أطفال اليوم رجال الغد وصناع المستقبل، صحتهم وعقولهم تحدد ملامح هذا المستقبل، وبديهى أن العقل السليم فى الجسم السليم، وصحة الأطفال ورعايتها تعد إحدى أساسيات سلامة العقل، لكن الأمر المخجل أن مؤسسات التعليم فى مصر تشوه هذا المستقبل، حتى إن مصر جاءت مؤخراً فى المركز رقم 99 بين 134 دولة شملهم التصنيف العالمى للابتكار، رغم تأكيدات الأبحاث الدولية أن الطفل المصرى من أذكى أطفال العالم حتى سن ما قبل المدرسة ومع أن الحكومة المصرية ترفع شعار الوقاية خير من العلاج وتسعى لتحقيقه التطعيمات عبر حملات تصل للبيوت من أجل صحة الأطفال، إلا أن الحكومة من جانب آخر مهم تهمل صحة أولادنا فى المدارس، بترك أكوام القمامة والأوبئة تحاصر التلاميذ فى مدارسهم بجانب الباعة الجائلين المنتشرين على أبواب المدارس، ناهيك عن دورات المياه غير الآدمية، ويأتى فوق هذا كله ترك الحبل على الغارب، لكانتين المدارس لتباع فيه كل الأغذية الضارة بصحة الأطفال خاصة فى سنوات العمر المبكرة، والتى تؤدى بمرور الوقت إلى الإصابة بالأمراض المختلفة بل تؤدى إلى إصابته بالتخلف العقلى، ومعلوم أن الأطفال يقضون أكثر من ثلث يومهم فى المدرسة، ويحصلون على ثلث احتياجاتهم الغذائية اليومية فى هذا الوقت، ومن هنا تأتى خطورة السلع التى تباع فى الكانتين المدرسى، من أغذية محفوظة وحلوى ومشروبات غازية ووجبات والتيك اواى وجميعها مليئة بالسموم المميتة والمشوهة لبنيان الأجيال القادمة. مشروع تجارى لقد تحول الكانتين فى مدارسنا إلى مشروع تجارى بامتياز، هدفه الربح ولو على حساب وصحة تلاميذ المدارس، ويشجع على هذا غياب رقابة وزارتى التربية والتعليم والصحة من جانب، وجشع أصحاب وملاك ومسئولىالمدارس، من جهة أخرى، فالمهم هو العمولة وقيمة الإيجار والمكسب فى هذا الكانتين ويتساوى فى ذلك المدارس الحكومية والخاصة وحتى الدولية أو حضانات ما قبل سن المدرسة. الأبحاث والدراسات العلمية أثبتت أن توفر الغذاء الصحى المتوازن يساعد على اكتمال الصحة البدنية والعقلية ويرفع من مستوى التحصيل الدراسى للأطفال فى سن المدرسة، وفى سن النمو يكتسب الطفل العادات والسلوكيات الغذائية، ولأن الأطفال فى سن المدرسة، ولا يكاد يخلو منهم أى منزل أو أسرة نجد للأسف أن الغالبية منهم يعانون أمراض سوء التغذية ومن هنا تأتى أهمية وجبة الإفطار التى يحرص الأطفال على الحصول عليها من كانتين المدرسة ويضطر الآباء لقبول ذلك أملاً فى أن يتناول الطفل أى وجبة فى الصباح خاصة مع رفضهم الإفطار بالمنزل، ولا ينتبه الآباء لما تحويه أطعم الكانتين من سموم فى مكسبات الطعم واللون والرائحة والنشويات، والدهون بنسب مرتفعة، كذلك احتواء المشروبات على المواد الحافظة والصبغات الملونة والسكريات، خاصة المياه الغازية والتى تسبب الحساسية للأطفال والأنيميا ونقص المناعة والسمنة، وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكر وهشاشة العظام على المدى البعيد، خاصة مع اتجاه الأطفال للمياه الغازية كبديل عن الألبان، والأخطر هو ما تسببه هذه الأغذية المشبعة بالمواد الإضافية من إصابات بالسرطان والفشل الكلوى والكبد، وكذلك أمراض سوء التغذية وفقر الدم، وقد أصبحت السمنة والنحافة سمتين لطلبة المدارس كنتيجة طبيعية لعادات الغذائية السيئة واعتمادهم على ما يباع فى الكانتين والعزوف عن تناول وجبة الإفطار فى المنزل قبل الذهاب للمدرسة. وبسبب المخاطر التى تكونها أطعمة الكانتين المدرسى.. كانت دعوة الدكتور مجدى بدران، استشارى الأطفال، عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة، وزميل معهد الطفولة بجامعة عين شمس، حيث دعا إلى تعزيز دور الصحة المدرسية للحفاظ على التلاميذ والطلاب وأن يكون لها مفهوم جديد يتخطى