للمرة الثانية، وخلال أقل من أسبوعين. أجدنى مضطر للكتابة فى موضوع واحد!، ففى المرة الأولى كان مقالى عن الأحوال المفزعة التى يعانى تحت وطأتها من تشاء أقدارهم أن يكونوا نزلاء فى أقسام الشرطة بغرف الاحتجاز داخلها!، وكانت كتابتى بعد أن روعنى استعراض ما رصدته النيابات العامة خلال تفتيشها المفاجئ على أقسام الحجز الشرطى فى مراكز الشرطة بعدة جهات على مستوى محافظتى القاهرة والجيزة، وعندما قرأت بعض التفاصيل أدركت أننا أصبحنا فى مصر نعانى «أزمة إسكان» لنزلاء الحجز فى أقسام الشرطة!، علاوة على أزمة مزمنة فى إسكان المواطنين!، فغرفة الحجز الواحدة كما رصدت النيابة لا تصلح لإقامة غير مائة شخص أو سبعين شخصا بالكاد، ولكن غرفة الحجز اتسعت بقدرة قادر ليقيم فيها أكثر من 300 شخص، ويقف المتهم منهم على ساق واحدة، حيث لا مكان لساقه الثانية!، أما النوم فهو «حسب التساهيل»، والغرفة بأحوالها فى مجملها لا تصلح لحياة آدميين!، بل هى تمرح فيها الحشرات الزاحفة وغير الزاحفة وتستقر فيها بشكل دائم رائحة القمامة حيث الغرفة لا تعرف النظافة!، بل يقضى النزلاء حاجاتهم الضرورية داخل الغرفة، حيث لا دورات مياه، وإن وجدت فمواسير المجارى طافحة فيها على الدوام!. وتخلو الغرف فى مختلف الأقسام من التهوية أو شفاطات تجدد الهواء! وإليكم مقالى الثانى حول نفس الموضوع!، والمناسبة أن جريدة الوفد نشرت أمس أن متهمًا لقى حتفه داخل قسم مصر القديمة، جراء إصابته بهبوط فى الدورة الدموية! أما السبب فكان الزحام وسوء التهوية!، وقبل وفاة هذا المتهم كان متهم آخر قد سبقه إلى الموت قبل يومين!، وكانت وفاة هذا أيضًا جراء سوء التهوية والزحام!، وعندما انتقلت النيابة للمعاينة وجدت أن عدد النزلاء بحجز القسم قد بلغ 380 شخصًا فى حين أنه لا يتسع لأكثر من مائة متهم كحد أقصى!، والشفاطات معطلة داخل الحجز!، الذى يخلو كذلك من المراوح أو فتحات التهوية!، ويحتفظ القسم فى الحجز بعدد 36 متهمًا صدرت ضدهم أحكام قضائية جنائية، دون أن يقوم القسم بترحيلهم إلى مصلحة السجون لقضاء فترة العقوبة!، وقد أكد نزلاء الحجز فى القسم عدم التعدى عليهم من جانب ضباط القسم!، وقد أفاد مأمور قسم مصر القديمة أنه قد تقدم بمذكرة أكثر من مرة لمديرية أمن القاهرة ووزارة الداخلية، وقد أكد فى مذكراته عدم توافر أماكن للمتهمين وشكا من التكدس وعطل شفاطات التهوية. ولكن المأمور ذكر أنه لم يتلق أى ردود من الوزارة!، وقد أمر المحامى العام الأول لنيابات القاهرة بتشكيل لجنة من إدارة الطب الوقائى بوزارة الصحة لمعاينة حجز القسم، ومدى توافر الرعاية الصحية به من عدمه! ولست أجد عندى ما أضيفه غير أن العلاج الجذرى الحاسم قد أصبح يلح على الضمائر لتدارك ما كشفت عنه معاينة النيابة العامة ووقائع الوفاة التى تلحق ببعض المتهمين، والظروف التى لا تليق بالآدميين داخل غرف الحجز!، وهى أمور تشمل حجز أقسام الشرطة بعامة!