كان يوجد قول مأثور لبرلمانى عتيد هو: «اللى فات مات».. يلجأ إليه عندما يتم ضبط الحكومة متلبسة بإهدار المال العام ويحاول تهريبها من أحد الأبواب الخلفية لمجلس الشعب فى حراسة كلاب حرس المجلس، فيقول هذا البرلمانى فى اجتماع يدعو إليه نخبة من النواب صحيح انهم حصلوا على كارنيه العضوية لكنهم اغتصبوا اللقب رغمًا عن الناخبين بواسطة الطريقة إياها التى كان يأتى بها معظم النواب فى هذه الحقبة، يقول البرلمانى: اللى فات مات يا جماعة واحنا ولاد النهاردة، ونبدأ صفحة جديدة، هذه العبارة البسيطة فى الكلمات العميقة فى الدلالة، الغائرة فى ثروات البلد كنصل سكين أعمل فى قلب فاجر هى وراء بيع القطاع العام فى سوق النخاسة، واستيلاء رجال أعمال حرامية على أراضى الدولة، وتحويل الزراعية إلى منتجعات وفيلات وقصور، وتحويل الأراضى الصناعية إلى مشروعات خاصة يعمل فيها العاطلون كخدم يتم الاستغناء عنهم فى أى وقت عن طريق الاستمارة ستة، كما عن طريقها تم نهب البنوك وتهريب أموال المودعين إلى الخارج، وعن طريقها أيضًا ظهر سماسرة البشر وتجار الأعراض، والبغاء. تذكرت جهاد صاحبنا المستميت لمنح الحكومة صك البراءة عند مناقشة الحساب الختامى لموازنة الدولة وتقارير جهاز المحاسبات واستجوابات تقدم بها عدد محدود من نواب فلتوا من غربال عزل المتحجرين الذين لا يعرفون لغة الطبطبة التى تنتهى بتوجيه الشكر من النواب إياهم لكل من ساهم فى وجودهم تحت القبة، من الذين زوروا لهم الانتخابات بالطرق اياها التى كانت شعار هذا العصر. لماذا أنا اثير هذه الذكريات الأليمة التى وصمت حقبة التسعينيات حتى قيام ثورة 25 يناير، وهى الفترة التى عاصرت فيها جلسات البرلمان، كنت قد التقيت زميل دراسة منذ يومين استضافنى على فنجان شاى فى مقهى شعبى بوسط البلد، وقبل أن يحضر الجرسون ليسألنا: عن المشروب؟ سألنى صديقى سؤالاً جعلنى أطلب «قهوة مضبوط» حتى استجمع كل معلوماتى للإجابة عنه، وأثار الصديق دهشتى كأننى أنا المسئول عن المال العام، وكأنه صاحبه، واستغربت بشدة لماذا استدرجنى إلى المقهى ليسألنى هذا السؤال قبل أن نبدأ فى السؤال عن الصحة والأحوال حتى يجرنا الكلام إلى وصلة السياسة، فيكون السؤال مقبول الطرح، ولكنه هكذا قال: أين ال28 مليار دولار التى جاءت من دول الخليج، فيم انفقت ومن المسئول عنها؟! قلت له لا أعرف، قال: لا تعرف من الذى انفقها وفيما انفقت أم لا تعرف أن هذه الدول قدمت للنظام الحالى 28 مليار دولار؟! قلت: لا أعرف المبلغ ولا من الذى أرسله ولا من الذى حصل عليه، ثم مبلغ بهذا الحجم من الذى أخبرك به، قال: كلام كثير على «الفيسبوك»، ولم يجد عندى إجابة فاستمر فى الأسئلة: أين أموال المؤتمر الاقتصادى، أين المبالغ التى أعلنت عنها السعودية والكويت والامارات وعمان لدعم الاقتصاد المصرى، لماذا تتم مهاجمة رئيس جهاز المحاسبات كلما أصدر تقريرًا عن الفساد، كم حجم الفساد الآن، ومن المسئول عنه، ونحاسب من فى عدم وجود برلمان، قلت لصاحبى استنى عندك، طالما ذكرت البرلمان أنا أجيبك لكن لن أعدك بأن عندى إجابة لأسئلتك السابقة، لكن اختصرهالك، بأن أقول لك لقد انتهى زمن الفساد الذى كنت تسمع عنه فى السابق، أصابعك مش زى بعضها، ولا الحكومات زى بعضها، ولا الأنظمة زى بعضها، قال لى وهو يرشف الشاى: عايز تقول لى ان النظام الحالى جفف منابع الفساد؛ قلت له لا الفساد مازال موجودًا لكن هناك نية لتجفيفه، وطالما وجدت النية الصادقة للتصدى للفاسدين فسوف يجف الفساد مع الوقت، الفساد تغلغل ولن يتم القضاء عليه فى يوم وليلة، وطالما عندنا رئيس يتقى الله فى شعبه لا تقول اللى فات مات فلن يفلت الفاسدون ومصيرهم يتساقطون كما يتساقط ورق الشجر الناشف. قلت لصاحبى معك حق لابد أن يكون عندنا برلمان، والبرلمان لن يحاسب الفاسدين إلا إذا تم اختيار نوابه من الشرفاء لأن الفاسدين لو تسللوا إلى البرلمان فقل على النزاهة السلام، إذا دخل الفساد من الباب خرجت النزاهة من الشباك، مطلوب يا صاحبى برلمان يراقب كل مليم لأن ميزانية الدولة لا تخضع للرقابة منذ قيام ثورة 25 يناير، فنحن لا نعرف شيئًا عن الحسابات الختامية. للمليارات التى تنفق كل عام، ولا نعرف شيئًا عن تقارير جهاز المحاسبات التى تعج بألوان الفساد، وواضح أنه فساد من الحجم الكبير لأن رئيس جهاز المحاسبات يتعرض لهجوم كبير على قدر الفساد الذى كشفه، ولم يجد من يناقشه، لو البرلمان موجود، وكان فيه نواب شاربين من لبن أمهم، كانوا جرجروا الفاسدين الذين ضبطهم جهاز المحاسبات، وكان حاسب على الأموال التى أتت مصر، وكان ناقش القوانين التى تصدر بالجملة، وكان ناقش نتائج الحرب التى يخوضها جيشنا فى اليمن، وكان ناقش نتائج مواجهة الإرهابيين فى سيناء. يا صاحبى لو فيه برلمان بجد مكنتش شفت وشك على المقهى لتحاسبنى وكأننى مسئول عن الفساد، الفساد موجود لكن اطمئن انه مرصود وستدعونى إلى فنجان شاى فى وقت آخر لتشكر من تصدوا له، ولن أقول لك نواب البرلمان فقط الذين واجهوا الفساد ولكن سأقول لك أيضًا ان الحكومة لن تسح للفاسدين بأن يستمروا فى فسادهم. فلكل فاسد نهاية ستأتى إن آجلاً أو عاجلًا.