لم تعد ترغب فى كسر حدود تلك الغرفة فهى تعرف مافيها جيداً .. سرير عالى الأعمده يكسوه ناموسية من الحرير الطبيعى . ومقعدان يقابلان واجهة الباب يتلازمان كأنهما رفقاء طريق . وهذا الصرح العالى المسمى دولاب . لم يعد كذلك بالتأكيد فانهارت مرآته المثبتة على باب المنتصف _ فى شجار تلك الليلة . وهذا الشباك المطل على الحارة من الخلف حيث يلعب الأولاد الكرة وكم تابعتهم وهى واقفه رافعة باحدى يديها الستارة وتسند باليد الأخرى على حافة الشباك .. كم داعبها هواء تلك النافذة وكم أتت اليها رائحة زهر الرياحين عند الجيران .. لم تشتاق خلف هذه الحدود سوى لتلك الصورة المعلقة ع الجدران فى منتصف الحائط المقابل للباب فوق ذاك المقعدين انها صورة زفاف يبدو فيها أباها فتى يافع مقبل ع الحياة . ويظهر فى الصورة ثوب عرس يتهادى على قدمى فتاة فى براءة الطفوله عيناها بها نظرة مبهمة مابين قلق وفرح .. كم تمنت أن تحتضن الصورة فى جوف الليل وتصحبها الى حجرتها وتعلقها وتظل تنظر اليها حتى تغوص فى سبات عميق !! لم ترغب على الإطلاق أن تتعدى تلك الحدود فذكرياتها معها مؤلمة عندما كانت فى الثالثة من عمرها وفزعت من النوم على صوت كسر المرايا وشجار عنيف لاتدرى وقتها ماذاحدث.. ولم تفق إلا وهى بين ساعدى أبيها وتجهش ف البكاء وهو يحتضنها ويهدىء من روعها . لاتذكر سوى هذا الجرح الغائر حينما سقطت من فوق الفراش الوثير على حافة إناء من المعدن الثقيل يمتلىء بمخبوزات الفطير .. التى ارتطمت به ونزفت دماءاً ولم يعد يبقى من هذا الحدث الا صورة الطبيب وهو يحبك الغرز فوق حاجبها وضحكة ممرضه تجلجل وهى تداعب شعرها الأصفر القصير .. وندبة صغيره فوق حاجبها وقبلة أخيها عندما رآها ملفوفة بالشاش !! لم ترغب أبدا فى كسر حاجز هذه الحجرة ولكنها تخطو خطوات متثاقلة تجاه الباب الذى ابى ألا يكمل الذكريات ويكمل الحكاية بالحزن فى النهايه إنه بداخلها الآن على هذا الفراش فاقد الحياة !! ربما نزعت الأم الستائر الحريرية لاتدرى متى نزعت ولا متى آخر مرة راتها كم جلست تحت قدمية تداعبه .. كم إتكئت على ساعدية _ يتدلى ساعده الآن كأنه يدعوها لحفلة رقص تسرع الخطى وتجلس جاثمة على قدميها وتنتحب على الساعد وتقبله طالما إحتوى قلبها الصغير ... تتسارع دفات قلبها لتعلو على صوت الصراخ ويأتى صوت من بعيد يتمتم بكلمات غير مفهومة فلا تعد تدرى مفردات فقدتها مع فقدانها من علمها تلك المفردات !!! تجد نفسها فى حجرة مغلقه منزوعة الهواء ربما فى مشفى .. ترغب فى التنفس تتلمس الهواء .!! ترفع يدها تجد أنبوب هذا المحلول الملحى تنزعها برفق تقف على قدميها تكاد تسقط من الإعياء .. تقترب من النافذه ترفع بيديها الستار لعلها تجد شعاع ضوء يدلها على الطريق .. وما هو قادم !!!