لست أندهش لموت اثنين فقط من المتهمين خلال يومين متتاليين كانا من نزلاء حجز قسم شرطة دار السلام!، إذ كيف توفرت الطاقة لبقية «ضيوف» هذا الحجز الملعون الذي لا يتسع لغير خمسة عشر شخصاً في الغرفة الواحدة، فشاءت إرادة قسم الشرطة أن يرتفع عدد ضيوف هذا الحجز إلي ما يتجاوز ضعفي العدد!، لذلك لم تكن مفاجأة لي في كل الأحوال أن يموت كل «ضيوف» الحجز!، حيث الظروف التي أدت إلي وفاة اثنين هي نفس الظروف التي كانت كفيلة بقتل الجميع!، بعد أن كشفت معاينة النيابة لغرفة الحجز أنها خالية من أي فتحات تهوية، أو مراوح أو شفاطات!، وفي الضيوف لا شك من يقضي ليلته ساهراً مؤرقاً حتي يطمئن علي تنفسه بانتظام!، فإذا طلع الصبح عليه حمد الله علي أنه مازال حياً لم يلق مصير الرجلين اللذين لقيا مصرعهما اختناقاً في يومين متتاليين!، خلال حبسهما مع الآخرين قبل الذهاب إلي النيابة للتحقيق معهما في قضايا ليس فيها قتل لأحد!، أو تسبب في موت أحد!، فأحدهما محبوس علي ذمة قضية تبديد إيصال أمانة، والثاني محبوس علي ذمة قضية شيك بدون رصيد!. وقد تبين للنيابة وهي تواصل معاينتها للحجز أنه عبارة عن 8 غرف، وكل غرفة تتسع لستة عشر شخصاًَ، لكنها اتسعت لتستوعب 35 متهماً، وهي مشتركة كلها في خلوها من فتحات التهوية والمراوح والشفاطات!، وزادت التفاصيل الباقية من عرض حجم السوء الذي يتعرض له نزلاء هذا الحجز!، إذ كشفت معاينة الطب الوقائي عن تحول غرف الحجز إلي بؤر للميكروبات التي لها تأثير سيئ علي أصحاب الأمراض المزمنة، وأنها تعجل بوفاتهم!، ورجحت المعاينة احتمال وجود أمراض معدية بين المتهمين، قد تؤدي إلي وقوع كارثة خاصة عند حلول أشهر الصيف!، فهذا الحجز كما تقول المعاينة غير صالح للاستخدام الآدمي، وأنه قد تحول إلي مقبرة جماعية لمئات المتهمين المحبوسين علي ذمة التحقيقات!. وهذا الاستعراض المخيف لأحوال حجز قسم دار السلام وقد أجرته جهات مسئولة جعلني أعود بذاكرتي إلي ظروف التهوية داخل سيارات الترحيلات التي تتبع الشرطة!، فقد كان لواحدة منها حادث أودي بحياة المتهمين الذين كانوا في جوف السيارة حيث ماتوا جميعاً مختنقين!، وكانوا قد طلبوا من الضابط المسئول عن السيارة أن يسمح ببعض التهوية من خلال باب السيارة!، لكنه أبي وتركهم في ظروف الحبس داخل السيارة، وقد توقفت بهم عن مواصلة رحلتها لأكثر من ساعتين!، وكان أول من يعرف أن السيارة سوف تكون أداة قتلهم خنقاً هو المسئول عنهم وعنها! وفي حجز قسم دار السلام يعرفون دون أدني شك أن مثل هذه الإقامة اللا إنسانية المفروضة علي كل من يسوقه حظه التعس إلي «الحجز» انتظاراً لعرضه علي النيابة أو غيرها لن تكتب له النجاة من موت محقق بعد أن أصبح محشوراً في زمرة المحجوزين الذين لم تتحقق إدانتهم بعد!، بل هم علي ذمة قسم الشرطة الذي هو عبارة عن قناة موصلة لمن لديه من المتهمين إلي جهات التحقيق المعروفة!، وقسم الشرطة لا يمكن أن يكون جهة تؤدي بمن يضطر للإقامة بها إلي الإضرار به حتي الموت!، وهذا ما حدث في قسم شرطة دار السلام!، حتي إذا جاء الصراخ من خلال جمعيات حقوق الإنسان سارع البعض إلي النفي!، دونما مناقشة الملابسات التي أدت إلي وقوع الجريمة!