أرواحهم وقلوبهم الصافية كالملائكة.. وقلوبهم البريئة المحبة للحياة رغم كل ما بها من معاناة وآلام، كتبها القدر عليهم لحكمة لا يعلمها سوى الله.. جعلتهم مطمعاً لذئاب البشر، الذين لا يستحيون وهم يعتدون على روح وجسد إنسان، عاجز عن الصراخ والحركة، وغير مدرك ما تخفيه الضحكة الصفراء، والعيون الزائغة الطامعة فى جسد عليل لا يقوى على الدفاع عن نفسه. وبحسب عدد من الدراسات التى أجريت لبحث أسباب حالات التحرش والاغتصاب فإن المعاقين عقلياً أكثر فئات الفئات تعرضاً لمختلف صيغ الإساءة الجنسية لأنهم غير قادرين علي التصدي لهذه الممارسات ليس لعجزهم وحسب بل لعدم قدرتهم علي تفهم معني أو دلالة ما يتعرضون له من إساءة، فضلاً عن حالة الخوف والذعر الشديد الذي يبثه الجناة في نفوسهم، وتفرض عليهم تقبل هذه الممارسات، وهو ما جعل ساحات المحاكم تعج بتلك الحوادث البشعة التى يندى لها الجبين، وتنتهى بإفلات الجانى من العقوبة، مستغلاً ثغرات القانون وعجز حالة المجنى عليها. الأسبوع الماضى.. اسدلت محكمة جنايات الجيزة، الستار في الجولة الأولي لقضية فتاة قسم إمبابة المعاقة ذهنيًا، التي تعرضت لواقعة هتك عرض واغتصاب داخل قسم شرطة إمبابة من قبل أمين شرطة تابع للقسم، وقضت بإدانته بالسجن المؤبد. وبحسب حيثيات حكم المحكمة، فإنها أوقعت على المتهم أقصى عقوبة أمامها وفقاً للمادة 268 عقوبات التى تنص على «كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع فى ذلك يعاقب بالسجن المشدد.. وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معا يحكم بالسجن المؤبد». حول هذا الحكم، ودوره فى ردع والتصدى لاغتصاب، وأسباب تفاقم الظاهرة..طرحنا القضية على عدد من المختصين. رحبت داليا عاطف مصطفى، مدير إدارة المرأة والطفل بالقومي للإعاقة برئاسة الوزراء.. بالحكم الصادر، وأكدت أنه انتصار لذوى الاحتياجات الخاصة الذين ظلوا منسيين لسنوات طوال، وقالت إن لديها طلبات من عدة وزارات فى مقدمتها وزارة الداخلية التى عليها أن توفر طبيباً نفسياً وإخصائياً اجتماعياً مدربين للتعامل مع تلك الحالات مشيرة إلى أن الفتاة فى القضية ظلت في القسم ولم يتم الوصول إلى أنها ذات إعاقة من عدمه، كما تم وضعها فى سجن النساء رغم أن سنها لا يسمح قانونا وهو ما طالبت به المحكمة في حيثيات حكمها بمحاسبة المسئولين إداريًا عن تلك الواقعة لعدم إشرافهم الفعلى على القسم ودللت على ذلك بأن سن الفتاة لم يكن يسمح لها قانونًا بوضعها فى حجز النساء. وشددت «داليا» على ضرورة توفير مترجمين إشارة للإعاقات السمعية داخل الأقسام والنيابة والمحاكم، ليسهل لهم التواصل مع المحكمة والدفاع عن نفسهم. وأشارت إلى ضرورة أن يتعامل الطب الشرعى مع تلك الحالات بطرق معينة وعدم التباطؤ في الإجراءات، منعا لطمث الأدلة، مثلما حدث فى حالة تلك الفتاة الذى لجأ أمين الشرطة إلى تغيير ملابسها، للتخلص من بصمته الوراثية. وحملت «داليا» وزارة التضامن الاجتماعي مسئولية