بقلم خالد الشرابي في حياة أي فرد منا شخص قد يكون ولي أمرنا وقائدنا الذي نستلهم منه أسلوب حياتنا و قد يمثل لنا المُخلِّص في أوقات الأزمة و الشدة , قد نعقد عليه كثير من الآمال و الأحلام وقد نستنجد به في كروبنا و مشكلاتنا وقد يصل الأمر إلي «مرحلة العَشَم» فننتظر منه أن يؤدي هذا الدور من تلقاء نفسه في أي مرحلة صعبة من دافع الحب و الثقة . كذلك في حياة الشعوب التي لم تخلُ من شخصية القائد و المُخلِّص و الذي تُعقد عليه الآمال و الأحلام و الذي يحفظ حقوق شعبها فيألم لألمه و يسعي لفرحه و في ذلك أيضاً تكون مشاعر الحب و الثقة حاضرة . قد يخيب ظن الفرد منا في قائده و قد يخيب ظن الشعوب أيضاً في قائدها . تلك الشعور المنكسر و الذي تولّد لدي الفرد أو الشعب من عجز قائده أو بتخليه عنه في أوقات محنته قد يلقي بظلاله علي حياة هذا الفرد أو الشعب خاب ظنه في قائده . قد يخلف عن ذلك أزمة ثقة و قد يخلف عن ذلك الإيمان بقوة النفس و الإرادة و العزيمة , و وقتها قد يجعل من نفسه القائد الذي يحفظ حقه و ينجز ما يريده بأيده لا بأيد قائده الذي خذله . هي مواقف و أحداث قد تصنع فساد أخلاق الفرد منا , وقد تصنع في الشعوب حالة من الفوضي و العصيان , و قد تثير الهمم و العزائم فتصنع الرجال و الأبطال. فحياة الأفراد و الشعوب مليئة بالإبتلاءات و الإختبارات تظهر فيها معادن الرجال . جاء حادث إستشهاد ستة من الجنود المصريين بنيران إسرائيلية علي الحدود كإختبار جاد للقيادة المصرية في أعقاب ثورة يناير , فثار و غضب الشعب المصري و انتظر من قياداته و حكومته رد حاسم علي إسرائيل يشفي غليلهم و يهدأ من روعهم . ألقت الحكومة بياناً بلسان «وزير الإعلام» كرد رسمي علي تلك الحادث و لكنه كان بياناً مخيباً للآمال متعارضاً مع رغبة الشعب المصري في طرد السفير الإسرائيلي و قطع العلاقات , و لم نجد في الخطاب لا من قوة عبارات و لا من حماسة إلقاء و لا من شدة لهجة ما يكفي لتهدئة مشاعر المصريين الغاضبة لإستشهاد جنودهم!. إستعمل المتظاهرون إرادتهم الحرة و صعد الشاب «أحمد الشحات» طوابق العمارة التي بها مقر السفارة لينزع العلم الإسرائيلي و يرفع العلم المصري بدلاً منه في موقف بطولي جعل منه بطل قومي يثأر للشعب المصري لإستشهاد جنوده .. و أي ثأر يأتي بنزع علم و حرقه؟!. ظهرت بطولة الشعب المصري في هذا الشاب .. فأين بطولة الحكومة المصرية؟!. في الحقيقة لم تفلح الحكومة المصرية في إتخاذ موقف حاسم ضد إسرائيل فتمسّحت في إنجاز و بطولة «أحمد الشحات» و أقحمت نفسها في صورة الإنجاز حتي لا ينفرد الشحات ببطولته و تظهر الحكومة و كأنها التي ثأرت للمصريين و كأنها راعية للبطل الشحات فترفع الحرج عن نفسها أمام الشعب , فإستقبله رئيس الوزراء و كافأه محافظ الشرقية بمنحه شقة تقديراً لما فعله من عمل وفر جهوداً كبيرة كانت الحكومة ملزمة بها أمام الشعب لإرضائه . إنطلاقاً من هذا الموقف و الذي ظهر فيه موقف الشعب أقوي بكثير من موقف حكومته أدرك الشعب المصري أنه وحده الذي يستطيع أن يرد حقه بيده لا بيد حكومته فجعل الشعب من نفسه القائد الذي يحمل الكثير من الآمال فلم يجد إلا نفسه لتحقيقها. و من هنا لا نلوم شعباً قد هدم جداراً إستفزازياً صنعته حكومتنا لحماية سفير طالبنا نحن بطرده و لا نلوم مجموعة من الشباب قد إقتحموا سفارة يرفضها الشعب المصري علي أرضه , فلو وجد الشعب المصري القائد الذي يرد له حقه و يثأر لجنوده الشهداء بالإستجابة لندائه بطرد السفير و قطع العلاقات لما قاموا هؤلاء الشباب لا بنزع علم سفارة و حرقه و لا هدم جدار !. لقد فعل المصريين ما يملكونه من حرق علم إسرائيل و هدم جدار إستفز مشاعرهم .. فماذا تملك القيادة المصرية للثأر لجنودنا الشهداء و إرضاء شعب ثائر غاضب عازم علي الإنتقام ؟! هذا إختبار اُبتليَت به الحكومة المصرية فعجزت عن تحقيق ما يتمناه الشعب لمواجهة هذا الإختبار و ظهر معدن الشعب المصري الذي قد يعلوه التراب و لكنه لم و لن يصدأ. كما ذكرنا قد تصنع الإبتلاءات الرجال و الأبطال . جاء تقرير الأممالمتحدة عن حادث السفينة التركية «مرمرة» و الذي راح ضحيته تسعة أتراك برصاص إسرائيلي و الذي برّأ إسرائيل من عملها الإجرامي !. فكان الموقف التركي بقيادة الزعيم رجب طيب أردوغان مذهلاً للعالم و جاء محل أنظار جميع الساسة بقرار القيادة التركية بطرد السفير الإسرائيلي و تجميد الإتفاقات العسكرية و التجارية و تخفيض مستوي العلاقات إحتجاجاُ علي تقرير الأممالمتحدة و كرد فعل حازم ضد من يقتل أي مواطن تركي . قد ننظر بعين الحسد إلي تركيا و التي رُزِقت بقائد شجاع جسور جعل حفظ كرامة شعبه أولي مباديء حكمه و جعل الدم التركي أغلي الدماء!. قد ننظر بعين الحسد إلي الشعب التركي الذي لم يعتصم أمام سفارة و لم يُبَّح صوته حتي يُسمِع قائده و لم يتسلق عمارة لينزع علماً و يحرقه و لم يهدم جداراً بُنِيَ لحماية أعدائه بل وجد زعيماً و قائداً إستطاع أن يشفي غليله و يجعل بلده محط أنظار الدهشة و الإعجاب !. قد ننظر بعين الحسد إلي الأتراك لأنهم يعيشون تحت لواء قائد جاء من أجل شعبه فصار لهم كالأب الذي يرد الحق لإبنه قد ننظر إلي الأتراك بعين الحسد لأننا إفتقدنا شعور حنان الأب علي إبنه .. حقاً شعور الجفاء الذي طال الشعب منذ أكثر من ثلاثين عام والذي قد صنع منا الأبطال في ثورة يناير و لكنه شعور الإبن الناجح الذي لم يتلقي التهنئة من أبيه!.