بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح من السابق لأوانه تقيم التجربة السياسية لجماعة الأخوان المسلمين سواء في مصر أو خارجها لعدة أسباب أهمها حداثة العهد بالإضافة إلى ما يحيط بهذه التجربة من عداءات وتكتلات _ مباشرة أو غير مباشرة،معلنة وغير معلنة_ تحاول جاهدة إجهاضها في شهورها الأولى. الغريب ان يتنبئوا بفشل الإخوان لعدم مقدرتهم على الكذب مدعين ان السياسة هي فن الكذب وأن السياسيّ الناجح هو السياسيّ الذي يجيد التلوّن والتحوّل من موقع لآخر، فتارة يكون في اليمين وأخرى في اليسار .فلا يشعر بالحرج من ذلك. ولكن هل السياسة فعلا هي فن الكذب ؟؟وهل بالكذب نبني دولة واقتصاداً قوياً وثقافة قوية متحضرة ؟ وهل بالكذب نبني أجيالاً تصلح لتقود المستقبل بثبات واقتدار؟ أنا لا أقول كل هذا الكلام عن الإخوان كوني أدعمهم أو أريد أي شيء، بالعكس.. الأخوان في أي مكان إن كان بمصر أو تونس أو الجزائر أو السودان أو فلسطين أو حتى سوريا يطالبون بحقوق هذه الشعوب،وقد يكونوا غير ناضجين سياسيا بالقدر الكاف ولكن هذا ليس معناه ان نحاكمهم ونتصيد لهم الأخطاء في بداية عهدهم. إن تجربة الإخوان المسلمين،بكل منحنياتها وتعرجاتها_بين شرعية العمل السياسي ونزع الشرعية وتحريم المشاركة والبقاء تحت الرقابة المجهرية ومطاردة الأمن والزج بهم في غياهب السجون ثم البروز على الساحة من جديد وبلوغ سدة الحكم – جديرة حقاً بالدراسة، وخاصة مع كل جديد يُكشف عنه من الوثائق. فلقد نشأت الجماعة لسببين أولهما داخلي تمثل في الإحباط الذي عانى منه شباب ثورة 1919 فبعد كل ما قدموه من تضحيات وشهداء من أجل تحقيق الاستقلال التام،جاء تصريح 28 فبراير 1922 ليسلب الاستقلال مضمونه الحقيقي ،ويجد الشباب أن شيئاً لم يتغير من جوهر الهيمنة البريطانية على مصر. وثانيهما خارجي يتمثل في " إلغاء الخلافة الإسلامية " على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، وما تمخض عنها من نتائج تأرجحت بين مشاعر الجذع، والدعوة إلى إحياء الخلافة عند البعض، ومشاعر الارتياح والدعوة إلى العلمانية عند البعض الآخر،وما ترتب على ذلك من ردود أفعال من جانب فريق من الشباب رأى السلامة في التمسك بتراث السلف، وصياغة النظام الاجتماعي على هديه، وهو ما كان يعنى السير عكس حركة المجتمع،فقد كانت نشأة الجماعة على يد قائدها الإمام حسن البنا حيث حاول إحياء فكرة الخلافة التي جذبت الملك الشاب (فاروق الأول) حيث لقب ب "بالملك الصالح"، كانت هذه هي حلقة الوصل التي جمعت الجماعة بالقصر، وبات الطريق ممهداً لدخول الجماعة ميدان العمل السياسي وهو ما تم الإعلان عنه صراحة في يناير 1939،وبالفعل زاد نشاطهم في عهد " وزارات القصر"، واتسع حجم " فرق الجوالة الإخوانية". وإذا كان الإنجليز قد ساورهم القلق في البداية من ازدياد قوة انتشار هذا الفصيل السياسي الذي بات نداً قوياً للوفد،فإنهم جدّوا في التواصل معه (منذ خريف 1941)، ولم يجدوا صعوبة في عقد صفقة تم بموجبها امتناع الإخوان عن مساندة القصر أو القيام بأي نشاط معاد للإنجليز،في مقابل تغاضى الإنجليز عن نشاط الإخوان في الريف والمدن والمدارس،وسرعان ما ظهر أثر ذلك واضحاً جلياً في امتناعهم عن المشاركة في المظاهرات التي شهدتها القاهرة والإسكندرية في مطلع 1942 والتي كانت تنادى الثعلب "روميل" بالتقدم. ورغم إن الساحة السياسية الزاخمة بتناقض المصالح والاتجاهات شكلت تحدياً كبيراً، إلا أن الجماعة ومؤسسها كانوا على مستوى هذا التحدي والذي صنع خطاً سياسياً لا يحيدون عنه،ولعل