دورها فى عملية التطعيمات ضد الأمراض وتعزيز صحة المجتمع من خلال المدارس واكتساب المهارات اللازمة لتطوير السلوك الصحى لدى المصريين. مراحل النمو ويرى الدكتور مجدى بدران، استشارى الأطفال، أن الغذاء يلعب دوراً مهماً فى السلوك الصحى للطلبة بالمدرسة، وأنه للأسف تحول إلى أداة تهدف المدرسة من ورائه إلى الربح السريع ولو على حساب الصحة العامة، وفى معظم الدول المتقدمة تصدر قرارات بمنع بيع الأطعمة الضارة فى الكانتين وتحض على الإكثار من الأطعمة المفيدة صحياً، بل يوضع بالمدارس ثلاجات لحفظ الأطعمة وخلاطات لعصر الفواكه الطازجة وأكواب بلاستيك تستخدم لمرة واحدة، وتقديم وجبات من الفواكه والبيض لحماية التلاميذ من أمراض القلب. كذلك استبدال الوجبات السريعة بالكشرى وساندوتش الفول مع السلطة أو بساندويتش الطعمية أو بحمص الشام أو البليلة أو البطاطس وغيرها من الأطعمة الطازجة المفيدة. وينهى الدكتور بدران كلامه بالتأكيد على أن الكانتين المدرسى يستطيع أن يساعد الطلبة على التحصيل الدراسى والنمو الجسدى والعقلى والوقاية من الأنيميا التى تسبب التأخر الدراسى والأمراض بتقديم أغذية صحية وجذابة أيضاً للطلبة والمدرسين والعاملين بالمدرسة! التغذية المدرسية الدكتور أحمد خورشيد، مدير معهد تكنولوجيا الأغذية، يرى ضرورة عودة دور المدرسة فى توجيه التلاميذ نحو التغذية السليمة عن طريق المناهج المدرسية أوالنشاطات التطبيقية المختلفة، وذلك لأن التلاميذ فى سن المدرسة وهو من 6 إلى 18 سنة يمرون بأهم مراحل نموهم مما يتطلب توفير للغذاء المتوازن الكامل المحتوى على جميع العناصر الغذائية اللازمة للنمو وتوليد الطاقة بالإضافة إلى تفادى المشكلات الغذائية وأخطرها فقر الدم وأمراض سوء التغذية والسمنة والنحافة خاصة مع معاناة معظم الأسر فى مواجهة المشكلات السلوكية الغذائية فى سن المدرسة مثل إحجام معظم الأطفال عن تناول وجبة الإفطار والإكثار من الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والحلويات والمقرمشات المحتوية على نسب عالية من الدهون والمواد الحافظة وجميعها تتوافر فى الكانتين المدرسى ويفاقم من خطورتها ضعف التوعية والتربية الغذائية المدرسية السليمة وضعف التواصل بين الأسر والمدرسة. المسئولية مشتركة الدكتور يوسف جابر الملاح، استشارى الأطفال الرضع والمبتسرين، يرى أن مسئولية حماية الأطفال صحياً مشتركة ما بين الأسرة والمدرسة، فالأسرة التى لديها طفل فى سن المدرسة يجب عليها مراعاة أن يكون طعام الطفل متنوعاً فى مكوناته ومتزناً من حيث عناصره الغذائية الضرورية للجسم وخاصة الأغذية البروتينية كاللحوم بأنواعها والألبان والأسماك والبيض والبقوليات وكذلك الأغذية الغنية بفيتامين ج كالليمون والخضراوات الورقية والفواكه الطازجة وبالنسبة للمدرسة فعليها تنويع الأطعمة المقدمة فى المدارس من خلال الكانتين المدرسى المطابق للاشتراطات الصحية كذلك إدخال التثقيف الغذائى والصحى فى المناهج الدراسية والتركيز على الارتقاء بالعادات الصحية الغذائية. ويشير الدكتور جابر الملاح، إلى أن أنيميا نقص الحديد والنحافة وتسوس الأسنان من أهم وأكثر الأمراض انتشاراً فى سن المدرسة بشكل عام ونجد على سبيل المثال أن نقص الحديد يؤدى إلى بطء النمو العقلى والذهنى وتأخير الاستيعاب مما يعرض الطفل إلى العدوى والوفاة أحياناً خلال طفولته، كذلك وعلى وجه الخصوص يصاب التلاميذ فى سن المدرسة بأمراض مرتبطة ارتباطاً وطيداً بالإكثار من وجبات التيك آواى والأغذية المحفوظة المحتوية على الإضافات الغذائية من مكسبات طعم ولون ورائحة وهو ما يؤدى فى النهاية إلى أمراض السرطانات والفشل الكلوى والتشوهات والعيوب الخلقية فى الأطفال وهى أمراض لم نكن نسمع عنها من قبل.