توفير دور استضافة آدمية بعمالة مدربة لحالات الإعاقات وخاصة الإعاقة الذهنية، فضلاً عن إدخال طرق التعامل مع الإعاقات بشتي مواضيعها في مناهج أكاديمية الشرطة، لافتة إلى أهمية توفير الرعاية الصحية والنفسية للنساء ذات الإعاقة الذهنية مثل حالة هذه الفتاة، مؤكدة أهمية تعديل وتطوير القوانين الخاصة بهذه الأمور. وناشدت الحكومة بتوفير فرص عمل ومشاريع صغيرة لهؤلاء وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع، خاصة الجناة لمنعهم من تكرار الجرائم. أحمد العتر، مستشار حكومة الوفد لذوى الإعاقة والاحتياجات الخاصة يقول فى هذا الشأن إن «قضية التحرش بذوى الاحتياجات الخاصة وتعرضهم للاغتصاب وهتك العرض، خطيرة والتعامل معها شائك، لأن صاحب الحق او المجنى عليه، لا يدرك الجانى ولا يعلم خطورة ما يحدث ويتعرض له وبالتالى ففكرة الدفاع عن نفسهم أو الإفصاح عما حدث معهم أمر فى غاية الصعوبة. وتابع: «ما يتم الكشف عنه من قضايا تحرش واغتصاب، نسبة قليلة مما يحدث على أرض الواقع، خاصة أن ذوى الاحتياجات الخاصة تكون عندهم الرغبة والشهوة عالية والتحكم فيها بيكون صعباً، خاصة إذا لم يكن أولياء الأمور مدركين لذلك ويبذلوا جهداً كبيراً من أجل توعية أبنائهم وحمايتهم من المخاطر. وعن مدى ردع التشريعات الموجودة فى الدستور لجرائم التحرش والاغتصاب وهل هناك تشريعات تختص بذوى الإعاقة. أوضح العتر، أن التشريعات التى تطبق على الأسوياء هى ذاتها التى تطبق على ذوى الاحتياجات، مشيراً إلى وجود تشريعات كثيرة ورادعة، لكنها غير مفعلة، فضلاً عن وجود مشكلة أكبر وهى خوف أولياء الأمور من الفضائح، مما يجعلهم يفرطون فى حق أبنائهم، غير مدركين بخطورة ما يقترفوه بهذا التنازل. وعن تقييمه لحكم المؤبد الذى ناله أمين الشرطة فى قضية اغتصاب فتاة قسم إمبابة المعاقة ذهنياً، أكد أنه حكم رادع، خاصة أن تلك القضية متهم فيها أمين شرطة، وحاول مراراً طمس معالم الجريمة، ورغم ذلك فإن القضاء قال كلمته، معبراً عن تخوفه من أن يتم إلغاء الحكم أو تخفيفه، فى النقض. وأوضح «العتر» أن هناك عوامل أخري تزيد من مخاطر احتمالات التعرض للإساءة الجنسية منها انعدام القوة الاجتماعية للضحايا؛ الافتقاد أو القصور في مهارات التواصل؛ القصور في الحكم أو التقييم نتيجة الافتقاد إلي مهارات الفهم والاستدلال؛ العزلة والضغوط الأسرية؛ والظروف المعيشية السيئة التي تزيد من احتمالات التعرض للإساءة الجنسية مثل الفقر وظروف السكن السيئة. «الخطر الأكبر على ذوى الإعاقة من الأهل والأقارب المحيطين بها».. هذا ما كشف عنه الدكتور شريف الأشقر، إخصائى علاج طبيعى والباحث فى شئون ذوى الاحتياجات الخاصة، ولديه الكثير من الأبحاث فى تعرض المعاق لحوادث التحرش والاغتصاب، من مقدمي الرعاية لهم أو غيرهم من رموز أو مصادر السلطة. ويكمل الأشقر تصريحاته الصادمة قائلاً: «نحن فى مجتمع لا يريد أن يكشف عن عيوبه ليواجهها، ويؤثر أن يترك النار تحت الرماد، إلا أن