مقولة البنا رداً على طلب أحمد حسين – رئيس مصر الفتاة – بالاستعانة بالجماعة في تنفيذ خطة عمل أعدها ضد الإنجليز عند شروع الألمان في الهجوم على الجزر البريطانية، لها دلالاتها في تأكيد هذه الإستراتيجية الاحترازية، فكان مما قاله له: "أننا لا نبحث عن مغامرة قد تخيب وتفشل، وإنما نعد أنفسنا لعمل قوى ناجح، لأن الفشل يكون كارثة، لا على حركتنا أو مصر فحسب، بل على العالم الإسلامي كله". والموقف نفسه يتكرر في ظروف مغايرة حينما أقدمت حكومة الوفد على إلغاء معاهدة 1936 عام 1951 وإعلان الكفاح المسلح بمنطقة القناة،أعلنت الجماعة بزعامة حسن الهضيبى في تصريح له لجريدة "الجمهور المصري" بأن أعمال العنف لا تخرج الإنجليز من البلاد،إن واجب الحكومة أن تفعل ما يفعله الإخوان المسلمون من تربية الشعب وإعداده، فذلك هو الطريق لإخراج الإنجليز". وفى الوقت الذي بدأ الإنجليز يتأهبون فيه للتعاون مع الإخوان،والتحسب لمواجهة الموقف في حالة فوز الإخوان في الانتخابات بالحكم، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقامت ثورة 23 يوليو 1952، وكان ما كان من إلغاء الأحزاب السياسية وتعطيل العمل بدستور 1923 ثم إلغائه، ولم يبق على المسرح السياسي المصري سوى الإخوان المسلمين الذين كانت علاقتهم برجال الثورة واضحة،وهنا بدأ الإنجليز البحث عن صفقة سياسية جديدة يعقدونها مع الإخوان،وبالفعل تمت الاتصالات السرية بين الطرفين دون علم مجلس قيادة الثورة _ لم يعلم بها إلا بعد مرور ثلاثة شهور _مما جعله يحل الجماعة ويعتقل كوادرها في 14 يناير 1954،وبذلك طوي مجلس قيادة الثورة صفحة هامة من تاريخ الإخوان المسلمين. وخرجت الجماعة من حقبة التجميد في عقد السبعينات بعد أن إطلاق السادات سراح المعتقلين وخاصة الإخوان المسلمين بل ودعمهم في مواجهة الانتفاضة الطلابية التي قادها الناصريون، فبدت الدولة عندئذ حاضنة للجماعات الإسلامية، ووفرت لهم الدعم المادي والأمني حتى نمت وترعرعت،وأحسنت الاستفادة من حاجة السلطة إليها لإهالة التراب على الفترة الناصرية،ولم تحاول الجماعة الاصطدام بالنظام حتى كان عام 1977،عندما أنعش نجاح الثورة الإيرانية آمال التيار الإسلامي في بناء المجتمع الإسلامي الذي تحلم به،واستفزها احتضان السادات لشاه إيران،فجاهرت الجماعات الإسلامية بانتقاد موقف السادات بعد أن أحست بقوتها، فأنهت تحالفها مع النظام بل بدأت تصطدم به،فتصاعد إيقاع العنف حتى بلغ الذروة باغتيال السادات، الذي كان كمن سعى لإخراج المارد من القمقم ظنا منه أنه سيسخره لخدمته، فإذا به يعصف بمن أطلق له العنان. وأخيرا تعاود الجماعة الظهور في عهد مبارك ولكن بأسلوب مختلف فلقد بدءوا في تقديم الخدمات الاجتماعية للمسلمين فقط وفى معظم الأحياء الشعبية والمناطق الريفية في الوقت الذي ضعف فيه دور الدولة في هذه الخدمات مع استمرارية النهج السياسي_ تجنب الصدام المباشر مع السلطة_ ومع ظهور حركات سياسية جديدة على الساحة المصرية كحركة كفاية، 6 ابريل، كلنا خالد سعيد وقيامهم يوم 25 يناير بإشعال شرارة ثورة شعبية جديدة وقف الإخوان معهم ودافعوا عنهم بكل قوة في ميدان التحرير بالقاهرة وفى جميع ميادين مصر وبذلك ولدت الثورة الحقيقية يوم الجمعة 28 يناير 2011،ولن يستطيع أحدا مهما بلغت درجة وعيه السياسي وذكائه الفطري أن يقيم تلك التجربة حديثة العهد ،فقط نعاصرها ولكن وبكل تأكيد من ينكر دور الإخوان في الثورة وما بعدها يا أما مكابر يا متكبر،ولذا أتمنى ان تنتهي تلك التصنيفات الوهمية لنعود كلنا شعب واحد وراية واحدة.