد رموز نظام مبارك خلال انتخابات الرئاسة قائلاً: إنه فى هذه الحالة حلال لأن الإخفاء بغرض رفع الضرر عن الأمة بأكملها وبعد نجاح محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية تراجع عن فتواه. ∎ فتوى الطلاق قبل عدة سنوات عندما كان الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية نفت دار الإفتاء ما تردد على بعض مواقع التواصل الاجتماعى منسوبا إلى مفتى الجمهورية بأن طلاق المصريين لا يقع لأنهم ينطقونه بالهمزة وليس بالقاف فيقولون طالئ وليس طالق. وقال الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية الدكتور على جمعة: إن هناك دراسة تعدها دار الإفتاء تحت إشراف مفتى الجمهورية وعدد من علماء الدار حول الطلاق بصفة عامة، مشيرا إلى أن الدراسة لم يتم فيها إبداء أى رأى بالتحديد. وأكد أنه لم يصدر عن دار الإفتاء ولا عن فضيلة المفتى أى فتوى بهذا الخصوص. وأثار الدكتور على جمعة مفتى مصر وقتها جدلا واسعا بين علماء الأزهر والجمهور عقب فتوى أن طلاق المصريين لا يقع لأنهم ينطقونه بالهمزة وليس بالقاف، فيقولون طالئ وليس «طالق» مستندًا على رأى قديم للفقهاء وكانوا يعتبرون لفظ طالق التى كان ينطق بها البعض وقتها لا تعتبر طلاقا لأن الطلاق يقع باللفظ مع النية ولفظ الطلاق يعنى وقوعه، فالطلاق يقع بمجرد النطق به حتى لو لم يقصد الإنسان ذلك. ∎ الرجوع عن الفتوى الشيخ محمود عاشور وكيل وزارة الأوقاف قال: إذا اكتشف من أصدر فتوى أنه أخطأ وتراجع عنها، فهو رجل عالم جليل وهذا لا يعيبه ومن الجائز أنى تراجعت عن إحدى فتواى ولكننى لا أتذكر. ونفس الشىء- الكلام مازال للشيخ عاشور- بالنسبة للأزهر إذا كان هناك فتوى أصدرها ووجد أنها غير صحيحة فلا يعيبه أن يتراجع عنها، وعموما فتوى الأزهر الخاصة بحجاب المرأة صحيحة مائة فى المائة. ∎ الداعية فكرى حسن يفصح أولا الذى يرجع عن فتواه السابقة قد يكون أحس أن الفتوى بها خطأ فيصححها، فهذا النوع من العلماء قل أن يوجد فى هذا العصر بأن يعترف بأنه أخطأ فى فتواه وأنه غير صحيح، ولهذا قال الإمام الشافعى: رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب. ثانيا: قد يكون هذا الإنسان الذى أفتى فتوى ثم رجع عنها أو أضاف إليها شيئا جديدا، ممن يريدون أن يتقربوا إلى من بيده الأمور وينكر ما قاله صاحب الفتوى سابقا، وهذا النوع يجب ألا تؤخذ فتواه لأنه سخر الفتوى لغرض دنيوى أو مادى وهذا النوع نرجو منه أن يتقى ربه وأن يقول الحق. وأكد الشيخ فكرى: لقد رأينا بعض الجماعات التى تدعى الإسلام تصدر الفتوى فى الصباح ثم تأتى الأوامر فيتراجعوا عن فتواهم فى المساء مثل عبدالرحمن البر مفتى جماعة الإخوان الذى أفتى بحرمة معايدة المسلمين للمسيحيين ثم رأيناه بعد ذلك يتراجع عنها بعد تعليمات الجماعة. وقال فكرى: إذا سألنى أحد عن موضوع ولم يكن لدى دليل أطلب مهلة لنفسى حتى أراجع الموضوع فى أمهات الكتب ثم أقول الفتوى. ولقد أفتيت بجواز أن يشترى الإنسان بثمن الأضحية لحما من الجزار ويوزعها على الفقراء والمحتاجين شرط أن يكون الشراء بعد صلاة العيد. وذلك بعد أن رجعت إلى أمهات الكتب والدليل على حتمية الفتوى أن عبدالله بن عباس رضى الله عنه أرسل أحد عماله فى عيد الأضحى إلى الجزار وأمره أن يشترى، وقال له أى إنسان يسألك عن هذا اللحم أعطه وقل له هذه أضحية عبدالله بن عباس وهذا دليل فتواى وموجود فى بعض كتب التفسير. وذكر الشيخ فكرى أنه لا مانع أن يتراجع الأزهر عن أى فتوى أصدرها وكذلك مجمع البحوث الإسلامية، ولكن أحب أن أقول أولا إن فتوى حجاب المرأة صحيحة وأنه لا يمكن أن تخرج فتوى من مجمع البحوث الإسلامية إلا بعد الاتفاق عليها من جميع أعضاء المجمع، وإذا كان هناك خلاف عليها لا تخرج، أما بالنسبة للعلماء الذين قد يتراجعون عن فتوى أصدروها فهذا ليس عيبًا، لأنهم وجدوا فيها خطأ ويخافون الله. وكان الإمام أبو حنيفة أفتى فتوى ثم تراجع عنها فأرسل إلى أهل بلدته حتى لا يقولوا فى الشوارع: إن أبا حنيفة تراجع عن فتواه.∎