تلتهم النيران الجميع.. ويصبح إطفاؤها من المستحيل، وليس معنى كلامى أننى أشكك فى كل من يقترب أو يتودد لشخص من ذوى الإعاقة، ولكنى أطالب بأن يكون هناك توعية وحذر لدى الأهل، وحرص من الذين يتوددون لهم، ويمنعونهم من الانفراد بهم لفترات طويلة أو قصيرة. واستطرد قائلاً «المعاقون.. هم أناس قلوبهم بيضاء ورقيقة جداً.. ولا يعرفون كيف يتحكمون فى مشاعرهم.. وأقل كلمة إطراء أو نظرة عين فيها حب يجعلهم يفرحون بها ويسلمون روحهم لمن أوهمهم بحبه لهم، كما أنهم يميلون إلي البحث عن التقبل من قبل مرتكب الإساءة لاعتمادهم في علاقاتهم بصفة عامة عليه، وهذا هو السبب الرئيسى وراء أغلب قضايا الاغتصاب، والتحرش. وبحكم إعطاء الأشقر، محاضرات توعوية فى كثير من الجمعيات للأهالى والمسئولين عن ذوى الإعاقة يوصى بأن يضع الجميع فى اعتباره أن لكل سن مشاكله وطرق معالجتها كما أن لكل حالة إعاقة طرق تعامل مختلفة عن الأخرى، وأخطر فترة عمرية هى فترة المراهقة بسبب التغييرات الجسمانية والنفسية التى تطرأ على الجسم ولا يدرك الشخص أو الفتاة المعاقة كيف يمكن التعامل معها، ومن هنا جاءت أهمية التربية الجنسية لتوعيتهم بكيفية التعامل مع طبيعة تلك التغييرات وكيفية التعامل معها وإقناعه بأن جسمه من حقه وحده ولا يحق لأحد رؤيته أو لمسه. ويرى الباحث فى شئون الإعاقة أن من المشاكل الكبرى التى تقابلهم كباحثين ومسئولين عن ذوى الإعاقة هو مشكلة «الزواج» لأن الرغبة تكون عالية وملحة، وهو أمر لا تعترف به الأسر التى تخشى من قدوم طفل آخر معاق، ويخشون عليهم من كيفيه إكمال مسيرة حياتهم لوحدهم، لكن كل ذلك معتقدات خاطئة فالدين لا يمنع ولا يحرم ذوى الإعاقة، لكن هذا الزواج لابد أن يحدث فى إطار اجتماعى أى العيش فى بيت العيلة وتحت إشراف طبى، أى بعض إجراء التحليلات التى تؤكد أهلية الطرفين للزواج، ففى حالة السماح لهم بالزواج، فهذا من شأنه الحد من حالات تعرضهم للتحرش والاغتصاب. وطالب الأشقر بتغليظ العقوبات وتفعيل نصوص القانون وعدم التهاون فى كل من يسول له نفسه التعدى على حياة أشخاص يعتبرهم على حد وصفه «ملائكة»، مشدداً على عدم السماح للأطفال للعب مع الكبار والمراهقين حتى لا يحدث المحذور عن طريق الاستغلال والاعتداء والانحراف وهذه هي الطامة الكبرى. وشدد الخبير التربوى على أهمية الابتعاد عن زرع الخوف في نفوس الأطفال بحيث لا يستطيع الطفل أن يكون صريحاً مع والديه نتيجة لذلك الخوف، خاصة أن ذوي الإعاقة العقلية لا يدرك أن ما يتعرض له من إساءة جنسية هو بالفعل عمل مسيء أو شاذ أو غير شرعي أو غير قانوني، وبالتالي ربما لا يخبرون أحداً علي الإطلاق، بما يتعرضون له في مواقف الإساءة الجنسية، مضيفا «غالباً ما يعتقد ضحايا الإساءة الجنسية أنه ليس من حقهم رفض ممارسات الإساءة الجنسية التي يتعرضون لها كما أنهم يفتقدون إلي مهارات خفض أو اختزال الخطر لكون برامج التعليم لا تتضمن أي أنشطة أو موضوعات أو إجراءات لتعليم هذه المهارات.